كيف حالكم جميعًا؟ أتمنى أن تكونوا بألفِ خير .
لطاما تبادر إلى ذهني سؤال السلطة وفساد الشخص الذي يحصل عليها
فأجدني بين جوابين متعاكسين، وأحيانًا يكون هناك جواب ثالث يصلح ذات بين أول جوابين x")
لكنني سأحتفظ بتلك الأجوبة لنفسي وأستمع لما ستجود به قرائحكم وما ستنير به آراؤكم
قبل أن أبدأ، أريد شكر المبدعة @P!NK على صبرها معي وتصميمها هذه التحفة الرائعة
وكذلك أنوه أن هذا الموضوع تابع لمسابقة الجميلة @زنزوون .
وقبل أن أطرح سؤالي، أو أسئلتي، لنذهب في رحلة بسيطة عن مفهوم السلطة لأدغدغ أفكاركم
قليلا وأرى إن كنت سأستطيع التأثير عليها وعن ما كنتم ستصوغونه دون المرور بهذه الأسطر
على بركة الله
لغةً وبالرجوع للمعاجم العربية، وبالرغم من فضفضة واختلاف المعاني المندرجة تحت سقف هذا المفهوم فإننا نجد تقاطعات ونقط التقاء بين التعاريف اللغوية في هذه المعاجم، فنجد (س، ل ،ط) بمعجم مقاييس اللغة تعني القهر والقوة، وغير بعيد عنه وفي معجم لسان العرب، نجد اشتقاقات من مثيلات "السلطان" ومن بين معانيها ذو القوة والحجة والبرهان. أما بالنسبة للمعجم الوسيط، فنجد كلمة "التسلُّط" والتي بدورها تعني السيطرة والتمكن. يصعب حصر مفاهيم كمفهوم السلطة داخل إطار تعريف مسدود الجوانب كونه خاضع لعدة عوامل ومتغيرات لاندراجه ضمن خانة العلوم الإنسانية. التعاريف المطلقة لا تستطيع حصر المفاهيم النسبية والمتغيرة.
فنجد مفهومها بالمجتمع الغربي يختلف عن المجتمع العربي والمجتمع الإسلامي، كما واختلف المفكرون والفلاسفة ممن انجذبوا للسياسة، فنجد اختلافًا في التقسيمات السلطوية وكذا تباين المصداق من مفكر لآخر، فهناك من أيَّد السلطة المطلقة وشجع عليها كونه يرى الأصح أن تجتمع السلط (السلطة) في يد واحدة، بينما حذرت فئة أخرى من الوقوع في كارثة السلطة المطلقة كون أول ضحية لها لن يكونوا إلا من نصَّبوها أوَّل مرة.
كذلك الفكر الإسلامي لم يخلو من أفكار وآراء عن السلطة، وإن ذُكِرت بكلمات مختلفة كالخلافة على سبيل المثال. فنجد مفكرين إسلاميين يصنفون السلط وشروط من يتنصبها بناءً على ما أتى به ديننا الحنيف قرآنًا وسنةً.
لكن المشترك بينهم كلهم هو أن صاحِب السلطة بيده الحكم وقادر على التحكم والتوجيه وكذلك تسيير الغير سواء أكان ذلك بإرادة منه أو بدونها.
بعد ما خلصنا له من المفهوم، ألا يجعلنا هذا الأمر نتساءل، ما الذي يحدث للشخص عندما يجد نفسه في أعلى مكانة ممن حوله؟ هل تؤثر مكانته هذه عليه كما يتأثر من هم حوله منها؟ يمكننا القول أنالسلطةعبارة عن لعنة تكشف دواخل ورغبات الشخص الدفينة التي يقوم بكبحها حينما يكون خاضعًا لسلطةالغير. كيف ذلك؟
حسب طرحٍ للعالمداتشر كيلتنر، دكتور علم النفس الاجتماعي بجامعة كاليفورنيا، وبعد قيامه بتجرية بسيطة لاختبار تأثير السلطة حين أحضر مجموعات/فرق مكونة من 3 أشخاص بكل فريق وتم تكليفهم بإنتاج وظيفة معينة، تم تعيين فردين من كل مجموعة بشكل عشوائي للقيام بمهمة الكتابة والتجهيز بينما منح العضو الثالث بكل مجموعة بمهمة تقييم أعمالهم وكذلك تحديد المبلغ المالي الذي سيتقاضاه كل فرد ممن كلفوا بالكتابة. بعد ذلك دخل المُختبِر وبيده صحن به 4 بسكوتات ووزع صحنا مماثلا على كل الفرق، التفاتة لطيفة من فريق التجربة وترحيبًا بهم. لكن الحقيقة كانت أن التجربة لم تبدأ بالفعل إلا بعدما تم تسليم صحون البسكويت على كل فريق. قام كل فرد من أفراد الفرق بأخذ بسكويتة وبقيت البسكويتة الإضافية بالصحن، لم يتجرأ أحد من الفرق على أخذها حتى مرت مدة بسيطة ولوحظ أنه وبكل فريققام العضو الثالث الذي منح سلطة التقييم بالاستيلاء على آخر حبة للبسكويتحتى وأنهم قاموا بمضغها بطريقة مستفزة كاستعراض لانتصارهم ومكانتهم بين فرقهم وأنهم أحق بتلك الغنيمة من الكتاب الخاضعين لتقييمهم وآرائهم. وهنا نرى أن هذهالسلطة، وبالرغم من بساطتها، جعلت العضو الثالث بكل فريق أنانيًا مركزًا اهتمامه على احتياجاته ورغباته على حساب احتياجات ورغبات الآخرين، كما وجعلته يخرج نفسه من دائرة الأشخاص الذين تطبق عليهم القوانين والقواعد ويى نفسه أسمى ممن أقل منه.
كما وأضاف الدكتور أن هناك مناطق بالجزء الأمامي للدماغ مسؤولة عن التعاطف عند الإنسان، ومن بين أهم مهامها هو الشعور بألم ومعاناة الآخر؛ عند حدوث خلل في هذا الجزء المسؤول عن التعاطف يظهر على المصاب أعراض الاضطراب، فتجده يشتم المحيطين به أو إن كان يملك أبناءً تجده يصرخ عليهم ويعاملهم بطريقة سيئة ودونية دون أخذ مشاعرهم بالاعتبار كونه لا يدرك أساسًا ولا يشعر بألم غيره. يطلق على هذا الاضطراب "اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع المكتسب"، وهو مكتسبٌ نظرًا لكونه ناتجًا عن صدمة دماغية. سبب ذكري لهذه التفاصيل هو أن الدكتور صرح أن الأشخاصالذين منحواالسلطةعلى غيرهم أظهروا أعراضًا وتصرفات مشابهة لمن يعانون من الاضطراب السالف ذكره، بحيث يتغير أسلوب كلامهم والمصطلحات المستخدمة لمخاطبة من هم دونهم ولا يعيرون أي اهتمامٍ للقوانين ولا قواعد الحديث والتصرف مع من هم أدنى منهم مكانة، وهو أمر لم يكن يظهر عليهم قبل حصولهم علىالسلطة.
.
بعيدًا عن علم النفس والاجتماع وبالعودة للكتب، نجد كتبًا صورت تجليات السلطة بشكل دقيق وعميق،مزرعةالحيوانواحدة من أهم هذه الأمثلة التي عرضت هذا الصراع وصورت تأثيراتالسلطةعلى متذوقها. عرض جورج أورويل في رائعته العبقرية هذه محاكاة للواقع السياسي الذي نعيشه في مجتمعاتنا وبلداننا، صور الأمر بطريقة سلسة وذكية واستخدم المزرعة كمثال عن البلدان والحيوانات هي الشعب ليظهر، السيد جونز كان مثالا للاستبداد والاستغلال وبعد تعاونهم استطاعوا التخلص منه واختاروا مسيرًا منهم ليكونوا بأمان أكثر. تصور السلطة هنا بشكل ذكي ولا تنحصر بالحكم الحرفي فقط بل نستطيع إسقاطها على كل أنواعها، فبعد انقلاب الحيوانات على السيد جونز صاحب المزرعة وطرده كما أسلفت الذكر، قاموا بتنصيبالخنازيرليكونوا المسيرين بما أنهم حيوانات مثلهم فهذا يطمئنهم ويشعرهم بالأمان فلا وجود للبشر الآن، قامت الحيوانات بسن دستورهم وهو عبارة عن سبع وصايا أو مبادئ تحفظ حقوقهمليتولوا حكم أنفسهم بأنفسهم ويتولى كل منهم شؤونه الخاصة.سارت الأمور وفق ما تم الاتفاق عليه وعاشوا لفترة في هدوء وسلام إلى أن بدأتالخنازير تظهر استبدادها وعنصريتها ضد الحيوانات الأخرى، تجاهلوا الوصايا السبع وبات تعاملهم مع باقي الحيوانات يفوق ما كان السيد جونز يفعله بهم، بل وكلما زاد صمت الحيوانات وخوفهم تضاعفت أفعالالخنازيروظلمها للحيوانات وزادوا طغيانًا فوق طغيانهم.
هذه الرواية عبارة عن مثال قوي يصور لنا كيف تؤثرالسلطةعلى الشخص، بالرغم من أنالخنازيركانت مضطهدة هي كذلك وعاشت شعور الظلم وتذوقت علقم الاستغلال، إلا أنها وفور تذوقها لإكسيرالسلطةنست كل شيء وتفننت في احتقار واستغلال باقي الحيوانات الضعيفة الذين وثقوا فيهم ونصبوهم. هذا المثال يجعلنا نفكر في أن البقر بنفسه لو كان هو من نُصِّب بدل الخنازير كان لينتهي الأمر بنفس الطريقة.
حتى بعد إسقاط المستبد، لم تستطع الحيوانات عيش حياة عادلة وهانئة كما كانوا يحلمون بعد الانقلاب بل وعلى العكس من ذلك فقد زاد بطش من اعتلو الكرسي وأُبدِلَت كلمات التهديد بأسواط لاسعة تلتهم جلودهم المستعبدة، وكأن الأحداث تعيد نفسها غير أنها تعيدها بشكل أعنف وأكثر استبدادًا. من هنا نرى أن الحيواناتلم تطِح بالاستبداد والسلطةالظالمة بل غيرت من يمارسه عليها فقط.وهذا أمر واقعي في مجتمعاتنا عامة، فالشعوب لا تغير المتسلطين والظالمين بل تغير الأشخاص الذين يتربعون على ذلك العرش ليبدعوا في استعبادهم واستغلالهم. ما هو الحل إذا؟
بناءً على هذه الأمثلة، فالذنب لا يقع على عاتق من استلمالسلطة فقط بل كذلك مجتمعاتنا (المزرعة) لأنها تمشي على نهج ثنائيةالسيد المستبد والعبد الخاضع، فكما ذكرت في نص مزرعة الحيوان، حتى لو تم تنصيب البقر بدل الخنازير كانت لتؤول الأمور لنفس مآلها ذاك، لأن الخلل ليس فيمن يعتلي الكرسي فقط بل في المجتمع ونهجه ككل، فنجد صوره تظهر بداية من بيت الأسرة الصغير إلى قصر الحاكم الكبير، مهما غيرت ونصبت غير ذلك الحاكم حتى وإن نصَّبت نفسك فأنت لن تخرج عن نهج مجتمعك أسلوبهم.
تعتبر زراعة الخوف من أهم الأساليب التي تلجأ إليهاالسلطةلضمان بقاء نفوذها وتثبيت عروشها. فبهذا السلاح القوي، تستطيع أن تضمن عدم زعزعة مكانتها من قبل أي كان. تختلف درجة استخدام الخوف حسب مستوى خضوع الشعب، لكن حضوره دائم ولا يغيب عن ساحة السيطرة. يتجلى هذا الخوف من خلال الشائعات المتداولة بين الأفراد وفي وسائل الإعلام، بل وحتى في الأفلام والمسلسلات التي تصور ممثلالسلطةكقوة لا تُقهر. زراعة الخوف هي ضمانة لا غنى عنها للسلطة، وتتجذر بعمق في المجتمعات المستبَدة الضعيفة حيث يسهل إخماد أملهم بالعدالة والخلاص وسط ظلام السلطة المتجبرة.
لإلقاء نظرة على الكتاب: هنا.
بعد مرورنا بنقطة زراعة الخوف نجد أنفسنا أمام مبدأالميكيافيلية حيث تباح كل وسيلة لأجل الوصول للهدف الأسمى، لطالما رافق تعبير "وصمة العار" ذكر كتاب ومنهج نيكولو ميكيافيلي في كتابه الأمير، بحيث تم اعتباره عارًا على الإنسانية عامة وعلى متبنيه من السياسيين أو حتى عامة الناس ممن يمارسون سلطتهم على من هم أدنى منهم. لكن باتباع المبدأ الأساس له، فقد نجحميكيافيلي في الوصول لغايته وبمنطقه فالوسيلة التي استخدمها "الكتاب" مبرر وإن اعتُبِر عارًا.
فور الحصول علىالسلطةيبدأ الشخص في سن ورسم طريق له، قد يكون بهذا الطريق عديد من العقبات والمعيقات التي قد تحول دون وصوله في الوقت المناسب أو دون وصوله أبدًا، لذلك تجد من هم في مكانة عالية وسلطةقوية لا يأبهون بثقل كلمة "تخلص من ذلك الشخص/الأمر/الشيء" فبالنسبة لهم غايتهمأسمى مما قد يتم استئصاله من الوجود لا لسبب غير أنه أعاق مخططًا لشخص أعلى منه مكانة.
لا يتوقف الأمر هنا، مع الوقت يصبح صاحبالسلطةأكثر تركيزًا على أهدافه الشخصية ويخفي ذلك داخل جلباب "المصلحة العامة" في محاولة منه لتبرير أعماله وامتصاص غضب وردود فعل من قد يحتج أو يحاول إيقاف ما يخطط له. فالسلطةتمنح الشخصشعورًا بالقداسةوأن له حق القرار في أي أمر داخل حيز سلطته وإن كان الأمر متعلقًا بالحريات الفردية والحقوق العامة.
بعد هذه النقط التي مررنا بها، وجب التنبيه أن السلطة ليست سلطة الرئاسة أو الملوك أو الحكومات، مظاهر السلطة تبرز حتى في علاقاتنا العادية سواء مع أصدقائنا وأبنائنا وأبائنا، حتى أننا قد لا ندرك أن السلطة تمارس علينا لأننا اعتدنا على الأمر واعتدنا على اتخاذ وضعية الخاضع. ليس المقصد أن السلطة هنا كلها بنوايا سيئة، فسلطة الآباء وإن كانت أحيانًا متطرفة إلا وأن ما يحركها هو غريزة الأبوةومحاولة الحماية وإبعاد الخطر. قيمنا وعاداتنا ومعتقداتنا كلها تمارس سلطة علينا، يمكننا أن نرى تجلياتها في أبسط أمور حياتنا وليس عند أصحاب التاج والصولجان فقط.
1- ما هي السلطة في نظرك؟ هل تستطيع تعريفها دون الوقوع في دوامة من 'لكن'؟
2- هل السلطة من تفسد الشخص أم أن الشخص هو الذي يفسدها؟
3- إن منحتَ السلطة، هل تظن نفسك قادرًا على التحكم بها بدل أن تسقط في شراك لعنتها؟
4- ما رأيك في مبدأ "الغاية تبرر الوسيلة"؟
5- هل أنت مع أو ضد السلطة المطلقة، لماذا؟
6- هل تذكر موقفًا حدث لك أو رأيته يحدث لغيرك عن سوء استخدام السلطة؟
7- هل تدافع عن حقك إن تم هضمه ممن هو أعلى منك نفوذًا ومكانة؟
ملاحظة: يمكنكم النقاش دون اتباع تسلسل هذه الأسئلة وطرح آرائكم وتفسيراتكم طبعًا، لكنني سأكون سعيدة برؤية نظرتكم ورأيكم بخصوصها .