تُعد سورة البقرة ثاني سور القرآن بترتيب المصحف بعد سورة الفاتحة,
وتليها سورة "آل عمران", وتقع على امتداد جزأين وثمان صفحات,
و هي أول سورة نزلت في المدينة المنورة على النبي - صلى الله عليه وسلم -,
وذكر أهل العلم والتفسير أنّها نزلت متفرقة لفترة طويلة وعلى مدى سنوات في المدينة ماعدا الآية مئتان وواحد وثمانون (281) نزلت يوم النحر في حجة الوداع.
{ وَٱتَّقُواْ يَوۡمٗا تُرۡجَعُونَ فِيهِ إِلَى ٱللَّهِۖ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفۡسٖ مَّا كَسَبَتۡ وَهُمۡ لَا يُظۡلَمُونَ (281) }
تحتوي على " آية الكرسي " والتي تعد من أعظم آيات القرآن, ناهيك عن فضائلها الكثيرة التي سيتم التحدث عنها لاحقًا,
وكذلك تحتوي على " آية الدين " وهي أطول آية في القرآن الكريم و تسمى أيضًا ب " آية المداينة ".
عدد آياتها مئتان وستة وثمانون آية (286),
أما عدد كلماتها هو ستة آلاف ومئة وواحد وعشرون (6121),
في حين أن عدد حروفها خمسة وعشرون ألف وخمسمائة حرفًا ( 25500).
يوجد اختلاف في عدد الآيات عند بعض الراويين ويرجع ذلك لاختلاف وضع الفواصل في السورة,
ففي بعض الروايات توجد مئتان وخمسة وثمانون آية (285).
يرجع سبب تسميتها بهذا الاسم لقصة بقرة بني إسرائيل مع النبي موسى -عليه السلام- التي وردت بالسورة.
{ وَإِذۡ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوۡمِهِۦٓ إِنَّ ٱللَّهَ يَأۡمُرُكُمۡ أَن تَذۡبَحُواْ بَقَرَةٗۖ قَالُوٓاْ أَتَتَّخِذُنَا هُزُوٗاۖ قَالَ أَعُوذُ بِٱللَّهِ أَنۡ أَكُونَ مِنَ ٱلۡجَٰهِلِينَ (67) }
عندما قُتِل رجل من بني إسرائيل ولم يُعرف قاتله, أمر الله بذبح هذه البقرة وأخذ أحد أجزائها يُضرب بها القتيل; ليحيا ويخبرهم من هو القاتل.
{ فَقُلۡنَا ٱضۡرِبُوهُ بِبَعۡضِهَاۚ كَذَٰلِكَ يُحۡيِ ٱللَّهُ ٱلۡمَوۡتَىٰ وَيُرِيكُمۡ ءَايَٰتِهِۦ لَعَلَّكُمۡ تَعۡقِلُونَ (73) }
حينها شدد قوم النبي موسى -عليه السلام- في طلب المزيد من تفاصيل هذه البقرة; فشدد الله عليهم بأوصافها.
{ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفۡعَلُونَ }
- هل لسورة البقرة أسماء أخرى ؟
ذكر أهل التفسير وعلوم القرآن أن لسورة البقرة عدة أسماء,
ومنها "
الزهراء " فقد سميت بذلك هي وسورة آل عمران كما في صحيح مسلم : "
اقرأوا الزهراوين : البقرة و آل عمران... "
ومنها "
سنام القرآن " كما ورد في الترمذي : "
لكل شيء سنام, وسنام القرآن سورة البقرة, وفيها آية الكرسي هي سيدة القرآن ".
وقد ذكر لها الشيخ محمد أحيد الشنقيطي في نظمه لأسماء سور القرآن الكريم اسمين آخرين زيادة وهما "
البكر والعوان ".
يعتبر
علم أسباب النزول أحد علوم القرآن الكريم، والذي يهتم بمعرفة أسباب نزول آيات القرآن،
وما تعلق بتلك الآيات من حوادث وقضايا، إضافة إلى معرفة متي نزلت؟ وأين نزلت؟
وتهدف هذه المعرفة إلى فهم الآيات
وتفسيرها، واستنباط الحكمة من الأحكام القرآنية التي تتضمنها الآيات.
ولم يرد ذِكر سبب واحد محدد لنزول
سورة البقرة; وذلك لاحتوائها على عدد كبير من الآيات, فوُجِد أن لكل آية
سبب والبعض مختلف على أسباب نزول آية واحدة والله أعلم.
و لتفصيل
أسباب نزول كل آية يحتاج موضوع خاص.
1- الوقاية من وساس الشيطان وإضلاله, فالحرص على قراءة
سورة البقرة تُبعد الشياطين عن البيوت, كما رُوي في صحيح مسلم, عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلّى الله عليه وسلم- قال : "
لا تجعلوا بيوتكم مقابر, إن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة ".
وفي صحيح ابن حبان والحاكم وغيرهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "
إن لكل شيء سناما وإن سنام القرآن سورة البقرة، من قرأها في بيته ليلاً لم يدخل الشيطان بيته ثلاث ليالٍ" .
2- من أسباب نيل البركة هو الأخذ
بسورة البقرة وقرائتها بشكل دوري, ولذك فإن الإعراض عنها تضييعًا للعديد من الفضائل في الدنيا والآخرة, وذلك في قوله صلى الله عليه وسلم: "
اقرءوا سورة البقرة فإن أخذها بركة وتركها حسرة ولا تستطيعها البطلة ".
3- وقال صلى الله عليه وسلم: "
اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه، اقرؤوا الزهراوين: البقرة وآل عمران فإنهما يأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو غيايتان أو كأنهما فرقان من طير صواف تحاجان عن أصحابهما. اقرؤوا البقرة فإن أخذها بركة وتركها حسرة ولا تستطيعها البطلة السحرة ". رواه مسلم.
فوصف رسول الله -عليه الصلاة والسلام- سورتي البقرة وآل عمران
بالغمامتين؛ أي السحابتين العظيمتين ذواتي اللون الأسود، بينهما نورٌ؛ أي أنّهما لا تستران الضوء.
4- أن قراءة
الآيتان الأخيرتان من سورة البقرة تكفي المرء من الشرةر وأي مكروه, في حديث أبي مسعود البدري -رضي الله عنه-, قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- : "
من قرأ بالأيتين من أخر سورة البقرة كفتاه ".
وقيل في معنى
كفتاه: أي عن قيام الليل، أو كفتاه عن سائر الأوراد، أو أراد أنهما أقل ما يجزىء من القراءة في قيام الليل.
5- قال ابن القيم رحمه الله: أن العين والحسد كالكتلة في جسد المحسود لا يقوم بإزالتها ولا يمحيها إلا تكرار قراءة
سورة البقرة والمعوذتين, عند تكرار قراءة سورة البقرة يجعل الله حول جسدك محصن
فلا يضرك عيون حاسد ولا يؤذيك مكر الحاقدين.
{ ٱللَّهُ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلۡحَيُّ ٱلۡقَيُّومُۚ لَا تَأۡخُذُهُۥ سِنَةٞ وَلَا نَوۡمٞۚ لَّهُۥ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۗ
مَن ذَا ٱلَّذِي يَشۡفَعُ عِندَهُۥٓ إِلَّا بِإِذۡنِهِۦۚ يَعۡلَمُ مَا بَيۡنَ أَيۡدِيهِمۡ وَمَا خَلۡفَهُمۡۖ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيۡءٖ مِّنۡ عِلۡمِهِۦٓ إِلَّا بِمَا شَآءَۚ
وَسِعَ كُرۡسِيُّهُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَۖ وَلَا يَـُٔودُهُۥ حِفۡظُهُمَاۚ وَهُوَ ٱلۡعَلِيُّ ٱلۡعَظِيمُ (255) }
آية الكرسي وهي الآية رقم مئتان وخمسة وخمسون (255) و
أعظم آية في كتاب الله, قد اشتملت على معاني
عظيمة من جهة توحيد الله, وإثبات أسمائه وصفاته, و
عموم علمه وقدرته -جل وعلا-.
تفسيرها
{ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ }
هذه معنى
كلمة التوحيد: لا إله إلا الله, فإن معناها: الله لا إله إلا هو, يعني: لا معبود حق إلا هو,
الله لا معبود حق سواه, والإله هو المعبود.
{ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ }
يعني: لا تصيبه, ولا تعتريه سنة, وهي
النعاس, وهي النوم الخفيف, لا نوم وهو
النوم الثقيل,
فلا يعتريه غفلة, ولا نعاس، ولا نوم, ولا موت,
بل هو في غاية من العلم والقدرة
والبصيرة بأحوال العباد.
{ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ }
يعني: هو المالك
للسماء وما فيها,
والأرض وما فيها,
والمالك لكل شيء, جل وعلا.
{ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ }
أي: لا أحد يستطيع أن يشفع إلا
بإذنه سبحانه,
يوم القيامة لا يتقدم أحد يشفع حتى النبي محمد-صلى الله عليه وسلم- إلا بإذنه,
حتى يأذن له, وما ذاك إلا لعظم مقامه
وجبروته, وكونه سبحانه المستحق لأن يعظم ويجل, و
ألا يتقدم وبين يديه إلا بإذنه.
{ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ }
يعني: هو
العالم بأحوال عباده لا يخفى عليه خافية علم ما بين أيديهم وما خلفهم،
ما مضى, وما يأتي, ويعلم أحوال عباده الماضين والآخرين,
ويعلم كل شيء.
{ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيۡءٖ مِّنۡ عِلۡمِهِۦٓ إِلَّا بِمَا شَآءَۚ }
بمعنى: فهم
لا يحيطون بشيء من علمه إلا بما أطلعهم عليه سبحانه وتعالى,
أما هو فهو العالم بأحوال عباده كلهم ماضيها ولاحقها, يعلم
أحوالهم,
وما صدر منهم,
وما ماتوا عليه, وما لهم في الآخرة.
{ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ }
الكرسي:
مخلوق عظيم فوق السماء السابعة غير العرش,
وقال بعض أهل العلم أنّه العرش؛ لأن العرش يسمى كرسيًا, والمشهور الأول أنه
مخلوق عظيم فوق السماء السابعة
غير
العرش الذي هو عرش الله.
{ وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا }
يعني:
لا يكرث الرب ولا يثقله, ولا يشق عليه حفظ المخلوقات
هو الحافظ
للسماوات,وهو الحافظ
للأرض وما فيهما, ولا يشق عليه ذلك.
{ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ }
الله له العلو المطلق, علو الذات
فوق العرش, وعلو القهر والسلطان,
وعلو الشرف والقدر فله العلو الكامل, هو العالي فوق جميع خلقه
فوق العرش,
وهو العظيم الذي لا أعظم منه, فله
العظمة الكاملة فلا أعظم منه ولا أكبر, ولا أعلم, ولا أقدر.
وبهذا يعلم كل
مؤمن مؤمنة عظم شأن هذه الآية, وأنها آية عظيمة مشتملة على
صفات عظيمة,
ولهذا صارت بحق
أعظم آية في كتاب الله.
فضائلها
آية الكرسي أعظم آية في كتاب الله تعالى, ففي صحيح مسلم عن أبيّ بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"
يا أبا المنذر أتدري أي آية من كتاب الله معك أعظم؟ قال: قلت: الله ورسوله أعلم، قال: يا أبا المنذر أتدري أي آية من كتاب الله معك أعظم؟ قال: قلت: الله لا إله إلا هو الحي القيوم، قال: فضرب في صدري، وقال: والله ليهنك العلم أبا المنذر ".
وكانت
أعظم آية لما اشتملت عليه من الأسماء الحسنى والصفات العلى لله تعالى,
ونفي النقائص عنه سبحانه وتعالى.
وهي ترفع معها كل من تعلق بها
واستمسك بها, إذ أن التعلق بالقرآن كله قراءةً وتدبرًا وعملًا,
ففي حديث مسلم: "
إن الله يرفع بهذا الكتاب أقوامًا, ويضع به آخرين ".
والمقصود بالكتاب هو
القرآن الكريم.
و عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "
وكلني رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظ زكاة رمضان
فأتاني آت فجعل يحثو من الطعام فأخذته وقلت: والله لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم،
قال: إني محتاج وعلي عيال ولي حاجة شديدة، قال: فخليت عنه فأصبحت،
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا أبا هريرة ما فعل أسيرك البارحة،
قال: قلت: يا رسول الله شكا حاجة شديدة وعيالاً فرحمته فخليت سبيله، قال: أما إنه قد كذبك وسيعود،
فعرفت أنه سيعود لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سيعود، فرصدته فجاء يحثو من الطعام فأخذته
فقلت: لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: دعني فإني محتاج وعلي عيال لا أعود فرحمته فخليت سبيله فأصبحت، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أبا هريرة، ما فعل أسيرك،
قلت: يا رسول الله شكا حاجة شديدة وعيالاً فرحمته فخليت سبيله،
قال: أما إنه قد كذبك وسيعود، فرصدته الثالثة فجاء يحثو من الطعام فأخذته
فقلت: لأرفعنك إلى رسول الله وهذا آخر ثلاث مرات أنك تزعم لا تعود ثم تعود،
قال: دعني أعلمك كلمات ينفعك الله بها، قلت: ما هي؟ قال: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي: الله لا إله إلا هو الحي القيوم حتى تختم الآية فإنك لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربنك شيطان حتى تصبح.
فخليت سبيله فأصبحت، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما فعل أسيرك البارحة،
قلت: يا رسول الله زعم أنه يعلمني كلمات ينفعني الله بها فخليت سبيله، قال: ما هي،
قلت: قال لي إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي من أولها حتى تختم الآية: الله لا إله إلا هو الحي القيوم،
وقال لي: لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطان حتى تصبح.
وكانوا أحرص شيء على الخير، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أما إنه قد صدقك وهو كذوب!
أ تعلم من تخاطب منذ ثلاث ليال يا أبا هريرة؟ قال: لا، قال: ذاك الشيطان ".
فهذا ما ورد عن أنّها
تحفظ البيت والنفس من
الشيطان وتسلطه.
للاستماع لآية الكرسي بصوت الشيخ ماهر المعيقلي:
وردَ في
سورةِ البقرة العديد من القصص القرآنية, والقصة القرآنية جاءت على أنواع
منها ما جاء ليُخبر عن
السابقين, ومنها ما تحدثت عن قصص ا
لصالحين من غيرِ الأنبياء,
وعن غير الصالحين كما تحدثت عن
النمرود, وبعضها تحدثت عن الوقائع التي جرت بعصر نبي الله محمد -صلى الله عليه وسلم-.
1- قصة النبي آدم -عليه السلام- :
{ وَإِذۡ قَالَ رَبُّكَ لِلۡمَلَٰٓئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٞ فِي ٱلۡأَرۡضِ خَلِيفَةٗۖ قَالُوٓاْ أَتَجۡعَلُ فِيهَا مَن يُفۡسِدُ فِيهَا
وَيَسۡفِكُ ٱلدِّمَآءَ وَنَحۡنُ نُسَبِّحُ بِحَمۡدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَۖ قَالَ إِنِّيٓ أَعۡلَمُ مَا لَا تَعۡلَمُونَ (30)
وَعَلَّمَ ءَادَمَ ٱلۡأَسۡمَآءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمۡ عَلَى ٱلۡمَلَٰٓئِكَةِ فَقَالَ أَنۢبِـُٔونِي بِأَسۡمَآءِ هَٰٓؤُلَآءِ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ (31)
قَالُواْ سُبۡحَٰنَكَ لَا عِلۡمَ لَنَآ إِلَّا مَا عَلَّمۡتَنَآۖ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡعَلِيمُ ٱلۡحَكِيمُ (32)
قَالَ يَٰٓـَٔادَمُ أَنۢبِئۡهُم بِأَسۡمَآئِهِمۡۖ فَلَمَّآ أَنۢبَأَهُم بِأَسۡمَآئِهِمۡ قَالَ أَلَمۡ أَقُل لَّكُمۡ إِنِّيٓ أَعۡلَمُ غَيۡبَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ
وَأَعۡلَمُ مَا تُبۡدُونَ وَمَا كُنتُمۡ تَكۡتُمُونَ (33) وَإِذۡ قُلۡنَا لِلۡمَلَٰٓئِكَةِ ٱسۡجُدُواْ لِأٓدَمَ فَسَجَدُوٓاْ إِلَّآ إِبۡلِيسَ أَبَىٰ وَٱسۡتَكۡبَرَ وَكَانَ مِنَ ٱلۡكَٰفِرِينَ (34)
وَقُلۡنَا يَٰٓـَٔادَمُ ٱسۡكُنۡ أَنتَ وَزَوۡجُكَ ٱلۡجَنَّةَ وَكُلَا مِنۡهَا رَغَدًا حَيۡثُ شِئۡتُمَا وَلَا تَقۡرَبَا هَٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ ٱلظَّٰلِمِينَ (35)
فَأَزَلَّهُمَا ٱلشَّيۡطَٰنُ عَنۡهَا فَأَخۡرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِۖ وَقُلۡنَا ٱهۡبِطُواْ بَعۡضُكُمۡ لِبَعۡضٍ عَدُوّٞۖ وَلَكُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ مُسۡتَقَرّٞ وَمَتَٰعٌ إِلَىٰ حِينٖ (36)
فَتَلَقَّىٰٓ ءَادَمُ مِن رَّبِّهِۦ كَلِمَٰتٖ فَتَابَ عَلَيۡهِۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ (37)
قُلۡنَا ٱهۡبِطُواْ مِنۡهَا جَمِيعٗاۖ فَإِمَّا يَأۡتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدٗى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ (38)
وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِنَآ أُوْلَٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلنَّارِۖ هُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ (39) }
أخبر الله -سبحانه وتعالى- الملائكة أنه سيجعل في هذه الأرض من يكون
خليفة عنه يقيم أمرها ويصلح شأنها,
وحينها استعلم الملائكة عن الحكمة في ذلك,
ما الحكمة في خلق هؤلاء, مع أن منهم من يفسد في
الأرض ويسفك الدماء؟,
فإن كان المراد عبادتك فنحن نسبح
بحمدك ونقدس لك, هل وقع الاقتصار علينا؟,
أجابهم سبحانه وتعالى أنه يعلم ما لا يعلمون.
{ وعلم آدم الأسماء كلها } أي : علمه الله أسماء ولِيدِه إنسانًا, والدواب ,
فقيل: هذا الحمار, هذا الجمل, وغيرها.
ثم عرض المسميات جميعها على الملائكة فقال لهم انبئوني _ أي أخبروني_ بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين,
فكانت إجابة الملائكة أنه لا علم لهم إلا بما علمهم الله, وهذا تقديس وتنزيه من الملائكة لله تعالى,
أن لا يحيط أحد بشيء من علمه إلا بما شاء.
{ قال يا آدم انبئهم باسمائهم } بما ظهر فضل آدم -عليه السلام- على الملائكة في سرده ما علّمه الله تعالى,
و أجابهم الله: ألم أقل إني أعلم غيب السماوات والارض.
{ وأعلم ما تبدون وما كنتم تعلمون } أي: أعلم السر كما أعلم العلانية,
يعني ما كتم إبليس في نفسه من الكبر والإعتزاز حينها.
أمر الله الملائكة بالسجود لآدم , فكانت الطاعة لله والسجدة لآدم -عليه السلام-,
وهذا كان سجود تحية وسلام.
فسجد الملائكة جميعهم إلا إبليس الذي استكبر وحسد آدم على ما أعطاه الله من الكرامة,
وصار من الكافرين بسبب امتناعه واستكباره بقوله " أنه ناريّ وهو من طين ".
أخبر الله آدم أنه أباحه الجنة يسكن منهاهو وزوجه حيث يشاء, ويأكل منها ما يشاء رغدًّا هنيئًا,
إلا تلك االشجرة التي مُنعت عليهم فهذا اختبار من الله تعالى لآدم -عليه السلام-,
واختلف المفسرين في أصل هذه الشجرة فالبعض يقول أنها السنبلة, أو الزيتونة, أو النخيل.
فوسوس لهما الشيطان باقترابهم من تلك الشجرة والتي بسببها أزلهما مما كانا فيه من نعيم ورزق وراحة,
واستغفر آدم الله بكلماتٍ فتاب الله عليه, إنه التواب الرحيم.
حينها أهبط الله آدم وزوجته, و إبليس من الجنة.
للإطلاع أكثر على تفاصيل القصة:
2- قصة أصحاب السبت :
{ وَلَقَدۡ عَلِمۡتُمُ ٱلَّذِينَ ٱعۡتَدَوۡاْ مِنكُمۡ فِي ٱلسَّبۡتِ فَقُلۡنَا لَهُمۡ كُونُواْ قِرَدَةً خَٰسِـِٔينَ (65)
فَجَعَلۡنَٰهَا نَكَٰلٗا لِّمَا بَيۡنَ يَدَيۡهَا وَمَا خَلۡفَهَا وَمَوۡعِظَةٗ لِّلۡمُتَّقِينَ (66) }
أصحاب السبت كانوا من بني إسرائيل يعيشون في قرية ساحلية, قد أمرهم الله
بعدم الصيد وحرم عليهم ذلك في يوم السبت, وكانت الحيتان تكثر يوم السبت على غير سائر الأيام,
وهنا في هذه الآية تُبين ما أحل من البأس بأهل هذه القرية التي عصت أمر الله
وخالفوا عهده وميثاقه،
فتحيلوا على اصطياد الحيتان في يوم السبت بما وضعوا لها من الحبال قبل يوم السبت,
فلما جاءت يوم السبت على عادتها في الكثرة تثبت بتلك الحبالو
وحين مجيء الليل يأخذونها بعد انقضاء السبت,
فلما فعلوا ذلك مسخهم الله إلى صورة القردة وهي أشبه بالأنس في الشكل الظاهر,وليست بإنسان حقيقي,
فكذلك أعمالهم وحيلهم كانت مشابهة للحق الظاهر ومخالفة له في الباطن,فكان هذا جزاؤهم.
للإطلاع أكثر على تفاصيل القصة:
3- قصة بقرة إسرائيل :
{ وَإِذۡ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوۡمِهِۦٓ إِنَّ ٱللَّهَ يَأۡمُرُكُمۡ أَن تَذۡبَحُواْ بَقَرَةٗۖ قَالُوٓاْ أَتَتَّخِذُنَا هُزُوٗاۖ
قَالَ أَعُوذُ بِٱللَّهِ أَنۡ أَكُونَ مِنَ ٱلۡجَٰهِلِينَ (67) قَالُواْ ٱدۡعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَۚ
قَالَ إِنَّهُۥ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٞ لَّا فَارِضٞ وَلَا بِكۡرٌ عَوَانُۢ بَيۡنَ ذَٰلِكَۖ فَٱفۡعَلُواْ مَا تُؤۡمَرُونَ (68) قَالُواْ ٱدۡعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا لَوۡنُهَاۚ
قَالَ إِنَّهُۥ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٞ صَفۡرَآءُ فَاقِعٞ لَّوۡنُهَا تَسُرُّ ٱلنَّٰظِرِينَ (69) قَالُواْ ٱدۡعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ
إِنَّ ٱلۡبَقَرَ تَشَٰبَهَ عَلَيۡنَا وَإِنَّآ إِن شَآءَ ٱللَّهُ لَمُهۡتَدُونَ (70) قَالَ إِنَّهُۥ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٞ لَّا ذَلُولٞ تُثِيرُ ٱلۡأَرۡضَ وَلَا تَسۡقِي ٱلۡحَرۡثَ
مُسَلَّمَةٞ لَّا شِيَةَ فِيهَاۚ قَالُواْ ٱلۡـَٰٔنَ جِئۡتَ بِٱلۡحَقِّۚ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفۡعَلُونَ (71)
وَإِذۡ قَتَلۡتُمۡ نَفۡسٗا فَٱدَّٰرَٰءۡتُمۡ فِيهَاۖ وَٱللَّهُ مُخۡرِجٞ مَّا كُنتُمۡ تَكۡتُمُونَ (72) فَقُلۡنَا ٱضۡرِبُوهُ بِبَعۡضِهَاۚ
كَذَٰلِكَ يُحۡيِ ٱللَّهُ ٱلۡمَوۡتَىٰ وَيُرِيكُمۡ ءَايَٰتِهِۦ لَعَلَّكُمۡ تَعۡقِلُونَ (73) }
عن عبيدة السلماني, قال: " كان رجل من بني إسرائيل عقيمًا, وكان له مال كثير,
وكان ابن أخيه وارثه فقتله ووضعه على باب رجل منهم, ثم أصبح يدعيه عليهم حتى تسلحوا وركب بعضهم على بعض ".
وهنا جاء أمر الله بذبح هذه البقرة, وضرب اجزائها به ليحيى ويخبرهم من الذي قتله.
وحين أمر الله بذبح بقرة, استنكروا الأمر وطلبوا التشدد في أوصافها, فشدد الله علبهم.
مواصفات البقرة:
{ إنها بقرة لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك }
لا فارض: يعني لا هرِمَة.
ولا بكر: ولا صغيرة
عوان بين ذلك: أي نصف بين البكر والهرِمة.
{ إنه يقول إنها بقرة صفراء فاقع لونها تسلا الناظرين }
أي: لونها صافٍ وفاقع تعجب وتجذب الناظرين إليها.
{ إنها بقرة لا ذلول تثير الأرض ولا تسقي الحرث مسلمة لا شية فيها }
لا ذلول: لم يذللها العمل.
لا تثير الأرض ولا تعمل في الحرث بل هي مكرمة.
مسلمة: أي مسلمة من العيوب.
لاشية فيها: لا بياض فيها.
للإطلاع أكثر على تفاصيل القصة:
4- قصة هاروت وماروت :
{ وَٱتَّبَعُواْ مَا تَتۡلُواْ ٱلشَّيَٰطِينُ عَلَىٰ مُلۡكِ سُلَيۡمَٰنَۖ وَمَا كَفَرَ سُلَيۡمَٰنُ وَلَٰكِنَّ ٱلشَّيَٰطِينَ كَفَرُواْ
يُعَلِّمُونَ ٱلنَّاسَ ٱلسِّحۡرَ وَمَآ أُنزِلَ عَلَى ٱلۡمَلَكَيۡنِ بِبَابِلَ هَٰرُوتَ وَمَٰرُوتَۚ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنۡ أَحَدٍ
حَتَّىٰ يَقُولَآ إِنَّمَا نَحۡنُ فِتۡنَةٞ فَلَا تَكۡفُرۡۖ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنۡهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِۦ بَيۡنَ ٱلۡمَرۡءِ وَزَوۡجِهِۦۚ
وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِۦ مِنۡ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِۚ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمۡ وَلَا يَنفَعُهُمۡۚ وَلَقَدۡ عَلِمُواْ لَمَنِ ٱشۡتَرَىٰهُ
مَا لَهُۥ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ مِنۡ خَلَٰقٖۚ وَلَبِئۡسَ مَا شَرَوۡاْ بِهِۦٓ أَنفُسَهُمۡۚ لَوۡ كَانُواْ يَعۡلَمُونَ (102) }
جاء في قول السدي:
" كَانَتِ الشَّيَاطِينُ تَصْعَدُ إِلَى السَّمَاءِ فَتَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ، فَيَسْتَمِعُونَ مِنْ كلام الملائكة
ما يَكُونُ فِي الْأَرْضِ مِنْ مَوْتٍ أَوْ غَيْبٍ أَوْ أَمْرٍ، فَيَأْتُونَ الْكَهَنَةَ فَيُخْبِرُونَهُمْ فَتُحَدِّثُ الْكَهَنَةُ الناس فيجدونه كما قالوا،
فلما أَمِنَتْهُمُ الْكَهَنَةُ كَذَبُوا لَهُمْ وَأَدْخَلُوا فِيهِ غَيْرَهُ، فَزَادُوا مَعَ كُلِّ كَلِمَةٍ سَبْعِينَ كَلِمَةً فَاكْتَتَبَ الناس
ذلك الحديث في الكتب، وفشا ذلك فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّ الْجِنَّ تَعْلَمُ الْغَيْبَ، فَبُعِثَ سُلَيْمَانُ فِي النَّاسِ
فَجَمَعَ تِلْكَ الْكُتُبَ فَجَعَلَهَا فِي صُنْدُوقٍ ثُمَّ دَفَنَهَا تَحْتَ كُرْسِيِّهِ، وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنَ الشَّيَاطِينِ يَسْتَطِيعُ أَنْ يدنوا مِنَ الْكُرْسِيِّ إِلَّا احْتَرَقَ، وَقَالَ: لَا أَسْمَعُ أَحَدًا يَذْكُرُ أَنَّ الشَّيَاطِينَ يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ إِلَّا ضربت عنقه.
فلما مات سليمان وَذَهَبَتِ الْعُلَمَاءُ الَّذِينَ كَانُوا يَعْرِفُونَ أَمْرَ سُلَيْمَانَ، وخلف مِّن بَعْدِ ذلك خلف،
تمثل الشيطان فِي صُورَةِ إِنْسَانٍ، ثُمَّ أَتَى نَفَرًا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَقَالَ لَهُمْ: هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى كنز لا تأكلونه أَبَداً
(أي لا ينفد بالأكل منه) قالوا: نعم، قال: فاحفروا تحت الكرسي، فذهب معهم وأراهم المكان وقام ناحيته،
فحفروا فوجدوا تلك الكتب، فلما أخرجوهها قَالَ الشَّيْطَانُ: إِنَّ سُلَيْمَانَ إِنَّمَا كَانَ يَضْبُطُ الإنس والشياطين والطير بهذا السحر ثم ذهب، وَفَشَا فِي النَّاسِ أَنَّ سُلَيْمَانَ كَانَ سَاحِرًا، واتخذت بنوا إِسْرَائِيلَ تِلْكَ الْكُتُبَ،
فَلَمَّا جَاءَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَمُوهُ بِهَا فَذَلِكَ حِينَ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشياطين كَفَرُواْ﴾ ".
وهنا تبدأ قصة هاروت وماروت, فهاروت وماروت من الملائكة وهما مرسلان من الله
من أجل امتحان وإبتلاء الناس,
وقد أنزل عليهما السحر بشميئة الله تعالى, وعلّموا الناس السحر بأمر من الله,
وكانا قبل تعليم السحر يحذران الناس ويقولا نحن فتنة فلا تكفروا.
فكانت النتيجة أن اليهود فُتنوا رغمًا من تحذير الملكين, وأجمع العلماء
أ الفتنة انتشرت بزمن سيدنا سليمان -عليه السلام- , وادّعت اليهود أن السحر هو علم النبي سليمان,
ولعلمه بالسحر تمكن من نيل السماوات والأرض, وتعلم لغة الطير والجن; ولذلك
نزلت هذه الآية تُبرئ النبي سليمان من أقوالهم { وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا }.
تفسير مختصر لبقية الآية:
أن الناس يتعلمون من هاروت وماروت من الأفاعيل المذمومة يفرقون به بين الزوجين من الحلطة والائتلاف,
وأنهم لن يضروا أحد إلا بقضاء الله ولا يستطيعون من أحد إلا بإذن الله.
{ ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم }
أي: يضرهم في دينهم وليس له نفع لا في دنياهم ولا في الآخرة.
ولقد علم اليهود الذين استبدلوا بالسحر لمن فعل فعلهم ذلك أنه ماله في الآخرة من خلاق.
للإطلاع أكثر على تفاصيل القصة:
5- قصة طالوت وجالوت :
{ أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلۡمَلَإِ مِنۢ بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ مِنۢ بَعۡدِ مُوسَىٰٓ إِذۡ قَالُواْ لِنَبِيّٖ لَّهُمُ ٱبۡعَثۡ لَنَا مَلِكٗا نُّقَٰتِلۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِۖ
قَالَ هَلۡ عَسَيۡتُمۡ إِن كُتِبَ عَلَيۡكُمُ ٱلۡقِتَالُ أَلَّا تُقَٰتِلُواْۖ قَالُواْ وَمَا لَنَآ أَلَّا نُقَٰتِلَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَقَدۡ أُخۡرِجۡنَا مِن دِيَٰرِنَا وَأَبۡنَآئِنَاۖ
فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيۡهِمُ ٱلۡقِتَالُ تَوَلَّوۡاْ إِلَّا قَلِيلٗا مِّنۡهُمۡۚ وَٱللَّهُ عَلِيمُۢ بِٱلظَّٰلِمِينَ (246) وَقَالَ لَهُمۡ نَبِيُّهُمۡ إِنَّ ٱللَّهَ قَدۡ بَعَثَ لَكُمۡ طَالُوتَ مَلِكٗاۚ
قَالُوٓاْ أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ ٱلۡمُلۡكُ عَلَيۡنَا وَنَحۡنُ أَحَقُّ بِٱلۡمُلۡكِ مِنۡهُ وَلَمۡ يُؤۡتَ سَعَةٗ مِّنَ ٱلۡمَالِۚ قَالَ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصۡطَفَىٰهُ عَلَيۡكُمۡ وَزَادَهُۥ بَسۡطَةٗ فِي ٱلۡعِلۡمِ وَٱلۡجِسۡمِۖ
وَٱللَّهُ يُؤۡتِي مُلۡكَهُۥ مَن يَشَآءُۚ وَٱللَّهُ وَٰسِعٌ عَلِيمٞ (247) وَقَالَ لَهُمۡ نَبِيُّهُمۡ إِنَّ ءَايَةَ مُلۡكِهِۦٓ أَن يَأۡتِيَكُمُ ٱلتَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٞ مِّن رَّبِّكُمۡ
وَبَقِيَّةٞ مِّمَّا تَرَكَ ءَالُ مُوسَىٰ وَءَالُ هَٰرُونَ تَحۡمِلُهُ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَةٗ لَّكُمۡ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ (248)
فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِٱلۡجُنُودِ قَالَ إِنَّ ٱللَّهَ مُبۡتَلِيكُم بِنَهَرٖ فَمَن شَرِبَ مِنۡهُ فَلَيۡسَ مِنِّي وَمَن لَّمۡ يَطۡعَمۡهُ فَإِنَّهُۥ مِنِّيٓ
إِلَّا مَنِ ٱغۡتَرَفَ غُرۡفَةَۢ بِيَدِهِۦۚ فَشَرِبُواْ مِنۡهُ إِلَّا قَلِيلٗا مِّنۡهُمۡۚ فَلَمَّا جَاوَزَهُۥ هُوَ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُۥ قَالُواْ لَا طَاقَةَ لَنَا ٱلۡيَوۡمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِۦۚ
قَالَ ٱلَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَٰقُواْ ٱللَّهِ كَم مِّن فِئَةٖ قَلِيلَةٍ غَلَبَتۡ فِئَةٗ كَثِيرَةَۢ بِإِذۡنِ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ مَعَ ٱلصَّٰبِرِينَ (249)
وَلَمَّا بَرَزُواْ لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِۦ قَالُواْ رَبَّنَآ أَفۡرِغۡ عَلَيۡنَا صَبۡرٗا وَثَبِّتۡ أَقۡدَامَنَا وَٱنصُرۡنَا عَلَى ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡكَٰفِرِينَ (250)
فَهَزَمُوهُم بِإِذۡنِ ٱللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُۥدُ جَالُوتَ وَءَاتَىٰهُ ٱللَّهُ ٱلۡمُلۡكَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَعَلَّمَهُۥ مِمَّا يَشَآءُۗ وَلَوۡلَا دَفۡعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعۡضَهُم
بِبَعۡضٖ لَّفَسَدَتِ ٱلۡأَرۡضُ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ ذُو فَضۡلٍ عَلَى ٱلۡعَٰلَمِينَ }
من بعد وفاة النبي موسى بعث الله النبي شمويل -سمويل- الذي لم ذكر اسمه في القرآن
ولكن تم ذكره في كتب المفسرين والعلماء.
فمن بعد موسى -عليه السلام- قال الملأ من بني إسرائيل لنبيهم شمويل أن يقيم لهم ملكًا يقاتلون معه أعدائهم,
فقال لهم النبي: فهل عسيتم أن أقام الله لكم ألا تقاتلوا وتفوا بما ألتزمتم به في القتال معه؟,
فقالوا: مالنا ألا نقاتل وقد أُخذت منا ديارنا وسُبِيت الأولاد!
فعُيّن لهم طالوت ملكًا, وكان رجلًا من أجنادهم ولم يكن من بيت الملك فيهم,
فلهذا قالوا: كيف يكون ملكًا علينا ونحن أحق بالملك, هو مع ذلك فقير لا مال له يقوم ل\بالملكك.
فأجابهم النبي: إن الله اصطفاه واختاره لكم من بينكم والله أعلم به منكم,
وهو مع ذلك أنبل وأشكل منكم وأشد قوة وصبرًا في الحرب.
وقال لهم: أن علامة بركة طالوت عليكم أن يرد الله عليكم التابوت الذي أخذ منكم.
أي: بقية ما ترك النبي موسى وهارون -عليهما السلام-, حيث قال البعض أنها عصاه ورضاض الألواح.
وجاءت الملائكة تجمل التابوت بين السماء والأرض حتى وضعته بين يدي طالوت
والناس ينظرون, فصدّقوا نبوءة النبي وفيما أمرهم من طاعة طالوت.
وحين خرج طالوت في جنوده ومن أطاعه من ملأ بني إسرائيل,
قال: إن الله مختبركم بنهر فمن شرب منه فلا يصحبني اليوم, ومن لم يشرب منه فإنه معي
إلا من اغترف غرفة بيده فلا بأس عليه. فشربوا منه إلا عدد قليل منهم.
ثم بدأت المعركة بين جيش طالوت وجالوت, فخرج طالوت للمبارزة فلم يخرج معه أحد من بني إسرائيل,
قائلين: أنهم لا طاقة لهم لجالوت وجنوده اليوم, فبهذا أثبتوا كلام نبيهم أنه عندما كُتب عليهم القتال
ما وفوا بما وعدوا بل نكلوا عن الجهاد.
فأعلن طالوت أن من يقاتل جالوت ويقتله سيزوجه ابنته ويكون الملك من بعده,
فخرج نبي الله داوود -وكان صغير السن حينها- معه سلاح مقلاع يرمي به الحجارة,
فرمى جالوت بحجر في جبهته وخرّ على أثره صريعًا ومات, وكان النصر لبني إسرائيل بإذن الله,
وتزوج داوود -عليه السلام- من ابنة طالوت وأصبح ملك بني إسرائيل.
للإطلاع أكثر على تفاصيل القصة:
6- قصة النمرود والنبي إبراهيم -عليه السلام- :
{ أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِي حَآجَّ إِبۡرَٰهِـۧمَ فِي رَبِّهِۦٓ أَنۡ ءَاتَىٰهُ ٱللَّهُ ٱلۡمُلۡكَ إِذۡ قَالَ إِبۡرَٰهِـۧمُ رَبِّيَ ٱلَّذِي يُحۡيِۦ وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا۠ أُحۡيِۦ وَأُمِيتُۖ
قَالَ إِبۡرَٰهِـۧمُ فَإِنَّ ٱللَّهَ يَأۡتِي بِٱلشَّمۡسِ مِنَ ٱلۡمَشۡرِقِ فَأۡتِ بِهَا مِنَ ٱلۡمَغۡرِبِ فَبُهِتَ ٱلَّذِي كَفَرَۗ وَٱللَّهُ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّٰلِمِينَ (258) }
النمرود هذا الذي حاج إبراهيم -عليه السلام- في ربه, وهو ملك بابل ( نمرود بن كنعان)
ذلك بإنه أنكر أن يكون هناك إله غيره, حيث كان يحكم الناس بالقتل, وبهذا كان يظن
أن بيده إحياء الموتى وكذلك إنهاء حياته.
طلب النمرود من إبراهيم دليل على وجود الرب الذي يدعوا إليه,
فقال إبراهبم: ربي هو الذي يحيي ويميت.
فعند ذلم قال النمرود: أنا أحيي وأميت, وذلك بعد أن جاء برجلين وأمر بقتل أحدهما فقُتل,
وأمر بالعفو عن الآخر فلا يُقتل, فذذلك معنى الإحياء والإماتة عنده.
قال إبراهيم عندما رأى أن النمرود مصرّ على كفره وعناده: إن الله يأتي بالشمس من المشرق,
فأخرحها من المغرب!.
صُدم النمرود وعلم أنه لا يقدر على المكابرة وقامت عليه الحجة.
وذكر السدي: " أن هذه المناظرة كانت بعد خروج إبراهيم من النار, ولم يكن اجتمع بالملك
إلا في ذلك اليوم فجرت بينهما هذه المناطرة ".
للإطلاع أكثر على تفاصيل القصة:
7- قصة عُزير :
{ أَوۡ كَٱلَّذِي مَرَّ عَلَىٰ قَرۡيَةٖ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىٰ يُحۡيِۦ هَٰذِهِ ٱللَّهُ بَعۡدَ مَوۡتِهَاۖ
فَأَمَاتَهُ ٱللَّهُ مِاْئَةَ عَامٖ ثُمَّ بَعَثَهُۥۖ قَالَ كَمۡ لَبِثۡتَۖ قَالَ لَبِثۡتُ يَوۡمًا أَوۡ بَعۡضَ يَوۡمٖۖ قَالَ بَل لَّبِثۡتَ مِاْئَةَ عَامٖ فَٱنظُرۡ إِلَىٰ طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمۡ يَتَسَنَّهۡۖ
وَٱنظُرۡ إِلَىٰ حِمَارِكَ وَلِنَجۡعَلَكَ ءَايَةٗ لِّلنَّاسِۖ وَٱنظُرۡ إِلَى ٱلۡعِظَامِ كَيۡفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكۡسُوهَا لَحۡمٗاۚ
فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُۥ قَالَ أَعۡلَمُ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ (259) }
اختلف العلماء في هذا المار من يكون؟, ولكن اجمع الأغلبة أنه عُزير, وهو رجلٌ من بني اسرائيل,
مرَ على قريةٍ تخلو من مظاهر الحياة, والمشهور أن هذه القرية هي ( بيت المقدس ) بعد تخريب بُختَنَصّر لها وقتل أهلها,
فاستبعد أن تعمُرَ بالحياة من جديد, فأماته الله مئة عام ثمّ أطلق فيه الحركة وكأنه نام واستيقظ,
فلما سُئلَ كم لبثت ظنَ أنه لبث شيئاً من اليوم, فأجابه الملك أنه لبثَ مئة عام وبقي طعامه وشرابه كما هو,
وأمره أن ينظر إلى حماره, كيف مات ونُخرت عظامه, وبقدرةٍ من الله أحيا حماره أمامه فجُمعت عظامه وكساها الله تعالى لحمًا وعظمًا, وهذه دلالةٌ على قدرة الله في البعث، وإحياء الموتى.
وقال السدي :
" تَفَرَّقَتْ عِظَامُ حِمَارِهِ حَوْلَهُ يَمِينًا وَيَسَارًا، فَنَظَرَ إِلَيْهَا وَهِيَ تَلُوحُ مِنْ بَيَاضِهَا، فَبَعَثَ اللَّهُ رِيحًا فَجَمَعَتْهَا مِنْ كُلِّ مَوْضِعٍ مِنْ تِلْكَ الْمَحِلَّةِ، ثُمَّ رَكِبَ كُلُّ عَظْمٍ فِي مَوْضِعِهِ حَتَّى صَارَ حِمَارًا قَائِمًا مِنْ عِظَامٍ لَا لَحْمَ عَلَيْهَا، ثُمَّ كَسَاهَا اللَّهُ لَحْمًا وَعَصَبًا وَعُرُوقًا وَجِلْدًا، وَبَعَثَ اللَّهُ مَلَكًا فَنَفَخَ فِي منخري الحمار فنهق بِإِذْنِ اللَّهِ عزَّ وَجَلَّ، وَذَلِكَ كُلُّهُ بِمَرْأَى مِنَ الْعُزَيْرِ. فَعِنْدَ ذَلِكَ لَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ هَذَا كُلُّهُ: ﴿قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كل شيء قَدِيرٌ﴾ أي أنا أعلم بِهَذَا، وَقَدْ رَأَيْتُهُ عَيَانًا فَأَنَا أَعْلَمُ أَهْلِ زَمَانِي بِذَلِكَ، وَقَرَأَ آخَرُونَ:
«قَالَ إعْلَم» عَلَى أَنَّهُ أَمْرٌ لَهُ بِالْعِلْمِ ".
للإطلاع أكثر على تفاصيل القصة: