- إنضم
- 18 أكتوبر 2015
- رقم العضوية
- 5415
- المشاركات
- 359
- مستوى التفاعل
- 28
- النقاط
- 0
- الإقامة
- بلاد العجائب
- توناتي
- 0
- الجنس
- أنثى
LV
0
[TBL="http://s01.arab.sh/i/00061/d7kpnkscxody.png"]
[/TBL][TBL="http://s01.arab.sh/i/00061/zte00tt3oart.png"]
على بعد خمسة كيلومترات من الجنوب الشرقي لمدينة طهران تقع مدينة الري التي ولد فيها عالمنا الطبيب ابو بكر محمد بن زكريا الرازي سنة 251هجري ـ 865ميلادي وهي مدينة جليلة كثيرة المياه حسنة الفواكه واسعة الارض زاخرة بالأدباء والعلماء والأئمة والزهاد.
وما إن شب الرازي حتى آنس في نفسه ميلاً الى الأدب والشعر ونزوعاً الى
الموسيقا والالحان فإذا به يلتقي بأصدقائه في حلقات السمر فيمتعهم بصوته العذب
الرخيم وفي يده عوده يعزف عليه عزفاً بارعاً يلفت الانتباه فيهتز الحاضرون طرباً
ويزدادون شجواً واستمتاعاً .
ولكن ما هذه الفكرة الغريبة التي اجتاحت الرازي فجأة حتى ارتسمت علامات
الدهشة على وجوه أترابه وجلسائه؟ فقد رأوه يقف عن العزف ويقطع الغناء
والمجلس ما يزال منعقداً والآذان تطلب المزيد ثم يرمي بعوده جانباص ويقول حزم
وتصميم: ـ كل غناء يخرج من بين شارب ولحية لا يستظرف. ومنذ ذلك الحين انقطع
الرازي عن الغناء لأنه رآه خلقاً بالنساء لا بالرجال ولكنه لم يستطيع ان يكبت ميله الى
الموسيقا وصبوته الى الأنغام .
كان الرازي يتردد الى صديق صيدلاني انعقدت بينهما مودة وألفة فسأل صديقه هذا
مرة وهما يتذكران في الطب والأدوية عن اول دواء اكتشفه الإنسان؟فأجابه: يحكر ان
اميراً يونانياً أصاب ذراعه ورم شديد فخرج مرة الى شاطئ النهر وجلس هناك ثم اسند
ذراعه المتورمة الى نبات رطب كان بجانبه فإذا به حس ان الألم قد خفت حدته
وتناقصت شدته ولما عاد في اليوم التالي فكرر وضع ذراعه على ذلك النبات زال الورم
وعجل الشفاء ثم تتطور الامر واخذ الإنسان عن طريق التجربة يعرف منافع النباتات
ودورها في صحة الإنسان وعلاجه.
واصل الرازي زياراته الى صديقه الصيدلاني وجعل يراقبه حين يركب الادوية ويبيعها
للمرضى وكان هذا الصديق ميالاً الى الطرب والغناء فلم يكن الرازي يبخل على صديقه
ببعض العزف يمتعه به بين الحين والآخر. ولكن الذي اثار انتباهه ان بعض المرضى
الذين كانوا يرتادون هذه الصيدلية حاملين آلامهم واوجاعهم اخذوا يصغون بكل
جوارحهم الى هذه الانغام الشجية والألحان العذبة فتخف آلامهم وينتاهم السرور
والاطمئنان فما كان من الرازي الا ان واصل دراسته وتجاربه حتى تحقق من فعل
الموسيقى في شفاء بعض الأمراض .
أخذ ولع الرازي بالعلوم الطبية يتنامى يوما بعد يوم ويبعثه على الجد والاجتهاد
ودراسة علوم الجراحة وتشريح الجسم الانساني وتصفح كتب الطب والفلسفة تصفح
باحث مدقق لا قارئ عجول ولما اتسعت مداركه وتعمقت ثقافته كان يعيد النظر في
اراء من سبقوه فلا ينساق وراء ما يقرؤه من نظريات ومعلومات بل يعمل فيها فكره
وعقله ويخضعها للتجربة والتطبيق العلمي ليتحقق من سلامتها , خطئها فليس عجبا
ان يكتشف الكثير من الاخطاء التي وقع فيها الطبيب اليوناني الشهير جالينوس على
الرغم من كونه معلم الاطباء يرجعون الى كتبه ورسائله في كثير من الاحيان وهذا ما
مهد الطريق امام الرازي فيما بعد ليصبح مديرا لمستشفى الري ويدعى أبا الطب
العربي .
كان علماؤنا العرب القدامى على الرغم من نبوغهم في بعض الفروع العلمية يطلعون
على مختلف المعارف الشائعة في عصرهم لتزداد ثقافتهم ويتسع أفق تفكيرهم لأن
العلوم يؤدي بعضها الى بعض ويستعين بعضها ببعض ولهذا نجد عالمنا الرازي
الطبيب يفرغ شطراً من وقته لدراسة الكيمياء لما بينها وبين الطب من علاقة متينة
وصلة قوية لأن الكيمياء تيسر السبيل الى معرفة تركيب الأدوية وخصائص العقاقير
المفيدة في علاج الأبدان.
الف الرازي كتابه سر الأسرار الذي شرح فيه منهجه في البحث والتجربة ووصف فيه
الآلات والأجهزة الضرورية في إجراء العمليات الكيميائية المعروفة حتى بلغت قرابة
عشرين جهازاً بين زجاجي ومعدني.
ولقد كان الرازي يرى ان الشفاء يتم بإثارة تفاعل كيميائي في الجسم فكان ان
اكتشف زيت الزاج واستخرج الكحول بواسطة تقطير المواد النشوية والسكرية
المتخمرة ليستعمله في تحضير الأدوية الضرورية في صيدلية مستشفى مدينة الري.
قدم الى ابي بكر الرازي رجل من اهل بغداد ومعه ابنه وشكا اليه ان هذا الغلام وهما
في الطريق الى الري أخذ يقذف الدم من فمه فما كان من الرازي إلا ان بادر الى
فحص هذا الغلام لمعرفة سبب هذا الدم النازف فما السبب إذن ؟
طلب الرازي من الاب ان يعود بابنه فب الغد ثم امضى ليلته وهو يفكر في أمر هذا
الغلام حتى هداه تفكيره الى افتراض قد يكون معقولاً . ولما عاد الاب مع ابنه في
اليوم التالي سأله الرازي عن المياه التي شرب منها الغلام وهما في الطريق فسارع
الغلام الى الإجابة بأنه شرب من مستنقع ملوث لم يجد غيره ليشرب منه وعند ذلك
انفجرت اساير الطبيب الذكي وتحقق من إحدى الديدان التي تمتص الدماء قد تسللت
مع الماء الى جوفه.
وسارع الرازي فأحضر كمية من نبات الطحلب الذي يتكاثر في المستنقعات القذرة
وطلب من الغلام ان يأكل منه ولكن من يستطيع ان يسيغ هذا النبات الذي تعافه
النفس وتنفر من مذاقه الا انه لا بد مما ليس منه بد فهب الى الغلام يحشو بطنه هذا
النبات ولا بعيأ باستغاثته والوالد ينظر مشفقاً ولا يعرف ما يحدث.
وما هي الا دقائق حتى اخذ الغلام يتقيأ ما في بطنه من هذا الطحلب والرازي فرح
مستبشر حتى احس الغلام بالإعياء والتعب فقام الرازي يفحص هذا الطحلب ويبحث
فيه وإذا به يمد ملقطه وينتزع دودة لا تزال تتلوى بمنظرها الكريه ثم يرفعها ويقول
للغلام: انظر لقد تسربت هذه الدودة الى معدتك مع الماء الذي شربته من المستنقع
ولم اجد سبيلاً الى إخراجها الا هذا الطحلب الذي تحبه الدودة وتتعلق به وكان ان هدأ
الغلام وقطع النزيف.
كان المنصور بن إسحاق أحدى ملوك الدولة السامانية محباً للعلم مكرماً للعلماء وكان
بينه وبين ابي بكر الرازي صلة قوية وصداقة متينة فرأى الرازي ان يضع كتاباً في الطب
يطلق عليه المنصوري تكريماً لهذا الملك واعترافاً بفضله فعكف على تأليف هذا الكتاب
المهم وجعله في عشرة اقسام يختص كل قسم منها بجانب من جوانب الصحة
البدنية وأودع فيه كل خبرته العلمية ونظرياته الطبية بحيث يستوفي معظم العلل
والامراض وأكثر الادوية التي يحتاجها الجسم الإنساني ولا يستغني عن معرفتها
الأطباء فكان ان ترجم هذا الكتاب الى معظم اللغات العالمية وأصبح مرجعاً دراسياً في
الكثير من جامعات الشرق والغرب. وقد تضمن هذا الكتاب الجليل الحديث عن شكل
اعضاء الجسم وتشريحها والأغذية ومدى نفعها وحياة المسافير وتدبير صحته
والجراحة واساليبها وأصولها والسموم وتأثيرها على الجسم وطرائق الفحص الطبي
وتشخيص الامراض وغير ذلك من الامور فسارع الناس الى انتساخ هذا الكتاب وقراءته
والاستفادة منه وما زال يتنقل من الى بلد حتى وصل الى بغداد عاصمة الدولة
العباسية وما يزال منه الى اليوم اكثر من اربعين نسخة مخطوطة من مكتبات العالم.
كان الخليفة المعتضد قد اعاد للدولة العباسية سلطانها وهيمنتها بعد ان ابعد العناصر
الغريبة عن الحكم فراح يخطط لإنشاء المشاريع العمرانية والحيوية التي تخدم مصالح
الرعية وتيسر امورهم اليومية وقد رأى ان من اهم المشاريع إقامة مستشفى كبير
مجهز بكل الوسائل الطبية اللازمة لخدمة المرضى ومداواتهم والعناية بهم ولكن من
اين يأتي الطبيب الحاذق التي يتوافر فيه عنصرا العلم والإدارة ؟ وكانت شهرة الرازي
قد بغلت بغداد وملأت الاسماع انباء علمه ومؤلفاته فنظر المعتضد في قائمة قدمت
اليه تضم اسماء مئة من الاطباء المشهورين في ذلك الحين فراح يختصر هذه الاسماء
ويستبعد بعضها الى ان وقع اختياره على الرازي فأمر باستدعائه من الري الى بغداد.
كان الرازي قد بلغ من العمر اربعين عاماً حين مثل بين يدي الخليفة فلما سمع بهذا
المشروع الضخم امتلأت نفسه سروراً لأنه سوف يحقق احلامه الواسعة في الإشراف
على عمل هو من صلب اختصاصه واهتمامه فبادر الى التخطيط الى هذا المشروع
الكبير ووضعه موضع التنفيذ طلب الرازي من غلمانه الموكلين بخدمته ان يحضروا له
قطعة لحم كبيرة فامتثلوا لأمره دون ان يعرفان السبب فتناول سكيناً حادة كبيرة وقسم
هذه القطعة اربعة اقسام ثم امر غلمانه ان يضعوا كل قسم من هذه الاقسام في جهة
من جهات بغداد الاربع فكان الرازي يمر بهذه القطع بين الحين والحين ويفحصها
ويشمها الى ان قر قراره على ان يبني المستشفى عند طرف الجسر الغربي من
بغداد فقد تبين له انه مكان صحي نفي الهواء لان قطعة اللحم الذي وضعت فيه تأخر
فسادها عن سائر القطع الموزعة في الجهات الاربعة. ولما تم بناء المستشفى الذي
اطلق عليه اسم البيمارستان العضدي عند الرازي الى اختيار اربعة وعشرين طبيباً من
المشهورين باختصاصاتهم المتنوعة وعين لهم رواتب عالية ليقوموا بخدمة المرضى
والعناية بهم كما اقتطع جزءاً من ماله الخاص لمعالجة المرضى الفقراء مجاناً وتقديم
ما يلزمهم من ادوية واغذية.
ولم يكن هذا المستشفى الكبير يقتصر على معالجة المرضى ومداواتهم فقط وإنما
تحول بفضل الرازي الى جامعة طبية تلقى في اروقتها المحاضرات وتعقد الندوات
فكان طلبة الطب القادمون من كل البلاد يتحلقون حول استاذهم الرازي فيبسط
امامهم بعض الحالات المرضية التي يتم علاجها في المستشفى فيشخص المرض
ويصف العلاج وهم ينتقلون بين الدرس النظري والتطبيق العلمي ويتلقون النصائح
بضرورة العناية بالناحية النفسية للمريض ورفع روحه المعنوية لينمو لديه الامل
بالشفاء.
رأينا الرازي كيف كان مدير مستشفى الري ثم مدير مستشفى بغداد وهذا ما جعله
وثيق الصلة بمهنته دائم الحضور في ميدان عمله.... الا ان مزاولته للطب لم تتهيأ له الا
بعد مطالعة متصلة ونظر مستمر في كتب من سبقه ومن عاصره من اكابر العلماء
والطب اليوناني والطب العربي فها هو ذا يقول في اخريات ايامه : فأما محبتي للعلم
وحرصي عليه واجتهادي فيه فمعلوم عند من صحبني وشاهد ذلك مني فلم ازل منذ
حداثتي وإلى وقتي هذا مكباً عليه حتى اني متى عرفت عن كتاب لم اقرأه او رجل
علم لم التقي به تركت ما انا مشغول به مهما تسبب لي ذلك من ضرر حتى احصل
على الكتاب والتقي بالرجل فأعرف ما عنده... حتى ضعف بصري وأصابتني آلام في
عضلات يدي يمنعانني الآن من القراءة والكتابة وبالرغم من هذا لم اتوقف عن طلب
المعرفة فأستعين بمن يقرأ ويكتب لي. لقد خلف الرازي بعد هذا الدأب والاجتهاد ثروة
من الكتب الطبية القيمة تجل عن أية ثروة مادية مهما بلغ ثمنها فمن ذلك كتاب الحاوي
وكتاب منافع الاغذية وكتاب من لا يحضره الطبيب.
كان الطب معدوماً فأحياه جالينوس وكان متفرقاً فجمعه الرازي ولم لا يستحق هذا
التقدير العالمي وآثاره وجهوده وإضافاته الجوهرية لا تزال تتردد اصداؤها في المحافل
العلمية والطبية في الشرق والغرب فهو اول من جعل طب الاطفال فرعاً من فروع
الطب واول من دعا على تجربة الادوية على الحيوان قبل الانسان واول من عرف اثر
الضوء في حدقة العين واول من تنبه الى العدوى الوراثية وانتقال الامراض واول من
استخدم الخيوط المصنوعة من امعاء الحيوانات في خياطة الجروح بعد العمليات
الجراحية إذ كان يرى السر في ذلك مرده الى ان الخيوط المصنوعة من الامعاء يمتصها
الجسم بسرعة فتصير جزءاً منه ، في آمان الله وحفظةة ~~ ح2
[/TBL]
[/TBL][TBL="http://s01.arab.sh/i/00061/zte00tt3oart.png"]
على بعد خمسة كيلومترات من الجنوب الشرقي لمدينة طهران تقع مدينة الري التي ولد فيها عالمنا الطبيب ابو بكر محمد بن زكريا الرازي سنة 251هجري ـ 865ميلادي وهي مدينة جليلة كثيرة المياه حسنة الفواكه واسعة الارض زاخرة بالأدباء والعلماء والأئمة والزهاد.
وما إن شب الرازي حتى آنس في نفسه ميلاً الى الأدب والشعر ونزوعاً الى
الموسيقا والالحان فإذا به يلتقي بأصدقائه في حلقات السمر فيمتعهم بصوته العذب
الرخيم وفي يده عوده يعزف عليه عزفاً بارعاً يلفت الانتباه فيهتز الحاضرون طرباً
ويزدادون شجواً واستمتاعاً .
ولكن ما هذه الفكرة الغريبة التي اجتاحت الرازي فجأة حتى ارتسمت علامات
الدهشة على وجوه أترابه وجلسائه؟ فقد رأوه يقف عن العزف ويقطع الغناء
والمجلس ما يزال منعقداً والآذان تطلب المزيد ثم يرمي بعوده جانباص ويقول حزم
وتصميم: ـ كل غناء يخرج من بين شارب ولحية لا يستظرف. ومنذ ذلك الحين انقطع
الرازي عن الغناء لأنه رآه خلقاً بالنساء لا بالرجال ولكنه لم يستطيع ان يكبت ميله الى
الموسيقا وصبوته الى الأنغام .
كان الرازي يتردد الى صديق صيدلاني انعقدت بينهما مودة وألفة فسأل صديقه هذا
مرة وهما يتذكران في الطب والأدوية عن اول دواء اكتشفه الإنسان؟فأجابه: يحكر ان
اميراً يونانياً أصاب ذراعه ورم شديد فخرج مرة الى شاطئ النهر وجلس هناك ثم اسند
ذراعه المتورمة الى نبات رطب كان بجانبه فإذا به حس ان الألم قد خفت حدته
وتناقصت شدته ولما عاد في اليوم التالي فكرر وضع ذراعه على ذلك النبات زال الورم
وعجل الشفاء ثم تتطور الامر واخذ الإنسان عن طريق التجربة يعرف منافع النباتات
ودورها في صحة الإنسان وعلاجه.
واصل الرازي زياراته الى صديقه الصيدلاني وجعل يراقبه حين يركب الادوية ويبيعها
للمرضى وكان هذا الصديق ميالاً الى الطرب والغناء فلم يكن الرازي يبخل على صديقه
ببعض العزف يمتعه به بين الحين والآخر. ولكن الذي اثار انتباهه ان بعض المرضى
الذين كانوا يرتادون هذه الصيدلية حاملين آلامهم واوجاعهم اخذوا يصغون بكل
جوارحهم الى هذه الانغام الشجية والألحان العذبة فتخف آلامهم وينتاهم السرور
والاطمئنان فما كان من الرازي الا ان واصل دراسته وتجاربه حتى تحقق من فعل
الموسيقى في شفاء بعض الأمراض .
أخذ ولع الرازي بالعلوم الطبية يتنامى يوما بعد يوم ويبعثه على الجد والاجتهاد
ودراسة علوم الجراحة وتشريح الجسم الانساني وتصفح كتب الطب والفلسفة تصفح
باحث مدقق لا قارئ عجول ولما اتسعت مداركه وتعمقت ثقافته كان يعيد النظر في
اراء من سبقوه فلا ينساق وراء ما يقرؤه من نظريات ومعلومات بل يعمل فيها فكره
وعقله ويخضعها للتجربة والتطبيق العلمي ليتحقق من سلامتها , خطئها فليس عجبا
ان يكتشف الكثير من الاخطاء التي وقع فيها الطبيب اليوناني الشهير جالينوس على
الرغم من كونه معلم الاطباء يرجعون الى كتبه ورسائله في كثير من الاحيان وهذا ما
مهد الطريق امام الرازي فيما بعد ليصبح مديرا لمستشفى الري ويدعى أبا الطب
العربي .
كان علماؤنا العرب القدامى على الرغم من نبوغهم في بعض الفروع العلمية يطلعون
على مختلف المعارف الشائعة في عصرهم لتزداد ثقافتهم ويتسع أفق تفكيرهم لأن
العلوم يؤدي بعضها الى بعض ويستعين بعضها ببعض ولهذا نجد عالمنا الرازي
الطبيب يفرغ شطراً من وقته لدراسة الكيمياء لما بينها وبين الطب من علاقة متينة
وصلة قوية لأن الكيمياء تيسر السبيل الى معرفة تركيب الأدوية وخصائص العقاقير
المفيدة في علاج الأبدان.
الف الرازي كتابه سر الأسرار الذي شرح فيه منهجه في البحث والتجربة ووصف فيه
الآلات والأجهزة الضرورية في إجراء العمليات الكيميائية المعروفة حتى بلغت قرابة
عشرين جهازاً بين زجاجي ومعدني.
ولقد كان الرازي يرى ان الشفاء يتم بإثارة تفاعل كيميائي في الجسم فكان ان
اكتشف زيت الزاج واستخرج الكحول بواسطة تقطير المواد النشوية والسكرية
المتخمرة ليستعمله في تحضير الأدوية الضرورية في صيدلية مستشفى مدينة الري.
قدم الى ابي بكر الرازي رجل من اهل بغداد ومعه ابنه وشكا اليه ان هذا الغلام وهما
في الطريق الى الري أخذ يقذف الدم من فمه فما كان من الرازي إلا ان بادر الى
فحص هذا الغلام لمعرفة سبب هذا الدم النازف فما السبب إذن ؟
طلب الرازي من الاب ان يعود بابنه فب الغد ثم امضى ليلته وهو يفكر في أمر هذا
الغلام حتى هداه تفكيره الى افتراض قد يكون معقولاً . ولما عاد الاب مع ابنه في
اليوم التالي سأله الرازي عن المياه التي شرب منها الغلام وهما في الطريق فسارع
الغلام الى الإجابة بأنه شرب من مستنقع ملوث لم يجد غيره ليشرب منه وعند ذلك
انفجرت اساير الطبيب الذكي وتحقق من إحدى الديدان التي تمتص الدماء قد تسللت
مع الماء الى جوفه.
وسارع الرازي فأحضر كمية من نبات الطحلب الذي يتكاثر في المستنقعات القذرة
وطلب من الغلام ان يأكل منه ولكن من يستطيع ان يسيغ هذا النبات الذي تعافه
النفس وتنفر من مذاقه الا انه لا بد مما ليس منه بد فهب الى الغلام يحشو بطنه هذا
النبات ولا بعيأ باستغاثته والوالد ينظر مشفقاً ولا يعرف ما يحدث.
وما هي الا دقائق حتى اخذ الغلام يتقيأ ما في بطنه من هذا الطحلب والرازي فرح
مستبشر حتى احس الغلام بالإعياء والتعب فقام الرازي يفحص هذا الطحلب ويبحث
فيه وإذا به يمد ملقطه وينتزع دودة لا تزال تتلوى بمنظرها الكريه ثم يرفعها ويقول
للغلام: انظر لقد تسربت هذه الدودة الى معدتك مع الماء الذي شربته من المستنقع
ولم اجد سبيلاً الى إخراجها الا هذا الطحلب الذي تحبه الدودة وتتعلق به وكان ان هدأ
الغلام وقطع النزيف.
كان المنصور بن إسحاق أحدى ملوك الدولة السامانية محباً للعلم مكرماً للعلماء وكان
بينه وبين ابي بكر الرازي صلة قوية وصداقة متينة فرأى الرازي ان يضع كتاباً في الطب
يطلق عليه المنصوري تكريماً لهذا الملك واعترافاً بفضله فعكف على تأليف هذا الكتاب
المهم وجعله في عشرة اقسام يختص كل قسم منها بجانب من جوانب الصحة
البدنية وأودع فيه كل خبرته العلمية ونظرياته الطبية بحيث يستوفي معظم العلل
والامراض وأكثر الادوية التي يحتاجها الجسم الإنساني ولا يستغني عن معرفتها
الأطباء فكان ان ترجم هذا الكتاب الى معظم اللغات العالمية وأصبح مرجعاً دراسياً في
الكثير من جامعات الشرق والغرب. وقد تضمن هذا الكتاب الجليل الحديث عن شكل
اعضاء الجسم وتشريحها والأغذية ومدى نفعها وحياة المسافير وتدبير صحته
والجراحة واساليبها وأصولها والسموم وتأثيرها على الجسم وطرائق الفحص الطبي
وتشخيص الامراض وغير ذلك من الامور فسارع الناس الى انتساخ هذا الكتاب وقراءته
والاستفادة منه وما زال يتنقل من الى بلد حتى وصل الى بغداد عاصمة الدولة
العباسية وما يزال منه الى اليوم اكثر من اربعين نسخة مخطوطة من مكتبات العالم.
كان الخليفة المعتضد قد اعاد للدولة العباسية سلطانها وهيمنتها بعد ان ابعد العناصر
الغريبة عن الحكم فراح يخطط لإنشاء المشاريع العمرانية والحيوية التي تخدم مصالح
الرعية وتيسر امورهم اليومية وقد رأى ان من اهم المشاريع إقامة مستشفى كبير
مجهز بكل الوسائل الطبية اللازمة لخدمة المرضى ومداواتهم والعناية بهم ولكن من
اين يأتي الطبيب الحاذق التي يتوافر فيه عنصرا العلم والإدارة ؟ وكانت شهرة الرازي
قد بغلت بغداد وملأت الاسماع انباء علمه ومؤلفاته فنظر المعتضد في قائمة قدمت
اليه تضم اسماء مئة من الاطباء المشهورين في ذلك الحين فراح يختصر هذه الاسماء
ويستبعد بعضها الى ان وقع اختياره على الرازي فأمر باستدعائه من الري الى بغداد.
كان الرازي قد بلغ من العمر اربعين عاماً حين مثل بين يدي الخليفة فلما سمع بهذا
المشروع الضخم امتلأت نفسه سروراً لأنه سوف يحقق احلامه الواسعة في الإشراف
على عمل هو من صلب اختصاصه واهتمامه فبادر الى التخطيط الى هذا المشروع
الكبير ووضعه موضع التنفيذ طلب الرازي من غلمانه الموكلين بخدمته ان يحضروا له
قطعة لحم كبيرة فامتثلوا لأمره دون ان يعرفان السبب فتناول سكيناً حادة كبيرة وقسم
هذه القطعة اربعة اقسام ثم امر غلمانه ان يضعوا كل قسم من هذه الاقسام في جهة
من جهات بغداد الاربع فكان الرازي يمر بهذه القطع بين الحين والحين ويفحصها
ويشمها الى ان قر قراره على ان يبني المستشفى عند طرف الجسر الغربي من
بغداد فقد تبين له انه مكان صحي نفي الهواء لان قطعة اللحم الذي وضعت فيه تأخر
فسادها عن سائر القطع الموزعة في الجهات الاربعة. ولما تم بناء المستشفى الذي
اطلق عليه اسم البيمارستان العضدي عند الرازي الى اختيار اربعة وعشرين طبيباً من
المشهورين باختصاصاتهم المتنوعة وعين لهم رواتب عالية ليقوموا بخدمة المرضى
والعناية بهم كما اقتطع جزءاً من ماله الخاص لمعالجة المرضى الفقراء مجاناً وتقديم
ما يلزمهم من ادوية واغذية.
ولم يكن هذا المستشفى الكبير يقتصر على معالجة المرضى ومداواتهم فقط وإنما
تحول بفضل الرازي الى جامعة طبية تلقى في اروقتها المحاضرات وتعقد الندوات
فكان طلبة الطب القادمون من كل البلاد يتحلقون حول استاذهم الرازي فيبسط
امامهم بعض الحالات المرضية التي يتم علاجها في المستشفى فيشخص المرض
ويصف العلاج وهم ينتقلون بين الدرس النظري والتطبيق العلمي ويتلقون النصائح
بضرورة العناية بالناحية النفسية للمريض ورفع روحه المعنوية لينمو لديه الامل
بالشفاء.
رأينا الرازي كيف كان مدير مستشفى الري ثم مدير مستشفى بغداد وهذا ما جعله
وثيق الصلة بمهنته دائم الحضور في ميدان عمله.... الا ان مزاولته للطب لم تتهيأ له الا
بعد مطالعة متصلة ونظر مستمر في كتب من سبقه ومن عاصره من اكابر العلماء
والطب اليوناني والطب العربي فها هو ذا يقول في اخريات ايامه : فأما محبتي للعلم
وحرصي عليه واجتهادي فيه فمعلوم عند من صحبني وشاهد ذلك مني فلم ازل منذ
حداثتي وإلى وقتي هذا مكباً عليه حتى اني متى عرفت عن كتاب لم اقرأه او رجل
علم لم التقي به تركت ما انا مشغول به مهما تسبب لي ذلك من ضرر حتى احصل
على الكتاب والتقي بالرجل فأعرف ما عنده... حتى ضعف بصري وأصابتني آلام في
عضلات يدي يمنعانني الآن من القراءة والكتابة وبالرغم من هذا لم اتوقف عن طلب
المعرفة فأستعين بمن يقرأ ويكتب لي. لقد خلف الرازي بعد هذا الدأب والاجتهاد ثروة
من الكتب الطبية القيمة تجل عن أية ثروة مادية مهما بلغ ثمنها فمن ذلك كتاب الحاوي
وكتاب منافع الاغذية وكتاب من لا يحضره الطبيب.
كان الطب معدوماً فأحياه جالينوس وكان متفرقاً فجمعه الرازي ولم لا يستحق هذا
التقدير العالمي وآثاره وجهوده وإضافاته الجوهرية لا تزال تتردد اصداؤها في المحافل
العلمية والطبية في الشرق والغرب فهو اول من جعل طب الاطفال فرعاً من فروع
الطب واول من دعا على تجربة الادوية على الحيوان قبل الانسان واول من عرف اثر
الضوء في حدقة العين واول من تنبه الى العدوى الوراثية وانتقال الامراض واول من
استخدم الخيوط المصنوعة من امعاء الحيوانات في خياطة الجروح بعد العمليات
الجراحية إذ كان يرى السر في ذلك مرده الى ان الخيوط المصنوعة من الامعاء يمتصها
الجسم بسرعة فتصير جزءاً منه ، في آمان الله وحفظةة ~~ ح2
[/TBL]