- أحداث القصة -
ملحوظة : سيتم عرض القصة في صورة أدبية بسياق قصة قصيرة للاستمتاع بالقراءة لا أكثر ^^"
وقف تلك الوقفة المعتادة في هذا المكان المعتاد ينتظر وسيلة المواصلات التي تصل به إلى مقرّ عمله
كان يقف مدبراً ظهره إلى رصيف محطة القطار بينما ينتظر بوجهه الذي يغالب النعاس جاهداً أمام ذلك الطريق السريع
وصل القطار من خلفه كالمعتاد في ذلك الوقت من يومه ، لكن وصل معه شيئاً لم يصل كل يوم ..
لقد ألصق هواء القطار ورقة تشبه أوراق عمله نفسها تلك التي يمسكها بيده
لكن سرعان ما طارت تلك الورقة من على كتفه وقد ظهرت خلفها فتاة تلحق بها ،
وعند هدوء تلك الريح التي هبّت فجأة تمكّنت الفتاة من الإمساك بتلك الورقة وأقبلت لتقف بجانبه على ذلك الرصيف
لا يعلم إن كان جمالها الآخاذ أم ابتسامتها الساحرة السبب الرئيسيّ في اختفاء ذلك الوجه الملول فجأة
وظهور تلك البسمة الطفولية الغير معتادة على وجهه الصغير
وقبلما تستقر البسمات في وجهيهما إذا بقطار آخر يجلب نوبة رياح أخرى نحوهما
فتطير إحدى أوراقه هو تلك المرة لتلصق بوجه تلك الفتاة
أسرع فسحبها من على وجهها ليكشف ذلك الوجه الذي غطته ملامح الخجل المعسول ،
سريعاً ما فتحت عيناها لتجد ورقته وقد طبع أحمر شفاهها عليها وميّزها عن بقيّة الأوراق
ابتسمت ابتسامة ساخرة لاحظها فشعر بالضيق ،
لربّما وجدت فيه شيئاً مثيراً للسخرية وهو ما لا يريده في مثل تلك اللحظة بالذات !
أخذ يتفحّص ملابسه فلا شيء مريب فيها حتى أوجد بصره أحمر الشفاة المطبوع على الورقة ،
ابتسم هو الآخر ونظر نحوها لكنّها لم تكن في مكانها كما كانت
كان ذلك القطار الذي جلب كل ذلك الاضطراب هو ما وقفت في انتظاره ، أسرعت باستقلاله وانطلق القطار
ولا يزال هو قابعاً في مكانه ينظر إليه بحسرة ، التفتت نحوه ونظرت وبادلا بعضيهما بابتسامة فاترة ، واختفى القطار.
عادت ملامح الملل نفسها بارزة على وجهه وقد وصل إلى عمله وجلس على مكتبه
والعالم كله قد تلاشى من ناظريه ولم يعد أمامه سوى تلك الورقة التي تزيّنت بأحمر شفاهها !
نظر إليها طويلاً حتى قاطعه هول الأوراق التي سقطت فوقها ،
نظر أمامه فوجد رئيس العمل بصرامته المعتادة ووجهه العبوس يضع الأعمال المكلّفة إليه اليوم أمامه
لكنه لا يزال في يأسه رغم كل ما أمامه ولم تختف ملامح الضيق حتى بعد رحيل رئيس العمل عن مكتبه
تلعب الرياح لعبتها للمرة الثالثة فهبّت وكادت أن تأخذ معها من النافذة في هذا الطابق العلويّ شاهق الارتفاع
تلك الورقة المزيّنة بأحمر شفاهها لولا أنّه تمكّن في اللحظة الأخيرة من الامساك بها
وبينما ينظر من النافذة تلك إذا به يشاهد الفتاة نفسها في المبنى المجاور
تحاور أحدهم محاولة اقناعه بشيء معيّن لا يدركه وهو وصدقاً لا يهتم بإدراكه
كلّ ما أراده أن تلتفت إليه ليتقابلا ويطول اللقاء هذه المرة ، لكنّ المبنى كان أبعد من أن تسمع صوته أو تنتبه لإشاراته
نظر إلى تلك الأوراق الكثيرة أمامه وقرّر استخدامها ،
بدأ بصنع طائرات ورقيّة منها وحاول اطلاقها لتحملها الرياح إلى النافذة المقابلة حيث تجلس هناك
أول طائرة ورقية لم تفلح في الانطلاق إلى ما هو أبعد من نافذته ،
فصنع أخرى وقرّر أن يطلقها بشكل أفضل فطارت لكنّها لم تصل لمبتغاه بعد
صنع الثالثة والرابعة .. صنع العاشرة والحادية عشر .. لكنّها كلّ مرة لم تكن المحاولة المرجوّة بالنسبة إليه ..
فمرّت تلتقطها الطيور ، ومرة تسقط بالنافذة الخطأ ، وأخرى تسقط خلفها دون أن تبنتبه ..
ومراتٍ عديدة تصدم بحافة النافذة فتسقط وقد شارفت على الوصول !
وبينما هو منهمك في صنع الطائرات الجديدة وإعادة المحاولة ، إذا به يمدّ يده مرة خلفه فلا يجد أي ورقة يمسك بها !
لقد أفنى كل تلك الأوراق في محاولات يائسة لم تنجح إحداها !
لاحظ بقاء تلك الورقة نفسها المزيّنة بأحمر شفاهها ، قرّر في محاولة أخيرة استخدامها .
عقد النيّة وكلّه اصرار أن تنجح تلك المرّة ، صنع الطائرة منها ونظر من النافذة ، أخذ شهيقاً عميقاً استعداداً للمحاولة التي يجب أن تنجح
لكن وللمرة الرابعة تلعب الرياح لعبتها وتهبّ في اتجاه يمينه وبقوة فتسقط الطائرة من يده تجاه الأرض قبل أن يطلقها حتى !
نظر أمامه فإذا بها تهمّ هي الأخرى من النزول من ذلك المبنى والرحيل !!
عاد بنظره إلى الداخل فإذا بذلك المدير الصارم نفسه بالمزيد من الأوراق ..
لم يكترث لأي شيء تلك المرة فنهض بقوة مسرعا من مكتبه وتطايرت تلك الأوراق أمام ناظريّ المدير ، أسرع إلى الأسفل
وعبر الطريق وسط ازدحامه محاولاً اللحاق بها ، لكن بلا جدوى ،
كلّ ما وجده أمامه هي تلك الطائرة الورقية المصنوع من الورقة ذات أحمر الشفاه
سأم من نظره إليها دون أي تغيير .. فقرر الاستسلام وأمسك بها فصبّ غضبه عليها وألقى بها بكلّ قوته في الهواء
التفت راحلاً دون أن يعلم أن الرياح في تلك اللحظة قرّرت أن تلعب لعبتها الخامسة والأخيرة ..
حملت الرياح تلك الطائرة الورقية
إلى نفس المكان الذي حملت فيه كل الطائرات الورقية التي صنعها في السابق وفشلت محاولاته في إيصالهنّ إليها
وهبّت الرياح بقوّة فحملت الطائرات الورقية كلّها لتعلوا وتعلوا في السماء وكأنّها اعصاراً قمعيّاً ضخماً من الأوراق
ألقت الرياح بالطائرات أمامه من جديد .. حاول ابعاده عنه بكل غضب ويأس لكنّها لم تعطه الفرصة لذلك
فعددها ودفع الرياح معها جعلت منه لعبة في يدها ..
والتفت حوله وتشابكت لتحيط بملابسه من كل جهة ، بينما انطلقت الطائرة ذات أحمر الشفاه في اتجاه آخر ،
حيث استقرت بمشتل الزهور الذي كانت تقف هي أمامه ..
تبيّنت الورقة وعرفتها ، طاارت الورقة مسرعة فأسرعت هي حولها ..
قادتها الورقة بين كل الطرقات والدرج إلى محطّة القطار ، وأدخلتها في إحدى القطارات التي انطلقت مسرعة بمجرّد دخولها
كان نفسه القطار الذي قادته شبكة الأوراق التي أحاطته به إليه ..
وقف القطار فخرجت منه وهي تحاول أن تهزّ بالطائرة الورقية التي سكنت سكوناً غريباً فجأة بعدما أمسكت بها الفتاة داخل القطار
وبينما كانت تحاول تحريكها فإذا بمئات الطائرات الورقية تندفع من خلفها ، نظرت وراءها فوجدته أمامها ..
دفع التشابك من حوله في محاولة لإسقاطه فسقط دون مقاومة على غير ما كان عليه !
اقترب منها واقتربت منه .. لا يزال في طور مفاجأته بينما تزيّنت وجنتيها بلمحة خجل
حاولت اخفاءها بمسحة على شعرها وابتسامة خافتة ..
والتقت العيون.
- انتهت -