من تفسير القرطبي :
تفسير قوله تعالى ويوم يحشرهم كأن لم يلبثوا إلا ساعة من النهار يتعارفون بينهم قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله وما كانوا مهتدين
قوله تعالى ويوم يحشرهم كأن لم يلبثوا بمعنى " كأنهم " خففت ، أي كأنهم لم يلبثوا في قبورهم . إلا ساعة من النهار أي قدر ساعة : يعني أنهم استقصروا طول مقامهم في القبور لهول ما يرون من البعث ; دليله قولهم : لبثنا يوما أو بعض يوم . وقيل : إنما قصرت مدة لبثهم في الدنيا من هول ما استقبلوا لا مدة كونهم في القبر . ابن عباس : رأوا أن طول أعمارهم في مقابلة الخلود كساعة .
يتعارفون بينهم في موضع نصب على الحال من الهاء والميم في يحشرهم . ويجوز أن يكون منقطعا ، فكأنه قال فهم يتعارفون . قالالكلبي : يعرف بعضهم بعضا كمعرفتهم في الدنيا إذا خرجوا من قبورهم ; وهذا التعارف تعارف توبيخ وافتضاح ; يقول بعضهم لبعض : أنت أضللتني وأغويتني وحملتني على الكفر ; وليس تعارف شفقة ورأفة وعطف . ثم تنقطع المعرفة إذا عاينوا أهوال يوم القيامة كما قال : ولا يسأل حميم حميما . وقيل : يبقى تعارف التوبيخ ; وهو الصحيح لقوله تعالى : ولو ترى إذ الظالمون موقوفون إلى قوله وجعلنا الأغلال في أعناق الذين كفروا وقوله : كلما دخلت أمة لعنت أختها الآية ، وقوله : ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا الآية . فأما قوله : ولا يسأل حميم حميما وقوله : فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم فمعناه لا يسأله سؤال رحمة وشفقة ، والله أعلم . وقيل : القيامة مواطن . وقيل : معنى يتعارفون يتساءلون ، أي يتساءلون كم لبثتم ; كما قال : وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون وهذا حسن . وقال الضحاك : ذلك تعارف تعاطف المؤمنين ; والكافرون لا تعاطف عليهم ; كما قال : فلا أنساب بينهم . والأول أظهر ، والله أعلم .
[ ص: 259 ] قوله تعالى قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله وما كانوا مهتدين أي بالعرض على الله . ثم قيل : يجوز أن يكون هذا إخبارا من الله عز وجل بعد أن دل على البعث والنشور ، أي خسروا ثواب الجنة . وقيل : خسروا في حال لقاء الله ; لأن الخسران إنما هو في تلك الحالة التي لا يرجى فيها إقالة ولا تنفع توبة . قال النحاس : ويجوز أن يكون المعنى يتعارفون بينهم ، يقولون هذا . وما كانوا مهتدين يريد في علم الله .
........................
من تفسير ابن كثير :
( ويوم يحشرهم كأن لم يلبثوا إلا ساعة من النهار يتعارفون بينهم قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله وما كانوا مهتدين ( 45 ) )
يقول تعالى مذكرا للناس قيام الساعة وحشرهم من أجداثهم إلى عرصات القيامة : كأنهم يوم يوافونها لم يلبثوا في الدنيا ( إلا ساعة من النهار ) كما قال تعالى : ( كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها ) [ النازعات : 46 ] ، وقال تعالى : ( يوم ينفخ في الصور ونحشر المجرمين يومئذ زرقا يتخافتون بينهم إن لبثتم إلا عشرا نحن أعلم بما يقولون إذ يقول أمثلهم طريقة إن لبثتم إلا يوما ) [ طه : 102 - 104 ] ، وقال تعالى : ( ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة كذلك كانوا يؤفكون وقال الذين أوتوا العلم والإيمان لقد لبثتم في كتاب الله إلى يوم البعث فهذا يوم البعث ولكنكم كنتم لا تعلمون ) [ الروم : 55 ، 56 ] .
وهذا كله دليل على استقصار الحياة الدنيا في الدار الآخرة كما قال : ( قال كم لبثتم في الأرض عدد سنين قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم فاسأل العادين قال إن لبثتم إلا قليلا لو أنكم كنتم تعلمون ) [ المؤمنون : 112 ، 114 ] .
وقوله : ( يتعارفون بينهم ) أي : يعرف الأبناء الآباء والقرابات بعضهم لبعض ، كما كانوا في [ ص: 272 ] الدنيا ، ولكن كل مشغول بنفسه ( فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون ) [ المؤمنون : 101 ] ، وقال تعالى : ( ولا يسأل حميم حميما يبصرونهم يود المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه وصاحبته وأخيه وفصيلته التي تؤويه ومن في الأرض جميعا ثم ينجيه كلا ) [ المعارج : 10 ، 15 ] .
وقوله : ( قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله وما كانوا مهتدين ) كقوله تعالى : ( ويل يومئذ للمكذبين ) [ المرسلات : 15 ] . لأنهم خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ، ألا ذلك هو الخسران المبين . فهذه هي الخسارة العظيمة ، ولا خسارة أعظم من خسارة من فرق بينه وبين أحبته يوم الحسرة والندامة .
.............................
من تفسير الطبري :
القول في تأويل قوله تعالى : ( ويوم يحشرهم كأن لم يلبثوا إلا ساعة من النهار يتعارفون بينهم قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله وما كانوا مهتدين ( 45 ) )
قال أبو جعفر : يقول ، تعالى ذكره : ويوم نحشر هؤلاء المشركين فنجمعهم في موقف الحساب ، كأنهم كانوا قبل ذلك لم يلبثوا إلا ساعة من نهار يتعارفون فيما بينهم ، ثم انقطعت المعرفة ، وانقضت تلك الساعة يقول الله : ( قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله وما كانوا مهتدين ) ، قد غبن الذين جحدوا ثواب الله وعقابه وحظوظهم من الخير وهلكوا ( وما كانوا مهتدين ) يقول : وما كانوا موفقين لإصابة الرشد مما فعلوا من تكذيبهم بلقاء الله ، لأنه أكسبهم ذلك ما لا قبل لهم به من عذاب الله .
...........................
من تفسير فتح القدير للشوكاني :
قوله : ويوم نحشرهم الظرف منصوب بمضمر : أي واذكر يوم نحشرهم كأن لم يلبثوا أي كأنهم لم يلبثوا ، والجملة في محل نصب على الحال أي : مشبهين من لم يلبث إلا ساعة من النهار أي شيئا قليلا منه ، والمراد باللبث هو اللبث في الدنيا ، وقيل : في القبور ، استقلوا المدة الطويلة إما لأنهم ضيعوا أعمارهم في الدنيا ، فجعلوا وجودها كالعدم ، أو استقصروها للدهش والحيرة ، أو لطول وقوفهم في المحشر ، أو لشدة ما هم فيه من العذاب نسوا لذات الدنيا وكأنها لم تكن ، ومثل هذا قولهم : لبثنا يوما أو بعض يوم [ الكهف : 19 ] وجملة يتعارفون بينهم في محل نصب على الحال ، أو مستأنفة .
والمعنى : يعرف بعضهم بعضا كأنهم لم يتفارقوا إلا قليلا ، وذلك عند خروجهم من القبور ، ثم تنقطع التعاريف بينهم لما بين أيديهم من الأمور المدهشة للعقول المذهلة للأفهام .
لاتنسونا من صالح دعواتكم .
تفسير قوله تعالى ويوم يحشرهم كأن لم يلبثوا إلا ساعة من النهار يتعارفون بينهم قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله وما كانوا مهتدين
قوله تعالى ويوم يحشرهم كأن لم يلبثوا بمعنى " كأنهم " خففت ، أي كأنهم لم يلبثوا في قبورهم . إلا ساعة من النهار أي قدر ساعة : يعني أنهم استقصروا طول مقامهم في القبور لهول ما يرون من البعث ; دليله قولهم : لبثنا يوما أو بعض يوم . وقيل : إنما قصرت مدة لبثهم في الدنيا من هول ما استقبلوا لا مدة كونهم في القبر . ابن عباس : رأوا أن طول أعمارهم في مقابلة الخلود كساعة .
يتعارفون بينهم في موضع نصب على الحال من الهاء والميم في يحشرهم . ويجوز أن يكون منقطعا ، فكأنه قال فهم يتعارفون . قالالكلبي : يعرف بعضهم بعضا كمعرفتهم في الدنيا إذا خرجوا من قبورهم ; وهذا التعارف تعارف توبيخ وافتضاح ; يقول بعضهم لبعض : أنت أضللتني وأغويتني وحملتني على الكفر ; وليس تعارف شفقة ورأفة وعطف . ثم تنقطع المعرفة إذا عاينوا أهوال يوم القيامة كما قال : ولا يسأل حميم حميما . وقيل : يبقى تعارف التوبيخ ; وهو الصحيح لقوله تعالى : ولو ترى إذ الظالمون موقوفون إلى قوله وجعلنا الأغلال في أعناق الذين كفروا وقوله : كلما دخلت أمة لعنت أختها الآية ، وقوله : ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا الآية . فأما قوله : ولا يسأل حميم حميما وقوله : فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم فمعناه لا يسأله سؤال رحمة وشفقة ، والله أعلم . وقيل : القيامة مواطن . وقيل : معنى يتعارفون يتساءلون ، أي يتساءلون كم لبثتم ; كما قال : وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون وهذا حسن . وقال الضحاك : ذلك تعارف تعاطف المؤمنين ; والكافرون لا تعاطف عليهم ; كما قال : فلا أنساب بينهم . والأول أظهر ، والله أعلم .
[ ص: 259 ] قوله تعالى قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله وما كانوا مهتدين أي بالعرض على الله . ثم قيل : يجوز أن يكون هذا إخبارا من الله عز وجل بعد أن دل على البعث والنشور ، أي خسروا ثواب الجنة . وقيل : خسروا في حال لقاء الله ; لأن الخسران إنما هو في تلك الحالة التي لا يرجى فيها إقالة ولا تنفع توبة . قال النحاس : ويجوز أن يكون المعنى يتعارفون بينهم ، يقولون هذا . وما كانوا مهتدين يريد في علم الله .
........................
من تفسير ابن كثير :
( ويوم يحشرهم كأن لم يلبثوا إلا ساعة من النهار يتعارفون بينهم قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله وما كانوا مهتدين ( 45 ) )
يقول تعالى مذكرا للناس قيام الساعة وحشرهم من أجداثهم إلى عرصات القيامة : كأنهم يوم يوافونها لم يلبثوا في الدنيا ( إلا ساعة من النهار ) كما قال تعالى : ( كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها ) [ النازعات : 46 ] ، وقال تعالى : ( يوم ينفخ في الصور ونحشر المجرمين يومئذ زرقا يتخافتون بينهم إن لبثتم إلا عشرا نحن أعلم بما يقولون إذ يقول أمثلهم طريقة إن لبثتم إلا يوما ) [ طه : 102 - 104 ] ، وقال تعالى : ( ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة كذلك كانوا يؤفكون وقال الذين أوتوا العلم والإيمان لقد لبثتم في كتاب الله إلى يوم البعث فهذا يوم البعث ولكنكم كنتم لا تعلمون ) [ الروم : 55 ، 56 ] .
وهذا كله دليل على استقصار الحياة الدنيا في الدار الآخرة كما قال : ( قال كم لبثتم في الأرض عدد سنين قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم فاسأل العادين قال إن لبثتم إلا قليلا لو أنكم كنتم تعلمون ) [ المؤمنون : 112 ، 114 ] .
وقوله : ( يتعارفون بينهم ) أي : يعرف الأبناء الآباء والقرابات بعضهم لبعض ، كما كانوا في [ ص: 272 ] الدنيا ، ولكن كل مشغول بنفسه ( فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون ) [ المؤمنون : 101 ] ، وقال تعالى : ( ولا يسأل حميم حميما يبصرونهم يود المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه وصاحبته وأخيه وفصيلته التي تؤويه ومن في الأرض جميعا ثم ينجيه كلا ) [ المعارج : 10 ، 15 ] .
وقوله : ( قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله وما كانوا مهتدين ) كقوله تعالى : ( ويل يومئذ للمكذبين ) [ المرسلات : 15 ] . لأنهم خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ، ألا ذلك هو الخسران المبين . فهذه هي الخسارة العظيمة ، ولا خسارة أعظم من خسارة من فرق بينه وبين أحبته يوم الحسرة والندامة .
.............................
من تفسير الطبري :
القول في تأويل قوله تعالى : ( ويوم يحشرهم كأن لم يلبثوا إلا ساعة من النهار يتعارفون بينهم قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله وما كانوا مهتدين ( 45 ) )
قال أبو جعفر : يقول ، تعالى ذكره : ويوم نحشر هؤلاء المشركين فنجمعهم في موقف الحساب ، كأنهم كانوا قبل ذلك لم يلبثوا إلا ساعة من نهار يتعارفون فيما بينهم ، ثم انقطعت المعرفة ، وانقضت تلك الساعة يقول الله : ( قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله وما كانوا مهتدين ) ، قد غبن الذين جحدوا ثواب الله وعقابه وحظوظهم من الخير وهلكوا ( وما كانوا مهتدين ) يقول : وما كانوا موفقين لإصابة الرشد مما فعلوا من تكذيبهم بلقاء الله ، لأنه أكسبهم ذلك ما لا قبل لهم به من عذاب الله .
...........................
من تفسير فتح القدير للشوكاني :
قوله : ويوم نحشرهم الظرف منصوب بمضمر : أي واذكر يوم نحشرهم كأن لم يلبثوا أي كأنهم لم يلبثوا ، والجملة في محل نصب على الحال أي : مشبهين من لم يلبث إلا ساعة من النهار أي شيئا قليلا منه ، والمراد باللبث هو اللبث في الدنيا ، وقيل : في القبور ، استقلوا المدة الطويلة إما لأنهم ضيعوا أعمارهم في الدنيا ، فجعلوا وجودها كالعدم ، أو استقصروها للدهش والحيرة ، أو لطول وقوفهم في المحشر ، أو لشدة ما هم فيه من العذاب نسوا لذات الدنيا وكأنها لم تكن ، ومثل هذا قولهم : لبثنا يوما أو بعض يوم [ الكهف : 19 ] وجملة يتعارفون بينهم في محل نصب على الحال ، أو مستأنفة .
والمعنى : يعرف بعضهم بعضا كأنهم لم يتفارقوا إلا قليلا ، وذلك عند خروجهم من القبور ، ثم تنقطع التعاريف بينهم لما بين أيديهم من الأمور المدهشة للعقول المذهلة للأفهام .
لاتنسونا من صالح دعواتكم .