في النصف الثاني من القرن العشرين. عاش رجل عجوز في الريف في منزل يطل على المستنقع المحاط بنبات الخث. كان منزله يتألف من غرفتين. غرفة يعيش فيها هو. والغرفة الأخرى جعل منها مأوى لحمامته. فقد وجد هذا الرجل في الشهر الماضي حمامة عالقة في جذع شائك ينزل مباشرةً في بركة الماء. فخلَّصها منه. وبرق مسرعاً إلى بيته. وأودعها إلى الرف.
قال الرجل للحمامة بصوت عطوف رقيق: "لا تموتي يا حمامتي الصغيرة! سوف أشتري لك الحبوب والبذور، وبعضاً من نشارة خشب، لأصنع منها سريراً لكِ" ثم خرج مغادراً بعد أن أرسل لها قبلة عبر الهواء.
نزل الرجل إلى السوق وكان مركوبه حماره. لم تشغل باله واجهة المحلات المزينة والأكشاك البرَّاقة ببضائعها المتنوعة المغرية. فكان يعرف ماذا يريد أن يشتري في ذلك النهار.
اشتري كل الحاجيات اللازمة للحمامة. ثم قصد بائع النفط. واشترى منه بترولاً بمقدار ثلاثة لترات، وهي كمية أكثر من كافية؛ فهو يريد السهر على رعاية الحمامة كالطبيب الذي يرعى مريضه.
اعتنى الرجل بالحمامة عناية فائقة وكان ضوء السراج منعكساً عليها. سمع الرجل الحمامة تَهْدِل لحظة احتساءه كوبٌ من الشاي. أخذ يمسد باصبعه على عنقها وجناحيها. وقال في نفسه: "لقد أرسل الله هذا الطائر لي، لكي يعوضني عن عاطفة الأبوة!"
خلال الأيام الماضية كان الرجل يسبغ بعاطفته على الحمامة. بخلاف ذلك استردت الحمامة فيها قدرتها على الطيران. وكلما مرّ يومٌ عليها يكون شكلها أجمل للعين وأبهى للنفس: كانت الحمامة بيضاء، وتمتلك منقاراً قوياً وردي اللون.
بعد أيام قليلة وضعت الحمامة بيضة. فنبض قلبه بالسعادة والسرور.
ذات ليلة مقمرة، تأخرت الحمامة عن موعد عودتها إلى البيت. وأصبح قلب الرجل ملتاعاً من الخوف فقال: "حمامتي متأخرة حوالي نصف ساعة! - هذا يعني أن ثمة مصيبة قد وقعت!". خرج للبحث عنها. لكنه وجدها ميتة. كانت محشورة في فم قطٌ برّي. أخذ هذا السنور يعدو مبتعداً عن أنظار الرجل؛ وكأنه أدرك بأن عليه الفرار من مالك الحمامة الذي زمجر في غيظ مخنوق. ثم عاد باكياً يجر قدمه إلى الغرفة. فأمسك عن البكاء؛ حين وجد البيضة مفقوسة. وقد نتأ منها رأس فرخٌ بالغ الصغر. لكن الرجل العجوز لم يسمح له أن يموت وأخذ يعتني به عناية الأب بطفله؛ ليكبر ويصبح قوياً.
نما فرخ الحمامة وأصبح مقارباً لحجم أمه. كانت الحمامة تحب التحليق في فضاء المستنقعات الجمة الأخطار والحط على الأرض المبلولة لينقر التربة الندية بحثاً عن بذور نباتات الخث. أراد الرجل تفادي النكبة الداهمة، لأنه يعلم أن ذاك القط سيعود مجدداً. فقام بربط أربع ريشات من كل جناح للحمامة بخيط من الحرير. فلم تستطع بعد ذلك التحليق عالياً وبلوغ برك المستنقعات.
قال الرجل للحمامة بصوت عطوف رقيق: "لا تموتي يا حمامتي الصغيرة! سوف أشتري لك الحبوب والبذور، وبعضاً من نشارة خشب، لأصنع منها سريراً لكِ" ثم خرج مغادراً بعد أن أرسل لها قبلة عبر الهواء.
نزل الرجل إلى السوق وكان مركوبه حماره. لم تشغل باله واجهة المحلات المزينة والأكشاك البرَّاقة ببضائعها المتنوعة المغرية. فكان يعرف ماذا يريد أن يشتري في ذلك النهار.
اشتري كل الحاجيات اللازمة للحمامة. ثم قصد بائع النفط. واشترى منه بترولاً بمقدار ثلاثة لترات، وهي كمية أكثر من كافية؛ فهو يريد السهر على رعاية الحمامة كالطبيب الذي يرعى مريضه.
اعتنى الرجل بالحمامة عناية فائقة وكان ضوء السراج منعكساً عليها. سمع الرجل الحمامة تَهْدِل لحظة احتساءه كوبٌ من الشاي. أخذ يمسد باصبعه على عنقها وجناحيها. وقال في نفسه: "لقد أرسل الله هذا الطائر لي، لكي يعوضني عن عاطفة الأبوة!"
خلال الأيام الماضية كان الرجل يسبغ بعاطفته على الحمامة. بخلاف ذلك استردت الحمامة فيها قدرتها على الطيران. وكلما مرّ يومٌ عليها يكون شكلها أجمل للعين وأبهى للنفس: كانت الحمامة بيضاء، وتمتلك منقاراً قوياً وردي اللون.
بعد أيام قليلة وضعت الحمامة بيضة. فنبض قلبه بالسعادة والسرور.
ذات ليلة مقمرة، تأخرت الحمامة عن موعد عودتها إلى البيت. وأصبح قلب الرجل ملتاعاً من الخوف فقال: "حمامتي متأخرة حوالي نصف ساعة! - هذا يعني أن ثمة مصيبة قد وقعت!". خرج للبحث عنها. لكنه وجدها ميتة. كانت محشورة في فم قطٌ برّي. أخذ هذا السنور يعدو مبتعداً عن أنظار الرجل؛ وكأنه أدرك بأن عليه الفرار من مالك الحمامة الذي زمجر في غيظ مخنوق. ثم عاد باكياً يجر قدمه إلى الغرفة. فأمسك عن البكاء؛ حين وجد البيضة مفقوسة. وقد نتأ منها رأس فرخٌ بالغ الصغر. لكن الرجل العجوز لم يسمح له أن يموت وأخذ يعتني به عناية الأب بطفله؛ ليكبر ويصبح قوياً.
نما فرخ الحمامة وأصبح مقارباً لحجم أمه. كانت الحمامة تحب التحليق في فضاء المستنقعات الجمة الأخطار والحط على الأرض المبلولة لينقر التربة الندية بحثاً عن بذور نباتات الخث. أراد الرجل تفادي النكبة الداهمة، لأنه يعلم أن ذاك القط سيعود مجدداً. فقام بربط أربع ريشات من كل جناح للحمامة بخيط من الحرير. فلم تستطع بعد ذلك التحليق عالياً وبلوغ برك المستنقعات.
التعديل الأخير: