ابنة النجمة (1 زائر)


عبدالله 3

“فَمَتَى رَأَيْتَ بُسْتَاناً يُحْملُ في رُدْن ، ورَوْضَةً تُقَلُّ في حِجر
إنضم
14 يناير 2022
رقم العضوية
12560
المشاركات
352
مستوى التفاعل
1,256
النقاط
132
أوسمتــي
3
توناتي
3,370
الجنس
ذكر
LV
0
 
في الليل تبدو السماء للرائي مثل محيط تمخره النجوم. وتهطل فيها الشهب الزرق والصفر مدراراً مثل الألعاب النارية. هناك أيضاً. شَعَّتْ نجمة ولَمَعَت. ولمسافة سنة ضوئية من حولها كان غبارها الأزرق الساطع والمشع يذر على الكواكب المتقدة السابحة في الفضاء: كان في هذا الغبار محاكاة عن متاعب الولادة عند الثديات. وعوض أن تلد النجمة الأم نجمةً صغيرة. انزلقت منها ما يشبه الفتاة. من لحم ودم.

نفخت النجمة على الفتاة؛ لأنها أرادت أن تضمن ارسالها إلى كوكب الأرض. فقالت بنبرة صوت واهية لأنها نفساء كما تعلمون: "لا مفر من الافتراق يا بنتي الحبيبة! فلا أستطيع الاحتفاظ بكِ وأنتِ على هذه الشاكلة. سوف تحترقين من ناري! لكن ستكونين ببالي. كوني بخير."

كان للفتاة حظ موفور بالنجاة من الموت. ففي المرة الأولى نجت من السقوط في الثقوب السود التي كانت فاغرة فاها. وفي المرة الثانية أفلتت من التعرض للسحق بواسطة كتل جليدية ضخمة منسابة في أنحاء الفضاء. كما أنها نفذت من الأخطار الناجمة عن الاصطدام بالطائرات التي كانت الواحدة منها بحجم قطار في الفضاء الجوي. وأول شيء رأته من الخلائق الحيّة هي البجعات الجميلة المحلقة في الهواء على شكل أسراب متلاحقة. وقد اندهشت تلك الطيور نفسها من رؤية كائن يتهاوى من علو إلى أسفل.

كان يمكن للفتاة أن تقع في البحر المتوسط. لولا أن هبت الريح القوية وجرفتها إلى البر. فسقطت على قمة شجرة رمان لتنزل نحو الأرض من دون أذى. كانت الفتاة جاثمة فوق أكداس الفاكهة في حديقة فوّاحة بمحاذاة قصر أبيض من العصور القديمة.

لم تكن الفتاة تدرك أنها نجت من الموت. ولم تعرف بعد معنى غريزة البقاء. رأت في البعيد نجمة تلمع ولكنه ذاك اللمعان الخافت. فطفرت إلى عينيها السوداوين عبرتان. مما شق على القمر رؤيتها تبكي. فقاطع بكاؤها بقوله: "كفْكِف دموعك يا ابنتي! إن نحيبك يقطع نياط القلب"

- لقد قُضي علي بالفصل عن أمي يا جاري القمر! ولا سبيل لي إلى الوصول لها

- دعكِ من القنوط.. إني أعلم أنكِ لفي حاجة إلى المساعدة... إني أنشد خلاصك.. ولكن قبل كل شيء... يا فتاة! تبدين مثل فقمة قطبية متخبطة فوق قطعة ثلج. أنتِ بحاجة إلى الملبس كاحتياج الطفل الرضيع له يوم ولادته.

أتى عصفور حاملاً بمنقاره ثوب ملوَّن ورماه بين يديها. تماماً كما فعل عصفور سندريلّا في النسخة الألمانية.

ارتدت الفتاة الثوب. ورفعت بصرها نحو القمر الذي قال: "غادري الحديقة إن أردتِ النجاة من الحارس. فهو يتجول الآن ويحمل بندقية. إنه لو رآكِ لن يقع في روعه أنكِ نجمة على شكل إنسان! أقصد نجمة بشرية."

غادرت الفتاة الحديقة وأصغت إلى القمر مثل يمامة لطيفة.

قال القمر: "لأنك انبثقتِ من نجمة فأنتِ قطعاً لا تزالين تمتلكين بقايا من سحر أمك الأثيري. حسب معرفتي المتواضعة في علم النجوم: إن طاقة النجوم تتماشى مع طاقة الفواكه. إن شجرة الرمان هي أول شيء من الأرض يصطدم بكِ. وهذا يزيد من نسبة نجاحك في الإنبات. عليكِ إذن زراعة شجرة رمان لأول شخص ترينه من الكائنات البشرية. لن تستطيعين التحول من إنسان إلى نجمة إلا إذا أسعدتِ إنسان."

- وكيف أزرع شجرة؟

- اسقي التربة بدموعك

كانت الفتاة تثق بالقمر ثقة عمياء. ويستحسن بها أن تفعل هذا.


بعد برهة قصيرة من الانتظار. رأيا إمرأة عجوز رثة الثياب تسير على الطريق وحفيدها يمشي في إثرها.

قال القمر: "يا فتاة! لقد جاءتك الفرصة فاغنميها. وها أنا منصرف عنكِ؛ لأنه يتوجب علي الطلوع على قارة أخرى... ولكن اعلمي أنه بمجرد نمو الشجرة من الأرض عليكِ بالهروب كسرعة البرق بعيداً عن الأنظار؛ لأنكِ سوف تطيرين على الفور."

انفرجت أسارير الفتاة لأنها عرفت أن اجتماعها بأمها سيكون وشيكاً.

ومضت إلى السيدة العجوز: هل تريدين يا سيدتي أن أزرع شجرة رمان في دارك؟

-يا بنيتي! لم أعد أتحمل الهزء والسخرية وأنا في آخر عمري!. وعلى الأخص من الغرباء.

-ولكن هبيني أن زرعت لكِ شجرة في دارك. فهل تعديني بأن تكوني سعيدة؟

وفي هذه اللحظة دنا الصغير من جدته وهو يتعلق بثوبها: أريد أن أقضم فاكهة الرمان يا جدتي

-طبعاً ما دام حفيدي سوف يكون كذلك." قالت الجدة

وصل الثلاثة إلى المسكن، وكان عبارة عن: كوخ بسيط وفناء صغير مفروش بالرمل.

ذهبت الفتاة إلى ذلك الركن. وجلست تستحضر صورة أمها النجمة. فسالت دموعها على التربة. وبرز من التربة برعم سرعان ما تفتح ليغدو زهرة برتقالية اللون ذات عطر يرد الروح. ومن ثمة إلى شتلة... فاستحالت الشتلة لشجرة رمان ناضجة.

هتف الصغير وهو يقفز من الفرحة: سوف أقطف الفاكهة من الغصن

كانت الجدة ليست أقل فرحة من الحفيد. فاقتربت من الفتاة وقبلت يدها بكل امتنان.

إلا أنه ليس هذا وقت الاستماع إلى عبارات الشكر.

ركضت الفتاة إلى الجانب المظلم؛ كي لا تراها عين بشر. حملقت في النجمة البعيدة وقالت:

-هأنذا قادمة إليك يا أمي الحبيبة

انطلقت الفتاة إلى السماء كالصاروخ. فإذ بجسمها يتشكل على هيئة إبريق شاي عملاق فائر. ثم إلى شمس كالتي نعرفها. وفي نهاية المطاف أصبحت نجمة عن حق.

اجتمع شمل النجمة الابنة بالنجمة الأم. وكانت النجمتان بالمقدار ذاته من السعادة العظيمة.
 
التعديل الأخير:

المتواجدون في هذا الموضوع

أعلى أسفل