- إنضم
- 21 يونيو 2014
- رقم العضوية
- 2291
- المشاركات
- 41
- مستوى التفاعل
- 84
- النقاط
- 265
- توناتي
- 0
- الجنس
- ذكر
LV
0
.
"إلى: تيون هوكز"
"العنوان:أمستردام - معرض تورش - لوريرجراخت 94" كُتِبَ ذلك على الرسالة التي تركها ساعي البريد صباحاً في صندوق
بريد معرض تورش. المعرض الذي كان في يوماً ما مزاراً تصب إليه جحافل الفنانين. ولكنه اليوم مجرد غرفة قديمة مظلمة
يتردد فيها حتى صوت وقع الإبرة.
معرض تورش أصبح مجرد معمل قديم يعمل فيه تيون هوكز ، هوكز كان رجلاً في بادئ الأربعينيات متمسكاً بحلمٍ ربما قد فات
،يأمل أن فنه سيعود محط الأنظار كما كان في وقت مضى ، عالقاً في ما كان بدلاً مما سيكون. كان تيون هوكز قد انتهى من
عمله على أحدث لوحاته، وهي لوحة لنار موقدة أسماها هوكز "المدفأة".
"سأقطع أمستردام كاملة وأمر ببحيرة سلوتربلاس وحديقة فوندبارك كل يوم، لأتدفأ منها" قال هوكز بفخر عندما انتهى من
رسمه للمدفأة. كان يقطع مسافات كثيرة بسيارته المتهالكة وصولاً إلى ذلك المعرض. وكان على استعداد أن يقطع مسافاتٍ
أكثر وأكثر.
اللون الأحمر:
لاحظ هوكز وجود طردٍ له في صندوق البريد وهو أمر غير مألوف أبداً!
كان محتواه مغلفاً بظرف أحمر، أحمرٍ كدم الغزال. فتح هوكز الظرف ووجد فيه رسمةً ورسالة.
الرسمة كانت رسمة متقنة له يجلس بجوار رسمته "المدفأة" ويحاول التدفأ بها، ارتكزت شعيرات جسد هوكز مُقشَعِرَّةً،
يتسائل من الناحية المشرقة كيف لهذه الرسمة أن تكون بهذا الجمال والدقة ويرتعش من الناحية الأخرى فلم يدخل
أحد إلى هنا قط!
أما الرسالة فكانت أشد غرابة فاحتوت الآتي "أنا التي قَتَلْتَها مرة وسَتَقْتُلُها مرة وستَقتُلُكَ مرة".
قفز هوكز عندما شعر بلمسات أنامل صغيرة تداعب عنقه، وشعر طويل ناعم يلامس أطرافه، أخذ نظرة عن يمينه وأخرى
عن شماله ولكنه لم يجد شيئاً من حوله. وفي وسط ذلك الهدوء سمع هوكز صوت لوحة الألوان تسقط، اقشعر جسده
ونهض باحثاً عما يفسر ما يحدث له. حتى وجد ما هو أغرب فقد اختفى اللون الأحمر من لوحة ألوانه.
خرج هوكز فزعاً لم يرد أن يفكر فيما حدث، لم يعد يهتم بتفسيره هو فقط يريد العودة إلى منزله، ولكن التفكير سرقه
أثناء طريق عودته حتى توقف عند إشارة مرور، كانت الإشارة معطلة لم يعرف ماذا يجدر به أن يفعل، انتظر قليلاً
حتى رأى الطريق خالياً فَهَمَّ بالعبور.
أثناء قطعه للإشارة التفت يساراً فإذا به يرى الضوء الأخضر، كان ذلك الضوء مخصصاً لمن يعبر من يمينه فلم تكن
الإشارة معطلة كما ظن. فاجئ ذلك احدى السيارات التي قدمت من اليمين ، خاض هوكز عراكاً مطولاً يحاول فيه
توضيح الاختلاف الحاصل وأن اشارته تعطلت. كان ذلك كفيلاً بأن ينسيه ما حدث في المعرض
حتى وصل إلى منزله بسلام.
اللون الأزرق:
كان هوكز يصل إلى المعرض عادة في المساء بعد أن ينتهي من عمله كبائع القرطاسية وهو ما أمده بالكثير من
المصادر التي ساعدته في رسم لوحاته، ولكن بعد ما حدث بالأمس كان يجدر به الذهاب صباحا. فاختار العودة في
منتصف عمله نصف ساعة قبيل الغروب وعندما وصل وجد طرداً آخر.
كان محتواه مغلفاً بظرف أزرق، أزرقٍ كصفاء السماء. فتح هوكز الظرف فوجد فيه رسالة.
"أنا أقطنها، أقطن زوجتك الراحلة كاترينا، وهي تحمل سري."
صعق هوكز وأخذ العرق يتصبب من تجاعيد جبينه ومن كل ما يفرز سائلاً في جسده. فلم يكن ذلك الشيء فقط يطارده
بل ويعرف الكثير عنه كاسم زوجته، وكان الأدهى والأمر هو أنه تم ذكر زوجته الراحلة، ولكن كاترينا على قيد الحياة!.
فزع هوكز وبحث عن هاتفه ليتواصل مع زوجته فتلك الرسالة مهما كان مقصدها فهو لن يكون جيداً، تيون هوكز
وكاترينا هوكز كانا على يعيشان أجمل أوقاتهما، يترقبان مولودهما القادم ما جعل كاترينا تقضي وقتاً طويلا في منزل
والدتها وما أعطى تيون وقتاً فارغاً ليقضيه في المعمل. جرت المكالمة على أتم حال فكاترينا لا تعاني من أي شيء
بل على العكس جعلها ذلك أكثر قلقلاً على هوكز.
قرر هوكز الخروج من ذلك المكان قبل أن يشعر مرة أخرى بذلك الجسد فوقه، والشعر يدغدغ أنفه، ولكن الأصابع
لم تكن تداعبه بل كانت تحاول خنقه. ثم اختفى ذلك الشعور. ثم سقطت لوحة الألوان وقد اختفى اللون الأحمر والأزرق.
كان ذلك كفيلاً بأن يدع هوكز يلاحظ أن بصره يضعف بل أن الألوان تختفي فهو لا يرى سوى الأخضر. ولاحظ في
طريقة عودته أن بحيرة سلوتربلاس أصبحت سوداء لم تعد تعكس زرقة سماء أمستردام. بل وذلك يفسر ما حدث
عندما حاول قطع الإشارة ليلة الأمس. فقد اختفى هذان اللونان من بصره. وأنى لفنان أن يعيش دون ألوان. كان ذلك
عندما عرف أنه يجب أن يعود عاجلاً قبل آجلاً حتى ولو كانت الشمس في طي الغروب الآن.
اللون الأخضر:
عاد هوكز ليجد طرداً جديداً
كان محتواه مغلفاً بظرف أخضر ، أخضرٍ كأغصان شجر الربيع. فتح هوكز الظرف فوجد فيه رسالة.
عندما فتح الرسالة اختفت كل الألوان من ناظريه فأصبح عالمه معتماً بلا ألوان. وياله من كابوس يمر ببطئ في
جوف هوكز. فحياة بلا ألوان لا يستطيع له أن يسميها حياة.
" يبدو أنني تحدثت عن نفسي كثيراً، فتسببت بذعرِك كثيراً" كانت هذه الرسالة أكثر حناناً بل وشعر هوكز وكأن
جزءاً منه يتحدث إليه. "لا تَخف لست غريبةً عليك فأنا أرى معطفك كلما ما أتيت، بل أنا أنيسته في لياليك التي
تقضيها جوار المدفأة."
نظر هوكز إلى معطفه فعرف المرسل، "نعم، أنا لوحتك القديمة المظلمة، التي تجلس تحت مقعدك وكأنها دمية
استبدلت بأخرى جديدة، فلهذا سرقت ألوانك "
شعر هوكز بالخزي، حينما نظر إلى كل اللوحات فالخلف يملأها الغبار معدومة ألوانها، ما كان له أن يعاملهن هكذا أبداً.
وأكملت الرسالة "أليس مرعباً كيف أنك أحببتني فقط من أول نظرة؟ أليس مرعباً أن يصبح حبُكَّ هوى في غضون أسابيع؟
ولكن الأكثر رعباً هو كيف نسيت ما هويت حتى النخاع، بمجرد أن ألقيت نظرة أخرى.
نظرة أخرى على تلك الرسمة الجديدة، وأصبحت تشعر بدفئها.
وأنا مجرد لوحة قديمة قتَلتَها، وسَلَبْتَ منها ألوانها.
أحببني مرة أخرى ، خذ من دفئي،
سأعيد إليك ألواني فأعِد إلي ألواني. أعدني إلى الحياة مرة أخرى"
كانت تلك اللوحة هي لوحة لفتاة استواحها من زوجته كاترينا كان يتخيل ابنته عندما رسمها، كانت لوحة لفتاة جميلة
وسعيدة ولكنها أصبحت مجرد سواد أغبر مركونٍ في زاوية لا تكاد ترى.
أعاد هوكز رسم كل لوحاته وتلوينها وأعادها الى الحياة مرة أخرى.
تقرير شرطة أمستردام: حادثة معرض تورش.
الجثة الأولى: كاترينا هوكز – أنثى – 35 سنة.
سبب الوفاة: 11 طعنة في أماكن عشوائية موزعة حول القفص الصدري.
ملحوظة : كانت السيدة حاملاً.
الجثة الثانية: الجنين – أنثى
سبب الوفاة: توفي الجنين إثر وفاة والدته.
الحمض النووي : متطابق مع كاترينا هوكز وهي الأم.
غير متطابق مع تيون هوكز وهو ليس الأب.
الجثة الثالثة: تيون هوكز – ذكر – 42 سنة.
سبب الوفاة: توفي خنقاً.
ملحوظة: جميع الرسمات كانت مصبوغة باللون الأسود ما عدى لوحة لفتاة كتب عليها " أنا التي قَتَلْتَها مرة
وسَتَقْتُلُها مرة وستَقتُلُكَ مرة".
.
التعديل الأخير: