أكتبُ في ورقي هذا رُفاتَ كلماتي , ورقٌ جعدتهُ و طويتهُ , أخفيتهُ في جيبي حرصًا عليهِ من أذى ما خارجه
فيهِ نِتاجُ سعيي و بحثي , فقد خططتُ و قلمي في يدي يحفرُ باستماتة داخل أعماق صُحفي
أكتبُ ما تبّقى لي من أحاديث لم أسّطرها بعد في وثائقي المحفوظة.. عن رحلة
رحلةٌ خاطرتُ لأجلها بكل ما أملكُ من مالٍ و حالٍ و نفسٍ كادت أن تفارقني في لحظات
و يالها من رحلة ... أودت بي للوقوع في حبّ مآسر الجمال في خبايا الصحراء !
"فيها الذهبُ يصفّى كالعدس !"
جملةٌ صاحَ بها ( راوي ) رجلٌ كلّفتهُ بإبلي يطعمها و يسقيها في محضري و غيابي .
"و الجواهر عنبرٌ زمردٌ مدسوسةٌ في مغاراتهم دسًّا في دسْ!"
" أرأيتهم ؟"
" بل ما سمعتهُ قد قيلَ يا سيدي! "
قلّبتُ عينايَ لإجابته , فما الفائدة من قصصٍ تناقلتها الألسنُ بدونِ دليل ؟
فالناسُ تحب المبالغة , تستمع وتحدّث و تحب التحدُّث أكثر من الاستماع , فتحشرُ كلمةً من هنا إلى هناك
مع كلِّ كلمةٍ تُضاف تكبرُ القصة فتصير فاجعة ! فالخطر الحقيقي يقبع في أفواههم لا في آذانهم
" أرجو ألا تطبع أخبارها في عقله , فلا أريدهُ ان ياخذ بالشدّادِ بحثًا عن مدينة العنبر المزعومة هذه يا راوِي !! "
صاحتْ زوجتي و هي تفردُ بحبّات الأرز تنتقي منها الحصى ..
" لا تقلقي يا أمّ الليثِ فلا أنا ولا جاهِر راعي أخبار القرية يقوى على زوجِك
, انظري إلى محيّاه يستنكر احاديثي كما كلّ مرة ! لذا لن تكون هذه كغيرها من كرّة!"
" عسى أن يصحّ قولُك هذا يا راوي , فإنّ قلبي ينغزني مذ حلمتُ ذاك المنام "
قمتُ من مكاني بعدَ أن حملتُ حطبًا كان مصفوفًا في ركنٍ من أركان أرض داري .. و توجهتُ به قرب مجلسها ..
" فقط انسي ما حلمتِي بهِ فهو كغيرهِ من الأحلام ! تعيدينَ و تزيدينَ بأمره و كأنه ليس كسابقيه ! اعقلي يا أسمهان !! "
عقدتْ حاجبيها بامتعاض ثم قالت بينما تقف تفرد ظهرها تستعرض طولها كالنخلِ الشامخ
" لا أريد ! سأبقي العقل عندك يا راجح ! فهو أليقُ بكَ لا بأسمهان !"
ثم التفتت تمشي تضرب قدماها بالأرض تصبُّ بها غضبها
" إلى أين ؟ "
" أحضِر القدْر لأغذيك !"
أسمهان هيَ حقًا أسمهان كما العادة , قلقةٌ كثيرة التفكير .. لا أنكر بأن لها عليّ حقًا
فبسببِ ما أعملُ من نسخٍ للكتب و جمعها على مطلب الكبار أغيبُ عن منزلي بالأسبوعِ و الاثنينِ و قد أتعدّى في حالاتٍ ما يزيدُ عن الشهرين , و أتركها مع الليثِ تعتني بداري .. ولا زاجلَ بيننا ولا مرسال فكيفَ بقلبها الرهيف هذا ان تصبر عليّ والله لا أعلم ..
.....
عصرٌ هادئٌ آخر ارتأيتُ به البدء في أن أخطَّ مخطوطةً جديدة حصلتُ عليها من تاجرٍ آل به المآل لهذه القرية كما قال
فلم تكن خطته الورودَ إلى شرقيّ النهر في رحلته و لكن شاء به خالق الأقدار أن يبتعد عن خط مسيره الأوليّ و له في ذلك حكمةٌ لا يعلمها إلا غيره
سألتُه عن مصدرِ المخطوطة فأنكرَ علي معرفته , و أخبرني بألا عِلْم له فيها إنما باعها له رجلٌ عجوزٌ أشيبُ اللحى
و من فضوله اشتراها بثمنٍ بخسٍ أتاجرَ بها أم حفظها سيكون من الزمنِ خبرٌ له عن ذلك ..
سمّيتُ و فتحتها أقلّب صفحاتها و بذلك انهالتْ عليّ جُملٌ من الاوصافِ الغريبة ! تجعلُ العينَ تبصرُ الموصوف المكتوب !
" جدرٌ صخريةٌ عملاقةٌ حُفر بها مدخلٌ كقوس أذُن , حوُافه كجسد أفعى منقوشة حراشفها لها رأسان اثنانِ
أحدهما فوق الآخر بمتران , أعينهما بيضاءُ عند الغروبِ تحمرّان , فتصبحان كجمرٍ كان أسودًا و التهب بالنيران
تعبر قدماك منه فتمشي بين ذرات الرمال , ترفعُ رأسك فترى أمامك مجمعًا للقصورٍ الكثيرة
منها العالي و الخفيض و الحُجُر الصغيرة , فسيحةٌ أراضيها زخارف بنيانها متنوعةٌ لا فقيرة
لها قببٌ و قممٌ مدببةٌ طويلة , عديدة النوافذ و الأبواب بين الأعمدة الرصينة .. و ما يميّزها نحتُ تلكَ الأفاعي
عند كلِّ واجهةٍ كبيرة "
فيهِ نِتاجُ سعيي و بحثي , فقد خططتُ و قلمي في يدي يحفرُ باستماتة داخل أعماق صُحفي
أكتبُ ما تبّقى لي من أحاديث لم أسّطرها بعد في وثائقي المحفوظة.. عن رحلة
رحلةٌ خاطرتُ لأجلها بكل ما أملكُ من مالٍ و حالٍ و نفسٍ كادت أن تفارقني في لحظات
و يالها من رحلة ... أودت بي للوقوع في حبّ مآسر الجمال في خبايا الصحراء !
"فيها الذهبُ يصفّى كالعدس !"
جملةٌ صاحَ بها ( راوي ) رجلٌ كلّفتهُ بإبلي يطعمها و يسقيها في محضري و غيابي .
"و الجواهر عنبرٌ زمردٌ مدسوسةٌ في مغاراتهم دسًّا في دسْ!"
" أرأيتهم ؟"
" بل ما سمعتهُ قد قيلَ يا سيدي! "
قلّبتُ عينايَ لإجابته , فما الفائدة من قصصٍ تناقلتها الألسنُ بدونِ دليل ؟
فالناسُ تحب المبالغة , تستمع وتحدّث و تحب التحدُّث أكثر من الاستماع , فتحشرُ كلمةً من هنا إلى هناك
مع كلِّ كلمةٍ تُضاف تكبرُ القصة فتصير فاجعة ! فالخطر الحقيقي يقبع في أفواههم لا في آذانهم
" أرجو ألا تطبع أخبارها في عقله , فلا أريدهُ ان ياخذ بالشدّادِ بحثًا عن مدينة العنبر المزعومة هذه يا راوِي !! "
صاحتْ زوجتي و هي تفردُ بحبّات الأرز تنتقي منها الحصى ..
" لا تقلقي يا أمّ الليثِ فلا أنا ولا جاهِر راعي أخبار القرية يقوى على زوجِك
, انظري إلى محيّاه يستنكر احاديثي كما كلّ مرة ! لذا لن تكون هذه كغيرها من كرّة!"
" عسى أن يصحّ قولُك هذا يا راوي , فإنّ قلبي ينغزني مذ حلمتُ ذاك المنام "
قمتُ من مكاني بعدَ أن حملتُ حطبًا كان مصفوفًا في ركنٍ من أركان أرض داري .. و توجهتُ به قرب مجلسها ..
" فقط انسي ما حلمتِي بهِ فهو كغيرهِ من الأحلام ! تعيدينَ و تزيدينَ بأمره و كأنه ليس كسابقيه ! اعقلي يا أسمهان !! "
عقدتْ حاجبيها بامتعاض ثم قالت بينما تقف تفرد ظهرها تستعرض طولها كالنخلِ الشامخ
" لا أريد ! سأبقي العقل عندك يا راجح ! فهو أليقُ بكَ لا بأسمهان !"
ثم التفتت تمشي تضرب قدماها بالأرض تصبُّ بها غضبها
" إلى أين ؟ "
" أحضِر القدْر لأغذيك !"
أسمهان هيَ حقًا أسمهان كما العادة , قلقةٌ كثيرة التفكير .. لا أنكر بأن لها عليّ حقًا
فبسببِ ما أعملُ من نسخٍ للكتب و جمعها على مطلب الكبار أغيبُ عن منزلي بالأسبوعِ و الاثنينِ و قد أتعدّى في حالاتٍ ما يزيدُ عن الشهرين , و أتركها مع الليثِ تعتني بداري .. ولا زاجلَ بيننا ولا مرسال فكيفَ بقلبها الرهيف هذا ان تصبر عليّ والله لا أعلم ..
.....
عصرٌ هادئٌ آخر ارتأيتُ به البدء في أن أخطَّ مخطوطةً جديدة حصلتُ عليها من تاجرٍ آل به المآل لهذه القرية كما قال
فلم تكن خطته الورودَ إلى شرقيّ النهر في رحلته و لكن شاء به خالق الأقدار أن يبتعد عن خط مسيره الأوليّ و له في ذلك حكمةٌ لا يعلمها إلا غيره
سألتُه عن مصدرِ المخطوطة فأنكرَ علي معرفته , و أخبرني بألا عِلْم له فيها إنما باعها له رجلٌ عجوزٌ أشيبُ اللحى
و من فضوله اشتراها بثمنٍ بخسٍ أتاجرَ بها أم حفظها سيكون من الزمنِ خبرٌ له عن ذلك ..
سمّيتُ و فتحتها أقلّب صفحاتها و بذلك انهالتْ عليّ جُملٌ من الاوصافِ الغريبة ! تجعلُ العينَ تبصرُ الموصوف المكتوب !
" جدرٌ صخريةٌ عملاقةٌ حُفر بها مدخلٌ كقوس أذُن , حوُافه كجسد أفعى منقوشة حراشفها لها رأسان اثنانِ
أحدهما فوق الآخر بمتران , أعينهما بيضاءُ عند الغروبِ تحمرّان , فتصبحان كجمرٍ كان أسودًا و التهب بالنيران
تعبر قدماك منه فتمشي بين ذرات الرمال , ترفعُ رأسك فترى أمامك مجمعًا للقصورٍ الكثيرة
منها العالي و الخفيض و الحُجُر الصغيرة , فسيحةٌ أراضيها زخارف بنيانها متنوعةٌ لا فقيرة
لها قببٌ و قممٌ مدببةٌ طويلة , عديدة النوافذ و الأبواب بين الأعمدة الرصينة .. و ما يميّزها نحتُ تلكَ الأفاعي
عند كلِّ واجهةٍ كبيرة "
+هاتي أشوف حمستيني