[TBL=https://www.anime-tooon.com/up/uploads/at154176966592341.jpg]
[/TBL][TBL=https://www.anime-tooon.com/up/uploads/at154176989554381.jpg]
رمى أحدهم الطبق أمامي، حاولت أن أنظر إليه، لكنني كنت أعلم أنه أكل عفن كالعادة،
كم مضى من الوقت على وجودي في هذا المكان مع جملة من بنات قريتي تحرسنا حفنة من الجنود الثملين؟
وقت طويل، هذا شيء أكيد.. لكن هل سينتهي؟
نظرت إلى الفتيات الأخريات، لقد رمين أنفسهن بلهفة على القمامة التي قدموها لنا تحت مسمى "العشاء"،
إنهن يأكلن بشراهة كالعادة.
أغلقت عيني لبرهة، و نظرت عبر نافذة صغيرة تطل على القمر، لكن قضبانا حديدية قد كانت تحول
بيني و بين رؤيته كاملا كما يحلو لي..
حينها فقط، تذكرت،
قريتي...
استيقظت على رائحة الخبز الطازج، علمت أن أمي قد بدأت سلسلة التحضيرات الصباحية،
كانت هذه التحضيرات تبدأ بالخبز الطازج و تنتهي بإرسالي أنا و أخي إلى مقرات تعليمنا.
كانت ثانويتي قريبة نوعا من بيتنا الصغير الذي يقع فوق تل محموم بلهيب الذكريات، لذا كنت أذهب إليها مشيا،
أما أخي فقد كان يستقل الحافلة إلى جامعته التي تقع في مدينة مجاورة.
تقدمت نحو المطبخ بعد أن سمحت لأنفي بأن يقودني، فوجدت هناك أمي نوجيكا تحضر الفطور، حييتها و أخذت قطعة خبز و تناولتها مع مربى العم جين، لقد كان هذا الأخير خير من يصنع المربى في القرية.
لم تكد أول لقمة تصل إلى معدتي حتى أحسست بضربة قوية تمكنت من رأسي، استدرت غاضبة لأرى أخي آكامي أشد غضبا مني و هو يقول : "-لقد طلبت منك أن توقظيني باكرا! إنها امتحانات الدورة!"
أجبته بغضب : "-لقد نسيت!"
ثم قال و هو يجتاز عتبة الباب : "- إذا تأخرت و رسبت، سأحرمك من المربى لبقية حياتك!"
أجبته و أنا أحاول إغاظته : "-سترسب حتى و لو وصلت على الموعد!"
لكنه لم يستسلم، إذ قال : "- إذن ستحرمين من المربى حتى و لو نجحت!"
لم أكد أفتح فمي لأجيب حتى سمعته يقول : "-إلى اللقاء أمي"
ثم اختفى..
ابتسمت ابتسامة خفيفة و تابعت تناول فطوري، لقد كانت تلك آخر وجبة جيدة أحظى بها في حياتي!
قالت أمي : "-لديك امتحان رياضيات اليوم أليس كذلك؟"
" - أجل"
" - هل راجعت كما يجب؟ "
" - تقريبا.."
" -أراهن على أنك قد أمضيت ليلتك في تأمل القمر يا مشاغبة!"
ضحكت بتوتر و قلت : "-لكنه كان جميلا و هو مكتمل!"
" - اسمعي.. لقد كانت أمنية والدك الأخيرة هي أن يراك ناجحة أنت و آكامي.. أعلم أن القمر جميل لكن.. أمنية والدك أهم"
" -أعلم ذلك يا أمي و بالمناسبة.. لقد كنت أمزح! لقد راجعت كما يجب، و أعدك بأن أكون ضمن الأوائل"
"-هذه هي الروح! هيا.. اذهبي و لا تتأخري"
عدت إلى الغرفة بسرعة و حملت حقيبتي المدرسية و خرجت بعد أن حييت لأمي للمرة التي لم أكن لأتخيل أنها الأخيرة.
عبرت التل و نزلت إلى القرية، الجميع يتحدثون حول نفس الموضوع كالعادة : التوترات التي تحدث عند الحدود.
جورجينا، قرية صغيرة أسكنها أنا و أسرتي الصغيرة، كانت تقع على الحدود بين وطنين متنازعين، و بالتالي فإن المشاكل دائمة الحصول، خصوصا و أن المملكة المجاورة تحاول منذ قرون الاستيلاء على منطقتنا. منذ طفولتنا تربينا على أن لانقترب من منطقة الحدود التي يدعونها ب "الخط الشائك" و كانوا يقولون لنا أنها مسكن الغول الذي سيلتهمنا إن اقتربنا منه.
لكننا عندما نكبر، نفهم الكثير من الأشياء.
تابعت المشي نحو الثانوية، لكن فجأة، تذكرت أمرا أفجع ذاكرتي المسكينة.
لقد نسيت ورقة السماح بالدخول إلى الامتحان!
لقد كانت هناك، البارحة، على المنضدة حين كنت أتأمل القمر من نافذة غرفتي! كيف يكون من الممكن أن أنسى شيئا مهما كهذا؟!
بدأت رحلة العودة إلى المنزل ركضا إلى أن أصبحت أجاري الرياح، كنت متوترة للغاية، لكن ذاك الإحساس قد كان جميلا بشكل ما.
وصلت إلى أسفل التل و وقعت عيناي على ضيفين غير مألوفين، هل من عادة أمي أن تستقبل الجنود في المنزل؟ و لكنهم ليسوا مجرد جنود، إنهم جنود البلد المجاور!
نظرت بتمعن و رأيت كيف فتحت أمي لهم الباب، كانت أطرافي متجمدة، متصلبة وخائرة القوى، لم أكن أجرؤ على تحريك أي عضو من جسمي.
كانوا هناك، و كنت هناك.
بين الأشجار
أختنق
أرى سلاحا كالأفعى يخترق أحشاء أمي التي كانت تنبض بالحيوية قبل قليل.
رأيتها كيف وقعت أرضا و هي تبتسم، أجل.. تبتسم! تبتسم لأنها سعيدة! سعيدة بكونها ستلحق بأبي و جدي و جدتي! سعيدة لأننا أنا و أخي لم نكن موجودين في البيت حينها!
سعيدة!
اختفت ذكرياتي التي تلي تلك اللحظة، لم أعد أتذكر إلا منظر الثانوية التي تحترق.
غزا العدو القرية على حين غرة، و لا شك في أنه سيتغلغل في القرى المجاورة!
كنت أعلم أن أخي سيأتي ليبحث عني بعد أن يعلم ما حدث، لكنني لم أعلم كيف بإمكاني إيجاده وسط تلك الفوضى العارمة.
أو ربما، من الممكن أن لا يأتي أبدا خوفا على نفسه، فهو في مكان آمن، إنه في المدينة، و لا يوجد أحمق على وجه الأرض يقبل بأن يمشي نحو الهلاك.
كنت أعلم أن الوقت لن يطول قبل أن يصلوا إلي، و هذا ما فعلوه، ففي اليوم الموالي، عثر علي و تم أخذي أسيرة إلى مكان لم أعرفه و تم وضعي في زنزانة حقيرة مع فتيات أخريات و في قلبي مئة سؤال.
تحطم الخط الشائك و انتشرت الأشواك في كل مكان لتحطم كيان كل ذي حلم و حلمه.
كانت ساحة سجن الأسرى مقرا لتدريب جنود هذا البلد المقيت، كنا نسمع كل يوم وقع خطواتهم القوية على الأرض و هم يتدربون على البروتوكول.
ذات يوم سمعت أصواتا غير مألوفة، و علمت من خلال كلام الأوغاد الذين يحرسوننا أن ذاك اليوم قد كان مخصصا لاستقبال الجنود المستجدين.
بقيت أسمع ما يحدث في الخارج، إلى أن بدأ صوت رجل أجش يردد أسماء الجنود المستجدين وصاحب الاسم يقول : "حاضر" بصوت قوي بعد كل نداء.
كان ملل الزنزانة يدفعني إلى التركيز على ما يحدث في الخارج، ظللت أتبع الأسماء إلى أن سمعت اسم : كونغو آكامي.
تلت الاسم صرخة من صوت مألوف يقول : "حاضر"
لا شك في ذلك، إنه أخي آكامي!
حاولت النظر عبر النافذة لعلي أرى أخي، لكنني كنت أقصر من أن ألمسها حتى بيدي.
دخلت نوبة غضب كبيرة بدأت أصرخ خلالها باسمه لعله يأتي لنجدتي لكنه لم يفعل، و سرعان ما استرعى صراخي اهتمام الحراس فأتوا و قيدوني بسلاسل حديدية.
و هكذا عشت باقي الأيام على هذا المنوال، لا آكل و لا أشرب، و أعيش كل يوم على أمل لقاء أخي الذي كانت كلمة "حاضر" تلك آخر ما سمعته منه.
لقد مضت على هذا الحدث شهور عديدة، و وحدتي هي مؤنسي الوحيد.
كنت أسمع كل يوم خطوات تدريبات الجنود و أنا أعلم أن آكامي من بينهم، و قد حاولت أن أخمن ألف مرة الجدوى من حبس الفتيات هنا، لكن كل الأفكار التي كانت تتوافد على رأسي كانت أسوأ من بعضها.
و في صباح يوم قاتم، فتحت الزنزانة و دخل وفد من الحراس و وضعوا أيديهم على كل الفتيات و لم أكن استثناء بالطبع.
حاولت المقاومة بكل ما أوتيت من قوة لكن ما من جدوى.
تم عصب أعيننا و وضعنا في مكان يشبه الشاحنة، و بينما كانت هذه الأخير تسير، التقفت أذناي بعض الكلمات من الحراس :
"-لقد صدر الأمر، هل سنعود بلا عمل من جديد؟"
" - يبدو ذلك، فالزنزانات ستصبح شاغرة، لن نحرس الهواء كما تعلم"
"- ستعود أيام تنظيف النزل الجماعي من جديد"
"- أجل فالفتيات سيتم تصديرهن بعد كل شيء"
لحظة، هل قال للتو كلمة "تصدير"؟ هل هذا يعني ٲننا سنباع؟ هل هذه هي الغاية من إبقائنا هنا؟
قاطع حبل أفكاري صوت مألوف قال :" - أين الكولونيل؟ "
تهللت ٲساريري و احترت بين الدهشة و الفرح و الصدمة، هل هذا ٲخي؟
حاولت إزالة جزء من العصابة لعلي ٲلمح وجهه السموح، و هذا ما حدث، إنه هو بالفعل! أيعقل أنه لم يتعرف علي؟
أجابه حارس آخر : "- إنه مع دفعة الفتيات الأخرى"
فقال له أخي : "-أو تعلمون شيئا؟"
نظروا إليه منتظرين تكملة العبارة فتابع بصوت عال : "-تبا لكم!!!!!!!!!"
أخرج رشاشا بسرعة فائقة و صوب على الجنود الآخرين فخروا ساقطين و هم صرعى.
توجه أخي إلي وفك قيدي، وددت لو أسأله ألف سؤال و سؤال لكنه منعني، كنا على وشك الهروب لكنني أوقفته قائلة : "-ماذا عن الفتيات؟"
"- يجب أن نذهب بسرعة!"
"- لكن يجب أن ننقذهن!"
"- لقد خاطرت مخاطرة كبيرة لإنقاذك هيا بنا!"
"- لا يمكنني تركهن!"
"- تبا! هيا! "
سحبني رغما عني لكنني قاومت، و فجٲة شعرت بٲنه قد ترك يدي، لكن بشكل مثير للريبة.
وقع آكامي أرضا فاستدرت إلى الخلف فرٲيت جنديا يحمل رشاشا مصوبا نحوه، لا شك في ٲنه السائق! لقد نسينا ٲمره تماما!
نظرت إلى القاتل و القتيل، رعب شديد تمكن من ٲوصالي، ٲم هو ندم لٲنني ضيعت فرصة عمري؟
"سأحرمك من المربى"
كانت هذه جملة آكامي المفضلة لكنها كانت أكثر شيء مرعب لي فيما مضى.
لم أكن لأفكر حتى في رؤيته يموت أمام عيني في يوم من الأيام، لكن يبدو أن عدم تفكيري في هذا لا يكفي.
يا ليته حرمني من المربى و لم يحرمني من رؤيته.
كلا.. لقد حرمت نفسي من رؤيته، لولا عنادي لكنا الآن في بر الأمان على الجهة الثانية من الحدود ربما.
أحيانا يجب على المرء أن لا يحاول لعب دور البطل إن كان ضحية في المقام الأول،
لكنني قد تعلمت الدرس بعد أن فات الأوان، غريبة هذه الحياة، تختبرك ثم تقدم لك الدرس.
ها ٲنا ذي في الزنزانة، لا أعرف كيف عدت إليها، فكل الٲحداث التي تلت مقتل ٲخي قد محيت من ذاكرتي و ٲنا ٲسٲل نفسي..
ماذا لو وافقت على الذهاب معه؟
ماذا لو ٲيقظته باكرا ليذهب إلى الجامعة؟
ماذا لو لم ٲنس ورقة الامتحان في البيت؟
ماذا لو..
ولدت في عالم بلا كراهية ؟
النهاية
[/TBL]
[/TBL][TBL=https://www.anime-tooon.com/up/uploads/at154176989554381.jpg]
رمى أحدهم الطبق أمامي، حاولت أن أنظر إليه، لكنني كنت أعلم أنه أكل عفن كالعادة،
كم مضى من الوقت على وجودي في هذا المكان مع جملة من بنات قريتي تحرسنا حفنة من الجنود الثملين؟
وقت طويل، هذا شيء أكيد.. لكن هل سينتهي؟
نظرت إلى الفتيات الأخريات، لقد رمين أنفسهن بلهفة على القمامة التي قدموها لنا تحت مسمى "العشاء"،
إنهن يأكلن بشراهة كالعادة.
أغلقت عيني لبرهة، و نظرت عبر نافذة صغيرة تطل على القمر، لكن قضبانا حديدية قد كانت تحول
بيني و بين رؤيته كاملا كما يحلو لي..
حينها فقط، تذكرت،
قريتي...
استيقظت على رائحة الخبز الطازج، علمت أن أمي قد بدأت سلسلة التحضيرات الصباحية،
كانت هذه التحضيرات تبدأ بالخبز الطازج و تنتهي بإرسالي أنا و أخي إلى مقرات تعليمنا.
كانت ثانويتي قريبة نوعا من بيتنا الصغير الذي يقع فوق تل محموم بلهيب الذكريات، لذا كنت أذهب إليها مشيا،
أما أخي فقد كان يستقل الحافلة إلى جامعته التي تقع في مدينة مجاورة.
تقدمت نحو المطبخ بعد أن سمحت لأنفي بأن يقودني، فوجدت هناك أمي نوجيكا تحضر الفطور، حييتها و أخذت قطعة خبز و تناولتها مع مربى العم جين، لقد كان هذا الأخير خير من يصنع المربى في القرية.
لم تكد أول لقمة تصل إلى معدتي حتى أحسست بضربة قوية تمكنت من رأسي، استدرت غاضبة لأرى أخي آكامي أشد غضبا مني و هو يقول : "-لقد طلبت منك أن توقظيني باكرا! إنها امتحانات الدورة!"
أجبته بغضب : "-لقد نسيت!"
ثم قال و هو يجتاز عتبة الباب : "- إذا تأخرت و رسبت، سأحرمك من المربى لبقية حياتك!"
أجبته و أنا أحاول إغاظته : "-سترسب حتى و لو وصلت على الموعد!"
لكنه لم يستسلم، إذ قال : "- إذن ستحرمين من المربى حتى و لو نجحت!"
لم أكد أفتح فمي لأجيب حتى سمعته يقول : "-إلى اللقاء أمي"
ثم اختفى..
ابتسمت ابتسامة خفيفة و تابعت تناول فطوري، لقد كانت تلك آخر وجبة جيدة أحظى بها في حياتي!
قالت أمي : "-لديك امتحان رياضيات اليوم أليس كذلك؟"
" - أجل"
" - هل راجعت كما يجب؟ "
" - تقريبا.."
" -أراهن على أنك قد أمضيت ليلتك في تأمل القمر يا مشاغبة!"
ضحكت بتوتر و قلت : "-لكنه كان جميلا و هو مكتمل!"
" - اسمعي.. لقد كانت أمنية والدك الأخيرة هي أن يراك ناجحة أنت و آكامي.. أعلم أن القمر جميل لكن.. أمنية والدك أهم"
" -أعلم ذلك يا أمي و بالمناسبة.. لقد كنت أمزح! لقد راجعت كما يجب، و أعدك بأن أكون ضمن الأوائل"
"-هذه هي الروح! هيا.. اذهبي و لا تتأخري"
عدت إلى الغرفة بسرعة و حملت حقيبتي المدرسية و خرجت بعد أن حييت لأمي للمرة التي لم أكن لأتخيل أنها الأخيرة.
عبرت التل و نزلت إلى القرية، الجميع يتحدثون حول نفس الموضوع كالعادة : التوترات التي تحدث عند الحدود.
جورجينا، قرية صغيرة أسكنها أنا و أسرتي الصغيرة، كانت تقع على الحدود بين وطنين متنازعين، و بالتالي فإن المشاكل دائمة الحصول، خصوصا و أن المملكة المجاورة تحاول منذ قرون الاستيلاء على منطقتنا. منذ طفولتنا تربينا على أن لانقترب من منطقة الحدود التي يدعونها ب "الخط الشائك" و كانوا يقولون لنا أنها مسكن الغول الذي سيلتهمنا إن اقتربنا منه.
لكننا عندما نكبر، نفهم الكثير من الأشياء.
تابعت المشي نحو الثانوية، لكن فجأة، تذكرت أمرا أفجع ذاكرتي المسكينة.
لقد نسيت ورقة السماح بالدخول إلى الامتحان!
لقد كانت هناك، البارحة، على المنضدة حين كنت أتأمل القمر من نافذة غرفتي! كيف يكون من الممكن أن أنسى شيئا مهما كهذا؟!
بدأت رحلة العودة إلى المنزل ركضا إلى أن أصبحت أجاري الرياح، كنت متوترة للغاية، لكن ذاك الإحساس قد كان جميلا بشكل ما.
وصلت إلى أسفل التل و وقعت عيناي على ضيفين غير مألوفين، هل من عادة أمي أن تستقبل الجنود في المنزل؟ و لكنهم ليسوا مجرد جنود، إنهم جنود البلد المجاور!
نظرت بتمعن و رأيت كيف فتحت أمي لهم الباب، كانت أطرافي متجمدة، متصلبة وخائرة القوى، لم أكن أجرؤ على تحريك أي عضو من جسمي.
كانوا هناك، و كنت هناك.
بين الأشجار
أختنق
أرى سلاحا كالأفعى يخترق أحشاء أمي التي كانت تنبض بالحيوية قبل قليل.
رأيتها كيف وقعت أرضا و هي تبتسم، أجل.. تبتسم! تبتسم لأنها سعيدة! سعيدة بكونها ستلحق بأبي و جدي و جدتي! سعيدة لأننا أنا و أخي لم نكن موجودين في البيت حينها!
سعيدة!
اختفت ذكرياتي التي تلي تلك اللحظة، لم أعد أتذكر إلا منظر الثانوية التي تحترق.
غزا العدو القرية على حين غرة، و لا شك في أنه سيتغلغل في القرى المجاورة!
كنت أعلم أن أخي سيأتي ليبحث عني بعد أن يعلم ما حدث، لكنني لم أعلم كيف بإمكاني إيجاده وسط تلك الفوضى العارمة.
أو ربما، من الممكن أن لا يأتي أبدا خوفا على نفسه، فهو في مكان آمن، إنه في المدينة، و لا يوجد أحمق على وجه الأرض يقبل بأن يمشي نحو الهلاك.
كنت أعلم أن الوقت لن يطول قبل أن يصلوا إلي، و هذا ما فعلوه، ففي اليوم الموالي، عثر علي و تم أخذي أسيرة إلى مكان لم أعرفه و تم وضعي في زنزانة حقيرة مع فتيات أخريات و في قلبي مئة سؤال.
تحطم الخط الشائك و انتشرت الأشواك في كل مكان لتحطم كيان كل ذي حلم و حلمه.
كانت ساحة سجن الأسرى مقرا لتدريب جنود هذا البلد المقيت، كنا نسمع كل يوم وقع خطواتهم القوية على الأرض و هم يتدربون على البروتوكول.
ذات يوم سمعت أصواتا غير مألوفة، و علمت من خلال كلام الأوغاد الذين يحرسوننا أن ذاك اليوم قد كان مخصصا لاستقبال الجنود المستجدين.
بقيت أسمع ما يحدث في الخارج، إلى أن بدأ صوت رجل أجش يردد أسماء الجنود المستجدين وصاحب الاسم يقول : "حاضر" بصوت قوي بعد كل نداء.
كان ملل الزنزانة يدفعني إلى التركيز على ما يحدث في الخارج، ظللت أتبع الأسماء إلى أن سمعت اسم : كونغو آكامي.
تلت الاسم صرخة من صوت مألوف يقول : "حاضر"
لا شك في ذلك، إنه أخي آكامي!
حاولت النظر عبر النافذة لعلي أرى أخي، لكنني كنت أقصر من أن ألمسها حتى بيدي.
دخلت نوبة غضب كبيرة بدأت أصرخ خلالها باسمه لعله يأتي لنجدتي لكنه لم يفعل، و سرعان ما استرعى صراخي اهتمام الحراس فأتوا و قيدوني بسلاسل حديدية.
و هكذا عشت باقي الأيام على هذا المنوال، لا آكل و لا أشرب، و أعيش كل يوم على أمل لقاء أخي الذي كانت كلمة "حاضر" تلك آخر ما سمعته منه.
لقد مضت على هذا الحدث شهور عديدة، و وحدتي هي مؤنسي الوحيد.
كنت أسمع كل يوم خطوات تدريبات الجنود و أنا أعلم أن آكامي من بينهم، و قد حاولت أن أخمن ألف مرة الجدوى من حبس الفتيات هنا، لكن كل الأفكار التي كانت تتوافد على رأسي كانت أسوأ من بعضها.
و في صباح يوم قاتم، فتحت الزنزانة و دخل وفد من الحراس و وضعوا أيديهم على كل الفتيات و لم أكن استثناء بالطبع.
حاولت المقاومة بكل ما أوتيت من قوة لكن ما من جدوى.
تم عصب أعيننا و وضعنا في مكان يشبه الشاحنة، و بينما كانت هذه الأخير تسير، التقفت أذناي بعض الكلمات من الحراس :
"-لقد صدر الأمر، هل سنعود بلا عمل من جديد؟"
" - يبدو ذلك، فالزنزانات ستصبح شاغرة، لن نحرس الهواء كما تعلم"
"- ستعود أيام تنظيف النزل الجماعي من جديد"
"- أجل فالفتيات سيتم تصديرهن بعد كل شيء"
لحظة، هل قال للتو كلمة "تصدير"؟ هل هذا يعني ٲننا سنباع؟ هل هذه هي الغاية من إبقائنا هنا؟
قاطع حبل أفكاري صوت مألوف قال :" - أين الكولونيل؟ "
تهللت ٲساريري و احترت بين الدهشة و الفرح و الصدمة، هل هذا ٲخي؟
حاولت إزالة جزء من العصابة لعلي ٲلمح وجهه السموح، و هذا ما حدث، إنه هو بالفعل! أيعقل أنه لم يتعرف علي؟
أجابه حارس آخر : "- إنه مع دفعة الفتيات الأخرى"
فقال له أخي : "-أو تعلمون شيئا؟"
نظروا إليه منتظرين تكملة العبارة فتابع بصوت عال : "-تبا لكم!!!!!!!!!"
أخرج رشاشا بسرعة فائقة و صوب على الجنود الآخرين فخروا ساقطين و هم صرعى.
توجه أخي إلي وفك قيدي، وددت لو أسأله ألف سؤال و سؤال لكنه منعني، كنا على وشك الهروب لكنني أوقفته قائلة : "-ماذا عن الفتيات؟"
"- يجب أن نذهب بسرعة!"
"- لكن يجب أن ننقذهن!"
"- لقد خاطرت مخاطرة كبيرة لإنقاذك هيا بنا!"
"- لا يمكنني تركهن!"
"- تبا! هيا! "
سحبني رغما عني لكنني قاومت، و فجٲة شعرت بٲنه قد ترك يدي، لكن بشكل مثير للريبة.
وقع آكامي أرضا فاستدرت إلى الخلف فرٲيت جنديا يحمل رشاشا مصوبا نحوه، لا شك في ٲنه السائق! لقد نسينا ٲمره تماما!
نظرت إلى القاتل و القتيل، رعب شديد تمكن من ٲوصالي، ٲم هو ندم لٲنني ضيعت فرصة عمري؟
"سأحرمك من المربى"
كانت هذه جملة آكامي المفضلة لكنها كانت أكثر شيء مرعب لي فيما مضى.
لم أكن لأفكر حتى في رؤيته يموت أمام عيني في يوم من الأيام، لكن يبدو أن عدم تفكيري في هذا لا يكفي.
يا ليته حرمني من المربى و لم يحرمني من رؤيته.
كلا.. لقد حرمت نفسي من رؤيته، لولا عنادي لكنا الآن في بر الأمان على الجهة الثانية من الحدود ربما.
أحيانا يجب على المرء أن لا يحاول لعب دور البطل إن كان ضحية في المقام الأول،
لكنني قد تعلمت الدرس بعد أن فات الأوان، غريبة هذه الحياة، تختبرك ثم تقدم لك الدرس.
ها ٲنا ذي في الزنزانة، لا أعرف كيف عدت إليها، فكل الٲحداث التي تلت مقتل ٲخي قد محيت من ذاكرتي و ٲنا ٲسٲل نفسي..
ماذا لو وافقت على الذهاب معه؟
ماذا لو ٲيقظته باكرا ليذهب إلى الجامعة؟
ماذا لو لم ٲنس ورقة الامتحان في البيت؟
ماذا لو..
ولدت في عالم بلا كراهية ؟
النهاية
[/TBL]
التعديل الأخير بواسطة المشرف: