ها قد أشرقت شمس اليوم معلنة بداية معاناة جديدة ،
لا أقدر على الحراك فقلبي يعتليه حجم هائل من السواد .. عيناي مفتوحتان منذ ليلة أمس 'مثل كل مرة ' ؛
و كالعادة أبدأ صباحي بفكرة الخلاص الوحيدة ، لا أعتقد أن لمثلي الحق في الحياة ..
و لكني أيضا لا املك الجرأة لتسليم نفسي بدون مقابل !
و بينما أنا في دوامة الأفكار القاتلة تلك سمعت صوت طرق على باب البيت ؛
*إنها تلك الجارة العجوز التي بدأت تزورني باستمرار منذ وفاة والدتي*
،ربما تشعر بالشفقة علي ' هي لطيفة جدا و بشوشة الوجه ، تبتسم طوال الوقت .. و لذلك لا أحب
التعامل معها فهي بابتسامتها الحانية تجبرني على الابتسام مُكرَها !
نهضت من سريري متثاقلا لأفتح الباب ...
- مرحبا يا ولدي .
-أهلا .
-كيف أصبحت اليوم ؟
* أصبحت نادما على حياتي ، أصبحت أقاتل من أجل الموت ..!*
- بخير بخير شكرا .
- هيا حضر نفسك للذهاب إلى الجامعة قبل أن تتأخر مجددا ، أنظر حضرت لك فطور الصباح تناوله .
- حسنا ، شكرا
*تبا لقد طبعت على ثغرها تلك الابتسامة مجددا ، لماذا أجد نفسي في كل مرة أبادلها هذه الابتسامة السخيفة ؟!*
صعدت إلى الحمام لأغسل وجهي ، فإذا بي أرى وجه مسخ في المرآة ! ، أو هكذا يسمونني ..
في طريقي إلى الجامعة ، كل خطوة أخطوها أتمنى لو أنها في الاتجاه المعاكس ! ، هذا عامي الخامس و الأخير ..
أكثر من أربع سنوات في هذه الجامعة ذقت فيها كل أنواع الألم ، رغم أني كنت دائما الأول في دفعتي إلا أن أساتذتي لا يعترفون بي ،
أما الطلبة فيستمرون بالسخرية و النظرات المليئة بشعور لم أستطع فهمه أو تفسيره ..
- مرحبا يا مسخ
- لان تحزن إنك أجمل وحش رأيته في حياتي
-كيف تستطيع الحياة مع وجه كهذا
*هذه الكلمات التي أسمعها كل يوم مصحوبة بقهقهات عالية و نظرات شريرة و همسات خائفة *
جربت عدة مرات أن أغطي هذه الخطيئة ، و لكنهم ينتزعون القناع
و لا يسمحون لي بإخفاء وجهي .. ربما يروق لهم !
ولدت مشوه الوجه ، بأنف أعوج و فم أخذ مساحة أكبر من حقه ، بعينين صغيرتين محفورتين ..
بدون حواجب ؛ ولدت بانتفاخات مقرفة في الجبهة و الخدّين ..
بمجرد أن رأى أبي وجه ابنه الأول الوحيد ، تخلى عنه و عن أمه ؛ و لم تتوقف أمي منذ ذلك اليوم عن الكفاح لتربيتي
و تغذية روحي و عقلي ؛ و لكن بعد وفاتها لا أفكر في شيئ سوى باللحاق بها !
بعد عودتي للبيت وجدت فوق الطاولة رسالة من الجارة العجوز ، قرأتها بصوت مرتجف ..
"هذه يا ولدي رسالة من أمك عندما كانت على فراش المرض ، أخبرتني أن أعطيك إياها عندما تبلغ 25 من عمرك
اليوم عيد ميلادك يا بنيّ ، و هذه رسالة من أمك : صغيري ..أعرف أنك اشتقت إليّ؛ أعرف أنك لم تستطع مجابهة
معاقي العقول وحدك ، و لكنك مازلت في مقتبل العمر يا صغيري .. وجهك هذا التي تحمل ثقله على كتفك و لا تريد لأحد
أن يراه هو نعمة من عند الله .. كما كنت أخبرك دائما ؛ تعلّم الحياة و الوقوف على قدميك ، ابدأ بداية جديدة منذ اليوم
اذهب لحسابي البنكي ستجد هناك مبلغا للقيام بالعملية التجميلية التي كنت تحلم بها ، قضيت حياتي أوفره لك ،
و انتظرتك أن تبلغ 25 من أجل أن تعيش قويا و تدرك أن المظاهر ليست كل شيئ في هذه الحياة ..
أمك التي تحبك كثيرا "
بكيت كثيرا ، بكيت الألم و الخوف و كل تلك الأفكار ، بكيت كالطفل الصغير الذي أضاع أمه ..
بكيت فقدان ثقتي بنفسي و سماحي لهم بانتقاص قيمتي ، بكيت كما لم أبك من قبل ..!
اتجهت نحو الحمام لأغسل وجهي ؛ وجهي الذي كنت أراه صباحا في المرآة مسخا ، رأيته الآن أمي ؛
و في تلك اللحظة عرفت نفسي و فهمت أن هدفي في الحياة ليس الموت ..
و أدركت ما كانت تقصد أمي بين سطور رسالتها ; أعرف جيدا مالذي سأفعله بتلك النقود !
- أنا سليم محمود 'مدير المنظمة العالمية لمكافحة التنمر' و هذه حكايتي ..
#ملهم_الصورة-2
التعديل الأخير بواسطة المشرف: