تمهيد: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كيف الحال؟ إن شاء الله أموركم كلها بخير وعافية
عاد العجوز مرة أخرى بموضوع جديد ولكن هذه المرة في قسم القصص والروايات
من زمان ونفسي أكتب هذه القصة وفكرتها كانت في ذهني منذ فترة وكل مرة أؤجلها حتى أخذت العزم وقررت أبدأ فيها
بدون إطالة أترككم مع القصة والإبحار في خيالكم
-
S a n d r a - 1\2\2025
-
المقدمة:
في عمق الأزمان، ترسخت إمبراطورية عظيمة، تتألف من سبع ممالك متنوعة ومترابطة، كانت تشكل أركاناً لعظمتها. بينما كانت مملكة القارنت تمثّل رمزاً للحكم العادل والتوازن، وكانت مملكة المحاربين تبتكر الفنون القتالية الفتاكة، خلف أبواب مملكة الظلام كانت تتعاظم قوى الغموض والترسانة السوداء، بينما كانت مملكة الجليد تعمل على تشكيل عرش البرودة والقوة، وفي أعماق مملكة النار اشتعلت ألسنة اللهب المدمرة، تحدق بكل من يجرؤ على التحدي، أما في غابات مملكة الوحوش فتجتمع الشراسة والجبروت، بينما يحكم السلام والروحانية المعبد بين أعمدته الضاربة بجذور الإيمان والتقوى.
لكن مع اندلاع تمرد مملكتي الظلام والوحوش، تصدعت أسس الوحدة والتآلف، واندلعت نيران الحرب العظيمة التي أدت إلى تفتت الإمبراطورية السابقة، حيث تحولت الممالك السبع إلى أعداء متحاربين، تتصارع أقوالهم وتتصارع جيوشهم، في صراعٍ ملحمي يصنع الأساطير ويسجل بدماء الأبطال، وفي تلك الفوضى الممزوجة بالحزن والشجن، تنطلق قصة ملحمية تحكي عن تلك الإمبراطورية العظيمة التي ضاعت في غمار الحرب والخيانة، وعن محاولات البقاء والتمرد والبحث عن السلام والاستقرار في عالم مزقته الصراعات والانقسامات.
استطاعت مملكة القارنت مع حلفائها هزيمة مملكة الظلام والوحوش واخماد نيران التمرد وفي أعقاب هذا الانتصار باتت الأرض مزهرة بأمال السلام والاستقرار. ومع ذلك، فإن هذا النصر جاء بثمن باهظ، إذ فقدت مملكة القارنت حاكمها العادل وتفككت الإمبراطورية.
ومع تفكك الإمبراطورية، لم تهدأ الأمور تماماً، إذ بقيت مملكة الظلام تتربص في الظلال، مستعدة للانتقام وتحقيق مخططاتها المظلمة. فبينما كانت البلاد تستعيد هدوءها، قامت مملكة الظلام بخطف الأطفال الأبرياء من القرى النائية، وأعيدت تربيتهم في أحضان الظلام والجريمة، حتى يتحولوا إلى جنود مأجورين مستعدين لتنفيذ أوامرها الشريرة في المستقبل.
وهكذا، بينما تعاني مملكة القارنت من تفككها وفقدانها لرمز الحكم العادل، تستعد مملكة الظلام للعودة بقوة أكبر، محاولةً تحقيق هدفها النهائي وإلحاق المزيد من الدمار والفوضى في الأرض.
باب: بداية الأصل الفصل الأول:
في عمق الغابة، وسط أشجارها الكثيفة والمظلمة، يركض شخص بينما تتدلى قطرات العرق من جبينه، وينبعث الخوف والدهشة من ملامح وجهه المرتعشة. يلقي نظرة خلفه بين الحين والآخر، بحثًا عن مطارديه، وفجأة، يحلق رأسه في الهواء، ليسقط متدحرجًا على الأرض، وقبل أن يستمر في الدحرجة، يتوقف بفضل قدم القاتل
وقف القاتل، ذو القامة الطويلة والعضلات البارزة، مرتديًا سروالًا وحذاءًا أسودين، وقميصًا ضيقًا بلا أكمام، ويخفي وجهه خلف قناع يكشف فقط عن عينين تبرزان هدوءًا وبرودة. بعد أن أوقف حركة الرأس، تحدث بصوت هادئ "تمت المهمة بنجاح"، ثم أمسك بالرأس ووضعه في كيس، قبل أن يختفي في غموض الغابة مرة أخرى.
في غمرة الظلام الكامن في أروقة المقر، يعود القاتل بارد القلب إلى المكان الذي يجلس فيه القادة الخفيون، متلقيًا أوامره بلا تردد. وفي هذا المكان المظلم والغامض، الذي لا يُعرف مدخله من مخرجه، يسير القاتل بخطى ثابتة وهادئة، وفجأة يصادف رجلا قصيرا وقبيحا كبير العينين وعلى وجهه الكثير من البقع تظهر عليه ملامح الخبث، يضحك ضحكة ماكرة ويقول: " محترف كما عودتنا أيها الغراب، أنت هو الموت بذاته " ثم اضاف قائلا: " إن الزعيم يريد أن يكلفك بمهمة خاصة من التصنيف S " يتفاجئ الغراب من كلامه ويظهر ذلك بوضوح في عينيه، حيث أن مهمات التصنيف S تعطى فقط للرتب العالية لشدة خطورتها، لم يقل الغراب أي كلمة وواصل طريقه نحو مكتب الزعيم.
وفي طريقه، يصادف الغراب امرأة غامضة ذات شعر فضي وعينين كبيرتين وبشرة بيضاء، ترتدي ثيابًا سوداء تبرز جمالها الفاتن، لكن في عينيها ينعكس الحزن العميق. يلفت انتباه القاتل ولكنه يبقى هادئًا ويواصل مسيره دون أن يظهر أي ردة فعل.
عندما وصل الغراب إلى مكتب الزعيم، استأذن للدخول وانحنى بتواضع، بانتظار الإذن للوقوف. لم يطول انتظاره حتى تحدث الزعيم بصوته الساطع في الظلام، مُرحبًا بالغراب ومُشيدًا بمهاراته الفذة وقدرته على الأداء المتميز في المهام الصعبة. بعد انتهاء الثناء، قرر الزعيم تكليف الغراب بمهمة من تصنيف S، مؤكدًا على ثقته الكبيرة في قدرته على التعامل معها بإتقان. ولضمان عدم حدوث أي خطأ، قرر إرسال شريك معه للمساعدة، وهي تلك الفتاة التي صادفها في طريقه وتدعى التمساح، والتي قد لا تكون بمستوى احترافية الغراب، ولكنها قادرة على تقديم الدعم اللازم. بعد أن أنهى الزعيم كلامه، انصرف الغراب باتجاه مكتب المهام، مُستعدًا لتلقي باقي تفاصيل المهمة والتعاون مع شريكته لإتمامها بنجاح.
في مكتب المهمات السرية، وجد الغراب والتمساح نفسيهما واقفين أمام مكتب السيدة السوداء، رئيسة الوكالة. كانت المهمة واضحة: قتل رجل ذو نفوذ عالي من مملكة المحاربين يدعى بولس، الذي يتمتع بحماية شخصية قوية جداً تجعله صعب المنال وسبب في اخفاق جميع محاولات اغتياله، حيث أن حارسه الشخصي يملك قدرة التحكم في عناصر الأرض والصخور.
يصل الغراب والتمساح لمنزل بولس ولكن الحراسة شديدة وعلى رأسهم الحارس الشخصي الملقب ب 《وول》، ومن أجل اتمام المهمة بسلاسة ونجاح كلف الغراب التمساح بإلهاء الحراس حتى يستطيع التسلل لداخل المنزل والقضاء على بولس.
قامت التمساح بإثارة الفوضى في ساحة المنزل وجذبت انتباه الحراس إليها ولكنهم لم يكونوا قادرين على إيقافها مما دفع وول للتدخل شخصياً. وفي ذات الوقت، اقتحم الغراب المنزل بهدف القضاء على بولس، لكن تعقيدات البناء والغرف والأبواب جعلت الأمر أصعب. وبينما كان الغراب يقترب من هدفه، ظهر جدار صخري فجأة، منع الغراب من الوصول لبولس، ووجد نفسه مواجهًا وول الذي كان يمسك التمساح بقوة من شعرها وجسدها متدلياً على الأرض، والدماء تغمرها. يبدو أن التمساح فشلت في إلهاء وول، وعلى الغراب الآن أن يهزمه إذا أراد القضاء على بولس.
تكمن قدرة الغراب في التحكم في الهواء المحيط به وتحويله إلى أسلحة بنفس فاعلية الأسلحة الملموسة، يرمي وول التمساح المغمى عليها إلى الغراب الذي يمسكها قبل وقوعها على الأرض ويضعها جانبا، ويتبادل الأنظار مع وول في جو مشحون بالقوة والتوتر، ويتحرك الغراب معلنا بداية القتال بتشكيل سيفين من الهواء في يديه ويهاجم وول الذي لم يجد صعوبة في صد هذا الهجوم بتشكيل جدار صخري يحميه، يتراجع الغراب بضع خطوات ثم يواصل الهجوم وفي كل مرة يجد جدارا صخريا في وجهه ويحاول الغراب زيادة سرعته ليستطيع الوصول لوول قبل تشكيل الجدار لكن سرعة تشكل الجدران كانت أكبر ليدرك حينها أن الهجوم العادي لن ينفع فقام بتشكيل قوس من الهواء وأطلق عدة سهام في نفس الوقت وما كان لوول إلا أن شكل جدران صخرية لصد تلك السهام وفي ذات الوقت انطلق الغراب بنفسه نحو وول بعد انشغاله بصد السهام ليجد الغراب فوقه بسيفه الهوائي وفي اللحظة التي كاد الغراب أن يقضي على وول يظهر جدار صخري على يمين الغراب يصيبه في رأسه أوقعه أرضا ولم يكتف وول بذلك بل قام بتشكيل قبضة صخرية وأطبق على الغراب بإحكام محاولا تحطيم عظامه والقضاء عليه بشكل نهائي، تعالت صرخات الغراب المليئة بالألم وبعد محاولات يائسة للإفلات من قبضة وول تنهار قوة الغراب ويسقط على الأرض بالكاد يستطيع التحرك في تلك الأثناء يقترب وول من الغراب وينحني نحوه ويمسك برأسه ويخاطبه باستهزاء هل ترغب بقول شيء ما؟ يقول الغراب بصوت متقطع: "الآن...أيتها...التمساح..." قبل أن يدرك وول الفخ الذي وقع فيه كان قد فات الأوان بحيث شكل الغراب من الهواء مشنقة كانت تلتف حول عنق وول ونهايتها كانت في قبضة التمساح وعند إشارة الغراب قامت بسحب حبل المشنقة بكل قوتها وهي تصرخ: " تذوق هذا أيها الحقير "، وبينما هو يتخبط لنزع المشنقة من عنقه أو قطعها إذ بالغراب يستغل الفرصة ويقطع رأسه بالسيف الهوائي ليسقط جثة على الأرض معلنا بذلك نهاية الجدار الصخري وول، وبهذا يجد بولس نفسه أمام قاتلين وموت حتمي وبذلك تنتهي المهمة بنجاح.
يعود الغراب رفقة التمساح والجراح تملئ جسديهما وهما يحملان رأسي بولس و وول ويقفا أمام السيدة السوداء لتسليم الهدف والحصول على المكافئة وبعد اتمام الإجراءات خرجا من مكتب المهام وعند باب المكتب نظر الغراب للتمساح لتلتقي نظراتهما ويرى في عينيها قصة ترغب في اخباره بها لكن هناك قيود تمنعها ومن دون أي كلام انصرف نحو مهجعه.
(نهاية الفصل الأول)
إن أعجبتكم القصة فادعموني لإكمالها وشكرا
ويرجى زيارة صفحاتي Twitter - ko-fi
يعطيك ألف عافية أبو ماريا !
بانتظار فصولك القادمة ~
تم الختم ~
S a n d r a - 3/2/2025
-
الفصل الثاني:
دخل الغراب إلى مهجعه، وأغلق الباب خلفه بهدوء، لكنه كان مشغولً التفكير، وكان ذهنه يسبح في تساؤلات لا تنتهي حول التمساح، تلك الفتاة التي كانت تحمل في عينيها بريقًا من الغموض، كان يعلم أن ورائها سرًا عميقًا
لم يلبث طويل في التفكير ثم استلقى على سريره ليستريح.
لم يعلم الغراب كم من الوقت مضى عليه وهو غارق في النوم، عندما أيقظه صوت طرق متتابع على الباب. نهض بهدوء، ودفع الباب ليجد أمامه مبعوث السيدة السوداء، يقف بملامح صارمة وكلمات مقتضبة: "السيدة السوداء تطلبك في مكتبها على الفور، هناك مهمة جديدة بانتظارك."
ارتدى عباءته السوداء وأحكم رباط الحزام الجلدي حول خصره. وأخفى تعابير وجهه خلف قناع من الهدوء، خرج من غرفته وسار عبر الممرات المظلمة للمقر، حيث أضواء المشاعل تلقي ظلالاً غريبة على الجدران الحجرية.
عند دخوله، كانت الغرفة مضاءة بضوء خافت يزيد من رهبة المكان، لكن ما أذهله لم يكن الجو، بل وجود التمساح جالسة هناك. لكن هذه المرة، لم تكن شريكته في المهمة. السيدة السوداء، بصوتها البارد كالصقيع، أعلنت أن لكل منهما مهمة منفصلة.
نظرت السيدة السوداء إلى الغراب مباشرة وقالت، "مهمتك تتطلب الشجاعة والسرعة. ستتسلل إلى إحدى المناطق الحدودية التابعة لمملكة الجليد. هناك، ستخطف طفلًا حديث الولادة، لتتم تربيته وتجنيده في مملكتنا. أتباع مملكة الظلام الذين يملكون قدرات الجليد نادرون جدًا، وهذا الطفل قد يكون مفتاحًا لقلب الموازين."
شعر الغراب بثقل المهمة، لكنه أخفى ذلك خلف قناع اللامبالاة. المهمة محفوفة بالمخاطر، دون أن ينبس بكلمة، أومأ برأسه، وألقى نظرة خاطفة على التمساح، التي اكتفت بنظرات الحزن كأنها تطلب منه أن ينقذها.
حين غادر المكتب، كان يعلم أن الرحلة المقبلة لن تكون سهلة، وأن الظلال التي تحيط بمهمته ليست إلا بداية لصراع أكبر مما يمكنه تخيله.
لم يكن الغراب يعلم الكثير عن قدرات مملكة الجليد، وهو ما أضفى على مهمته صعوبة خاصة. كان الجهل بقدرات العدو كالسير في الظلام، لكنه لم يكن جديدًا على المخاطر. تعود على مواجهة المجهول والاعتماد على حدسه الحاد ومهاراته التي صقلتها المهام السابقة.
بخطوات ثابتة، توجه نحو الموقع المحدد في أوامر السيدة السوداء. الوصول إلى المكان لم يكن صعبًا؛ عندما وصل، لاحظ أن الحراس قليلون وعديمي الخبرة، لا يقارنون بحراس مملكة الظلام المدربين.
تسلل بين الظلال بخفة، يدرس تحركات الحراس، لم يستغرق الأمر وقتًا طويلًا ليحدد نقاط ضعفهم، وبضربات دقيقة وسريعة، أسقطهم واحدًا تلو الآخر. لم يكن بحاجة لبذل جهد كبير؛ مهاراته تفوقت عليهم بسهولة. بعد أن أصبحت الطريق أمامه خالية، تقدم بهدوء نحو الهدف.
رغم سهولة المواجهة، لم يكن الغراب مطمئنًا. شيء في هذا الهدوء بدا له خاطئًا، كأنه فخ ينتظر أن يُغلق عليه. ومع ذلك، لم يكن أمامه خيار سوى المضي قدمًا. المهمة كانت واضحة، والعودة دون إنجازها لم تكن خيارًا.
توجه نحو مكان وجود الطفل المنشود وبمجرد ما دخل وجده نائما في سريره فتوجه نحوه بهدوء وقام بحمله، ولكنه أحس ببرودة شديدة لا يعقل لجسد الإنسان أن يكون بتلك البرودة، لم يكن لديه الوقت ليتسائل أو يفكر فتوجه مباشرة نحو المخرج وبمجرد أن خرج وجد نفسه في مكان مختلف عن الذي كان فيه ولم يجد جثث الحراس الذين قضى عليهم ثم نظر إلى الطفل فإذا به يجده تحول لأفعى من الجليد والتفت حول يديه وقيدته، لم يستوعب الغراب ما يحدث ولكن استغرابه لم يطل إذ برجل ذو معطف من الصوف وثياب ثخينة يخرج من العدم وهو يضحك ضحكات استهزاء
تجمد الغراب في مكانه للحظة، عيناه مثبتتان على الأفعى الجليدية التي كانت تلتف حول يديه، وقبضتها تزداد إحكامًا مع كل ثانية تمر. شعر ببرودة قاسية تخترق جلده وكأنها تسري مباشرة إلى عظامه. رفع رأسه ببطء نحو الرجل ذي المعطف الصوفي، الذي وقف على مسافة قصيرة منه، يراقب المشهد بابتسامة ساخرة.
قال الرجل بصوت عميق ومتهكم: "ألم يخبرك أسيادك أن لا شيء هنا كما يبدو؟ ظننت أن الغراب الشهير أذكى من أن يقع في مثل هذا الفخ."
ضيق الغراب عينيه وحاول استجماع قواه رغم الألم المتزايد من الأفعى الجليدية.
قال الغراب ببرود، رغم وضعه الصعب: "لو كنتُ أذكى مما أبدو، لما كنتَ تقف أمامي الآن."
اقترب الرجل ذو المعطف بخطوات بطيئة، والضحكة لا تزال ترتسم على وجهه. "ستلقى مصير كل من حاول خطف أحد أطفال مملكة الجليد."
حاول الغراب تحرير نفسه، لكن برودة الأفعى كانت تمنعه من الحركة. قال بصوت حاد: "إذا كنتَ تظن أنني سأنحني أو أستسلم، فأنت لا تعرفني جيدًا."
ابتسم الرجل ابتسامة أوسع، ثم قال وهو يشير بيده: "لا تقلق، ستفهم قريبًا. لكن أولاً، دعنا نختبر مدى تحملك."
في تلك اللحظة، بدأ كل شيء حول الغراب بالتغير. الأرض المتجمدة تحولت إلى بحر من الجليد، والأفق امتلأ بأضواء خافتة تحيط به.
ثم، من العدم، ظهرت عدة أشكال متجمدة تشبه الحراس الذين قتلهم من قبل، لكن هذه المرة كانوا أكثر ضخامة وعينهم تتوهج بوهج أزرق بارد. حملوا أسلحة مغطاة بالجليد وبدأوا بالتقدم نحوه ببطء، بينما كانت الأفعى تضيق قبضتها أكثر فأكثر.
تحدث الغراب بصوت منخفض، لكن مليء بالتحدي: "حسنًا... لنرى من ينجو في النهاية."
شد الغراب أنفاسه، وأغمض عينيه للحظة، محاولاً استجماع قواه وسط هذا الجحيم الجليدي. شعر بالبرودة تتخلل كل جزء من جسده، لكنها لم تكن كافية لإطفاء شرارة العزم التي اشتعلت داخله. فتح عينيه فجأة، واندفعت منه موجة من الحرارة الغامضة، كأنها نابعة من أعماق روحه، ما أدى إلى تصدع الأفعى الجليدية التي قيدته. مع آخر دفعة من قوته، كسر قيودها تمامًا، لتتناثر إلى شظايا جليدية تتلألأ في الهواء.
وقف الغراب، جسده مستعد، وعيناه تتوهجان بالعزيمة. حوله كانت المخلوقات الجليدية تتحرك بثقل، لكن كل خطوة منها كانت تحمل تهديدًا مميتًا. حول الغراب الهواء المحيط بيده إلى خناجر ساخنة بفضل طاقته المتدفقة، وأخذ يراقب المخلوقات بحذر.
قال بصوت ثابت، وعيناه مثبتتان على الرجل ذي المعطف:
"هل هذا كل ما لديك؟ ظننت أن التحدي سيكون أصعب."
ابتسم الرجل، ورد بهدوء:
"لم أنتهِ بعد، لكن دعنا نرى كيف ستتعامل مع هذا."
بإشارة من يده، هجمت المخلوقات دفعة واحدة، صوت صريرها يخترق الأجواء. كان الغراب مستعدًا. انحنى بسرعة لتجنب ضربة فأس ضخمة من أحد المخلوقات، ثم قفز بخفة مذهلة، غرس خنجره في رقبة الكائن الجليدي. مع حرارة خنجره، تحطم المخلوق إلى أجزاء صغيرة متناثرة.
اندفعت بقية المخلوقات نحوه، لكن الغراب كان يتحرك كظل سريع، يتنقل بين خصومه بخفة وسرعة. كانت كل حركة منه مدروسة: انزلاق تحت ذراع مخلوق، طعنة سريعة في نقطة ضعف، ثم قفزة للخلف لتجنب هجوم آخر. كان القتال أشبه برقصة، حيث امتزجت قوة الغراب بذكائه ومهارته العالية.
في إحدى اللحظات، أمسك الغراب بأحد شظايا الجليد التي تطايرت من الأفعى التي حطمها سابقًا. صقل طرفها بسرعة على حافة سيف أحد المخلوقات المكسورة، ثم قذفها بقوة نحو قلب مخلوق آخر. الشظية اخترقته مباشرة، لينفجر إلى شظايا كغيره.
مع مرور الوقت، بدأ عدد المخلوقات يتناقص. كان الغراب يتنفس بصعوبة، لكن كل ضربة وجهها كانت أكثر دقة، وأكثر فتكًا. حتى الرجل ذو المعطف بدأ يفقد هدوءه، وهو يراقب الغراب يدمر جيشه الواحدة تلو الأخرى.
عندما سقط آخر مخلوق جليدي، وقف الغراب وسط الأنقاض، محاطًا بشظايا الجليد التي تعكس ضوءًا شاحبًا. رفع عينيه نحو الرجل، الذي لم يعد يضحك الآن، بل كان ينظر إليه بتعبير يشوبه القلق والغضب.
قال الغراب، وهو يمسح الدم الجاف عن شفتيه:
"هل تريد أن تتأكد بنفسك من قدرتي؟ تعال. اختبرني."
ضغط الرجل ذو المعطف على أسنانه، ثم قال:
"أنت أكثر عنادًا مما توقعت، لكن هذا لا يغير شيئًا. ما زلت مجرد نكرة وأداة في يد أسيادك."
رفع يده ليطلق موجة جليدية هائلة، لكنها لم تصل إلى الغراب. في لحظة مفاجئة، ألقى الغراب خنجرًا مغلفًا بطاقته المتدفقة مباشرة نحو الرجل. اخترق الخنجر درعه السحري، ليرتطم بكتفه ويدفعه للخلف.
تراجع الرجل بخطوات متعثرة، ثم قال وهو يضغط على الجرح:
"لقد أثرت إعجابي، يا غراب. لكن اللعبة لم تنتهِ بعد. سنتقابل مجددًا."
وبكلمات غامضة، اختفى في دوامة جليدية تاركًا وراءه فراغًا. وقف الغراب، يلتقط أنفاسه، وعيناه تلمعان بالغضب والتحدي.
قال بصوت عالٍ مشحون بالعزم:
"أينما كنت، سأنهي هذه اللعبة. لم تعد تهمني المهمة وإنما رأسك."
جلس الغراب وسط الأنقاض الجليدية، يلهث بصعوبة والعرق يتصبب على جبينه رغم البرودة القارسة. جسده كان مثقلًا بالجروح والخدوش، وبعضها كان ينزف ببطء. مد يده إلى حزامه، حيث كان يحتفظ بزجاجة صغيرة من مسحوق علاج خاص. خلط المسحوق بقليل من الماء المتجمد حوله، وشربه دفعة واحدة، متجاهلًا الطعم المر الذي كان كالسُم في حلقه.
ظل الغراب في مكانه لعدة ساعات، منتظرًا أن تستعيد عضلاته قوتها وأن يلتئم جزء من جروحه بفضل تأثير العلاج. كان يعلم أن المواجهة القادمة لن تكون سهلة؛ الرجل ذو المعطف لم يكن خصمًا عاديًا، لكن الغراب لم يكن من النوع الذي يتراجع، وخاصة عندما يتعلق الأمر بإتمام المهمة التي بدأها.
بعد أن استعاد قواه، وقف الغراب بثبات وأخرج الخريطة التي أعطتها له السيدة السوداء. حدق فيها لفترة طويلة، محاولًا قراءة ما بين السطور، إذ أصبح يدرك الآن أن الخريطة قد تحمل أكثر من مجرد مسار واضح. وبعد دقائق من التدقيق، لاحظ نقشًا صغيرًا في الزاوية يشير إلى مكان أشبه بكهف في أقصى الشمال.
توجه الغراب نحو الموقع، كل خطوة كانت تزيد من عزمه، وكل عقبة كانت تذكره بأن عليه مواجهة الرجل ذو المعطف لإنهاء كل هذا.
وصل الغراب أخيرًا إلى مدخل كهف ضخم منحوت في الجليد، حيث بدت تفاصيله كأنها مصنوعة بأيدٍ بشرية ماهرة، لكن كل شيء كان ينبض بطاقة غريبة لا تُخطئها العين. شعر بوجوده، وسمع صوته قبل أن يراه.
داخل الكهف، كان الطفل الحقيقي نائمًا داخل قفص بلوري عائم في منتصف الغرفة. أمام القفص، وقف الرجل ذو المعطف، ملامحه هادئة لكن عينيه تحملان شرًا دفينًا. قال بابتسامة ساخرة:
"أنت أسرع مما توقعت. ربما يجب أن أثني عليك قبل أن أقتلك."
لم يرد الغراب. بدلًا من ذلك، شكل من الهواء خنجرا، وشد قبضته على مقبضه، متخذًا وضعية الهجوم. كانت عيناه مثبتتين على الرجل، الذي لم يتأخر في الهجوم.
بإشارة بسيطة منه، اندفعت شظايا جليدية من الأرض باتجاه الغراب، كأنها سهام قاتلة. قفز الغراب بخفة مذهلة، متفاديًا الهجوم الأول، واندفع نحو خصمه. اشتبكا في معركة ضارية، حيث كانت سرعة الغراب وذكاؤه هما سلاحاه الرئيسيان في مواجهة قوة الرجل ذو المعطف وسيطرته على الجليد.
كان القتال أشبه برقصة فوضوية، حيث كانت كل حركة تحمل خطرًا، وكل خطأ قد يكون قاتلًا. استخدم الغراب كل مهاراته لتفادي شفرات الجليد التي أطلقها الرجل، بينما كان يحاول توجيه ضربات دقيقة بخنجره. لكن الرجل كان سريعًا في التلاعب بالمكان، مما جعل الغراب وكأنه يقاتل الطبيعة نفسها.
في إحدى اللحظات، تمكن الرجل ذو المعطف من توجيه ضربة قوية، فأرسل الغراب طائرًا إلى الحائط الجليدي، ما جعله يتأوه من الألم. وقف الغراب بصعوبة، الدم يسيل من فمه، لكنه رفض الاستسلام. قال بصوت مشحون بالغضب:
"إن كنت تعتقد أنني سأسقط هنا، فأنت لم تفهمني جيدًا."
جمع الغراب كل طاقته، واستغل لحظة انشغال خصمه بإعداد هجوم جديد. قفز بسرعة خاطفة نحو الرجل، متجاوزًا شظايا الجليد، وزرع خنجره المغلف بحرارته الداخلية في صدر خصمه. الرجل صرخ من الألم، لكن هذا لم يكن كافيًا لإنهائه.
رفع الرجل يده ليطلق موجة جليدية نهائية، لكن الغراب كان أسرع. شكل قنبلة حرارية من الهواء، وقذفها نحو الرجل. انفجرت القنبلة، واندفعت ألسنة اللهب نحو جسده، ما أدى إلى تحطيم درعه الجليدي وتدمير طاقته بالكامل.
سقط الرجل ذو المعطف على الأرض، محاطًا بشظايا من الجليد المحطم، وعيناه تنظران إلى الغراب بغضب ويأس. قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة، قال:
"لقد فزتَ هذه المرة... لكنك أنزلت على نفسك غضب سيدة الشتاء."
لم يرد الغراب، بل توجه مباشرة إلى القفص البلوري. استخدم خنجره لتحطيمه بحذر، وحمل الطفل بين ذراعيه. شعر بالدفء ينبعث من جسد الطفل، في تناقض تام مع البرودة التي كانت تحيط به.
خرج الغراب من الكهف، يجر جسده المرهق، لكنه كان يحمل الطفل بأمان. وقف للحظة ينظر إلى الأفق المتجمد، ثم قال بهدوء:
"أيّاً من كنت يا سيدة الشتاء، سأهزمك كما هزمت من قبلك."
(نهاية الفصل الثاني)
إن أعجبتكم القصة فادعموني لإكمالها وشكرا
ويرجى زيارة صفحاتي Twitter - ko-fi
شكرا لك على استمراريتك في الطرح دام إبداعك ، تم الختم ~ D a r i n a - 16/2/2025
-
الفصل الثالث: عاد الغراب إلى مكتب السيدة السوداء متعبًا من المهمة السابقة وسلّم الطفل الصغير إليها، محققًا نجاحه كالمعتاد، لكنه لاحظ نظرة القلق على وجهها.
"ماذا هناك؟" سأل الغراب.
قالت السيدة السوداء: "التمساح فشلت في مهمتها وتم القبض عليها في مملكة القارنت وإن لم ننقذها بسرعة قد تُجبر على كشف أسرارنا، عليك التحرك فورًا."
لم يتردد الغراب لحظة واحدة، ارتدى عباءته السوداء، وبدأ رحلته نحو مملكة القارنت، استخدم ذكاءه ومهارته في التنكر لدخول المملكة دون أن يلاحظه أحد متنقلًا بين الأزقة الضيقة حتى وصل إلى السجن الملكي.
وجد الغراب التمساح مقيدة بسلاسل ضخمة داخل زنزانة مظلمة والجروح تغطي جسدها.
بدون أي كلمة، مباشرة بمزيج من قوة الهواء المحيطة به وخفة حركته، تمكن الغراب من تحطيم الأقفال وإطلاق سراحها. بدورها، استدعت التمساح قواها للتحكم بالظلال لتغطية طريق هروبهما، لكنها لم تكن كافية لإخفائهما تمامًا.
وأثناء الهروب، اعترضهما مجموعة من حراس مملكة القارنت وبدأ القتال بشكل عنيف، حيث استغل الغراب قوته لتحويل الهواء إلى شفرات قاتلة، بينما استدعت التمساح ظلال الجدران لخلق أسلحة ودروع. كانت معركة شرسة، لكنها انتهت بسرعة بفضل تعاونهما المتناغم.
قبل أن يتمكنا من الهروب تمامًا، ظهر أمامهما شخصية مهيبة، يُحاط بهالة قاتمة وقوة لا تُوصف. كان قائد حراس مملكة القارنت الذي لم يهزم قط، المدعو بحاصد الأرواح المعروف بقوته المطلقة وقدرته على التحكم بالصوت وتحويله إلى سلاح مدمر.
وقف أمامهما وقال: "ظننتما أن الهروب سيكون بهذه السهولة؟ لن تغادرا هذا المكان على قيد الحياة."
انطلق القتال بين الغراب وحاصد الأرواح، وكان شرسًا ودمويًا. استخدم حاصد الأرواح قوته للتحكم بالصوت، فأطلق موجات صوتية قوية قادرة على تمزيق الجدران وتحطيم كل شيء في طريقها وفي المقابل، كان الغراب يهاجم باستخدام الهواء المحيط به، محولًا إياه إلى سيوف ورماح تطير بسرعة فائقة.
التمساح، بدورها، دعمت الغراب باستخدام الظلال، حيث شكّلت دروعًا سوداء لصد الموجات الصوتية، والإطاحة بخصمها باستخدام أشواك مظلمة تنبثق من الأرض.
استمر القتال طويلًا، وكاد الغراب أن ينهار، لكن التمساح استغلت الظلال لإرباك حاصد الأرواح وتشتيت انتباهه، موجهة ضربات مفاجئة جعلته يفقد تركيزه في بعض اللحظات. لكن حاصد الأرواح لم يكن خصمًا عاديًا، إذ استطاع استعادة سيطرته بسرعة، مما جعل القتال يبدو وكأنه لا نهاية له.
في لحظة حاسمة، توصل الغراب مع التمساح لخطة جريئة واستخدمت التمساح قواها لتخلق ظلالًا كثيفة حجبت الرؤية تمامًا، بينما قام الغراب بتجميع الهواء من حوله ليشكل رمحا كبيرا، مركزًا كل قوته في ضربة واحدة وأطلق الرمح مباشرة نحو حاصد الأرواح، بينما انطلقت أشواك الظل التي أطلقتها التمساح من زوايا مختلفة.
تضافرت قوتهما في هجوم واحد، مما أسقط حاصد الأرواح أرضًا وأضعفه بشكل نهائي.
اقترب الغراب منه بخطوات ثابتة، وقال بصوت بارد: "الظلام لا يُهزم." ثم وجه ضربة أخيرة قضت على حاصد الأرواح.
هرب الغراب والتمساح من السجن، تاركين خلفهم مشهدًا من الدمار والانتصار وتوجها نحو مملكة الظلام.
(نهاية الفصل الثالث)
إن أعجبتكم القصة فادعموني لإكمالها وشكرا
ويرجى زيارة صفحاتي Twitter - ko-fi
ما شاء الله ! نعتذر على التأخير سعدت بقراءة الفصل , كان غنيًا !
تم الختم ~
D a r i n a - 4\3\2025
-
بعد هروبهما من مملكة القارنت وترك السجن خلفهما، حلّ الليل على الغراب والتمساح وهما لا يزالان في طريقهما نحو مملكة الظلام. تعبت التمساح من الرحلة، فاقترح الغراب أن يستريحا في الغابة الكثيفة حتى الصباح.
بينما كانت التمساح تغرق في نوم عميق، جلس الغراب بجانب النار المشتعلة، يحرس المكان بعينين يقظتين. كان كل شيء هادئًا، باستثناء أصوات الحشرات وصدى الرياح بين الأشجار. فجأة، ظهر أمام الغراب رجل غامض يخفي ملامحه بالكامل. أدرك الغراب على الفور أنه أحد مبعوثي السيدة السوداء.
قال المبعوث: "لديك مهمة جديدة، السيدة السوداء تأمرك بالقضاء على التمساح."
تجمد الغراب في مكانه، شعر بصدمة عميقة، "لماذا؟ لقد خاطرت بحياتي لإنقاذها."
أجابه المبعوث بحدة: "هذا ليس سؤالًا لك لتطرحه. الأوامر واضحة: التمساح قد تكون خطرًا على مملكتنا، إنهاء وجودها واجبك."
اختفى المبعوث في الظلال، تاركًا الغراب وحده مع أفكاره. جلس الغراب صامتًا، يحدق في النار، وعقله يضج بالتساؤلات، هل قتل التمساح هو القرار الصحيح؟
نهض الغراب واقترب من التمساح النائمة وكانت ملامحها هادئة، وشعرها يتناثر على وجهها، تأملها للحظات، وتذكر تلك اللحظات التي خاضاها معًا: القتال ضد الحراس، الهروب من السجن، والتضحيات التي قدمتها. ثم تذكر نظراتها، تلك العيون التي تحمل حزنًا عميقًا لم يفهمه قط.
أمسك سيفه بقوة، ووقف فوقها ولكنه لم يستطع تنفيذ الأمر، كان هناك شيء ما يمنعه، شيء أعمق من الولاء لمملكة الظلام.
تنفس بعمق، ثم قرر أن يخالف الأوامر وبدلاً من قتلها، أيقظها بلطف. فتحت التمساح عينيها بتثاقل، تنظر إليه باستغراب.
"ما الأمر؟" سألت بصوت خافت.
قال الغراب بجدية: "لدي شيء أخبرك به، تلقيت أمرًا بقتلك."
حدقت به التمساح، بين الصدمة وعدم التصديق. "ماذا؟ من؟"
"السيدة السوداء نفسها، يبدو أنك لم تعودي أداة نافعة بالنسبة لهم وأصبحت تمثلين تهديدًا للمملكة. ومع ذلك، لن أفعلها، لا أستطيع."
"لماذا؟" سألته وهي تحاول فهم موقفه.
"ليس هناك سبب معين، فقط لا أريد ذلك."
وقفت التمساح بصعوبة، ونظرت إليه بعينين غارقتين في الحيرة، "إذا لم تنفذ الأوامر، سيعتبرونك خائنًا، أنت تخاطر بكل شيء من أجلي."
"أعلم." قال الغراب بصرامة، "لذلك عليك الهرب، لا يمكنني مساعدتك أكثر من هذا وإن بقيت هنا، لن أتمكن من حمايتك."
وقفت التمساح للحظة، تحدق فيه بنظرة مختلطة بين الامتنان والخوف، ثم قالت: "شكرًا لك، سأرحل الآن، لكنني سأعود يومًا ما لأرد لك هذا الجميل."
راقبها الغراب وهي تختفي بين الأشجار، وغابت ملامحها في الظلال. كان يعلم أن قراره سيجلب له العواقب، لكنه شعر بأنه فعل الشيء الصحيح.
جلس الغراب مجددًا بجانب النار، يفكر فيما ينتظره عند عودته إلى مملكة الظلام، كان يعلم أن الأيام القادمة ستكون مليئة بالتحديات، لكن شيئًا ما بداخله كان يخبره أن قصة التمساح لم تنته بعد.
عاد الغراب إلى مقر مملكة الظلام ودخل مكتب السيدة السوداء بخطوات هادئة، محاولًا كتم توتره وانحنى قليلًا أمامها وقال: "تم تنفيذ المهمة."
رفعت السيدة السوداء عينيها نحوه، ونظرت إليه بصمت للحظة، ثم قالت بصوت هادئ لكنه حازم: "أحسنت، يمكنك الانصراف."
انحنى الغراب مجددًا وغادر المكتب دون أن ينبس ببنت شفة، شعر براحة كبيرة لأنها لم تطرح أي أسئلة إضافية، وأيقن أن سره ما زال في مأمن وتوجه إلى غرفته وهو مثقل بالتعب، مستلقيًا على سريره ليلتقط أنفاسه أخيرًا، لكن راحته لم تدم طويلًا.
بعد بضع ساعات فقط، طرق أحد الحراس بابه، وأبلغه أن السيدة السوداء تطلبه على الفور. نهض الغراب بسرعة، ارتدى عباءته واتجه إلى مكتبها وكان يعلم أن الأوامر الجديدة لا بد أن تكون مهمة، فالسيدة السوداء لا تستدعيه إلا في المهام الكبرى.
عندما دخل المكتب، كانت السيدة السوداء جالسة خلف مكتبها، تتصفح بعض الأوراق ولم ترفع رأسها حتى وصل أمامها. تحدثت بنبرة جادة:
"لدي مهمة جديدة لك، وقد تكون الأهم حتى الآن. عليك إيصال شخصية مهمة جدًا إلى مملكة النار، لن أقبل أي أعذار أو أخطاء، سلامة هذه الشخصية هي أولويتك المطلقة."
"من هي هذه الشخصية؟" سأل الغراب.
أجابت السيدة السوداء وهي تضع ورقة على الطاولة: "ستعرفها عندما تصل إلى المخرج الجنوبي وتأكد من أن المهمة تنجح مهما كلف الأمر."
أومأ الغراب برأسه وغادر المكتب دون أن يضيف شيئًا. توجه إلى المخرج الجنوبي للمملكة، حيث انتظر في صمت.
بينما كان الغراب واقفًا يراقب الطريق، لاحت في الأفق امرأة قادمة ببطء. عندما اقتربت، تفاجأ بجمالها الأخاذ، كانت تمتلك وجهًا ملائكيًا وعينين كبيرتين تشعان بسحر غريب، كان شعرها الطويل يتماوج مع النسيم، وجسدها الفاتن يشع بالثقة والقوة. كانت ترتدي رداءً أسود بسيطًا لكنه أضاف إلى جاذبيتها هالة غامضة.
تقدمت المرأة نحوه بخطوات واثقة، وقالت بصوت هادئ وعميق: "أنت الغراب، أليس كذلك؟ أنا من سترافقني إلى مملكة النار."
أومأ الغراب برأسه وقال باختصار: "نعم. علينا الانطلاق الآن."
بدأت الرحلة بينهما، ولم يتبادلا الكثير من الكلمات في البداية وكانت المرأة تمشي بجانبه برشاقة، بينما كان الغراب يراقب الطريق بحذر، شعر أن هذه المهمة مختلفة عن أي مهمة سابقة ولم يكن الأمر يتعلق فقط بحمايتها، بل كان هناك شيء مريب في هالة هذه المرأة. ومع ذلك، قرر أن يركز على المهمة دون طرح أسئلة كثيرة.
كانت الرحلة طويلة وشاقة، تمر عبر أراضٍ خطرة مليئة بالمخاطر. كان الغراب في حالة تأهب مستمرة، لكن المرأة بدت هادئة، وكأنها معتادة على التحديات، وفي لحظة من الرحلة، سألت بصوت منخفض:
"أخبرني، هل تخاف؟"
نظر إليها الغراب ببرود وأجاب: "الخوف لا يفيد في شيء. المهم هو إنجاز المهمة."
ابتسمت ابتسامة غامضة وقالت: "ربما يكون هناك ما هو أكثر من ذلك، سنرى."
لم يكن الغراب واثقًا مما تعنيه بكلماتها، لكنه قرر أن يبقى متيقظًا. الطريق إلى مملكة النار كان طويلًا ومحفوفًا بالمخاطر، حيث يعبر عبر غابات كثيفة، وأراضٍ وعرة، وسهول مليئة بالمفاجآت. بدأ الغراب يشعر أن المهمة ليست كما تبدو، خاصة مع الهدوء الغريب الذي يحيط بالمرأة.
بينما كانا يسيران عبر وادٍ ضيق، ظهر فجأة عدد كبير من المرتزقة، يخرجون من بين الصخور ويغلقون الطريق أمامهما. كان زعيمهم رجلاً ضخم البنية، يحمل فأسًا عملاقًا وقال بصوت عالٍ: "أوقفوا السير! ما تحملانه من ذهب أصبح ملكًا لنا."
تقدم الغراب ببطء، وقال بهدوء: "أنصحكم بالابتعاد، لن ينتهي هذا بشكل جيد لكم."
ضحك زعيم المرتزقة باستهزاء، ثم أمر رجاله بالهجوم. اندلع قتال شرس، حيث أظهر الغراب مهارته الفائقة باستخدام الهواء كسلاح، فكان يطلق شفرات حادة من الرياح لقطع أسلحة المرتزقة وهزيمتهم ولكن المفاجأة جاءت من المرأة.
بينما كان زعيم المرتزقة يقترب منها بفأسه، رفعت يدها بهدوء، وأطلقت شعلة نارية صغيرة من أطراف أصابعها، حولت المرتزق إلى رماد في لحظة.
وقف الغراب مذهولاً للحظة، لكنه أخفى صدمته، أدرك أن هذه المرأة ليست عادية، وأنها تحمل قوة من نوع خاص.
"لن ينتهي هذا هنا،" قالت المرأة، بينما كان الغراب يحدق فيها متسائلًا.
بعد أن عبروا الوادي، دخلوا غابة كثيفة تُعرف بغابة الظلال، مشهورة بكونها موطنًا لمخلوقات شريرة تعيش في الظلام وتهاجم أي دخيل.
بينما كانا يشقان طريقهما، بدأت أصوات همسات غريبة تنتشر في الهواء. فجأة، هاجمتهم مخلوقات الظل، وهي كائنات بلا ملامح، تتحرك بسرعة وتظهر وتختفي في الظلام.
"ابقَ خلفي!" قال الغراب، مستدعيًا عاصفة صغيرة لتفريق الظلام ولكن هذه المخلوقات كانت تتحرك كأنها جزء من الظلال نفسها.
المرأة، من جهتها، أظهرت مهارة مذهلة وأطلقت حلقات نارية حولها، أشعلت المكان وأجبرت المخلوقات على التراجع. كان واضحًا أنها تتقن التحكم بالنار ببراعة، مما جعل الغراب يدرك أنها من مملكة النار.
"أنتِ لستِ كما تبدين، أليس كذلك؟" سألها الغراب بعد انتهاء القتال.
نظرت إليه ببرود وقالت: "هناك أسرار لا يجب كشفها الآن. عندما يحين الوقت، ستعرف كل شيء."
عند اقترابهما من حدود مملكة النار، كان عليهما عبور وادٍ مليء بالحمم البركانية. فجأة، ظهرت مجموعة من الحراس العمالقة المصنوعين من الحمم، كأنهم تماثيل متحركة، تحرس الطريق المؤدي إلى المملكة.
بدأ الحراس في الهجوم، وكانوا يطلقون كرات نارية ضخمة ويضربون الأرض بقوة، مما جعل الأرض تهتز من تحتهم.
"كيف سنتعامل مع هؤلاء؟" سأل الغراب، محاولًا إيجاد استراتيجية.
ابتسمت المرأة وقالت: "دع هذا لي."
وقفت أمام الحراس، رفعت يديها، وبدأت النار تتراقص حولها وهمست بكلمات غريبة بلغة قديمة، وفجأة، توقف الحراس عن الهجوم وبدلاً من ذلك، انحنوا أمامها كأنها ملكتهم.
تقدم الغراب، مذهولًا مما رأى. "أنتِ منهم، أليس كذلك؟"
أومأت برأسها وقالت: "أنا من مملكة النار، نعم، لكنني أعمل لصالح مملكة الظلام، مهمتي إسقاط حاكمة مملكة النار، وضم المملكة إلى حكم مملكة الظلام."
شعر الغراب بتضارب داخلي. كانت هذه المرأة تحمل قوة مذهلة، ولكن هدفها يعني دمار مملكة بأكملها ومع ذلك، لم يكن أمامه خيار سوى مواصلة المهمة.
"لماذا تخونين مملكتك؟" سألها بصوت مملوء بالشك.
أجابت بهدوء: "حاكمة مملكة النار لديها القوة ولكن ليس لديها الطموح المطلوب، وبضم مملكة النار إلى مملكة الظلام سأستلم حكم مملكة النار وأحقق طموحي في التوسع والسيطرة."
قرر الغراب أن يحتفظ بآرائه لنفسه. كان عليه الآن أن يركز على إيصالها بأمان، رغم الشكوك التي تملأ قلبه.
بعد تجاوز كل العقبات، وصلا أخيرًا إلى حدود مملكة النار. كانت الأرض حمراء متوهجة، والسماء مغطاة بالدخان البركاني. ظهرت الأبراج النارية في الأفق، وكأنها أشباح تلوح بالدمار.
توقفت المرأة عند المدخل، ونظرت إلى الغراب، "لقد أديت واجبك. من هنا، كل شيء يعتمد عليّ."
قال الغراب ببرود: "إن ما تفعلينه سيجلب الظلام لهذه المملكة."
ابتسمت المرأة ابتسامة غامضة وقالت: "ربما، لكن حينها سيكون الأوان قد فات."
دخلت المرأة إلى المملكة، تاركة الغراب عند الحدود، يفكر في الصراع القادم الذي على وشك أن يندلع.
(نهاية الفصل الرابع)
إن أعجبتكم القصة فادعموني لإكمالها وشكرا
ويرجى زيارة صفحاتي Twitter - ko-fi