- إنضم
- 20 أبريل 2017
- رقم العضوية
- 7982
- المشاركات
- 4,109
- مستوى التفاعل
- 5,123
- النقاط
- 497
- توناتي
- 100
- الجنس
- أنثى
LV
0
[TBL=https://www.anime-tooon.com/up/uploads/at152897738710451.png]
[/TBL][TBL=https://www.anime-tooon.com/up/uploads/at15289773871462.png]
كان يوم عادياً .. كنا نقفُ نحن الثلاثة بنفس المكان .. أمام نفس المبنى لنحصل على لقمةِ العيش ؛
الناس يمرون ويذهبون .. كل يوم نرى وجوهاً جديدة ومختلفة عن سابقتها .. البعض منها ترتسم على وجهه
ملامح الغضب ربما طردهُ مديرهُ من العملِ والبعض الآخر كانت ملامحهُ تشير للسعادة وكأن اليوم عيد مولده
والآخر كان يشير إلى الحزن ... هكذا كانت حالنا كل يوم .
مرحباً أسمي ستيفن ، عمري 14 سنة لدي أختٌ أصغر مني أسمها ميار وعمرها 8 سنوات ، أمي كانت أمرأة مجتهدة
تعملُ بكد وتحاول تعويضنا عن كل نقص نشعرُ به بعدما تركنا والدي وتزوج أمرأة لا أعرف كيف أصف ذلك لكنها
كانت غنية وهذا السبب الذي دفعه للتخلي عنا .. نحن نعيشُ منذ ذلك الوقت بكوخٍ يقع في بدايةِ الجبل الموجود بنهايةِ المدينة ،
أنا عازف كمان فقد علمني جدي قبل وفاته العزف وصار هذا الشي وسيلة لنا لنتمكن من مواصلة حياة تقودنا إلى مصيرٍ
مجهول ، نخرجُ كل يوم أنا وأمي وأختي لنبهرَ الناس بعزفي .. ميار كانت تجيدُ حركات بهلوانية تجذبُ الناس إلى
متابعتنا بينما أمي تمسكُ بقبعةٍ مهترئة تجمعُ بها المال من المارةِ .
لقد كان الجو بارداً ... حسناً إنه بداية عيد الميلاد فلا تتفاجئ إذا بدأ الثلج بالتساقط .
_ لقد قَلَ تفاعل الناس .
قلتُ هذا بيأس بعدما أوقفت عزفي ...
_ ستيفن ، إنه بداية عيد الميلاد من الطبيعي أن يحدث هذا .
_ لكن أمي ، كيف سنحصل على المال إن أستمرَ الأمرُ هكذا ... هل يجب أن ننتظر إلى نهاية الشتاء ؟
_ لا تفقد الأمل يا عزيزي ، سنجدُ الحل ... أعتقد أن الجو صار بارداً هيا لنذهب للبيت وغداً نواصل العمل .
وقفت أختي بإبتسامة عريضة مؤيدة لذلك ، أتساءل إن كان المال الذي معنا سيكفي لنهاية الشهر .
عدنا للبيت وتناولنا العشاء بعدما لقت أمي القليل من الخشبِ المهترئ لتشعل به ناراً للتدفئة والطبخ ،
بعد نهاية الطعام ذهب كل منا إلى سريرهِ بينما ظلت أمي ترتب المكان .
لهثات أعتلت كلماتي .. دقاتُ قلبي تزداد كل لحظة .. عرقٌ ينهمر مني كشلال ساخن ؛
أه كان كابوساً ، أخذتُ نفساً عميقاً ثم نزلتُ للطابقِ الأرضي وأنا أسيرُ ببطئ على السلالم
لألمح أمي جالسة على كرسي أمام شمعة كاد نورها أن ينتهي وبيدها كيس صغير
_ يا ألهي ، لا أظن أن هذا سيكيفنا لنهاية الشهر .. ماذا أفعل ؟ يا رب ساعدني .
دموعها بدأت تتساقط بحرقة ، هي لا تريدُ أن تجهدنا بالعملِ أثناء الشتاء ولا تعرف كيف تحصل على
ما يضمنُ بقاءنا للغدِ ، كل هذهِ الهموم كانت أمي تخفيها خلف إبتسامتها الصغيرة تلك .
عدتُ أدراجي راكضاً وألقيتُ نفسي بقوةٍ على سريري واضعاً رأسي على وسادتي القديمة ،
لماذا دموعي تنزل أنا كذلك ؟ لماذا أحسُ أن حنجرتي تخنقني ؟ لماذا أشعر بثقل في صدري ؟
شعرتُ فجأة بضوءٍ تسلل إلى جفناي الناعسان ، إنه الصباح لا أعرف حتى كيف نمتُ البارحة ،
إستيقظتُ لأجد أمي تعد الفطور بإبتسامتها المعتادة وكأن شيئاً لم يكن
_ صباح الخير ستيفن .
قالتها بصوتها الرقيق الذي يدخل قلب السامع فيخترقهُ ليكون سبباً في بسمةِ ذاك الشخص تلقائياً
_ صباح الخير أمي .
_ أذهب وأيقظ ميار لقد تأخرت بالنوم كالعادة .
_ ح حسناً .
رحتُ وأنا لا أعرف كيف لشخصٍ أن يخفي أحزانهُ بسهولةٍ هكذا .. كانت أمي أمرأة قوية حقاً .
تناولنا الفطور ثم أخذتُ كماني وخرجتُ من المنزل مدعياً أنني سأذهبُ للعبِ مع صديقي ماكس
لكن لم يكن الأمر كذلك .. كيف يمكن لي أن أرى أمي تتألم وأسكت ؟ سأعمل بجدٍ حتى وأن كلفني ذلك صحتي .
وصلت للمكان المعتاد الذي كنا نجتمعُ به لكنه كان خالياً بعكس العادة ، هه صحيح من يفكر أن يخرج من منزلهِ
الدافئ وطعامهِ الساخن ليسمع متشرداً صغيراً ... لحظة يأس تزامنت مع سقوط قطرات ثلجٍ أمام ناظري
لا أعرف لماذا ولكنها ذكرتني بأمي ، أبعدتُ هذه الأفكار من رأسي وبدأتُ بالعزفِ .
ساعات مرت ولم يسمع أحد سوى كلب كان يدور حولي ، يبدو أنه جائع .
توقفتُ للحظةٍ آخذاً قسطاً من الراحة بعدما زفرتُ بهدوء لأراه كالبخار الخارج من قدر حساء ساخن .
أصواتُ معدتي علت مسامعي لكنّي أوقفتها بمواصلةِ العزف ، فجأة كل شيء تغير .. رجلٌ بملابس
نبيلة وقف أمامي .. ملامحهُ دلت على الأنبهارِ .. كان يصغي لي ويداه تستعدُ لتصفيقٍ حار ،
أنهيتُ ما أفعله لأبداله النظرات ، صفق لي كما هو مخطط أن يكون
_ أحسنتَ ، جيد جداً .. لا أعرف كيف لطفل مثلك أن يكون بارعاً بالعزفِ كأنهُ رجل محترف .
_ شكرا سيدي .
نادى على شخصٍ لينزل من العربةِ الفاخرة التي كان يقف أمامها فيجيبه خاضعاً بــ لغةٍ دلت على أن الرجل المنبهر
أعلى منه بمئات المرات ليواصل ذاك المسن حديثه قائلاً :
_ هذا ما نبحثُ عنه .
_ لكن يا سيدي ، أنظر إليه ملابسه مهترئة .. هل سيسر هذا الحضور وصاحب الجلالة ؟
_ أصمت ونفذ ، ألا يوجد شيء أسمه ملابس جديدة ؟
قالها بنبرة حادة لدرجةِ أقشعر بدن ذاك المعترض ، لم أفهم شيء .. ما معنى الحضور ؟ وصاحب الجلالة ؟
قاطع شرودي النبيل بإبتسامةٍ خفيفة موضحاً حديثه :
_ لقد كنا نبحث عن عازف كمان من أجل الحفلة الملكية غداً .. ويبدو أننا وجدناه .
_ مم ماذا ؟
_ كما سمعت ، أريدك أن تعزف غداً في قصر الحاكم ويجب أن تكون هناك الساعة الثامنة لأن الحفلة ستبدأ الساعة التاسعة .
_ لــ لكن يا سيدي .. ملابسي ...
_ لا تقلق فقط تعال غداً وستجد كل شيء جاهز .
ودعني وذهبَ راكباً العربة بينما كنت أتحدثُ معه وعقلي يكاد يطير .. هل حدثَ هذا فعلاً ؟ هل سأعزفُ أمام الحاكم ؟
إبتسامة عريضة شقت وجهي الشاحب بعدها ركضت مسرعاً نحو المنزل لأبشرَ أمي المنكسرة بهذا الخبر .
لم تصدق .. كادت تطيرُ من الفرحة ودموعها التي تساقطت في تلك الوهلة تشهدُ على ذلك .
أخذت أمي تشكرُ الرب على رأفتهِ بنا وصارت تقبلني وميار ترقص بسعادةٍ .. كانت ليلة سعيدة بحق .
ذهبتُ في اليوم التالي وفي الموعدِ المحدد كنتُ قد وصلتُ لبابِ القصر بعد دعاء أمي أن أنالَ إعجاب الحضور ،
أخبرتُ الحارس من أكون فأدخلني إلى غرفة تقع قرب المطبخ وألتقيتُ السيد ذاته
_ مرحبا ، أه نسيت أن أعرفك بنفسي .. أنا السيد مارك أندلسون المشرفُ الرسمي على حفلات الحاكم الملكية .
_ أهلاً سيدي ، أنا ستيفن جونسون .
بعد حفلة التعارف كان السيد مارك قد أعطاني ملابسَ جديدة ثم جاءتْ مجموعة خادمات لترتيب شعري .
حانت اللحظة المنتظرة .. دخلتُ للقاعةِ وكل ما في داخلها كان من الطبقة الرفيعة الناس وملابسهم ، الطعام والأثات .
حاولتُ أن أخفي إنبهاري لأسمعَ صفقة السيد مارك وقد أعلنَ للحضور عن عزفي .. أبصرت الناس
لأراهم آذاناً مصغية يتوسطهم بالنهاية كرسي الحاكم وكان قد أعارني إنتباههُ التام .
يجب ألا أخاف .. إنها مجرد عزفة أعتدتُ عليها .. بدأتُ ولا أعرف حقاً متى أنتهيتُ .. فألمحَ الحضور
وقد وقفوا مصفقين لي ، الحاكم كان من ضمنهم .. إبتسمتُ بإرتياح لنجاحي بالعزف ، بعد لحظاتٍ من التصفيق
_ يبدو أنك محترف بعزف الكمان .
_ أجل سيدي .
سألني الحاكم وعيناه كانتا توحيان بالإعجاب التام فيستكمل حديثه :
_ أريدك أن تكون العازف الرسمي لي في الحفلات الملكية ... هل أنتَ موافق ؟
_ أجل يا سيدي ، شكراً لك .
لن تصدقوا فرحتي ذلك اليوم ، كدتُ أن أطير لدرجة عندما عدتُ للمنزل أخذتُ دموع السعادة تنهمر من عيني وأنا
أروي لأمي ما حدث ؛ كانت أمي وميار فرحتان كذلك لنجاحي .
أشهرٌ مرت وإعجاب الحاكم يزدادُ معها وكل حفلة كنتُ أنا العازف البارز فيها ... إلى أن أتى يومٌ ما
حين كلمني السيد مارك مشرف الحفلات الملكية
_ ستيفن ، هل لي بمحادثتك ؟
_ تفضل سيدي .
_ لقد طلب مني الحاكم أن أسألك أن تقيم في القصر إلى أن تصبح في الجامعة .
_ هاااه ؟
_ يريد أن يدربكَ على يدِ مدرب ماهر لتصبح عازف حفلات عالمية ... ما رأيك ؟
_ لكن يا سيدي .. وعائلتي ؟
_ لا تقلق سنتكفل نحن بإيصال المالِ لهم نهاية كل شهر .
طلبتُ منه أن يعطيني يوم لأفكر فيه ، خرجتُ من القصرِ سيراً تحت الثلج وعقلي كان مشغولاً بالتفكير في ذلك العرض ،
صحيح .. لِما لا أوافق .. ليس هناك ما منع طالما سيوصلون المال لأمي وميار .. وأستطيعُ أن اكون بذلك عازف عالمي .
وصلتُ للمنزل وكنتُ قد إتخذتُ قراري ، بعد العشاء فاتحتُ أمي بالموضوع لكنها لم تكن سعيدة مثل كل مرة
_ ستيفن ، لا أريدك أن تذهب وتقيم هناك للأبد ... إن كان هذا لأجل المال فأنا لا أريد أن أخسر أبني لأجله .
_ لكن ...
_ قلتُ لا .
_ أنتِ لا تفهميني ، ألا تريدين أن يكون أبنكِ عازف مشهور ؟
صرختُ بوجهها بعدما وقفت ودفعتُ الكرسي الذي كنتُ جالساً عليه .
بسرعة توجهتُ للغرفة وأخذتُ أجهز أغراضي إستعداداً للأنتقال غداً .
أتى اليوم الذي أغادرُ فيه المنزل ... كانت أمي وميار تقفان بجانب بعض لكني تجاهلتهما تماماً ووصلت عند عتبة الباب
_ ستيفن ، أنتَ تعصي أوامري .
_ لا يهمني ، على أي حال أنا لا أهتم بكِ طالما أنتِ لا تفعلين .
أغلقتُ الباب خلفي ووصلتُ للقصر وأراني الخدم غرفتي الجديدة .. كانت كبيرة جداً لا أبالغُ إن قلتُ أنها تساوي حجم منزلنا .
إستلقيتُ بتعبٍ ، لإغمض عيناي إستعداداً ليومٍ حافل .
مرت الأيام وأنا لم أرَ أمي وميار حينها كان السيد مارك قد أحضر المدرب وصار يُدربني ، أظنُ أنني قد تحسنتُ حقاً
كنتُ كلما أسألهُ عن عائلتي يقول أنهم يوصلون لهم المال ويطمئنوهم عني ، وهذا ما يجعل ضميري مرتاح إلى الآن .
بعد مرور 6 أشهر وأنا إلى الآن لم أكن قد زرتُ أمي وميار كان المدرب قد إعتذر عن مواصلةِ تدريبي مدعياً أن
لديه وعكة صحية ولا يستيطع الأستمرار معي ، وعدَ السيد مارك بإحضار آخر لكن مر إسبوعان ولم يأتي البديل
إلى الآن ... أستيقظتُ صباح يوم عادي ، لأسمع همسات الخدم تعلو المطبخ .. بعدما سألتُ قالوا إنهم أحضروا
عازف كمان آخر .. فورَ سماعي لهذا توجهتُ بسرعة نحو السيد مارك ودخلتُ غرفته ، كان يتطلعُ إلى المدينة من خلال
نافذتهِ وبيده اليسرى سيجارة أما اليد الأخرى كانت خلف ظهره
_ سيد مارك .
_ أوه ستيفن ، كنتُ أريد أن أحادثك .. لحسنِ الحظ أنك أتيت .
_ هل صحيح أنكم أحضرتم عازفاً آخر .
_ أجل ، يبدو أن عقد عملنا معك قد إنتهى وحان الوقت لإحضار آخر .
_ لكن ، أنا لم أرتكب أي خطأ حتى تستبدلوني !
_ ليس الأمر في أنك لم ترتكب خطأ ، لكنّي أظن أن الحضور يفضلون التبديل والتغيير حتى يرفهوا عن أنفسهم .
لم أجيبه كانت صدمة وقعت عليّ بقوةٍ كالفأس حين تقطع الخشب ، إنها أقسى لحظة .
_ شكراً لك لكل المدةِ التي قضيتها معنا وأنا أقدرُ براعتك وبالنسبةِ للمال فقد أوصلنا آخر دفعة لعائلتك أمس .
ما الذي يحصل .. لماذا إنقلب كل شيء في وهلة ، خرجتُ من الغرفة قاصداً أن أحزم أغراضي .
سرتُ بخطواتٍ متثاقلة على الرصيف الذي إعتدتُ المشي عليه حين كنتُ أعودُ لمنزلي قبل إقامتي في ذلك المكان اللعين .
وصلتُ لعتبة باب منزلنا وأنا خائف من الدخول ، كان ضميري قد بدأ يأنبني .
فتحتُ البابَ يالَ العجب المكانُ مظلماً ! بدأتُ أنادي لكن لم يجبني أحد .. ربما خرجوا أو ما شابه .
أوساطَ تلك الأفكار التي تدفقت عليّ أسمع صوت أمرأة عجوز من خلفي كان مألوفاً لي ...
إنها جارتنا السيدة ويلسون
_ مرحباً سيدتي .
_ ستيفن !
قالتها بنبرة مخنوقة غريبة مستكملة ما بدأته
_ ماذا تفعل هنا ؟
_ أتيتُ لمنزلي .. لماذا الإستغراب ؟ اه صحيح هل تعرفين أين أمي وميار ؟ لم أجدهم في الداخلِ .
كانت الدموع قد بدأت بالتساقط من أعين السيدة ويلسون الضعيفة ،
لم أطمئن لهذا .. بنبرة ضاحكة مترددة
_ ماذا هناك يا سيدتي ؟ لماذا تبكين ؟
_ أمك ... أمك ماتت .
ريح باردة ضربتني حين أنهت جملتها الأخيرة .. كالصاعقة التي تشطر السماء نصفين
_ ماذا ؟ ماذا تقولين .... لا بد أنكِ تمزحين .
_ لا أمزح .. لقد توفت بسبب نقصِ المال الذي عانت منه فترة غيابك ومحاولتها الحصول على لقمة العيش .
_ لقد كان السيد مارك يوصل لها المال كل تلك الفترة .. عن أي نقص تتحدثين ؟
الدموع تستمر بالنزول ، الغضب والحزن الندم والكره كل تلك المشاعر تخلخلت إلى داخلي بنفس الدقيقة .
_ لا يا بني ، لم يأتِ لها أي أحد .
_ و .. و ميار أين هي ؟
_ أختك مرضت بعد وفاة أمك .. حاولتُ الإعتناء بها لكن قضاء الله كان أكبر من ذلك .
سقطتُ على الأرضِ بصدمة .. دموعي صارت كالمطر تسقي السنبلات المزروعة .. حدقة عيني متقلصة .
صرختُ صرخةٍ قوية هي ترجمة لكل ما حملتهُ داخلي ذلك اليوم .
كانت السيدة ويلسون تحاولُ تهدأتي لكن من يوقف تدفق الماء بعد إنكسار السد الذي كان يمنعها من النزول ؟
وقفت على قدماي بتعب .. خصلةٌ قد غطت عيني .. سرتُ إلى الأمام متجاهلاً مناداة تلك العجوز المتسائلة .
لم أحمل في يدي سوى شيء واحد ... الكمان .. الكمان الذي جمعني مع عائلتي يوماً وفرقني عنهم يوم آخر ،
لم أجد نفسي إلا وأنا واقف بالموضع ذاته الذي كنا نجتمع به لنحصل على لقمة العيش .
جلستُ على الرصيفِ ، خدي الدافئ زادتهُ دفئاً تلك الدموع الحارة المتصببة التي تأبى التوقف ،
يصحب ذلك الثلج الذي إبتدأ أنذاك يهطل بإستمرار .
ما الذي حصل ، كنا نعيش بسعادةٍ رغم فقرنا .. كان الأمل مصباح يجمعنا ويقوي قلوبنا ..
كنا نتعاون حتى يستمر كل منا على قيد حياته ، ما الذي تغير ؟
هل المال من فعل هذا ؟ هل حب الحياة كانت هي السبب ؟ أم هي مصلحة وأنتهت ؟
إلتقطتُ العود من الأرض ثم الآلة وصرت أعزف لحناً لا أعرف ما هو لكنهُ يترجمُ ما في قلبي
أتذكرُ حين كنا نأتي هنا وكنت أنا أعزف بهذهِ اللعينة وميار تفعلُ حركاتها المعتادة وأمي تحملُ قبعة المال ،
إنها المرة الأولى التي أكتشفُ فيها أن تلك الأيام كانت جميلة حقاً ،
تباً لِما لم أعرف هذا إلا الآن ... لوهلة إبتسمتُ لا أرادياً لكنها كانت بسمة مختلفة ؛
تسللَ النعاسُ إلى جفناي المبتلان بالدموعِ الجافة ورحتُ لعالمٍ رأيتُ فيه ضحكة أمي التي إفتقدتها طوالَ تلك المدة .
كانت تمدُ يدها لي ونظراتها تقولُ أنها سامحتني ومن بعيد أختي تلوح بإبتسامة مشرقة ، إنها تنتظرُ مني الجواب
إبتسمتُ أنا الآخر وناولتها يدي إشارة إلى موافقتي .
خــــــلاصــــــــة الــــقـــــصــــــــة :
** الــــمــــال لا يشتري الـــســـعـــــــــــادة **
[/TBL][TBL=https://www.anime-tooon.com/up/uploads/at152899316814491.png]
[/TBL]
[/TBL][TBL=https://www.anime-tooon.com/up/uploads/at15289773871462.png]
كان يوم عادياً .. كنا نقفُ نحن الثلاثة بنفس المكان .. أمام نفس المبنى لنحصل على لقمةِ العيش ؛
الناس يمرون ويذهبون .. كل يوم نرى وجوهاً جديدة ومختلفة عن سابقتها .. البعض منها ترتسم على وجهه
ملامح الغضب ربما طردهُ مديرهُ من العملِ والبعض الآخر كانت ملامحهُ تشير للسعادة وكأن اليوم عيد مولده
والآخر كان يشير إلى الحزن ... هكذا كانت حالنا كل يوم .
مرحباً أسمي ستيفن ، عمري 14 سنة لدي أختٌ أصغر مني أسمها ميار وعمرها 8 سنوات ، أمي كانت أمرأة مجتهدة
تعملُ بكد وتحاول تعويضنا عن كل نقص نشعرُ به بعدما تركنا والدي وتزوج أمرأة لا أعرف كيف أصف ذلك لكنها
كانت غنية وهذا السبب الذي دفعه للتخلي عنا .. نحن نعيشُ منذ ذلك الوقت بكوخٍ يقع في بدايةِ الجبل الموجود بنهايةِ المدينة ،
أنا عازف كمان فقد علمني جدي قبل وفاته العزف وصار هذا الشي وسيلة لنا لنتمكن من مواصلة حياة تقودنا إلى مصيرٍ
مجهول ، نخرجُ كل يوم أنا وأمي وأختي لنبهرَ الناس بعزفي .. ميار كانت تجيدُ حركات بهلوانية تجذبُ الناس إلى
متابعتنا بينما أمي تمسكُ بقبعةٍ مهترئة تجمعُ بها المال من المارةِ .
لقد كان الجو بارداً ... حسناً إنه بداية عيد الميلاد فلا تتفاجئ إذا بدأ الثلج بالتساقط .
_ لقد قَلَ تفاعل الناس .
قلتُ هذا بيأس بعدما أوقفت عزفي ...
_ ستيفن ، إنه بداية عيد الميلاد من الطبيعي أن يحدث هذا .
_ لكن أمي ، كيف سنحصل على المال إن أستمرَ الأمرُ هكذا ... هل يجب أن ننتظر إلى نهاية الشتاء ؟
_ لا تفقد الأمل يا عزيزي ، سنجدُ الحل ... أعتقد أن الجو صار بارداً هيا لنذهب للبيت وغداً نواصل العمل .
وقفت أختي بإبتسامة عريضة مؤيدة لذلك ، أتساءل إن كان المال الذي معنا سيكفي لنهاية الشهر .
عدنا للبيت وتناولنا العشاء بعدما لقت أمي القليل من الخشبِ المهترئ لتشعل به ناراً للتدفئة والطبخ ،
بعد نهاية الطعام ذهب كل منا إلى سريرهِ بينما ظلت أمي ترتب المكان .
لهثات أعتلت كلماتي .. دقاتُ قلبي تزداد كل لحظة .. عرقٌ ينهمر مني كشلال ساخن ؛
أه كان كابوساً ، أخذتُ نفساً عميقاً ثم نزلتُ للطابقِ الأرضي وأنا أسيرُ ببطئ على السلالم
لألمح أمي جالسة على كرسي أمام شمعة كاد نورها أن ينتهي وبيدها كيس صغير
_ يا ألهي ، لا أظن أن هذا سيكيفنا لنهاية الشهر .. ماذا أفعل ؟ يا رب ساعدني .
دموعها بدأت تتساقط بحرقة ، هي لا تريدُ أن تجهدنا بالعملِ أثناء الشتاء ولا تعرف كيف تحصل على
ما يضمنُ بقاءنا للغدِ ، كل هذهِ الهموم كانت أمي تخفيها خلف إبتسامتها الصغيرة تلك .
عدتُ أدراجي راكضاً وألقيتُ نفسي بقوةٍ على سريري واضعاً رأسي على وسادتي القديمة ،
لماذا دموعي تنزل أنا كذلك ؟ لماذا أحسُ أن حنجرتي تخنقني ؟ لماذا أشعر بثقل في صدري ؟
شعرتُ فجأة بضوءٍ تسلل إلى جفناي الناعسان ، إنه الصباح لا أعرف حتى كيف نمتُ البارحة ،
إستيقظتُ لأجد أمي تعد الفطور بإبتسامتها المعتادة وكأن شيئاً لم يكن
_ صباح الخير ستيفن .
قالتها بصوتها الرقيق الذي يدخل قلب السامع فيخترقهُ ليكون سبباً في بسمةِ ذاك الشخص تلقائياً
_ صباح الخير أمي .
_ أذهب وأيقظ ميار لقد تأخرت بالنوم كالعادة .
_ ح حسناً .
رحتُ وأنا لا أعرف كيف لشخصٍ أن يخفي أحزانهُ بسهولةٍ هكذا .. كانت أمي أمرأة قوية حقاً .
تناولنا الفطور ثم أخذتُ كماني وخرجتُ من المنزل مدعياً أنني سأذهبُ للعبِ مع صديقي ماكس
لكن لم يكن الأمر كذلك .. كيف يمكن لي أن أرى أمي تتألم وأسكت ؟ سأعمل بجدٍ حتى وأن كلفني ذلك صحتي .
وصلت للمكان المعتاد الذي كنا نجتمعُ به لكنه كان خالياً بعكس العادة ، هه صحيح من يفكر أن يخرج من منزلهِ
الدافئ وطعامهِ الساخن ليسمع متشرداً صغيراً ... لحظة يأس تزامنت مع سقوط قطرات ثلجٍ أمام ناظري
لا أعرف لماذا ولكنها ذكرتني بأمي ، أبعدتُ هذه الأفكار من رأسي وبدأتُ بالعزفِ .
ساعات مرت ولم يسمع أحد سوى كلب كان يدور حولي ، يبدو أنه جائع .
توقفتُ للحظةٍ آخذاً قسطاً من الراحة بعدما زفرتُ بهدوء لأراه كالبخار الخارج من قدر حساء ساخن .
أصواتُ معدتي علت مسامعي لكنّي أوقفتها بمواصلةِ العزف ، فجأة كل شيء تغير .. رجلٌ بملابس
نبيلة وقف أمامي .. ملامحهُ دلت على الأنبهارِ .. كان يصغي لي ويداه تستعدُ لتصفيقٍ حار ،
أنهيتُ ما أفعله لأبداله النظرات ، صفق لي كما هو مخطط أن يكون
_ أحسنتَ ، جيد جداً .. لا أعرف كيف لطفل مثلك أن يكون بارعاً بالعزفِ كأنهُ رجل محترف .
_ شكرا سيدي .
نادى على شخصٍ لينزل من العربةِ الفاخرة التي كان يقف أمامها فيجيبه خاضعاً بــ لغةٍ دلت على أن الرجل المنبهر
أعلى منه بمئات المرات ليواصل ذاك المسن حديثه قائلاً :
_ هذا ما نبحثُ عنه .
_ لكن يا سيدي ، أنظر إليه ملابسه مهترئة .. هل سيسر هذا الحضور وصاحب الجلالة ؟
_ أصمت ونفذ ، ألا يوجد شيء أسمه ملابس جديدة ؟
قالها بنبرة حادة لدرجةِ أقشعر بدن ذاك المعترض ، لم أفهم شيء .. ما معنى الحضور ؟ وصاحب الجلالة ؟
قاطع شرودي النبيل بإبتسامةٍ خفيفة موضحاً حديثه :
_ لقد كنا نبحث عن عازف كمان من أجل الحفلة الملكية غداً .. ويبدو أننا وجدناه .
_ مم ماذا ؟
_ كما سمعت ، أريدك أن تعزف غداً في قصر الحاكم ويجب أن تكون هناك الساعة الثامنة لأن الحفلة ستبدأ الساعة التاسعة .
_ لــ لكن يا سيدي .. ملابسي ...
_ لا تقلق فقط تعال غداً وستجد كل شيء جاهز .
ودعني وذهبَ راكباً العربة بينما كنت أتحدثُ معه وعقلي يكاد يطير .. هل حدثَ هذا فعلاً ؟ هل سأعزفُ أمام الحاكم ؟
إبتسامة عريضة شقت وجهي الشاحب بعدها ركضت مسرعاً نحو المنزل لأبشرَ أمي المنكسرة بهذا الخبر .
لم تصدق .. كادت تطيرُ من الفرحة ودموعها التي تساقطت في تلك الوهلة تشهدُ على ذلك .
أخذت أمي تشكرُ الرب على رأفتهِ بنا وصارت تقبلني وميار ترقص بسعادةٍ .. كانت ليلة سعيدة بحق .
ذهبتُ في اليوم التالي وفي الموعدِ المحدد كنتُ قد وصلتُ لبابِ القصر بعد دعاء أمي أن أنالَ إعجاب الحضور ،
أخبرتُ الحارس من أكون فأدخلني إلى غرفة تقع قرب المطبخ وألتقيتُ السيد ذاته
_ مرحبا ، أه نسيت أن أعرفك بنفسي .. أنا السيد مارك أندلسون المشرفُ الرسمي على حفلات الحاكم الملكية .
_ أهلاً سيدي ، أنا ستيفن جونسون .
بعد حفلة التعارف كان السيد مارك قد أعطاني ملابسَ جديدة ثم جاءتْ مجموعة خادمات لترتيب شعري .
حانت اللحظة المنتظرة .. دخلتُ للقاعةِ وكل ما في داخلها كان من الطبقة الرفيعة الناس وملابسهم ، الطعام والأثات .
حاولتُ أن أخفي إنبهاري لأسمعَ صفقة السيد مارك وقد أعلنَ للحضور عن عزفي .. أبصرت الناس
لأراهم آذاناً مصغية يتوسطهم بالنهاية كرسي الحاكم وكان قد أعارني إنتباههُ التام .
يجب ألا أخاف .. إنها مجرد عزفة أعتدتُ عليها .. بدأتُ ولا أعرف حقاً متى أنتهيتُ .. فألمحَ الحضور
وقد وقفوا مصفقين لي ، الحاكم كان من ضمنهم .. إبتسمتُ بإرتياح لنجاحي بالعزف ، بعد لحظاتٍ من التصفيق
_ يبدو أنك محترف بعزف الكمان .
_ أجل سيدي .
سألني الحاكم وعيناه كانتا توحيان بالإعجاب التام فيستكمل حديثه :
_ أريدك أن تكون العازف الرسمي لي في الحفلات الملكية ... هل أنتَ موافق ؟
_ أجل يا سيدي ، شكراً لك .
لن تصدقوا فرحتي ذلك اليوم ، كدتُ أن أطير لدرجة عندما عدتُ للمنزل أخذتُ دموع السعادة تنهمر من عيني وأنا
أروي لأمي ما حدث ؛ كانت أمي وميار فرحتان كذلك لنجاحي .
أشهرٌ مرت وإعجاب الحاكم يزدادُ معها وكل حفلة كنتُ أنا العازف البارز فيها ... إلى أن أتى يومٌ ما
حين كلمني السيد مارك مشرف الحفلات الملكية
_ ستيفن ، هل لي بمحادثتك ؟
_ تفضل سيدي .
_ لقد طلب مني الحاكم أن أسألك أن تقيم في القصر إلى أن تصبح في الجامعة .
_ هاااه ؟
_ يريد أن يدربكَ على يدِ مدرب ماهر لتصبح عازف حفلات عالمية ... ما رأيك ؟
_ لكن يا سيدي .. وعائلتي ؟
_ لا تقلق سنتكفل نحن بإيصال المالِ لهم نهاية كل شهر .
طلبتُ منه أن يعطيني يوم لأفكر فيه ، خرجتُ من القصرِ سيراً تحت الثلج وعقلي كان مشغولاً بالتفكير في ذلك العرض ،
صحيح .. لِما لا أوافق .. ليس هناك ما منع طالما سيوصلون المال لأمي وميار .. وأستطيعُ أن اكون بذلك عازف عالمي .
وصلتُ للمنزل وكنتُ قد إتخذتُ قراري ، بعد العشاء فاتحتُ أمي بالموضوع لكنها لم تكن سعيدة مثل كل مرة
_ ستيفن ، لا أريدك أن تذهب وتقيم هناك للأبد ... إن كان هذا لأجل المال فأنا لا أريد أن أخسر أبني لأجله .
_ لكن ...
_ قلتُ لا .
_ أنتِ لا تفهميني ، ألا تريدين أن يكون أبنكِ عازف مشهور ؟
صرختُ بوجهها بعدما وقفت ودفعتُ الكرسي الذي كنتُ جالساً عليه .
بسرعة توجهتُ للغرفة وأخذتُ أجهز أغراضي إستعداداً للأنتقال غداً .
أتى اليوم الذي أغادرُ فيه المنزل ... كانت أمي وميار تقفان بجانب بعض لكني تجاهلتهما تماماً ووصلت عند عتبة الباب
_ ستيفن ، أنتَ تعصي أوامري .
_ لا يهمني ، على أي حال أنا لا أهتم بكِ طالما أنتِ لا تفعلين .
أغلقتُ الباب خلفي ووصلتُ للقصر وأراني الخدم غرفتي الجديدة .. كانت كبيرة جداً لا أبالغُ إن قلتُ أنها تساوي حجم منزلنا .
إستلقيتُ بتعبٍ ، لإغمض عيناي إستعداداً ليومٍ حافل .
مرت الأيام وأنا لم أرَ أمي وميار حينها كان السيد مارك قد أحضر المدرب وصار يُدربني ، أظنُ أنني قد تحسنتُ حقاً
كنتُ كلما أسألهُ عن عائلتي يقول أنهم يوصلون لهم المال ويطمئنوهم عني ، وهذا ما يجعل ضميري مرتاح إلى الآن .
بعد مرور 6 أشهر وأنا إلى الآن لم أكن قد زرتُ أمي وميار كان المدرب قد إعتذر عن مواصلةِ تدريبي مدعياً أن
لديه وعكة صحية ولا يستيطع الأستمرار معي ، وعدَ السيد مارك بإحضار آخر لكن مر إسبوعان ولم يأتي البديل
إلى الآن ... أستيقظتُ صباح يوم عادي ، لأسمع همسات الخدم تعلو المطبخ .. بعدما سألتُ قالوا إنهم أحضروا
عازف كمان آخر .. فورَ سماعي لهذا توجهتُ بسرعة نحو السيد مارك ودخلتُ غرفته ، كان يتطلعُ إلى المدينة من خلال
نافذتهِ وبيده اليسرى سيجارة أما اليد الأخرى كانت خلف ظهره
_ سيد مارك .
_ أوه ستيفن ، كنتُ أريد أن أحادثك .. لحسنِ الحظ أنك أتيت .
_ هل صحيح أنكم أحضرتم عازفاً آخر .
_ أجل ، يبدو أن عقد عملنا معك قد إنتهى وحان الوقت لإحضار آخر .
_ لكن ، أنا لم أرتكب أي خطأ حتى تستبدلوني !
_ ليس الأمر في أنك لم ترتكب خطأ ، لكنّي أظن أن الحضور يفضلون التبديل والتغيير حتى يرفهوا عن أنفسهم .
لم أجيبه كانت صدمة وقعت عليّ بقوةٍ كالفأس حين تقطع الخشب ، إنها أقسى لحظة .
_ شكراً لك لكل المدةِ التي قضيتها معنا وأنا أقدرُ براعتك وبالنسبةِ للمال فقد أوصلنا آخر دفعة لعائلتك أمس .
ما الذي يحصل .. لماذا إنقلب كل شيء في وهلة ، خرجتُ من الغرفة قاصداً أن أحزم أغراضي .
سرتُ بخطواتٍ متثاقلة على الرصيف الذي إعتدتُ المشي عليه حين كنتُ أعودُ لمنزلي قبل إقامتي في ذلك المكان اللعين .
وصلتُ لعتبة باب منزلنا وأنا خائف من الدخول ، كان ضميري قد بدأ يأنبني .
فتحتُ البابَ يالَ العجب المكانُ مظلماً ! بدأتُ أنادي لكن لم يجبني أحد .. ربما خرجوا أو ما شابه .
أوساطَ تلك الأفكار التي تدفقت عليّ أسمع صوت أمرأة عجوز من خلفي كان مألوفاً لي ...
إنها جارتنا السيدة ويلسون
_ مرحباً سيدتي .
_ ستيفن !
قالتها بنبرة مخنوقة غريبة مستكملة ما بدأته
_ ماذا تفعل هنا ؟
_ أتيتُ لمنزلي .. لماذا الإستغراب ؟ اه صحيح هل تعرفين أين أمي وميار ؟ لم أجدهم في الداخلِ .
كانت الدموع قد بدأت بالتساقط من أعين السيدة ويلسون الضعيفة ،
لم أطمئن لهذا .. بنبرة ضاحكة مترددة
_ ماذا هناك يا سيدتي ؟ لماذا تبكين ؟
_ أمك ... أمك ماتت .
ريح باردة ضربتني حين أنهت جملتها الأخيرة .. كالصاعقة التي تشطر السماء نصفين
_ ماذا ؟ ماذا تقولين .... لا بد أنكِ تمزحين .
_ لا أمزح .. لقد توفت بسبب نقصِ المال الذي عانت منه فترة غيابك ومحاولتها الحصول على لقمة العيش .
_ لقد كان السيد مارك يوصل لها المال كل تلك الفترة .. عن أي نقص تتحدثين ؟
الدموع تستمر بالنزول ، الغضب والحزن الندم والكره كل تلك المشاعر تخلخلت إلى داخلي بنفس الدقيقة .
_ لا يا بني ، لم يأتِ لها أي أحد .
_ و .. و ميار أين هي ؟
_ أختك مرضت بعد وفاة أمك .. حاولتُ الإعتناء بها لكن قضاء الله كان أكبر من ذلك .
سقطتُ على الأرضِ بصدمة .. دموعي صارت كالمطر تسقي السنبلات المزروعة .. حدقة عيني متقلصة .
صرختُ صرخةٍ قوية هي ترجمة لكل ما حملتهُ داخلي ذلك اليوم .
كانت السيدة ويلسون تحاولُ تهدأتي لكن من يوقف تدفق الماء بعد إنكسار السد الذي كان يمنعها من النزول ؟
وقفت على قدماي بتعب .. خصلةٌ قد غطت عيني .. سرتُ إلى الأمام متجاهلاً مناداة تلك العجوز المتسائلة .
لم أحمل في يدي سوى شيء واحد ... الكمان .. الكمان الذي جمعني مع عائلتي يوماً وفرقني عنهم يوم آخر ،
لم أجد نفسي إلا وأنا واقف بالموضع ذاته الذي كنا نجتمع به لنحصل على لقمة العيش .
جلستُ على الرصيفِ ، خدي الدافئ زادتهُ دفئاً تلك الدموع الحارة المتصببة التي تأبى التوقف ،
يصحب ذلك الثلج الذي إبتدأ أنذاك يهطل بإستمرار .
ما الذي حصل ، كنا نعيش بسعادةٍ رغم فقرنا .. كان الأمل مصباح يجمعنا ويقوي قلوبنا ..
كنا نتعاون حتى يستمر كل منا على قيد حياته ، ما الذي تغير ؟
هل المال من فعل هذا ؟ هل حب الحياة كانت هي السبب ؟ أم هي مصلحة وأنتهت ؟
إلتقطتُ العود من الأرض ثم الآلة وصرت أعزف لحناً لا أعرف ما هو لكنهُ يترجمُ ما في قلبي
أتذكرُ حين كنا نأتي هنا وكنت أنا أعزف بهذهِ اللعينة وميار تفعلُ حركاتها المعتادة وأمي تحملُ قبعة المال ،
إنها المرة الأولى التي أكتشفُ فيها أن تلك الأيام كانت جميلة حقاً ،
تباً لِما لم أعرف هذا إلا الآن ... لوهلة إبتسمتُ لا أرادياً لكنها كانت بسمة مختلفة ؛
تسللَ النعاسُ إلى جفناي المبتلان بالدموعِ الجافة ورحتُ لعالمٍ رأيتُ فيه ضحكة أمي التي إفتقدتها طوالَ تلك المدة .
كانت تمدُ يدها لي ونظراتها تقولُ أنها سامحتني ومن بعيد أختي تلوح بإبتسامة مشرقة ، إنها تنتظرُ مني الجواب
إبتسمتُ أنا الآخر وناولتها يدي إشارة إلى موافقتي .
خــــــلاصــــــــة الــــقـــــصــــــــة :
** الــــمــــال لا يشتري الـــســـعـــــــــــادة **
[/TBL][TBL=https://www.anime-tooon.com/up/uploads/at152899316814491.png]
[/TBL]
التعديل الأخير: