في أحد أيام الصيف أتى أبي إلى المنزل بصحبة السباك؛ لتركيب رشاش ماء جديد في المطبخ. اتفق دخول العامل في الوقت الذي كنت فيه نائمة في الصالة. وقد أفقت على صوت فتح الباب.. راقدة على الأريكة.. منفوشة الشعر.. مكشوفة ساقي إلى مستوى ركبتي
"آسف! آسف!" قال العامل الشاب وقد أدار ظهره لي ونكس رأسه في أدب وعفة.
أما أنا فقد استويت واقفة في ذعر. وتهدّل ثوبي الحريري على ساقي.. وكلي حياء من هذه الخاطرة: ثمة شابا أجنبياً رأى ما لا يجوز للرجل الأجنبي أن يراه. يا ترى ما هي ردة فعل زوجي المستقبلي؟ لو رويت له هذه القصة؟ الأكيد أنه سوف يطلقني ويتهمني قائلاً: يا عديمة الحشمة! يا خالية من الوجدان والشرف!
-أصبح لون وجهي ضاربا إلى الحمرة، بلون ثمرة الرمان، وكان العرق يتدفق من جبيني.
لم يغضب أبي الحبيب عندما فهم بفطنته وفراسته ما حدث. ابتسم لي في صمت. ولكنني فهمت في نظرات عينيه الرؤوفتين، كأنهما تقولان لي: لا تشعري بالذنب يا بنيتي، فأنتِ لم تكوني على علم مسبق بأن وافدا سيأتي إلى المنزل في هذه الساعة من النهار: لقد كانت غلطتي دون أحد سواي.
ثم قاد الشاب إلى المطبخ.
بعد مرور عدة أيام على ذلك الموقف، أقبل علي أبي وعلى وجهه علامات الرضى، قال: "لقد طلب الشاب يدكِ للزواج منه."
لم أتفوه بكلمة واحدة؛ لأنني كنت رازحة تحت وطأة المفاجئة الغير متوقعة والعسيرة على التصديق.
أكمل أبي الذي قرأ الحيرة في عيني: " إنني أعرف هذا الشاب عين المعرفة: إنه بارٌ بوالدته. هي لا تستطيع مبارحة الفراش. ويعيل نفسه بنفسه. إلى جانب أنه يكافح طلباً في تحصيل العلم، فقد حاز على منحة داخلية في الجامعة لتفوقه. إذا وافقتِ على الاقتران بالشاب فسوف أكلمه ليزورنا ويقوم بخطبتك"
- موافقة يا أبي،- هكذا كان جوابي. ماذا أبغي أحسن من رجل يعتني بأمه المريضة ويصونها ويستر على عورات النساء؟
اغتسلت ثم تناولت مشط الفرشاة وسرحت شعري وارتديت زينتي. قالت لي أمي وكانت عيناها تلمع من الفرحة: أنتِ حسنة البزة ككل يوم، ولكن هذه المرة أنتِ أحلى من أي يوم.
حدثت نفسي: "صحيح!، لم أنتبه إلى شكل الشاب.. ولا أتذكر ملامحه؛ لأنني كنت منشغلة بالاختباء منه. على أية حال..بالنسبة لي لا يهم جمال الشكل البتة. لقد تأكدت من جمال أخلاقه وشهامته؛ لأنه تقدم لخطبتي، ولو كان شخصا غيره لاكتفى بأن يتخيلني في خلوته الليلية مستعينا بذاكرته التصويرية بما لا يليق بي.
ساعدتني أمي بتحضير العصير الذي سوف أقدمه بنفسي إلى الشاب المتقدم لخطبتي. جاء الشاب ومعه أقرباءه وأصدقاءه إلى منزلنا. رحب بهم أبي وأجلسهم في صدر الصالة. كنت آنذاك عالقة في المطبخ ولا أجرؤ على الخروج. أحسست برعدة الخوف قد سرت في قدمي. وكان الشحوب باديا على وجهي. هذا ما عاينته أمي عندما جاءت لي؛ كي تستعجلني. وحاولت بقدر ما تستطيع أن تخفف من توتري وتزيل عني مخاوفي. الحقيقة أنني خفت أن أسكب العصير على الشاب أثناء انحنائي؛ لإدناء الصينية منه. في آخر الأمر. آنست إلى نفسي شجاعة مفاجئة. اندفعت إلى خارج المطبخ حاملة صينية العصائر. متقدمة بخطوات حذرة نحو الصالة: لقد كفت الحناجر عن الكلام. من فرط الارتباك والانفعال، قمت بتقديم العصير إلى جميع الحضور ما خلا الخطيب الذي كان ينتظر دوره!. استشعرت سخونة لافحة تدب إلى وجهي؛ بسبب هذا الخطأ الأحمق. لكن أبي الحبيب قام بإنقاذي من وطأة اضطرابي وقال مبتسما: "ادفعي بكوب العصير إلى خطيبك يا بنيتي"
رفع الشاب بصره نحوي مترفقاً ومتلطفاً فيما كنت أدنو منه. تناول صاحب الوجه الطلق المتهلل كوب العصير. كان مرتدياً الملابس الرسمية. لم يتورع هذا الشاب المشاغب الشجاع عن الابتسامة بوجهي. بينما هربت منه عن طريق تلافي النظر المباشر في عينيه. انسحبت إلى المطبخ راكضة؛ طلباً للاختفاء: بعيداً عن أعين الشاب المختلس النظر إلي. صارحت نفسي بحقيقة المشاعر التي خامرتني لحظة رؤيتي لذاك الشاب العاشق الواثق. كان شاباً له سيماء أخّاذة ومستحبة إلى النفس. لعله في الثانية والعشرون من عمره.
أرهفت السمع لحديث أبي والشاب. سمعت كل كلمة قيلت في الصالة: وكم ابتهجت لسماع صوت الشاب الجميل.. منعطفة مع حروفه المتناغمة. لم يكن لي أي سلطان على مشاعري المتلاحقة نحوه. أتذكر أنني في تلك الليلة كنت سعيدة سعادة مقرونة بالحب المتقد. قلت في نفسي: "يا الله! ما أجمل الشعور الذي أحس به الآن... أصحيح أن ذلك الشاب هو نفسه الذي سوف يكون محبوبي وأكحل الطرف حين أراه؟ وأعيش معه في منزل واحد؟ ونتقدم بالعمر معاً... تنهدت تنهيدة عميقة نابعة من القلب المرتاح المتفائل... واستسلمت للرقاد.
"آسف! آسف!" قال العامل الشاب وقد أدار ظهره لي ونكس رأسه في أدب وعفة.
أما أنا فقد استويت واقفة في ذعر. وتهدّل ثوبي الحريري على ساقي.. وكلي حياء من هذه الخاطرة: ثمة شابا أجنبياً رأى ما لا يجوز للرجل الأجنبي أن يراه. يا ترى ما هي ردة فعل زوجي المستقبلي؟ لو رويت له هذه القصة؟ الأكيد أنه سوف يطلقني ويتهمني قائلاً: يا عديمة الحشمة! يا خالية من الوجدان والشرف!
-أصبح لون وجهي ضاربا إلى الحمرة، بلون ثمرة الرمان، وكان العرق يتدفق من جبيني.
لم يغضب أبي الحبيب عندما فهم بفطنته وفراسته ما حدث. ابتسم لي في صمت. ولكنني فهمت في نظرات عينيه الرؤوفتين، كأنهما تقولان لي: لا تشعري بالذنب يا بنيتي، فأنتِ لم تكوني على علم مسبق بأن وافدا سيأتي إلى المنزل في هذه الساعة من النهار: لقد كانت غلطتي دون أحد سواي.
ثم قاد الشاب إلى المطبخ.
بعد مرور عدة أيام على ذلك الموقف، أقبل علي أبي وعلى وجهه علامات الرضى، قال: "لقد طلب الشاب يدكِ للزواج منه."
لم أتفوه بكلمة واحدة؛ لأنني كنت رازحة تحت وطأة المفاجئة الغير متوقعة والعسيرة على التصديق.
أكمل أبي الذي قرأ الحيرة في عيني: " إنني أعرف هذا الشاب عين المعرفة: إنه بارٌ بوالدته. هي لا تستطيع مبارحة الفراش. ويعيل نفسه بنفسه. إلى جانب أنه يكافح طلباً في تحصيل العلم، فقد حاز على منحة داخلية في الجامعة لتفوقه. إذا وافقتِ على الاقتران بالشاب فسوف أكلمه ليزورنا ويقوم بخطبتك"
- موافقة يا أبي،- هكذا كان جوابي. ماذا أبغي أحسن من رجل يعتني بأمه المريضة ويصونها ويستر على عورات النساء؟
اغتسلت ثم تناولت مشط الفرشاة وسرحت شعري وارتديت زينتي. قالت لي أمي وكانت عيناها تلمع من الفرحة: أنتِ حسنة البزة ككل يوم، ولكن هذه المرة أنتِ أحلى من أي يوم.
حدثت نفسي: "صحيح!، لم أنتبه إلى شكل الشاب.. ولا أتذكر ملامحه؛ لأنني كنت منشغلة بالاختباء منه. على أية حال..بالنسبة لي لا يهم جمال الشكل البتة. لقد تأكدت من جمال أخلاقه وشهامته؛ لأنه تقدم لخطبتي، ولو كان شخصا غيره لاكتفى بأن يتخيلني في خلوته الليلية مستعينا بذاكرته التصويرية بما لا يليق بي.
ساعدتني أمي بتحضير العصير الذي سوف أقدمه بنفسي إلى الشاب المتقدم لخطبتي. جاء الشاب ومعه أقرباءه وأصدقاءه إلى منزلنا. رحب بهم أبي وأجلسهم في صدر الصالة. كنت آنذاك عالقة في المطبخ ولا أجرؤ على الخروج. أحسست برعدة الخوف قد سرت في قدمي. وكان الشحوب باديا على وجهي. هذا ما عاينته أمي عندما جاءت لي؛ كي تستعجلني. وحاولت بقدر ما تستطيع أن تخفف من توتري وتزيل عني مخاوفي. الحقيقة أنني خفت أن أسكب العصير على الشاب أثناء انحنائي؛ لإدناء الصينية منه. في آخر الأمر. آنست إلى نفسي شجاعة مفاجئة. اندفعت إلى خارج المطبخ حاملة صينية العصائر. متقدمة بخطوات حذرة نحو الصالة: لقد كفت الحناجر عن الكلام. من فرط الارتباك والانفعال، قمت بتقديم العصير إلى جميع الحضور ما خلا الخطيب الذي كان ينتظر دوره!. استشعرت سخونة لافحة تدب إلى وجهي؛ بسبب هذا الخطأ الأحمق. لكن أبي الحبيب قام بإنقاذي من وطأة اضطرابي وقال مبتسما: "ادفعي بكوب العصير إلى خطيبك يا بنيتي"
رفع الشاب بصره نحوي مترفقاً ومتلطفاً فيما كنت أدنو منه. تناول صاحب الوجه الطلق المتهلل كوب العصير. كان مرتدياً الملابس الرسمية. لم يتورع هذا الشاب المشاغب الشجاع عن الابتسامة بوجهي. بينما هربت منه عن طريق تلافي النظر المباشر في عينيه. انسحبت إلى المطبخ راكضة؛ طلباً للاختفاء: بعيداً عن أعين الشاب المختلس النظر إلي. صارحت نفسي بحقيقة المشاعر التي خامرتني لحظة رؤيتي لذاك الشاب العاشق الواثق. كان شاباً له سيماء أخّاذة ومستحبة إلى النفس. لعله في الثانية والعشرون من عمره.
أرهفت السمع لحديث أبي والشاب. سمعت كل كلمة قيلت في الصالة: وكم ابتهجت لسماع صوت الشاب الجميل.. منعطفة مع حروفه المتناغمة. لم يكن لي أي سلطان على مشاعري المتلاحقة نحوه. أتذكر أنني في تلك الليلة كنت سعيدة سعادة مقرونة بالحب المتقد. قلت في نفسي: "يا الله! ما أجمل الشعور الذي أحس به الآن... أصحيح أن ذلك الشاب هو نفسه الذي سوف يكون محبوبي وأكحل الطرف حين أراه؟ وأعيش معه في منزل واحد؟ ونتقدم بالعمر معاً... تنهدت تنهيدة عميقة نابعة من القلب المرتاح المتفائل... واستسلمت للرقاد.
التعديل الأخير: