و بَقِيَ الجنُوبُ جنُوبًا
✻
البداية
تعالى صوت عواء الذئاب
و اهتزت الارض بعنفٍ لضربات ارجلهم عليها
كانت حرب الذئاب قد ابتدأت
و حرب السماء كانت أشد
فكانت سفن الغيث متجمعة في اسطول كبير
تحمل ذخائر تعد ولا تحصى على وشك ان تطلقها في حربها مع مكنون الارض
-
أما الذئاب فكانت حربها كبيرة مستعرة , بين ذئاب الجنوب و ذئاب الشرق , ماذا ؟
أتسأل كيف لجنوب و شرق ان يجتمعان ؟
كيف أن الشمال قد أصبح يميل للغرب أكثر من الشرق ؟
الا ترى بأن الدنيا قد انقلبت ليصبح الشرق شمالًا و الشمال غربَا
و الغرب جنوبَا و الجنوب شرقَا
-
وا اسفاه على دنيا قد انقلبت
فكيف نعيدكِ يا من حمل الدهر معه ؟
كيف و الذئاب تسرقكِ
لتصبحي اسيرتهم و اخيذتهم و حبيستهمُ
-
ركَض ذلك الذئب الضخم هاربَا
كان كبير الحجم , كثيف الفرو
اقدامه كبيرة
و ذيله طويل
يركض باستماتة
اصاباته كانت كثيرة , و دماءه تتقطر في الانحاء
كان قلقا من ان يتتبعوا دماءه فكان يلعقها حتى يتوقف النزيف قدر المستطاع كلما حصل على فرصة ضئيلة
ليمكث تحت شجرة ما محتميًا من قطرات المطر التي تتساقط باستمرار و بقوة .
...
كلما سمع عواء ذئب اخر غيره شعر بالضيق , انهم يقتلون واحدًا تلو الاخر
انهم يموتون على التوالي و بسرعة
كان يعلم بأنه من الخطير ان تقام الحرب بين الذئاب ؛ لأنها لن تنتهي على خير ابدًا .
كان هو في مقدمة جماعته في ذلك الوقت , بصفته خبيرًا في القتالات
و لكن ما رآه وقتها جعله يفكر عشر مرات بل مئة مرة قبل ان يخاطر
اراد ان يستدير لكي يخبر اخوته بأن يهربوا لكن فات الاوان فقد كانوا محاصرين من كل مكان
...
من الذي يحاصرهم ؟ انهم وحوش بشرية
كيف يسمون وحوشَا و هم بشر ؟ لأن هؤلاء البشر لم يكونوا طبيعيين , كانوا مجانينًا
وحوشٌ لا يأبهون لحيوات اي كائنات ما دامت سوف تفيدهم بأي شيءٍ كان
- بدا له بأن منافسيهم قد قاموا بخيانة عهود الذئاب بألا تتدخل
أية اطراف من غير فصيلتهم في الحرب , فكما نرى فقد تعاقدوا مع بشر
بشر !
حثالة هذه الأرض ! أكثرهم فسادًا و أكثرهم انحرافًا !
وحوش تعدُّوا في وحشيتهم الذئاب بل الضباع
( كيف يثقون بهم ؟ , سحقَا لأولئك التعساء
بئسًا لهم و تبًا !
حقراء وشاة , ناقضوا عهودٍ منافقون !
كنت اعلم بأن الامور سوف تؤول الى هذا الوضع , لكن القائد كان مصرًّا على ان فخر الذئاب اولى
فليذهب فخركم للجحيم ان كان سوف يزهق ارواح اخوتي , و لكن سوف ترون ... )
...
لماذا هرب لوحده ؟ لأنهم اتفقوا على ان يهربوا فردًا فردًا لأجل الاختباء
فقد كانت الغابة الجنوبية ساحة لعبهم , فهم يعرفون مواطن كل صغيرة و كبيرة قد يستطيعون الاختباء بها
- سمِع فجأةً صوت عواءٍ صارخ
( انه عوف ! )
كان هذا صوت عواء عوف
عوف أقرب الناس إلى ذئبنا
كيف سوف يتجاهل اخيه ؟
لن يستطيع
فهذه ليست من عاداته كذئب وفيٍّ لقطيعه
كان يجب عليه المخاطرة , وجبت عليه التضحية
فهذه سماتهم , تضحية في سبيل القطيع
كان عوف يعوي بصوت عال مهيب، يستنجد
( انهم قريبون منه , فعوف يستنجد بنا )
- وقف الذئب وقفة منتصبة و اخذ نفسًا طويلًا ثم عوى بصوتٍ جهور
و استمر و استمر و استمر حتى انقطعت انفاسه
( ارجو ان يستدلوا على موقعي و يفهموا اشارتي )
شعر بالقلق
كان يتمنى لو انه كان قريبًا من عوف
لعق اصابة قائمته اليسرى ثم اراح جسده قليلًا
...
بعد ان التقط انفاسه قرر ان يكمل مسيره ليبحث عن مكان الذي كان ينوي ان يتجه إليه
لكنه قد سمع فجأة صوت تكسر اغصان على بعد بضعة امتار قريبًا منه ..
( هل وجدوني بهذه السرعة ؟
لا مستحيل , لم يكونوا بهذا القرب
و لم اشتم رائحة الدماء في هذا المكان )
ركز بجميع حواسه , و وسع حدقتيه لينظر للمكان الذي يأتي منه الصوت
( رائحة بشري )
ارتخت ملامحه قليلًا
( لا توجد رائحة دماء تنبعث منه )
بقي في هيئة الاستعداد حتى اذا ظهر امامه ما لم يكن في الحسبان ان يكون قادرًا على الهروب
كانت انفاسه ما زالت متقطعة , و البرد قد جمد اوصاله
و لكن ماذا عساه يفعل ؟ فهو ليس في حال تمكنه من ان يكون سريع البديهة
شعر بأنه حتى لو كان عدوه لن يكون قادرًا على الهروب، لذلك و ان ظهر ستجب عليه المواجهة بكل ما تبقى له من قوة
و على حين غرة
ظهرت رأسٌ صغيرة حمراء
( ما هذا ؟ )
بدأت اصوات الخطوات الصادرة عن هذا البشري بالعلو اكثر
و بعدها ظهر امامه بالكامل ..
كان طفلًا صغيرًا بوجه دائري , ممتلئ بالطين , عيون سوداء واسعة , و شعر اسود
كان خده محمرًا من البرد , و اصابعه كذلك
يرتدي حقيبة مدرسية جلدية , كان حذاء المطر خاصته متوسخًا بالكامل
( ما الذي يفعله هذا الطفل هنا ؟ )
اطمئن الذئب قليلًا , و لكن ما زال كيف اتى الى هنا ؟
انه تل مرتفع تابع للجبل الجنوبي و نادرًا ما يصعد البشر الذين يقطنون في القرية السفلى اليه , لأنهم يعلمون بأنه موطن الذئاب
...
حدق الطفل به قليلًا ثم ابتسم , و مد يده نحوه و بدأ بالمشي ببطء
و لكنه تعثر فوقع على الارض ... وقف و قرر الاستمرار في الاقتراب , على الرغم من انه يرى امامه كيانًا عظيمًا ضخمًا مهيبًا
( لم يخف , و انما ابتسم ) قال الذئب في نفسه
قرر ان يتزحزح من مكانه و يقترب من الطفل ...
و عندما وصله كان قد وقع توًّا على الارض فقبض بأسنانه على معطفه و رفعه ببطئ
نظر الطفل الى الذئب بعد ان وقف
فاتسعت ابتسامته
( طفل غريب )
- أآء أااء
كان الطفل يحاول ان ينطق لكن ما كان يخرج منه الا انأنات خافتة
لان قلب هذا الذئب عليه , و بدأ يلعق وجه هذا الصغير محاولًا تنظيفه من الطين
فضحك الطفل مستمتعًا بذلك
- فجأة , شعر الذئب بشيء , ارتفعت اذناه و بدأت برصد بعض الاصوات
نظر للطفل الصغير الذي قد كان فضوليًا عن سبب وجوده هنا , و لكن لا وقت لهذا الان يجب عليه الفرار
كان على وشك ان يخطو اولى خطواته للهروب , لكنه عندما نظر للطفل كيف أمال رأسه و كأنه يتسائل عما
سيفعله الذئب شعر ببعضٍ من تأنيب الضمير , اقترب منه و نزل على الارض ثم قام بشد الطفل لعله يفهم
و كان الطفل خير من يفهم , فقد اقترب ببطئ ثم امتطى ظهر هذا الذئب الضخم و تمسك بفروه بقوة ..
بدأ الذئب بالركض مبتعدًا عن هذا الموقع قدر المستطاع , و قد بدأ باستهلاك ما حاول جمعه من طاقة ليستطيع تضييعها في فرصته الاخيرة للوصول للموقع الذي يسعى للوصول له
لقد كان ينوي ان يذهب لكهفٍ قريب من المكان الذي كان يقف به
لكن المشكلة تكمن في هذا الطفل
على ما يبدو انه لا يتحدث
و فعليا هو لا يستطيع التحدث
إنه أبكم
...
وقف الذئب فوق جرف منحدر انحدارة بسيطة
نظر للأسفل اين يقبع الكهف , ثم قفز من على الجرف ليصل للأرض بكل سلاسة، فالمسافة كانت قصيرة
تفقد المكان قليلًا , ثم نظر للطفل فوجده يكافح بصعوبة كي لا يغمض عينيه
التفت نحو الكهف و بدأ بالتوغل للداخل , كان مظلمًا و معتمًا جدًا فقرر ان يجلس قرب فتحة الكهف
كان مكانا مخفسا قليلا، فلم تكن الفرصة كبيرة لقدومهم خلفه و ايجاده
و ان حصل و ان وجدوه فهذا الكهف ترتبط نهايته بمسلك يؤدي الى اسفل التل
على كل حال , انزل الذئب الطفل و وضعه امام بطنه و احاطه بنفسه و ذيله فكور نفسه حوله حتى يدفئه فقد كان الجو باردًا
كان قلقًا على عوف , فما زال لم يعرف حاله , و ظهر هذا الطفل ايضًا ليشكل له مصدر قلق اخر
فكر قليلًا
( قبل قليل كنت فقط اقول كيف ان البشر حثالة , و انظر الى هذا الصغير الان كيف هو نائم في حجري
حسنًا يجن ان نستثني بعض البشر من لائحة الحثالة )
نظر له قليلًا ثم اسند راسه على قائمتيه و بدأ بالتحديق بالخارج
يجب عليه ان يبقى متيقظًا حتى يستطيع حماية نفسه و هذا الطفل
وجَّه نظره للطفل قليلًا فوجده يحدق به
كان يراقبه بترقب
( تلك العيون )
عيونٌ سوداء لا تميز بؤبؤها من حدقتها من شدة السواد
و كأنك تنظر الى فراغ لا نهاية له , ان اطلت التحديق سوف تفقد نفسك
كأنها تسحبك , كأنها تمتصك
( عشيرة الغرب )
ذئاب الغرب معروفون بتلك العيون السوداء
و معروفون بلون الفرو الأسود القاتم , و لذلك هم ماهرون في التخفي خصيصا في الظلام
و لأنهم يسيطرون على غابة في اقصى الغرب
...
لقد لحظ ذئبنا شيئًا
هذا الطفل ليس بشريًا بالكامل , و لذلك لم يكن خائفًا
عندما ابتسم هذا الطفل له , رأى بأن لديه أنيابًا مخلوعة
كل من الانياب السفلية و العلوية مخلوعة
و يعني ذلك
( على الرغم من أنه ذئب أعظم الا انه لن يستطيع التحول )
ذئب أعظم؟
ماذا يعني الذئب الاعظم ؟
هي الذئاب التي تختلف في سماتها عن الذئاب العادية
فتستطيع تمييز ان هذا ذئب اعظم من مجرد النظر اليه
و في قطيع الذئاب يولد من اثنين الى ثلاثة ذئاب بقدرات عظيمة
كالحجم الضخم و القوة الساحقة
و منها التحول الى الشكل البشري
و التحدث مع البشر في هيئة الذئاب
و صوت العواء القوي
...
بالنسبة لعشيرة الجنوب فهنالك شكل معين لهم في تحولهم لهيئة البشر
فهم يشتهرون بالعيون الفضية كلون لمعان البدر المكتمل
و بالفرو الرمادي الغامق
و لذلك عند تحولهم الى بشر , تكون هيئتهم ضخمة
بعيون فضية و ملامح شرسة تختلف عن ملامح العشائر الاخرى
فعشيرة الغرب ملامحهم اكثر هدوءًا و رقة
اما عشيرة الشرق فملامحهم تبدو أكثر كالبشر حتى في هيئتهم و لذلك هم الأكثر قدرة على التخفي بينهم
بيد ان عيونهم الحمراء تشكل صعوبة في ذلك
اما عشيرة الشمال فهم ذوي الصفات الملكية كما يقال عنهم بين الذئاب
ففروهم ذهبي و عيونهم كهرمانية
...
- عشيرة الجنوب معروفة بأنها الأكثر شراسة في القتال
فبنيتهم كبيرة و يملكون من الحجم و القوة ما يوازي قوة الذئاب العظمى و لذلك نادرًا ما تتعرف العشائر الاخرى
على ذئابهم العظمى الا ان افصحوا هم عن ذلك و هذا الامر يفيدهم في حروبهم
- أما عشيرة الغرب فهم عشيرة هادئة لا تحتك بالعشائر الاخرى و عشيرة الشمال كذلك
لكن المشاكل تكمن في أوغاد عشيرة الشرق , فهم من يبتغون الفساد و اللغو
و عشيرة الجنوب تقف لهم بالمرصاد منذ مئات السنين
لكن هذه المرة قد فاق خبثهم الحد
فقد نقضوا عهود الذئاب التي من الخطير قطعها
...
أما بالنسبة للحديث مع البشر في الهيئة الطبيعية
فهذه القدرة مخصوصة للذئاب العظمى فلا يمكن لأي ذئب فعل ذلك
و هم يستخدمون اصواتهم الحقيقية في الحديث فصوت العواء يختلف في شدته عن صوتهم العادي
حديثهم يكون قليلًا و بصوت مهيب
ترتعش عند سماعه الكائنات الاخرى
( و هذا الذي أمامي فقد قدرته على الحديث و على التحول الى هيئة الذئب
أيها الصغير ... )
كان هذا الطفل ابن ذئب عظيم
و احد الابوين بشري
فصفاته البشرية مساوية لصفاته الحيوانية
فإما ان يكون من انثى ذئب أعظم و اب بشري
او من ذكر ذئب أعظم و ام بشرية
و في الحالتين سوف يكون هذا الفتى ذئبًا أعظم
فصفات الذئاب القوية تطغى على صفات البشر الضعيفة
( و لكن يبدو بأنهم لا يريدونك ذئبًا )
أيا كان الشخص الذي قد فعل ذلك به فهو لا يريده ذئبا
خلع الناب كخلع القلب من مكانه
كم تألمت أيها الصغير عندما قاموا بفعل ذلك لك؟
يا حسرة على حالك أيها الطفل
فبدون صفات الذئاب لن تستطيع العيش طبيعيًا
سسيضطر والداك حمايتك طوال الوقت
كيف تجعلون ذئبًا اعظم قويًا كتلةً من اللحم الصغيرة
كيف تجعلون ذئبا أعظم يفقد قوته، انه ثروة
خصيصا ان كان هجينا فلو كان ما زال يملك قوته
لكلن قد أصبح وسيلة للتفاهم مع بشر هذا العالم
و لكن - ما الذي اتى بابن عشيرة الغرب الى هنا ؟
فهذا الجبل الجنوبي ملك لعشيرة الجنوب
- أأآء أأء
كان الطفل يأنئن و هو يبتسم
قرب الذئب رأسه من الطفل و بدأ يفرك وجهه بوجهه
- ههيهيهيي
كان الطفل مستمتعًا بذلك
( بما أن مصيرك ان تعيش حياة بشري , فعِش حياتَك كما يجب أيها الصغير )
أغمض الذئب عينيه , أما الطفل فقد اكمل تحديقه به , و قد شعر ببعض الضيق
فاغرورقت عيناه بالدموع و شعر برغبة بالبكاء
فدفن وجهه بفرو الذئب و أحاط بذراعيه حول رقبته و شد بقبضتيه الصغيرتين المحمرتين على فروه
و تمسك به جيدًا و بدأ يجهش بالبكاء بل يبكي بحرقة
و كأن في داخله شيئًا يريد اخراجه لكنه لم يستطع
- اااااااء هئ هئ
مشاعر هذا الطفل الصغير قد وصلت للذئب
- أنتَ قَويّ , عِش عَلَى طَبِيعَتِك
كان هذا الصوت الحقيقي لهذا الذئب المهيب
صوت من شدتة و قوته ارتعشت اطراف هذا الطفل و شعر بالضغط الكبير
لكن على الرغم من شدة الصوت الا ان الكلمات الدافئة التي قد خرجت معه قد أشعرته بالسعادة
طفل صغير كان معتادًا ان يكون ذئبًا
اعتاد ان يستطيع التحدث
اعتاد ان يكون طفلًا عاديًا
فقد وسيلته الوحيدة للتواصل
و فقد ميزته الوحيدة
سوف يشعر بالوحدة
و سوف يشعر بأنه قد فقد شيئًا عزيزًا
ألا تكون على طبيعتك شيئٌ صعب
و ان تحاول العيش بطريقة اخرى لأن الظروف قد اجبرتك على ذلك أصعب
و لكن ما عسى لطفل صغير أن يفعل
فقد اوصدت الحياة الطرق امامه و هو في مرحلة الطفولة
ما زال لم يصعد اولى الدرجات ليعرف عن الحياة
فذاق قسوتها قبل ان يذوقها غيره
- رفع الطفل وجهه و مسح دموعه ثم ابتسم
و اظهر ضحكة جميلة مع ذلك الوجه المحمر
- أحسَنتَ صُنعًا أيُّهَا الصَّغِير
قال و هو يلعق وجهه
...
- ها قد وجدتك اخيرًا أيها الذئب الاعظم الجنوبي
قال رجلٌ قد خرج من بين الشجيرات
و حوله كان الكثير من الرجال المسلحين
كان يقف أمام الكهف أين يجلس ذلك الذئب الكبير ذو العيون الفضية الهادئة و الملامح الشرسة
كان يحدق به و الشرار يتطاير من عينيه
شرار الحقد و الكره
- لقد كنت ابحث عنك ايها الذئب الأعظم أوس
أوس
اسم هذا الذئب الشرس
( اذن لقد باحوا لهم باسمي , اولئك السفلة )
أشار الرجل للذين خلفه بأن ينزلوا اسلحتهم
ثم تقدم بضعة خطوات و اكمل حديثه قائلًا بعد ان وضع يديه في جيوبه
- أريد عقد صفقة معك
( صفقة ماذا يا أغدر الناس )
قال أوس في جوفه مستنكرًا حديث الرجل
كان أوس يعرف هذا النوع من الاشخاص تمامًا , فقد كان هذا الرجل يملك طباع عشيرة الشرق ذاتها
يظن بأنه يستطيع خداعه ببعض كلمات
و يظن بأن هذا الذئب الاعظم أوس قد يستمع لحديثه و ربما قد يتفاعل معه بإيجابية
و أن ينخدع بكلماته القذرة
بقي أوس صامتًا ينتظر ما يريد ذلك الرجل قوله
- أريد منك ان تتعاون معي و ترافقني مقابل عدم التعرض للذئاب مرة اخرى
لقد علمت بأنك تملك امكانيات عالية , و بأنك من اقوى الذئاب العظمى و هذا سوف يفيدني
و بما أن التواصل معك مضمون فهذا سوف يكون الانسب
و ذئاب الجنوب كانت محط ناظري منذ زمن طويل
قال و هو يهز كتفيه بكل ثقة
كان أوس على وشك أن يقوم ليفعل شيئًا لذلك الرجل
كقتله فورًا مثلًا
لكنه تذكر بأن ذلك الصغير يجلس بجانبه
و سوف يكون خطيرًا ان علم بوجوده
فهو مستذئب بهيئته البشرية
- غررررر -
بدا الانزعاج واضحًا على ملامح أوس و هو يستمع لذلك الكلام الفارغ
فجأة وقف الطفل من مكانه مرعوبًا عندما رأى ذلك الرجل
و قام ذلك الرجل بدوره بابداء ردة فعل لذلك
فقد ابتسم ابتسامة عريضة بينما ينظر لذلك الطفل
- إنه العينة 13 من عشيرة الغرب ! ذلك الطفل الوغد الذي قد جاهدت لأجل استئصال أنيابه !
كيف أتى إلى هنا بحق الخالق !
أبدى الطفل تعابير غاضبة حانقة !
و بدأ بالأنئنة و كأنه يقول كلامًا يرغب بقوله لذلك الرجل الذي قد سبب مآسي له
أما أوس فقد شعر و كأن العالم يدور من حوله
و فجأةً وقف و غطى رؤية الطفل بجسده
و حدق بالرجل بعينٍ باردة
- كَثِيرٌ علَيكَ أن تَتَنَفسَ أمامِي
قال بنبرة غاضبة حانقة و بصوت مرتفع يختلف تمامًا عن الذي استخدمه في الحديث مع الطفل
كاد الرجل ان يجثو على ركبتيه من شدة ارتجافهما , و شعر و كأنه قد فقد سمعه للحظة
فقد كان الصوت مهيبًا و له نبرة خاصة تميزه عن باقي أصوات الذئاب الاخرى التي قد سبق و سمعها
أما الرجال في الخلف فبعضهم قد اوقع سلاحه من شدة ارتجافه و لارتخاء اطرافهم
و كانهم قد فقدوا القدرة على حمل اسلحتهم
ابتلع الرجل ريقه بصعوبة و شعر بالعرق البارد اسفل ظهره
كان هذا الذئب مهمًا لابحاثه فبأخذه سوف يستطيع ان يكمل مشروعه
الذي قد كان يعمل عليه منذ أكثر من عشر سنوات
مشروع سمات الذئاب
و الذي يريد من خلاله ان يجعل ذئبًا عاديًا قادرًا على ان يمتلك صفات الذئاب
أو حتى أن يحول بشريًا الى مستذئب
- لقد استطعت القبض على معظم ذئاب عشيرتك , فما الذي قد تفعله بمواجهتنا
فأنتم لا تقوون على مواجهة اسلحتنا المتطورة , فحتى انت قد تقتل ان ما واجهتني خقًا
- ثِقَةٌ مِن عَدَم
قال أوس و هو يترك الطفل خلفه و يخطو خطوات ثقيلة باتجاه الرجل
كان الرجل يحاول ان يبدو هادئًا فبقي ثابتًا في مكانه على الرغم من الخوف الذي قد تملكه في هذه اللحظة
كانت تعابير أوس هادئة و كأنه يخطط لشيء ما في عقله
- لأَقتُلنَّك أيُّهَا الوَغد
قال أوس من جهة لينقض على الرجل بسرعة خاطفة و يغرس مخلبه الكبيرة في جوفه
و شد مخلبه فتمزقت امعاءه و تناثرت دماءه في الارجاء
طبعًا , فكيف لإنسان مثله ان يقوى على هذا الكيان العظيم
استجمع بعض الرجال قواهم و بدأوا بإطلاق العيارات النارية على أوس
و لكن هيهات فهذه لا شيء مقارنة بقتال عشرة ذئاب ضخام دفعة واحدة
التفت أوس للطفل و قال بنبرة هادئة
- فَلتُغلِق عَينَيك
أغلق الطفل عينيه و كذا اذنيه لأنه فهم بأن ما كان على وشك رؤيته لم يكن هيِّنَا ابدًا
و بالفعل فقد انقض أوس على الرجال واحدًا تلو الآخر يمزق اشلاءهم بأسنانه و مخالبه
قاضيًا عليهم أجمعين من دون أن يترك أيًّا منهم على قيد الحياة
فمن يقتل يستحق القتل هذا قانون الذئاب
فالعين بالعين و السن بالسن و البادئ أظلم
و عندما انتهى منهم التفت لينظر الى التل , ثم تارة الى السماء
( ها قد حان الوقت )
نظر أوس للطفل الذي قد كان ينظر إليه نظرة قلقة
فاقترب منه قليلًا و انحنى مقربًا وجهه لوجهه
فوضع الطفل يديه على وجه أوس و بدأ بالمسح عليه بلطف
( اقلق على نفسك أولًا , طفل أحمق )
انزل أوس نفسه مشيرًا للصغير ان يركب على ظهره
ففعل الصغير و تمسك جيدًا , أما أوس فقد بدأ بالتوغل داخل الكهف
( يجب علي اخراجه من هنا قبل بدء الامر )
بعد ان تسارعت خطواته قليلًا بدأ بالركض حتى يستطيع الوصول الى نهاية الكهف بسرعة
و بعد بعض الوقت , وصل بالفعل الى نهاية الكهف و كان ينتظره هناك كيان ضخم
بفروِ رمادي غامق تتخلله خصل بيضاء
عيونه حادة و له ندبة على احداها
لفد كان عوف
ارتخت ملامح أوس عند رؤيته
ثم وقف أمامه بينما يقترب بروية , لحظ عوف الطفل على ظهره
فأشار له متسائلًا عنه
فقال له أوس
- إنَّه ابنُ آسِر
آسر يكون احد الذئاب العظمى في عشيرة الغرب
و قد عرف عنه بأنه قد تزوج بإمرأة بشرية
فبعد أن علم بأن ذلك الرجل من منظمة الابحاث هو الذي قد سبب لذلك الطفل ما سببه
تذكر بأن ابن آسر قد خطف من قبلهم عندما كان في السادسة و حدث ذلك قبل عام
انه طفل سبع سنوات
و تذكر أيضًا بأن آسر قد حضر قبل عدة أيام لأراضي الجنوب
و يبدو بأنه قد أضاع ابنه هنا
- لَقَد فَهِمت , هَل سَوفَ تُنزِلُه ؟
أماء له أوس فقال له عوف بألا يتأخر
و بالفعل انطلق أوس متجهًا لأسفل التل , آخذًا معه هذا الطفل الى مفترق الطريق بينهما
و بينما هو على وشك قطع آخر اطراف التل , سمع صوت حركة ما و اشتم رائحة مألوفة
توقف عن المشي و انتظر ذلك الشخص ان يظهر
و بالفعل ظهرت من بين الشجيرات إمرأة
كانت ذا ملامح رقيقة و تعابير قلقة
شعر أسود و عيون بنية , عندما رآها الطفل اتسعت عيناه
- أأء أأآْء
- إياد !
قالت المرأة بحرقة , فانخفض أوس منزلًا إياد من على ظهره
و اتجه إياد نحو أمه راكضًا الى أحضانها , فحضنته و الدموع تترقرق من عينيها
و هي تقبل وجنتيه و تغرس وجهها في عنقه الصغيرة
- آه يا طفلي أين قد ذهبت
- أأأآء
كان الطفل يحاول النطق بينما يتلمس شعر امه برفق و هو يتبسم
ظهر فجأة كيان أسود قاتم من الخلف , أحاط بالمرأة و الطفل
نظر لأوس ثم قال بنبرة هادئة
- إنِّي لشَاكِرٌ لَكَ يا أَوس , إنِّي أدِينُ لَكَ بِحَياتِي
- لَا وَجَبَ علَيكَ ذلك يَا آسِر
- هيَّا يَا وِسَام
أشار آسر لزوجته , فوقفت وسام و نظرت لأوسٍ و قالت بابتسامة طفيفة على وجهها : شكرًا لك أيها الذئب العظيم أوس
أماء لها أوس ثم نظر للطفل الصغير الذي كان يمسك يدي والدته
و عندما ادار أوس وجهه للعودة , ركض الطفل نحو و عانقه بقوة و اطال العناق
فبادله اوس عناقه الحار بضم الطفل أكثر اليه متكورًا حولَه
- اعتَنِي بِنَفسِكَ يا إياد و لَنَا لِقاءٌ آخر ...
ابتعد إياد عنه ببطئ ثم ركض نحو والديه الذان استقبلاه بحنان ,
أما أوس فقد أخذ طريقه عائدًا لإنهاء الأمور التي خلفه
...
قطع أوس طريقه و وصل لعوف
كانت هنالك خطة محبوكة منذ بداية القصة , و منذ ان قطعت السبل لهزيمة عشيرة الشرق بالطرق المعهودة
كالقتال الجماعي المتفق عليه بأن يكون القتال قتال جماعة لجماعة لا فردًا لفرد
فلم يكن لديهم خيار الا ان يستخدموا هم أيضًا حيلهم الخاصة
فكان كل من عواء عوف و أوس ي ذلك الوقت اشارة لإخوتهم
فكانت الخطة هي استخدام العواء
فعواء الذئاب عندما يختلط ببعضه يكون عاليًا و جهورًا و لا تتحمله الكيانات الصغيرة و الضعيفة
فقد تسبب الصمم و في حالات قصوى الموت ..
و للتخلص من البشر الذين كانوا يسببون عائقًا أمام وضع حدٍّ لهذا القتال الذي قد طال أمده
اتفق ما تبقى من ذئاب عشيرة الجنوب لأن يتوزعوا حول التل بشكل دائري ..
و أن يحيطوه من جميع الجهات و عند إشارة أوس يبدأون جميعًا بالعواء بصوتٍ واحد
و بالفعل , قد توجه أوس الى موقعه الذي قد كان أمام الكهف المطل على التل بشكل أكبر
و الذي قد كان مقابله تماما مكان عوف الذي يشاركه اهمية الادوار
فكلاهما كانا ذئبين عظيمين معروفان بأصواتهما القوية التي تميزهما عن الآخرين ..
و عندما بدأ أوس بالعواء كانت هذه إشارة للباقي بأن يبدأوا أدوارهم
فكانوا يتخذون هيئة شامخة بوقوفهم على قوائمهم الاربعة يرفعون وجوههم نحو السماء و يطلقون العنان
لتلك الأصوات الجهورة
فسبَّب عواءهم صوتًا قوبًا اهتزت الارض لشدته
و حتى صوت الرعد قد امتزج بصوتهم فلم يعد احد قادرًا على تمييز ان كان صوت الرعد ام ان اصوات الذئاب أقوى
أما البشر في التل فيالبؤسهم فقد خسروا خسارة ذليلة
فقدوا سمعهم من شدة الصوت فقد كان الصوت شديدًا لدرجة غير معقولة
و لم يستطيعوا التحمل , فمنه من نزفت اعضاءه حد الموت
و منهم من فقد السمع و اغمي عليه فأصبح التل مركزًا لتجمع جثث البشر المرمية في الانحاء
كانت تلك ليلة لا تنسى لتلك الذئاب
ولا تنسى للبشر الذين يقطنون خارج التل و الذين قد خرجوا من بيوتهم مذعورين من شدة الصوت القادم من جهة الجبل الجنوبي
...
بعد أن تخلص ذئاب الجنوب من احد الخصوم , حان الان موعد انهاء الحرب التي لم تعد مجرد حربٍ الان
فقد أصبحت ساحة لليلة دموية لن تنتهي على خير
وقف أوسٌ على جرف مطل على موقع عشيرة الشرق
و يحيطه من الخلف قطيع ذئاب الجنوب بالكامل و بجانبه عوف
وقف شامخًا ينظر لعشيرة الشرق بازدراء من مكانه
ثم هدر بصوت عال قائلًا آخر جمله لهذه الليلة
- هَا قَد أتَيتُكُم يا مَعشَرَ الشَّرقِ فَذُوقّوا بأسَنا فأنتُم الخَاسِروُن
و بعدها لم يكن هنالك مهرب لعشيرة الشرق , و لم تعد الدنيا مقلوبة
فبقي الشرق شرقًا
و الشمال شمالًا
و الغرب غربًا
و الجنوب جنوبًا
النهاية
#ملهم_3
التعديل الأخير: