- إنضم
- 29 أكتوبر 2019
- رقم العضوية
- 10497
- المشاركات
- 12
- مستوى التفاعل
- 13
- النقاط
- 65
- توناتي
- 20
- الجنس
- ذكر
LV
0
للشيخ محمد نبيه يوضح فيها أهمية الحرص على الحلال وخطورة الغش وحال الغشاش يوم القيامة.
خطر المال الحرام
عباد الله: إن المتأمل في حياة الناس ليجد أن المصائب قد تزاحمت على عتبات البيوت، وما هذا إلا جراء ما قدمت أيدينا من مخالفات، كما قال الله تعالى: (وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ). (سورة الشورى:30)
الجميع طامع في أن تتحول الأحوال إلى أحسنها، ولكن هذا الطمع يتأخر شيئاً فشيئاً، لماذا؟
لما وقع منا من معاصي وذنوب، وأشهر الذنوب في هذه الأيام تحصيل الحرام.
والنبي صلوات الله وسلامه عليه كما جاء في صحيح الإمام البخاري من حديث الصحابي الجليل أبي هريرة رضي الله تعالى عنه وأرضاه أن النبي صلوات الله وسلامه عليه قال في الحديث: (لَيَأْتِيَنَّ علَى النَّاسِ زَمانٌ، لا يُبالِي المَرْءُ بما أخَذَ المالَ، أمِنْ حَلالٍ أمْ مِن حَرامٍ). (صحيح البخاري:2083)
لا يشغله أن هذا حرام أو أن هذا حلال، كل ما يشغله أن يرجع إلى بيته وقد امتلأ جيبه، من أين؟ لا يشغل ولا يهم !!.
وللأسف الشديد نرى هذا في زماننا، ونرى طرق الحلال قد تضايقت، وأصبح الحلال غير معروف بين الناس إلا من رحم ربي !.
لماذا؟
لشهرة الحرام وطغيانه، وقد علمنا أن الحرام سبب من أسباب الحرمان.
الحرص على الحلال
عند مسلم في الصحيح أن النبي صلوات الله وسلامه عليه قال: (إنَّ اللَّهَ أمَرَ المُؤْمِنِينَ بما أمَرَ به المُرْسَلِينَ، فقالَ: (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) (سورة المؤمنون:51)، وقالَ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ) (سورة البقرة:172)، ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أشْعَثَ أغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إلى السَّماءِ، يا رَبِّ، يا رَبِّ، ومَطْعَمُهُ حَرامٌ، ومَشْرَبُهُ حَرامٌ، ومَلْبَسُهُ حَرامٌ، وغُذِيَ بالحَرامِ، فأنَّى يُسْتَجابُ لذلكَ؟!). (صحيح مسلم:1015)
الشاهد في الرواية: كما أمر الله الرسل بالحرص على الحلال أمر به أتباع الرسل، المؤمنون لهم أمر من السماء أن يحرصوا على الحلال طعمة وكسوة.
وفي الحديث أن الرجل ترى فيه صبغة المتواضعين وهيئة الخاشعين، لكنه مع هذه الصبغة والهيئة لايستجيب الله لدعاه ولا يرفع عمله، لماذا؟
لحرصه على الحرام.
الشعث والغبر صفة المتواضع، وكثرة الأسفار صفة العاملين حج أو عمرة، ورفع اليد إلى السماء صفة المتخشعين، ولكن مع هذا كله لا قبول لعمله ولا ارتفاع له، لماذا؟
لأنه يحرص على الحرام.
واليوم سنأخذ شريحة واحدة من شرائح الحرام وهيا “الغش“.
خطورة الغش
النبي صلوات الله وسلامه عليه دخل السوق يوماً لينظر حال أمته فرأى طعاماً فأعجبه، فأدخل يده في باطنه فرأى باطنه غير ظاهره، فقال: (ما هذا يا صاحبَ الطَّعامِ؟)، قال: أصابته سماء يا رسول الله. فقال: (فهلَّا جعَلْتَه فوقَ الطَّعامِ حتَّى يراه النَّاسُ، مَن غشَّنا فليس منَّا). (صحيح ابن حبان:4905)
الطعام شعيراً كان أو بُراً أو قمحاً، جلس ليبيع والسوق عرض وطلب، جلس ليبيع، فأمطرت السماء، فابتل الطعام من أعلاه، فقلب ما في إناءه، جعل الأعلى أسفل والأسفل أعلى، حتى يموه عن المشتري.
ثم إذا ذهب إلى بيته لا يشغله، أهم شيء أن يشتري ويذهب !.
فضرب النبي صلوات الله وسلامه عليه يده الشريفة في الإناء فأخرج ما في باطنه فلم يعجبه فقال: (فهلَّا جعَلْتَه فوقَ الطَّعامِ حتَّى يراه النَّاسُ، مَن غشَّنا فليس منَّا).
هيا فأنزل هذه الرواية على تعاملات الناس العامة، هل يسلم أحد من الغش حسب الرواية؟
لا يسلم إلا من اعتاد الصراحة، من اعتاد الصراحة يصيب الراحة كما ذكرنا سلفاً، لكن من لم يحب الصراحة ولم يتخلق بها ستراه منغمساً في الحرام.
اليوم أي شيء يشتريه الإنسان لا يسلم من الغش، لا يسلم، لماذا؟
لحرص البائع على المكسب، أياً كان المكسب، لا يشغله ضرر غيره إنما يشغله أن يذهب آخر النهار وقد امتلأ جيبه.
ويرى بعينه، ويحس بحسه، حال أناس سبقوه في هذا المضمار، ثم انتهت حياتهم وهم أحياء، جاءتهم بلوى ضيعت كل شيء، لكنه لم يتعظ بغيره.
السعيد من يتعظ بغيره
السعيد من الخلق من يتعظ بغيره وأشقى الناس من يتعظ بنفسه !!
يعني يظل حتى يخبط في الحائط ثم يقول: آمنت ! هذا شقي، أما السعيد إذا رأى من غيره شيئا اتعظ به.
في سنن البيهقي أن النبي صلوات الله وسلامه عليه نهى الناس أن يشوبوا اللبن بالماء، شوب اللبن يعني خلطه، قال: (لا تشُوبوا اللَّبنَ للبيعِ). (شعب الإيمان:4/1866)
ثم ذكر قصة رجل من السابقين، قال: كان فيمن قبلكم رجل ضاقت به الأمور في بلده، فخرج إلى بلد أخرى، فاتجر في الخمر، فباع الخمر صرفاً فربح، ثم أغواه الشيطان، فشاب الخمر ماء – خلطها بالماء – فازداد ربحه.
فلما ازداد ربحه وكثر ماله رأى أن يرجع إلى بلاده غير أنه قال: أريد أن أصطحب معي شيئاً إلى بلدي هدية لأهلي، فلم ير شيئاً في البلاد ليس في بلده إلا القرود، فاشترى قرداً.
فلما اشترى القرد وركب به السفينة، ألهم الله القرد أن يعبث في متاع الرجل، فعبث القرد في متاع الرجل فأخرج صرة الدنانير، فأخذها وصعد شراع السفينة، وهو في أعلى السفينة فتح الصرة فجعل ديناراً في السفينة وديناراً في البحر، ديناراً في السفينة وديناراً في البحر.
والرجل في اندهاش، وكل من في السفينة في اندهاش، ما هذا؟
لم يستطع أحد أن يلحق بالقرد فوق الشراع، خوفاً من الهلكة، ثم في آخر المطاف جاء الناس يعزون صاحب المال، يصبروه.
وهو يقول لهم جملة واحدة: يقول لهم: مال الماء للماء، مال الماء للماء !!
يبقى الحرام معلوم أمامنا لا يعمر بيتاً ولا يزهر أثراً طيباً على صاحبه، إنما الحرام يذهب بالحلال.
كما قال الشاعر:
جمع الحرام مع الحلال ليكثره
دخل الحرام على الحلال فبعثره
الحلال لا يقبل شريكاً، ومن ثم في الرواية: القرد قسم المال نصفين، وما تبقى مع الرجل إلا الحلال، أما الحرام ضاع في البحر.
الغش في التجارة
لذلك ما ضرب النبي صلى الله عليه وسلم مثلاً، ولا قص قصةً إلا ليفهم أصحابه، إلا ليفهم أصحابه، واليوم الغش في أكثر الأشياء، في أكثر تعاملات الناس غش.
اليوم في الثياب، في الكسوة، تكون الصناعة معلومة، ثم يطبعون بدجاً مثل صنع في فرنسا أو في أمريكا أو في بريطانيا، ثم يبيع على أنها مستورد وهي محلية الصنع.
هذا في الثياب وفي الطعام وفي كل شيء، في كل شيء، في الألبان، يأتي بالماء الدافئ ويحلب عليه، في السمن بطاطس مشوية دهمت وسط الزبد، هذا حال الناس !
لذلك البلاء زاد، البلاء زاد، لماذا؟
لأن الطعمة حرام، والكسوة حرام، والبدن نبت من حرام، ففي الدنيا خزي وفي الآخرة عار.
في الآخرة عار لأن النبي عليه الصلاة وأزكى السلام قال في الحديث: (إنَّهُ لا يربو لحمٌ نبتَ من سحتٍ إلَّا كانتِ النَّارُ أولى بِهِ). (صحيح الترمذي:614)
نسأل الله الجنة ونعوذ به من النار.
إخوتي الكرام، دع الحرام ناحية، الحلال كما تقول الأمثلة في مصر: الحلال بيمري، بيأثر في الإنسان.
اليوم يطعم معك أشهى الطعام، وينقلب عنك ويقول فيك.
كان زمان يقولون: العيش والملح بيطمر، كان بياكل عيش وملح ويطمر، يطمر يعني ايه؟
ميقدرش يقول فيك كلمة، وإن اغتابك أحد أمامه هجم عليه ورد غيبتك.
لكن اليوم بياكل معاه أشهى الطعام حتى يشبع ومن بعدها يقول فيه وفي حقه، لماذا؟
لأن الطعمة امتاطت بالحرام.
لذلك إخوتي الكرام الله الله في الحلال، الله الله في الحلال، يرتفع مع الحلال الدعاء، وتقبل مع الحلال الأعمال، وتنكشف مع الحلال الشدة، وتفرج الكروب.
إذا ما أدى بنا إلى ما نحن فيه إلا الحرص على الحرام، نعوذ بالله من الحرام.
وإن ذهبت إلى الأسواق، ترى ما يقلق، لا يسلم أحد، السوق فيه كل شيء، حتى قال الشاعر:
هذا زمان الغش من طلب الغنى
نفخ الدجاج وباعه أغناماً
هذا تندر بأحوال الحريصين على أكل الحرام، وشهر الأضحية قادم وفي الأضاحي سترى عجباً.
الحلال الحلال
احرص على الحلال حرصك على نفس الهواء الذي لا حياة إلا به، كذلك الحلال الحلال.
قال النبي عليه الصلاة وأزكى السلام: (أربعٌ إذا كنَّ فيك فلا عليك ما فاتك من الدنيا، صدْقُ الحديثِ، وحفْظُ الأمانةِ، وحُسْنُ الخُلقِ، وعفَّةُ مَطْعَمٍ). (صحيح الجامع:873)
تصدق في الحديث، تحرص على حسن الخلق، تحفظ الأمانة، تأكل لقمة طيبة حلال، عند ذلك أنت أغنى الناس في هذه الحياة.
إخوتي الكرام، الحرام باب من يدخله يحرق، فاللهم إنا نسألك السعادة في الدنيا والآخرة، ونعوذ بك من خزي الدنيا وفضيحة الآخرة.
إخوتي الكرام، الغش في كل شيء حتى أصبح الغش يستولى على كل شيء من أحوال الناس.
فاحرص على الميزان الصحيح والبيع الصحيح، ثم اعلم أن الرزق مقسوم، لا يأتي الرزق بالفهلوة ولا بالشطارة، إنما الرزق مقسوم.
والله تعالى الذي وعد بالرزق، أمر بالحركة، والذي أمر بالحركة أمر بالحلال، ومن ثم من عوامل التكسب أن تتحرك في الحلال.
قال الله تعالى: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ ۖ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ). (سورة الملك:15)
كل منا طُلِبَ منه أن يسعى وأن يتحرك وأن يأكل من رزق الله، ثم في النهاية سؤال، (وَإِلَيْهِ النُّشُورُ)، سننشر يوم القيامة ونلقى الله رب العالمين، نلقى الله للإمتحان.
قال تعالى: (تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا). (سورة الملك)
الإمتحان، لقاء الله في القيامة للإمتحان، سنمتحن، ولا يعفى أحد من سؤال !!!
قال الله تعالى: (فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ). (سورة الأعراف:6)
الرسل سيسألون، الرسل، أعلى الخلقة منزلة سيسألون، ومن ثم لا يعفى أحد من سؤال، وأسئلة القيامة عندنا بها علم، قالها النبي عليه الصلاة وأزكى السلام: (لا تزولُ قدَما العبدِ يومَ القيامةِ حتَّى يُسألَ عن أربعٍ: عن عمرِه فيما أفناهُ وعن شبابهِ فيما أبلاهُ وعن مالهِ من أين اكتسبَهُ وفيما أنفقَهُ وعن علمهِ ما عمِلَ به). (سنن الترمذي:2416)
من أين وفيم؟
من أين اكتسب؟ وفيم أنفق؟
من حلال وفي حلال
هناك من يحرص على الحلال ويكتسب وينفق الحلال في حلال، وهناك من يحرص على الحلال ولكنه ينفق الحلال في حرام، وهناك من لا يبالي يحرص على الحرام وينفق في حلال، وهناك من يحرص على الحرام وينفق في حرام.
الذي حرص على الحلال وأنفق في حلال أعلى الناس رتبة، أعلاهم رتبة أعلاهم مكانة، ومن جمع الحلال وأنفق في حرام مسئول، نجح في أول سؤال من أين؟ يارب من حلال، وأين؟ أنفق في حرام، ومن ثم هذا هالك.
ومن جمع من حرام وأنفق في حلال، جمع بالغش وبنى مساجد، جمع بالغش وأنفق على الأرامل، جمع بالغش وأنفق في وجوه الخير، هالك هالك هالك !!
لم يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً لأن الله طيب ولا يقبل إلا الطيب.
ومن جمع من حرام وأنفق في حرام هلك متحققة، هلكة فوق هلكة، لذلك بارككم الله احرص على الحلال حرصك على الهواء، واعلم أن رزقك لا ينقصه التأني كما يقول الشاعر، ولا يزيد في الرزق العناء.
ومن ثم لتكن عندك القناعة، اقتنع بالحلال ترى أثره في النفس والذرية والمال، طاعم الحلال البركة فيه وفي ذريته، طاعم الحلال الحريص عليه البركة فيه وفي ذريته.
والحال مشاهد، ممكن يكون إنسان معيل عنده عشرة من الولد، ولكنه أجري شغال باليومية، وبعدين قبل أن يموت الله تعالى يزينه في حياته بذريته، يعلم العشرة، والعشرة يتبوأون مناصب عالية، وأبوهم رجل بسيط الحال، لكنه كان حريصاً على الحلال.
والآخر، ملأ وكنز أمواله أسفل البلاطة، والأولاد كلهم صيع ضيع، وممكن يكون تحت البلاطة وأولاده في خير وعافية، بلاء زائد.
حال الغشاش يوم القيامة
ومن ثم افهم باركك الله، الغش حرام كبير، ودليل أنه كبير براءة النبي عليه الصلاة وأزكى السلام من فاعليه، قال: (من غَشَّنا فليس مِنَّا). (الترغيب والترهيب:3/33)
ليس من طريقتنا الغش وليس من أتباعاً من يغش.
الغشاش سيأتي الحوض يوم القيامة يوم الظمأ العظيم، وهو طامع في الشرب ثم تطرده الملائكة، فيقول النبي: (هؤلاء من أمتي!).
عرفهم بعلامات الوضوء، عرفهم بالغرة والتحجيل، لكنهم يقولون: يا محمد، لكنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فقد غيروا في دينهم وبدلوا، غشوا والتزموا الغش على أنه دين، غيروا وبدلوا، ومن ثم يطرد.
فيقول: (ويحاً، بُعداً بُعداً سُحقاً سُحقاً).
ومن ثم خشية الحرج في يوم طويل الهول شديد الكرب، علينا أن نحرص على الحلال، عسى الله تعالى أن يحول حالنا إلى أحسن حال.
خطر المال الحرام
عباد الله: إن المتأمل في حياة الناس ليجد أن المصائب قد تزاحمت على عتبات البيوت، وما هذا إلا جراء ما قدمت أيدينا من مخالفات، كما قال الله تعالى: (وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ). (سورة الشورى:30)
الجميع طامع في أن تتحول الأحوال إلى أحسنها، ولكن هذا الطمع يتأخر شيئاً فشيئاً، لماذا؟
لما وقع منا من معاصي وذنوب، وأشهر الذنوب في هذه الأيام تحصيل الحرام.
والنبي صلوات الله وسلامه عليه كما جاء في صحيح الإمام البخاري من حديث الصحابي الجليل أبي هريرة رضي الله تعالى عنه وأرضاه أن النبي صلوات الله وسلامه عليه قال في الحديث: (لَيَأْتِيَنَّ علَى النَّاسِ زَمانٌ، لا يُبالِي المَرْءُ بما أخَذَ المالَ، أمِنْ حَلالٍ أمْ مِن حَرامٍ). (صحيح البخاري:2083)
لا يشغله أن هذا حرام أو أن هذا حلال، كل ما يشغله أن يرجع إلى بيته وقد امتلأ جيبه، من أين؟ لا يشغل ولا يهم !!.
وللأسف الشديد نرى هذا في زماننا، ونرى طرق الحلال قد تضايقت، وأصبح الحلال غير معروف بين الناس إلا من رحم ربي !.
لماذا؟
لشهرة الحرام وطغيانه، وقد علمنا أن الحرام سبب من أسباب الحرمان.
الحرص على الحلال
عند مسلم في الصحيح أن النبي صلوات الله وسلامه عليه قال: (إنَّ اللَّهَ أمَرَ المُؤْمِنِينَ بما أمَرَ به المُرْسَلِينَ، فقالَ: (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) (سورة المؤمنون:51)، وقالَ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ) (سورة البقرة:172)، ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أشْعَثَ أغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إلى السَّماءِ، يا رَبِّ، يا رَبِّ، ومَطْعَمُهُ حَرامٌ، ومَشْرَبُهُ حَرامٌ، ومَلْبَسُهُ حَرامٌ، وغُذِيَ بالحَرامِ، فأنَّى يُسْتَجابُ لذلكَ؟!). (صحيح مسلم:1015)
الشاهد في الرواية: كما أمر الله الرسل بالحرص على الحلال أمر به أتباع الرسل، المؤمنون لهم أمر من السماء أن يحرصوا على الحلال طعمة وكسوة.
وفي الحديث أن الرجل ترى فيه صبغة المتواضعين وهيئة الخاشعين، لكنه مع هذه الصبغة والهيئة لايستجيب الله لدعاه ولا يرفع عمله، لماذا؟
لحرصه على الحرام.
الشعث والغبر صفة المتواضع، وكثرة الأسفار صفة العاملين حج أو عمرة، ورفع اليد إلى السماء صفة المتخشعين، ولكن مع هذا كله لا قبول لعمله ولا ارتفاع له، لماذا؟
لأنه يحرص على الحرام.
واليوم سنأخذ شريحة واحدة من شرائح الحرام وهيا “الغش“.
خطورة الغش
النبي صلوات الله وسلامه عليه دخل السوق يوماً لينظر حال أمته فرأى طعاماً فأعجبه، فأدخل يده في باطنه فرأى باطنه غير ظاهره، فقال: (ما هذا يا صاحبَ الطَّعامِ؟)، قال: أصابته سماء يا رسول الله. فقال: (فهلَّا جعَلْتَه فوقَ الطَّعامِ حتَّى يراه النَّاسُ، مَن غشَّنا فليس منَّا). (صحيح ابن حبان:4905)
الطعام شعيراً كان أو بُراً أو قمحاً، جلس ليبيع والسوق عرض وطلب، جلس ليبيع، فأمطرت السماء، فابتل الطعام من أعلاه، فقلب ما في إناءه، جعل الأعلى أسفل والأسفل أعلى، حتى يموه عن المشتري.
ثم إذا ذهب إلى بيته لا يشغله، أهم شيء أن يشتري ويذهب !.
فضرب النبي صلوات الله وسلامه عليه يده الشريفة في الإناء فأخرج ما في باطنه فلم يعجبه فقال: (فهلَّا جعَلْتَه فوقَ الطَّعامِ حتَّى يراه النَّاسُ، مَن غشَّنا فليس منَّا).
هيا فأنزل هذه الرواية على تعاملات الناس العامة، هل يسلم أحد من الغش حسب الرواية؟
لا يسلم إلا من اعتاد الصراحة، من اعتاد الصراحة يصيب الراحة كما ذكرنا سلفاً، لكن من لم يحب الصراحة ولم يتخلق بها ستراه منغمساً في الحرام.
اليوم أي شيء يشتريه الإنسان لا يسلم من الغش، لا يسلم، لماذا؟
لحرص البائع على المكسب، أياً كان المكسب، لا يشغله ضرر غيره إنما يشغله أن يذهب آخر النهار وقد امتلأ جيبه.
ويرى بعينه، ويحس بحسه، حال أناس سبقوه في هذا المضمار، ثم انتهت حياتهم وهم أحياء، جاءتهم بلوى ضيعت كل شيء، لكنه لم يتعظ بغيره.
السعيد من يتعظ بغيره
السعيد من الخلق من يتعظ بغيره وأشقى الناس من يتعظ بنفسه !!
يعني يظل حتى يخبط في الحائط ثم يقول: آمنت ! هذا شقي، أما السعيد إذا رأى من غيره شيئا اتعظ به.
في سنن البيهقي أن النبي صلوات الله وسلامه عليه نهى الناس أن يشوبوا اللبن بالماء، شوب اللبن يعني خلطه، قال: (لا تشُوبوا اللَّبنَ للبيعِ). (شعب الإيمان:4/1866)
ثم ذكر قصة رجل من السابقين، قال: كان فيمن قبلكم رجل ضاقت به الأمور في بلده، فخرج إلى بلد أخرى، فاتجر في الخمر، فباع الخمر صرفاً فربح، ثم أغواه الشيطان، فشاب الخمر ماء – خلطها بالماء – فازداد ربحه.
فلما ازداد ربحه وكثر ماله رأى أن يرجع إلى بلاده غير أنه قال: أريد أن أصطحب معي شيئاً إلى بلدي هدية لأهلي، فلم ير شيئاً في البلاد ليس في بلده إلا القرود، فاشترى قرداً.
فلما اشترى القرد وركب به السفينة، ألهم الله القرد أن يعبث في متاع الرجل، فعبث القرد في متاع الرجل فأخرج صرة الدنانير، فأخذها وصعد شراع السفينة، وهو في أعلى السفينة فتح الصرة فجعل ديناراً في السفينة وديناراً في البحر، ديناراً في السفينة وديناراً في البحر.
والرجل في اندهاش، وكل من في السفينة في اندهاش، ما هذا؟
لم يستطع أحد أن يلحق بالقرد فوق الشراع، خوفاً من الهلكة، ثم في آخر المطاف جاء الناس يعزون صاحب المال، يصبروه.
وهو يقول لهم جملة واحدة: يقول لهم: مال الماء للماء، مال الماء للماء !!
يبقى الحرام معلوم أمامنا لا يعمر بيتاً ولا يزهر أثراً طيباً على صاحبه، إنما الحرام يذهب بالحلال.
كما قال الشاعر:
جمع الحرام مع الحلال ليكثره
دخل الحرام على الحلال فبعثره
الحلال لا يقبل شريكاً، ومن ثم في الرواية: القرد قسم المال نصفين، وما تبقى مع الرجل إلا الحلال، أما الحرام ضاع في البحر.
الغش في التجارة
لذلك ما ضرب النبي صلى الله عليه وسلم مثلاً، ولا قص قصةً إلا ليفهم أصحابه، إلا ليفهم أصحابه، واليوم الغش في أكثر الأشياء، في أكثر تعاملات الناس غش.
اليوم في الثياب، في الكسوة، تكون الصناعة معلومة، ثم يطبعون بدجاً مثل صنع في فرنسا أو في أمريكا أو في بريطانيا، ثم يبيع على أنها مستورد وهي محلية الصنع.
هذا في الثياب وفي الطعام وفي كل شيء، في كل شيء، في الألبان، يأتي بالماء الدافئ ويحلب عليه، في السمن بطاطس مشوية دهمت وسط الزبد، هذا حال الناس !
لذلك البلاء زاد، البلاء زاد، لماذا؟
لأن الطعمة حرام، والكسوة حرام، والبدن نبت من حرام، ففي الدنيا خزي وفي الآخرة عار.
في الآخرة عار لأن النبي عليه الصلاة وأزكى السلام قال في الحديث: (إنَّهُ لا يربو لحمٌ نبتَ من سحتٍ إلَّا كانتِ النَّارُ أولى بِهِ). (صحيح الترمذي:614)
نسأل الله الجنة ونعوذ به من النار.
إخوتي الكرام، دع الحرام ناحية، الحلال كما تقول الأمثلة في مصر: الحلال بيمري، بيأثر في الإنسان.
اليوم يطعم معك أشهى الطعام، وينقلب عنك ويقول فيك.
كان زمان يقولون: العيش والملح بيطمر، كان بياكل عيش وملح ويطمر، يطمر يعني ايه؟
ميقدرش يقول فيك كلمة، وإن اغتابك أحد أمامه هجم عليه ورد غيبتك.
لكن اليوم بياكل معاه أشهى الطعام حتى يشبع ومن بعدها يقول فيه وفي حقه، لماذا؟
لأن الطعمة امتاطت بالحرام.
لذلك إخوتي الكرام الله الله في الحلال، الله الله في الحلال، يرتفع مع الحلال الدعاء، وتقبل مع الحلال الأعمال، وتنكشف مع الحلال الشدة، وتفرج الكروب.
إذا ما أدى بنا إلى ما نحن فيه إلا الحرص على الحرام، نعوذ بالله من الحرام.
وإن ذهبت إلى الأسواق، ترى ما يقلق، لا يسلم أحد، السوق فيه كل شيء، حتى قال الشاعر:
هذا زمان الغش من طلب الغنى
نفخ الدجاج وباعه أغناماً
هذا تندر بأحوال الحريصين على أكل الحرام، وشهر الأضحية قادم وفي الأضاحي سترى عجباً.
الحلال الحلال
احرص على الحلال حرصك على نفس الهواء الذي لا حياة إلا به، كذلك الحلال الحلال.
قال النبي عليه الصلاة وأزكى السلام: (أربعٌ إذا كنَّ فيك فلا عليك ما فاتك من الدنيا، صدْقُ الحديثِ، وحفْظُ الأمانةِ، وحُسْنُ الخُلقِ، وعفَّةُ مَطْعَمٍ). (صحيح الجامع:873)
تصدق في الحديث، تحرص على حسن الخلق، تحفظ الأمانة، تأكل لقمة طيبة حلال، عند ذلك أنت أغنى الناس في هذه الحياة.
إخوتي الكرام، الحرام باب من يدخله يحرق، فاللهم إنا نسألك السعادة في الدنيا والآخرة، ونعوذ بك من خزي الدنيا وفضيحة الآخرة.
إخوتي الكرام، الغش في كل شيء حتى أصبح الغش يستولى على كل شيء من أحوال الناس.
فاحرص على الميزان الصحيح والبيع الصحيح، ثم اعلم أن الرزق مقسوم، لا يأتي الرزق بالفهلوة ولا بالشطارة، إنما الرزق مقسوم.
والله تعالى الذي وعد بالرزق، أمر بالحركة، والذي أمر بالحركة أمر بالحلال، ومن ثم من عوامل التكسب أن تتحرك في الحلال.
قال الله تعالى: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ ۖ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ). (سورة الملك:15)
كل منا طُلِبَ منه أن يسعى وأن يتحرك وأن يأكل من رزق الله، ثم في النهاية سؤال، (وَإِلَيْهِ النُّشُورُ)، سننشر يوم القيامة ونلقى الله رب العالمين، نلقى الله للإمتحان.
قال تعالى: (تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا). (سورة الملك)
الإمتحان، لقاء الله في القيامة للإمتحان، سنمتحن، ولا يعفى أحد من سؤال !!!
قال الله تعالى: (فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ). (سورة الأعراف:6)
الرسل سيسألون، الرسل، أعلى الخلقة منزلة سيسألون، ومن ثم لا يعفى أحد من سؤال، وأسئلة القيامة عندنا بها علم، قالها النبي عليه الصلاة وأزكى السلام: (لا تزولُ قدَما العبدِ يومَ القيامةِ حتَّى يُسألَ عن أربعٍ: عن عمرِه فيما أفناهُ وعن شبابهِ فيما أبلاهُ وعن مالهِ من أين اكتسبَهُ وفيما أنفقَهُ وعن علمهِ ما عمِلَ به). (سنن الترمذي:2416)
من أين وفيم؟
من أين اكتسب؟ وفيم أنفق؟
من حلال وفي حلال
هناك من يحرص على الحلال ويكتسب وينفق الحلال في حلال، وهناك من يحرص على الحلال ولكنه ينفق الحلال في حرام، وهناك من لا يبالي يحرص على الحرام وينفق في حلال، وهناك من يحرص على الحرام وينفق في حرام.
الذي حرص على الحلال وأنفق في حلال أعلى الناس رتبة، أعلاهم رتبة أعلاهم مكانة، ومن جمع الحلال وأنفق في حرام مسئول، نجح في أول سؤال من أين؟ يارب من حلال، وأين؟ أنفق في حرام، ومن ثم هذا هالك.
ومن جمع من حرام وأنفق في حلال، جمع بالغش وبنى مساجد، جمع بالغش وأنفق على الأرامل، جمع بالغش وأنفق في وجوه الخير، هالك هالك هالك !!
لم يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً لأن الله طيب ولا يقبل إلا الطيب.
ومن جمع من حرام وأنفق في حرام هلك متحققة، هلكة فوق هلكة، لذلك بارككم الله احرص على الحلال حرصك على الهواء، واعلم أن رزقك لا ينقصه التأني كما يقول الشاعر، ولا يزيد في الرزق العناء.
ومن ثم لتكن عندك القناعة، اقتنع بالحلال ترى أثره في النفس والذرية والمال، طاعم الحلال البركة فيه وفي ذريته، طاعم الحلال الحريص عليه البركة فيه وفي ذريته.
والحال مشاهد، ممكن يكون إنسان معيل عنده عشرة من الولد، ولكنه أجري شغال باليومية، وبعدين قبل أن يموت الله تعالى يزينه في حياته بذريته، يعلم العشرة، والعشرة يتبوأون مناصب عالية، وأبوهم رجل بسيط الحال، لكنه كان حريصاً على الحلال.
والآخر، ملأ وكنز أمواله أسفل البلاطة، والأولاد كلهم صيع ضيع، وممكن يكون تحت البلاطة وأولاده في خير وعافية، بلاء زائد.
حال الغشاش يوم القيامة
ومن ثم افهم باركك الله، الغش حرام كبير، ودليل أنه كبير براءة النبي عليه الصلاة وأزكى السلام من فاعليه، قال: (من غَشَّنا فليس مِنَّا). (الترغيب والترهيب:3/33)
ليس من طريقتنا الغش وليس من أتباعاً من يغش.
الغشاش سيأتي الحوض يوم القيامة يوم الظمأ العظيم، وهو طامع في الشرب ثم تطرده الملائكة، فيقول النبي: (هؤلاء من أمتي!).
عرفهم بعلامات الوضوء، عرفهم بالغرة والتحجيل، لكنهم يقولون: يا محمد، لكنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فقد غيروا في دينهم وبدلوا، غشوا والتزموا الغش على أنه دين، غيروا وبدلوا، ومن ثم يطرد.
فيقول: (ويحاً، بُعداً بُعداً سُحقاً سُحقاً).
ومن ثم خشية الحرج في يوم طويل الهول شديد الكرب، علينا أن نحرص على الحلال، عسى الله تعالى أن يحول حالنا إلى أحسن حال.
التعديل الأخير بواسطة المشرف: