- إنضم
- 18 فبراير 2024
- رقم العضوية
- 14011
- المشاركات
- 171
- مستوى التفاعل
- 1,074
- النقاط
- 147
- أوسمتــي
- 4
- العمر
- 21
- الإقامة
- ليبيا
- توناتي
- 2,282
- الجنس
- أنثى
- نبذة عامة عن زوجات الرسول -صلى الله عليه وسلم-.
- حياة الرسول -صلى الله عليه وسلم- قبل زواجه.
- زوجاته.
- خديجة بنت خويلد.
- سودة بنت زمعة.
- عائشة بنت أبي بكر.
- باقي زوجاته.
- الخاتمة.
زوجات النبي محمد صلى الله عليه وسلم يُطلق عليهن اسم "أمهات المؤمنين"،
وهذا اللقب ذكر في القرآن الكريم في سورة الأحزاب، قال الله تعالى : {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ}
وفي نفس السورة ذكر الله تعالى أن زوجات النبي لهن مكانة خاصة وفضيلة عن بقية نساء المؤمنين،
فقال الله تعالى : {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ}
وقد ذكر فقهاء المسلمين أنه بوجد اختلاف في عدد أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- اللاتي دخل بهن على قولين؛
أنهنّ إثنتا عشرة أو إحدى عشرة؛ وسبب الاختلاف هو في " مارية القبطية "، هل هي زوجة له أم ملك يمين.
فالمتَّفق عليه من زوجاته إحدى عشرة، القرشيات منهن ست، هن:
- خديجة بنت خويلد.
- سودة بنت زمعة.
- عائشة بنت أبي بكر.
- حفصة بنت عمر بن الخطاب.
- أم سلمة.
- أم حبيبة بنت أبي سفيان.
والعربيات من غير قريش أربع، هن:
- زينب بنت جحش.
- جويرية بنت الحارث.
- زينب بنت خزيمة.
- ميمونة بنت الحارث.
وواحدة من غير العرب وهي:
صفية بنت حيي من بني إسرائيل.
وتبقى مارية القبطية وهي من مصر.
ولد سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- في 12 ربيع الأول من عام الفيل في مكة.
والده عبد الله بن عبد المطلب من قبيلة قريش، توفي قبل ولادة الرسول -صلى الله عليه وسلم-،
أما أمه فكانت آمنة بنت وهب، توفيت وهو في سن الست سنوات.
أرضعته حليمة السعدية لمدة حولين كاملين، وقيل أنها في فترة الرضاعة أصبحت بادية بن سعد مخضرّة وأغنامها ممتلئة الضرع، وحلت بها بركة لم تشهدها من قبل.
عند وفاة أمه، تولى جده عبد المطلب رعاية محمد، ثم بعد وفاته تولى عمه أبو طالب رعايته.
اشتغل محمد -صلى الله عليه و سلم- كراعٍ للغنم لمساعدة عمه ثم بعد ذلك بالتجارة،
وعُرف بين أهل قريش بأمانته فكانوا يلقبونه بالأمين،
رُوي عنه أنه لم يسجد لصنم قط كما أنه لم يكن صاحب لهو و لعب.
بدأ النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- بالعمل في رعي الأغنام منذ صغره، وكان يرعاها لأهل مكة مقابل مبلغ زهيد.
كانت هذه الحكمة من الله تعالى له في هذا العمل تعليما له برعاية الرعية والخوف عليهم والمحافظة عليهم.
وكانت التجارة المهنة الأشهر لأهل مكة، وعمه أبو طالب كان يعمل فيها وعلمه البيع والشراء،
ولكنَّ العمل مع عمِّه لم يكن يكسب منه ربحًا كثيرًا، وكان يُعرف محمَّد قبل البعثة بأمانته وصدقه،
فعرضت عليه السيدة خديجة بنت خويلد أن يعمل عندها ويدير تجارتها،
فعمل معها في التجارة وهو في أوائل العشرين من عمره.
هي أم القاسم خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي القرشية الأسدية،
كانت أول امرأة تزوجها النبي محمد -صلى الله عليه وسلم-.
وكانت أول من آمنت برسالته واعتنقت الإسلام في عشية نزول الوحي عليه، لم يكن هناك مؤمن قبلها،
وكانت تعتبر سيدة نساء المسلمين في زمانها،
وفي الجاهلية كانت تُعرف بلقب "الطاهرة".
تزوجت خديجة بنت خويلد قبل النبي -صلى الله عليه وسلم- أبي هالة بن زرارة التميمي، وبعده تزوجت عتيق المخزومي،
وكانت خديجة بنت خويلد امرأة تاجرة ذات شرف ومال تستأجر الرجال على مالها مضاربة،
فلما بلغها عن رسول الله ما بلغها من صدق حديثه وعظم أمانته وكرم أخلاقه،
بعثت إليه فعرضت عليه أن يخرج لها في مالها تاجرًا إلى الشام،
وتعطيه أفضل ما تعطي غيره من التجار مع غلام لها يقال له " ميسرة "، فقبله رسول الله منها،
وخرج في مالها ذاك، وخرج معه غلامها ميسرة حتى نزل الشام.
وحكى لها غلامها ميسرة الذي صحبه عن أخلاقه وطباعه فأُعجبت به.
زواج النبي بخديجة
بعد أن سمعت خديجة من غلامها ميسرة ورأت من أمانته وصدقه، بدأت تفكر في محمد. فقررت أن تكشف لصديقتها نفيسة عن مشاعرها تجاهه، فقالت لها: "أرى في محمد بن عبد الله صفات لا أجدها في غيره من الرجال، إنه الصادق الأمين والشريف الحسيب والشهم الكريم، سمعت ما قاله غلامي ميسرة عنه ورأيت كيف كان يتصرف عندما جاء إلينا من سفره، وما تحدث به الرهبان عنه، وإن فؤادي ليكاد يجزم أنه نبي هذه الأمة".
فقالت نفيسة لخديجة: " تأذنين وأنا أدبر الأمر "، فذهبت لمحمد وعرضت عليه نكاح خديجة.
بعد أن رضي محمد بالزواج من خديجة كلّم أعمامه، أبو طالب، والعباس، وحمزة فذهبوا إلى عم خديجة وخطبوها إليه.
تزوج النبي ﷺ بخديجة بنت خويلد، فأصدقها عشرين بكرة، وكان سنها إذ ذاك أربعين سنة، وكانت يومئذ أفضل نساء قومها نسبًا وثروة وعقلًا،
وكانت أول امرأة تزوجها، ولم يتزوج عليها غيرها حتى ماتت
عاشت خديجة مع الرسول خمسة عشر عامًا قبل بعثته، وكانت تهتم برعاية أولادها وتربيتهم بكل حنان ماعدا عبد الله الذي وُلد بعد البعثة. ولديها من الأولاد زينب ورقية وأم كلثوم والقاسم وفاطمة الزهراء. وبعد وفاة القاسم، قررت خديجة رعاية الزبير ابن أخيها وتربيته بين بيتها وبيت أمه صفية بنت عبد المطلب عمة الرسول. وعندما قدم حكيم بن حزام بن خويلد والذي يكون ابناخاها برقيق فيهم زيد بن حارثة وصيف، اختارت خديجة زيداً وأخذته. ورأى الرسول زيداً وأعجب به، فاستأنسه من خديجة وتبناه وأعتقه. وكانت هذه التربية الصالحة لزيد لها أثر كبير في دخوله الإسلام، وكذلك لعلي والزبير اللذين كانا من أوائل الصبيان المسلمين.
عندما أحب الرسول الخلوة، بدأ يتجه نحو غار حراء ليعتكف فيه متأملا ومتعبدا، وكانت خديجة تقف إلى جانبه كداعمة ومعينة، تجهز له كل ما يحتاجه من طعام وشراب ومهاد قبل خروجه، وتحمل له ما يكفيه من مؤونة إذا طالت غيبته. وفي بعض الأحيان كانت تصحبه في خلوته، تخدمه وتسانده وتطعمه وتسقيه. وعندما بلغ الرسول الخمسين بدأت تظهر له المبشرات، سواء بالأحلام أو بالرؤى، سواء كانت واضحة أو غامضة.
روى البخاري في صحيحه عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت: «أول ما بدئ به رسول الله من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم،
فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح ثمّ حُبب إليه الخلاء، وكان يخلو بغار حراء فيتحنث فيه،
وهو التعبد الليالي ذوات العدد قبل أن ينزع إلى أهله ويتزود لذلك ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها حتى جاءه الحق وهو في غار حراء فجاءه الملك فقال: اقرأ، قال: ما أنا بقارئ، قال: فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال: اقرأ، قلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال: اقرأ، فقلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني الثالثة ثم أرسلني فقال: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ١ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ ٢ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ٣ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ٤ عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ٥﴾ فرجع بها رسول الله يرجف فؤاده فدخل على خديجة بنت خويلد فقال: زملوني، زملوني، فزملوه حتى ذهب عنه الروع،
فقال لخديجة وأخبرها الخبر: لقد خشيت على نفسي، فقالت خديجة: كلا والله ما يخزيك الله أبدًا، إنك لتصل الرحم وتحمل الكَل وتكسب المعدوم وتُقري الضيف وتُعين على نوائب الحق،
واكبت خديجة نزول الوحي قرآنًا وتكليفًا، فحين عَلَّم جبريل النبي الوضوء والصلاة قبل فرضها خمس صلوات، صلت مع النبي في نفس يوم تعليم جبريل له.
وبهذا كانت خديجة أول من آمن، وأول من ثبت، وأول من توضأ وأول من صلى،
و انتقلت خديجة من دورها السابق في تثبيت النبي وتبشيره إلى دور جديد في مؤازرته ومعاونته في تبليغ الدعوة ومواجهة المشركين وإعراضهم وعدوانهم. وقال عبد الله بن عباس: "كانت خديجة بنت خويلد أول من آمنت بالله ورسوله، وصدقت محمد رسول الله فيما جاء به عن ربه وآزرته على أمره". وكانت خديجة تثبت وتصدق وتخفف عن النبي محمد وتهون عليه ما يلقى من قومه. وقد أُذيت خديجة بابنتيها رقية وأم كلثوم عندما آذت قريش الرسول بهما. وعندما أراد المشركون أن يؤذوا الرسول، طلبوا من عتبه وعتيبة أن يطلقا بنتي الرسول فطلقاهما. وحزنت خديجة بسبب طلاق ابنتيها وعندما فارقتها ابنتها رقية لما سافرت مع زوجها عثمان بن عفان إلى الحبشة، وكانا أول مهاجرين خرجا إلى الحبشة.
اجتمعت قريش في خيف بني كنانة، بعد أن باتت محاولاتها للتخلص من النبي ودعوته بائت بالفشل. قررت قطع كل الصلات بينهم وبين من يدافع عنه، وتحالفوا على وثيقة ملزمة لكافة قريش بأن يحاصروا النبي ومن يدافع عنه. كتبوا بنود المعاهدة وعلقوها في جوف الكعبة، تنص على عدم التعامل مع المؤمنين وداعميهم، وعلى مقاطعة بني هاشم اجتماعيًا واقتصاديًا. الهدف من المعاهدة كان محاصرة المؤمنين والضغط عليهم حتى يسلموا النبي للقتل.
عندما فُرض الحصار على بني هاشم، قررت خديجة أن تترك قبيلتها بني أسد أهل القوة والمنعة، وتلتحق بزوجها النبي محمد ومن معه من بني هاشم لتعاني ما يعانونه من جوع وضعف ومأساه
توفيت خديجة بنت خويلد بعد وفاة عم النبي أبو طالب بثلاثة أيام وقيل بأكثر من ذلك، في شهر رمضان قبل الهجرة بثلاث سنين، ولها من العمر خمس وستون سنة، وكان مقامها مع رسول الله بعدما تزوجها أربعًا وعشرين سنة وستة أشهر، ودفنها رسول الله بالحجون ولم تكن الصلاة على الجنائز يومئذ، وحزن عليها النبي ونزل في حفرتها، وتتابعت على رسول الله بموت أبي طالب وخديجة المصائب لأنهما كانا من أشد المعضدين له المدافعين عنه، فاشتد أذى قريش عليه حتى نثر بعضهم التراب على رأسه وطرح بعضهم عليه سلى الشاة وهو يصلي، وسُمي العام الذي مات فيه أبو طالب وخديجة بعام الحزن، ولم ينسَ رسول الله محبته لخديجة بعد وفاتها وكان دائما يثني عليها ولم يتزوج عليها حتى ماتت إكراما لها، وقد كانت مثال الزوجة الصالحة الوفية، فبذلت نفسها ومالها لرسول الله وصدقته حين نزل عليه الوحي.
هي سودة بنت زمعة بن قيس بن عبد شمس العامرية القرشية
وهي ثاني زوجات رسول الله بعد وفاة السيدة خديجة بثلاث سنوات،
تربَّت في مكَّة المكرَّمة إلى أن وصلت سنَّ الصِّبا،
ثمَّ قَدِم السَّكران بن عمرو من أجل خطبتها، فوافق والدها فخطبها السّكران وتزوَّجها،
وكان السَّكران من السَّابقين إلى الإسلام وأوائل الداخلين فيه، لكنَّه تُوفّي عن زوجته حين كبرت في السنِّ.
بعد وفاة خديجة بنت خويلد، جاءت خولة بنت حكيم - زوجة عثمان بن مظعون ورفيقة سودة في الهجرة إلى الحبشة -
إلى النبي محمد تسأله أن يتزوج، وقالت له: «يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أَرَاكَ قَدْ دَخَلَتْكَ خَلَّةٌ لِفَقْدِ خَدِيجَةَ»،
قال: «أَجَلْ أُمُّ الْعِيَالِ، وَرَبَّةُ الْبَيْتِ»، فقالت: «أَلا أَخْطُبُ عَلَيْكَ؟»،
قال: «بَلَى أَمَا إِنَّكُنَّ مَعْشَرَ النِّسَاءِ أَرْفَقُ بِذَلِكَ.»، فسألها: «وَمَن؟»،
قالت: «إِنْ شِئْتَ بِكْرًا، وَإِنْ شِئْتَ ثَيِّبًا»،
فقال: «وَمَنِ البِكْرُ وَمَنِ الثَّيِّب؟» فذكرت له البكر عائشة بنت أبي بكر والثيب سودة بنت زمعة،
فقال: «فَاذْكُرِيْهِمَا عَلَيّ.». فلمَّا انتهت عدة سودة خطبتها خولة على النبي،
فقالت: «أمري إليك يا رسول الله.»، فقال النبي: «مري رجلا من قومك يزوجك»،
فأمَّرت حاطب بن عمرو أخا السكران، فتزوجها فكانت أول امرأة تزوجها النبي بعد خديجة.
وكان زواجها في رمضان السنة العاشرة من البعثة النبوية،
وبنى بسودة بمكّة، ثم بَنَى بعائشة بعد ذلك حين قدم المدينة.
وحين حانت الهجرة إلى المدينة المنورة أمر النبي محمد زيد بن حارثة وأبا رافع الأنصاري أن يأخذا أهل بيته ليهاجروا إلى المدينة، فأخذا سودة ومعها فاطمة الزهراء وأم كلثوم بنت محمد وأم أيمن وأسامة بن زيد،
وبعد زواجه من عائشة بنت أبي بكر، كانت سودة كبيرة السن فخشيَتْ أن يطلِّقَها النَّبيُّ -صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ-،
فقالَت: " لا تطلِّقني وأمسِكْني، واجعَل يَومي لعائشةَ "
فقبل النبي، ونزلت في ذلك آية :
﴿وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا﴾ سورة النساء الآية: 128
سودة كانت من النساء اللاتي نزل فيهن آيات الحجاب،
حين في إحدى الليالي خرجت لتقضي حاجتها وكانت امرأة طويلة وجسيمة تبرز بين النساء،
ورأى عمر بن الخطاب هذه المرأة وعرفها، فقال لها: "نحن نعرفك يا سودة، ونحن نحرص على أن يتم الحجاب"،
فنزلت الآيات :
﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ سورة الأحزاب الآية:59
شهدت سودة غزوة خيبر مع النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وأطعمها النبي من الغنائم ثمانين وَسْقًا تمرًا وعشرين وَسْقًا شعيًرا. شهدت معه حجة الوداع، واستأذنته أن تصلي الصبح بمنى ليلة المزدلفة فأذن لها. وقالت عائشة: "استأذنت سودة رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة المزدلفة أن تدفع قبل حطمة الناس، وكانت امرأة ثقيلة، فأذن لها، ولأن أكون استأذنته أحبّ إليّ من معروج به." لم تحج سودة بعدها ولزمت بيتها حتى وفاتها، وكانت تقول: "لا أحج بعدها أبدًا"، وتقول: "حججت واعتمرت فأنا أقر في بيتي، كما أمرني الله عز وجل." زوجات النبي كان يحجن إلا سودة بنت زمعة وزينب بنت جحش، قالتا: "لا تحركنا دابة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم."
و روت سودة خمسة أحاديث منها في الصحيحين حديث واحد في صحيح البخاري، وروى عنها عبد الله بن عباس ويحيى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أسعد بن زرارة الأنصاري وعروة بن الزبير، وخرَّج لها أبو داود والنسائي والدارمي في سننه، وأخرج لها أحمد بن حنبل في مسنده ثلاثة أحاديث
توفيت بالمدينة المنورة في شوال سنة أربعة وخمسون في خلافة معاوية، وقيل أنها كانت أول أمهات المؤمنين وفاةً.
تنتمي عائشة إلى بني تيم وهم بطن من قريش، فهي عائشة بنت أبي بكر عبد الله بن أبي قحافة عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب، فيلتقي نسبها مع النبي محمد في مرة بن كعب. وأبوها هو أبو بكر الصديق خليفة النبي محمد، وصاحبه في رحلة هجرته من مكة إلى يثرب، وأمها أم رومان بنت عامر من بني مالك بن كنانة أسلمت وهاجرت.
فقد كانت تُكنّى بأم عبد الله -رغم أنّه لم يكن لها أولاد-ولكن لابن أختها عبد الله بن الزبير،
وقيل إنها كانت تُنادى بالحميراء؛ لبياض بشرتها، وكان النبي -عليه الصلاة والسلام- في كثير من الأحيان يُناديها ببنت الصدّيق.
فكما ذُكر سابقًا، قبل الهجرة بسنتين وبعد وفاة خديجة بنت خويلد، جاءت خولة بنت حكيم إلى النبي محمد تسأله أن يتزوج، فسألها: "وَمَن؟"، قالت: "إِنْ شِئْتَ بِكْرًا، وَإِنْ شِئْتَ ثَيِّبًا"، فقال: "وَمَنِ البِكْرُ وَمَنِ الثَّيِّب؟" فذكرت له البكر عائشة والثيب سودة بنت زمعة، فقال: "فَاذْكُرِيْهِمَا عَلَيّ." فذهبت خولة إلى أم رومان بنت عامر أم عائشة، وذكرت لها الأمر، فقالت: "اِنْتَظِرِي فَإِنَّ أَبَا بَكْرَ آتٍ". وكان المطعم بن عدي قد ذكرها على ابنه، فأتى أبو بكر المطعم، فقال: "مَا تَقُوْلُ فِي أَمْرِ هَذِهِ الجَارِيَةِ؟" فسأل المطعم زوجته، فقالت لأبي بكر: "لَعَلَّنَا إِن أَنْكَحْنَا هَذَا الفَتَى إِلَيْكَ تُصِيْبَهُ وَتُدخِلَهُ فِي دِيْنِكَ الَذي أَنتَ عَلَيْهِ"، فرأى أبو بكر في ذلك إبراءً لذمته من خطبة المطعم لعائشة، وقال لخولة: "قُولِي لِرَسُولِ الله فَلْيَأْتِ"، فجاء النبي محمد وخطبها.
فلقد هاجرت عائشة إلى المدينة بعد هجرة النبي محمد بصحبة طلحة بن عبيد الله، وأخيها عبد الله، وأمها أم رومان، وأختها أسماء، وزيد بن حارثة، وأبي رافع مولى النبي محمد ،وابنتي النبي محمد أم كلثوم وفاطمة، وسودة بنت زمعة، وأم أيمن وابنها أسامة بن زيد.
وبنى النبي محمد بعائشة بعد غزوة بدر في شوال 2 هـ، فكانت عائشة تقول: "تزوجني رسول الله في شوال وبنى بي في شوال، فأي نساء رسول الله كانت أحظى عنده مني". وتروي عائشة قصة يوم زواجها، قائلة: "قدمنا المدينة فوعكت شهرا ووفى شعري جميمة فأتتني أم رومان وأنا على أرجوحة ومعي صواحبي فصرخت بي فأتيتها وما أدري ما تريد بي فأخذت بيدي فأوقفتني على الباب فقلت هه هه حتى ذهب نفسي فأدخلتني بيتا فإذا نسوة من الأنصار فقلن على الخير والبركة وعلى خير طائر فأسلمتني إليهن فغسلن رأسي وأصلحنني فلم يرعني إلا ورسول الله ضحى فأسلمنني إليه". وقد وصفت عائشة جهاز حجرتها فقالت: "قالت: إنما كان فراش رسول الله الذي ينام عليه أدما حشوه ليف".
كانت عائشة من أكثر الصّحابيّات روايةً للحديث عن رسول الله، روى عنها العديد من الصّحابة وكبار التابعين، وكانت أعلم نساء زمانها وأفقههنّ، فقد كانت عالمة بالفقه، والتفسير، والشعر، وأحاديث العرب وأخبارهم وأيامهم وأنسابهم، وكان الصحابة يأتون فيسألونها ويستفتونها، قال الزهريّ في وصف علمها: "لو جُمع علم النّاس كلهم ثم علم أزواج النبي -صلّى الله عليه وسلّم- لكانت عائشة أوسعهم علمًا"،وروى موسى بن طلحة فقال: (ما رأَيْتُ أحَدًا أفصَحَ مِن عائشةَ).
كانت السيدة عائشة -رضي الله عنها- شديدة الغيرة على رسول الله حتى أنها غارت من أم المؤمنين خديجة -رضي الله عنها- الزوجة الأولى لرسول الله وهي لم تراها حيث قالت: "ما غِرْتُ علَى أحَدٍ مِن نِسَاءِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ما غِرْتُ علَى خَدِيجَةَ، وما رَأَيْتُهَا، ولَكِنْ كانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُكْثِرُ ذِكْرَهَا، ورُبَّما ذَبَحَ الشَّاةَ ثُمَّ يُقَطِّعُهَا أعْضَاءً، ثُمَّ يَبْعَثُهَا في صَدَائِقِ خَدِيجَةَ، فَرُبَّما قُلتُ له: كَأنَّهُ لَمْ يَكُنْ في الدُّنْيَا امْرَأَةٌ إلَّا خَدِيجَةُ، فيَقولُ إنَّهَا كَانَتْ، وكَانَتْ، وكانَ لي منها ولَدٌ"،فكانت تغار عليه عندما يبرُّ بأقارب خديجة -رضي الله عنها- بعد وفاتها. ولم تكن غيرتها من خديجة فحسب بل كانت تغار من باقي زوجاته فقد روت السيدة عائشة رضي الله عنها: "ما رأيتُ صانعةً طعامًا مثلَ صفيةَ ، أهدتْ إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ إناءً فيه طعام ٌ، فما ملكْتُ نفسي أن كسرتُه فقلتُ : يا رسولَ اللهِ ما كفَّارتُه ؟ قال : إناءٌ كإناءٍ وطعامٌ كطعامٍ"، فمن شدة غيرتها على رسول الله قامت بكسر إناء صفية وكان النبي -صلّى الله عليه وسلّم- حكيمًا في التعامل معها.
جاءت قصة خلاف النبي مع السيدة عائشة في الصحيحين حيث روت السيدة عائشة -رضي الله عنها- ذلك فقالت: "كانَ يَمْكُثُ عِنْدَ زَيْنَبَ بنْتِ جَحْشٍ، ويَشْرَبُ عِنْدَهَا عَسَلًا، فَتَوَاصَيْتُ أنَا وحَفْصَةُ: أنَّ أيَّتَنَا دَخَلَ عَلَيْهَا النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَلْتَقُلْ: إنِّي أجِدُ مِنْكَ رِيحَ مَغَافِيرَ، أكَلْتَ مَغَافِيرَ، فَدَخَلَ علَى إحْدَاهُمَا، فَقالَتْ له ذلكَ، فَقالَ: لَا، بَلْ شَرِبْتُ عَسَلًا عِنْدَ زَيْنَبَ بنْتِ جَحْشٍ، ولَنْ أعُودَ له"، والمغافير هو نباتُ شجر العرفط في الحجاز وهو يشبه الصمغ وله رائحة كريهة.فكان خلاف النبي -صلّى الله عليه وسلّم- مع السيدة عائشة هو بسبب تواطئها مع حفصة عليه مما جعله يُحرم أمرًا قد أباحه الله له ونزلت عندها الآيات:
﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ١ قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ٢ وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ ٣ إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ ٤﴾ [التحريم:1–4].
حادثة الإفك
إنّ حادثة الإفك من أصعب المواقف التي مرّت بها أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-؛ حيث اتّهمت بها زورًا، وقصة حادثة الإفك أنّ عائشة خرجت مع رسول الله إلى غزوة بني المصطلق، وفي العودة كادت الفتنة أن تشتعل بين مجموعة من المسلمين، فأراد رسول الله أن يعجّل بالعودة، وكانت عائشة قد خرجت لقضاء حاجتها بعيدًا عن المسلمين، ولم تعلم بما حدث، ولا يعلم أحد أنّها خارجة، فسار الجيش، ولمّا اقتربت عائشة فقدت عقداً لها، ولم تجده فعادت تبحث عنه.وكانت من عادة رسول الله أن يرسل خلف الجيش من يتفقّد الطريق؛ خوفًا من أن يكون المسلمون قد نسوا شيئًا، فأرسل صفوان بن المعطل فرأى عائشة، وعاد معها إلى المدينة، فأخبرت رسول الله بما حدث معها، ولكنّها حينما أقبلت إلى المدينة مع صفوان شاهدهم ابن سلول الذي اتّهمها بالفاحشة وأشاع الخبر. بقيت عائشة -رضي الله عنها- متعبةً لأيام في بيت والدها، والنبي لا يكلّمها، وقد حزنت حزنًا شديدًا،
إلى أنّ برّأها الله من فوق سبع سماوات، فأنزل قوله تعالى:
(إنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ).
" قول العقاد في كتابه «الصديقة بنت الصديق» موقف المستشرقين في حادثة الإفك
الذين لا يزالون يجزمون بتلك الواقعة: «إن غرض ابن سلول هذا لهو بعينه غرض كل متشبث بحديث الإفك
إلى يومنا هذا، ليتخذ منه سبيلاً إلى الطعن في الإسلام ونبي الإسلام، وبخاصة المبشرين من المستشرقين.
فمن هؤلاء من غلب عليه أدب التربية واستبعد حديث الإفك كما فعل موير،
حيث قال إن سيرة عائشة قبل الحادث وبعده لتوجب علينا أن نعتقد ببرائتها من التهمة.
ومنهم من نقل الحكاية وخلطها بالمعجزات التي لا يصدقها غير المسلم، كما فعل واشنطن إيرفنج في سيرة النبي عليه السلام،
فلم يقطع بنفي صريح أو ترك الباب مفتوحاً للتأويلات والأقاويل.
ومنهم من زعم أن السيدة عائشة ابتعدت يوماً كاملا عن النبي قضته في صحبة صفوان خلافاً لكل ما جاء في كل قصة وردت إلينا عن حادثة الإفك، مثل رودويل صاحب ترجمة معاني كلمات القرآن،
حيث عرض لهذا الحديث في حاشية من حواشي سورة النور. ومع ذلك هؤلاء هم أشد المستشرقين حذراً في تعرضه لحادثة الإفك
. أما بعض المستشرقين المبشرين لم يحذروا هذا الحذر بل جزموا بصحة الحديث،
وقال بعضهم إن محمداً استنزل تلك الإيات ليحمي سمعة زوجته، ويدين الوشاة بالعقاب الذي نزل في تلك السورة.
وجهلهم للقرآن هو الذي أوقعهم في تلك الفرية على غير علم بمصادرها وموردها.» "
و لمّا بلغت عائشة -رضيَ الله عنها- من العمر تسعة وستين عامًا؛ مرضت مرضًا شديدًا، حتى اشتدّ بها المرض، وانتقلت إلى الرفيق الأعلى، ودُفنت في البقيع، وقد كان ذلك في اليوم السابع عشر من شهر رمضان، في السنة الثامنة والخمسين للهجرة.
وهي ثاني زوجات رسول الله بعد وفاة السيدة خديجة بثلاث سنوات،
تربَّت في مكَّة المكرَّمة إلى أن وصلت سنَّ الصِّبا،
ثمَّ قَدِم السَّكران بن عمرو من أجل خطبتها، فوافق والدها فخطبها السّكران وتزوَّجها،
وكان السَّكران من السَّابقين إلى الإسلام وأوائل الداخلين فيه، لكنَّه تُوفّي عن زوجته حين كبرت في السنِّ.
بعد وفاة خديجة بنت خويلد، جاءت خولة بنت حكيم - زوجة عثمان بن مظعون ورفيقة سودة في الهجرة إلى الحبشة -
إلى النبي محمد تسأله أن يتزوج، وقالت له: «يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أَرَاكَ قَدْ دَخَلَتْكَ خَلَّةٌ لِفَقْدِ خَدِيجَةَ»،
قال: «أَجَلْ أُمُّ الْعِيَالِ، وَرَبَّةُ الْبَيْتِ»، فقالت: «أَلا أَخْطُبُ عَلَيْكَ؟»،
قال: «بَلَى أَمَا إِنَّكُنَّ مَعْشَرَ النِّسَاءِ أَرْفَقُ بِذَلِكَ.»، فسألها: «وَمَن؟»،
قالت: «إِنْ شِئْتَ بِكْرًا، وَإِنْ شِئْتَ ثَيِّبًا»،
فقال: «وَمَنِ البِكْرُ وَمَنِ الثَّيِّب؟» فذكرت له البكر عائشة بنت أبي بكر والثيب سودة بنت زمعة،
فقال: «فَاذْكُرِيْهِمَا عَلَيّ.». فلمَّا انتهت عدة سودة خطبتها خولة على النبي،
فقالت: «أمري إليك يا رسول الله.»، فقال النبي: «مري رجلا من قومك يزوجك»،
فأمَّرت حاطب بن عمرو أخا السكران، فتزوجها فكانت أول امرأة تزوجها النبي بعد خديجة.
وكان زواجها في رمضان السنة العاشرة من البعثة النبوية،
وبنى بسودة بمكّة، ثم بَنَى بعائشة بعد ذلك حين قدم المدينة.
وحين حانت الهجرة إلى المدينة المنورة أمر النبي محمد زيد بن حارثة وأبا رافع الأنصاري أن يأخذا أهل بيته ليهاجروا إلى المدينة، فأخذا سودة ومعها فاطمة الزهراء وأم كلثوم بنت محمد وأم أيمن وأسامة بن زيد،
وبعد زواجه من عائشة بنت أبي بكر، كانت سودة كبيرة السن فخشيَتْ أن يطلِّقَها النَّبيُّ -صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ-،
فقالَت: " لا تطلِّقني وأمسِكْني، واجعَل يَومي لعائشةَ "
فقبل النبي، ونزلت في ذلك آية :
﴿وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا﴾ سورة النساء الآية: 128
سودة كانت من النساء اللاتي نزل فيهن آيات الحجاب،
حين في إحدى الليالي خرجت لتقضي حاجتها وكانت امرأة طويلة وجسيمة تبرز بين النساء،
ورأى عمر بن الخطاب هذه المرأة وعرفها، فقال لها: "نحن نعرفك يا سودة، ونحن نحرص على أن يتم الحجاب"،
فنزلت الآيات :
﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ سورة الأحزاب الآية:59
شهدت سودة غزوة خيبر مع النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وأطعمها النبي من الغنائم ثمانين وَسْقًا تمرًا وعشرين وَسْقًا شعيًرا. شهدت معه حجة الوداع، واستأذنته أن تصلي الصبح بمنى ليلة المزدلفة فأذن لها. وقالت عائشة: "استأذنت سودة رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة المزدلفة أن تدفع قبل حطمة الناس، وكانت امرأة ثقيلة، فأذن لها، ولأن أكون استأذنته أحبّ إليّ من معروج به." لم تحج سودة بعدها ولزمت بيتها حتى وفاتها، وكانت تقول: "لا أحج بعدها أبدًا"، وتقول: "حججت واعتمرت فأنا أقر في بيتي، كما أمرني الله عز وجل." زوجات النبي كان يحجن إلا سودة بنت زمعة وزينب بنت جحش، قالتا: "لا تحركنا دابة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم."
و روت سودة خمسة أحاديث منها في الصحيحين حديث واحد في صحيح البخاري، وروى عنها عبد الله بن عباس ويحيى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أسعد بن زرارة الأنصاري وعروة بن الزبير، وخرَّج لها أبو داود والنسائي والدارمي في سننه، وأخرج لها أحمد بن حنبل في مسنده ثلاثة أحاديث
توفيت بالمدينة المنورة في شوال سنة أربعة وخمسون في خلافة معاوية، وقيل أنها كانت أول أمهات المؤمنين وفاةً.
تنتمي عائشة إلى بني تيم وهم بطن من قريش، فهي عائشة بنت أبي بكر عبد الله بن أبي قحافة عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب، فيلتقي نسبها مع النبي محمد في مرة بن كعب. وأبوها هو أبو بكر الصديق خليفة النبي محمد، وصاحبه في رحلة هجرته من مكة إلى يثرب، وأمها أم رومان بنت عامر من بني مالك بن كنانة أسلمت وهاجرت.
فقد كانت تُكنّى بأم عبد الله -رغم أنّه لم يكن لها أولاد-ولكن لابن أختها عبد الله بن الزبير،
وقيل إنها كانت تُنادى بالحميراء؛ لبياض بشرتها، وكان النبي -عليه الصلاة والسلام- في كثير من الأحيان يُناديها ببنت الصدّيق.
فكما ذُكر سابقًا، قبل الهجرة بسنتين وبعد وفاة خديجة بنت خويلد، جاءت خولة بنت حكيم إلى النبي محمد تسأله أن يتزوج، فسألها: "وَمَن؟"، قالت: "إِنْ شِئْتَ بِكْرًا، وَإِنْ شِئْتَ ثَيِّبًا"، فقال: "وَمَنِ البِكْرُ وَمَنِ الثَّيِّب؟" فذكرت له البكر عائشة والثيب سودة بنت زمعة، فقال: "فَاذْكُرِيْهِمَا عَلَيّ." فذهبت خولة إلى أم رومان بنت عامر أم عائشة، وذكرت لها الأمر، فقالت: "اِنْتَظِرِي فَإِنَّ أَبَا بَكْرَ آتٍ". وكان المطعم بن عدي قد ذكرها على ابنه، فأتى أبو بكر المطعم، فقال: "مَا تَقُوْلُ فِي أَمْرِ هَذِهِ الجَارِيَةِ؟" فسأل المطعم زوجته، فقالت لأبي بكر: "لَعَلَّنَا إِن أَنْكَحْنَا هَذَا الفَتَى إِلَيْكَ تُصِيْبَهُ وَتُدخِلَهُ فِي دِيْنِكَ الَذي أَنتَ عَلَيْهِ"، فرأى أبو بكر في ذلك إبراءً لذمته من خطبة المطعم لعائشة، وقال لخولة: "قُولِي لِرَسُولِ الله فَلْيَأْتِ"، فجاء النبي محمد وخطبها.
فلقد هاجرت عائشة إلى المدينة بعد هجرة النبي محمد بصحبة طلحة بن عبيد الله، وأخيها عبد الله، وأمها أم رومان، وأختها أسماء، وزيد بن حارثة، وأبي رافع مولى النبي محمد ،وابنتي النبي محمد أم كلثوم وفاطمة، وسودة بنت زمعة، وأم أيمن وابنها أسامة بن زيد.
وبنى النبي محمد بعائشة بعد غزوة بدر في شوال 2 هـ، فكانت عائشة تقول: "تزوجني رسول الله في شوال وبنى بي في شوال، فأي نساء رسول الله كانت أحظى عنده مني". وتروي عائشة قصة يوم زواجها، قائلة: "قدمنا المدينة فوعكت شهرا ووفى شعري جميمة فأتتني أم رومان وأنا على أرجوحة ومعي صواحبي فصرخت بي فأتيتها وما أدري ما تريد بي فأخذت بيدي فأوقفتني على الباب فقلت هه هه حتى ذهب نفسي فأدخلتني بيتا فإذا نسوة من الأنصار فقلن على الخير والبركة وعلى خير طائر فأسلمتني إليهن فغسلن رأسي وأصلحنني فلم يرعني إلا ورسول الله ضحى فأسلمنني إليه". وقد وصفت عائشة جهاز حجرتها فقالت: "قالت: إنما كان فراش رسول الله الذي ينام عليه أدما حشوه ليف".
كانت عائشة من أكثر الصّحابيّات روايةً للحديث عن رسول الله، روى عنها العديد من الصّحابة وكبار التابعين، وكانت أعلم نساء زمانها وأفقههنّ، فقد كانت عالمة بالفقه، والتفسير، والشعر، وأحاديث العرب وأخبارهم وأيامهم وأنسابهم، وكان الصحابة يأتون فيسألونها ويستفتونها، قال الزهريّ في وصف علمها: "لو جُمع علم النّاس كلهم ثم علم أزواج النبي -صلّى الله عليه وسلّم- لكانت عائشة أوسعهم علمًا"،وروى موسى بن طلحة فقال: (ما رأَيْتُ أحَدًا أفصَحَ مِن عائشةَ).
كانت السيدة عائشة -رضي الله عنها- شديدة الغيرة على رسول الله حتى أنها غارت من أم المؤمنين خديجة -رضي الله عنها- الزوجة الأولى لرسول الله وهي لم تراها حيث قالت: "ما غِرْتُ علَى أحَدٍ مِن نِسَاءِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ما غِرْتُ علَى خَدِيجَةَ، وما رَأَيْتُهَا، ولَكِنْ كانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُكْثِرُ ذِكْرَهَا، ورُبَّما ذَبَحَ الشَّاةَ ثُمَّ يُقَطِّعُهَا أعْضَاءً، ثُمَّ يَبْعَثُهَا في صَدَائِقِ خَدِيجَةَ، فَرُبَّما قُلتُ له: كَأنَّهُ لَمْ يَكُنْ في الدُّنْيَا امْرَأَةٌ إلَّا خَدِيجَةُ، فيَقولُ إنَّهَا كَانَتْ، وكَانَتْ، وكانَ لي منها ولَدٌ"،فكانت تغار عليه عندما يبرُّ بأقارب خديجة -رضي الله عنها- بعد وفاتها. ولم تكن غيرتها من خديجة فحسب بل كانت تغار من باقي زوجاته فقد روت السيدة عائشة رضي الله عنها: "ما رأيتُ صانعةً طعامًا مثلَ صفيةَ ، أهدتْ إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ إناءً فيه طعام ٌ، فما ملكْتُ نفسي أن كسرتُه فقلتُ : يا رسولَ اللهِ ما كفَّارتُه ؟ قال : إناءٌ كإناءٍ وطعامٌ كطعامٍ"، فمن شدة غيرتها على رسول الله قامت بكسر إناء صفية وكان النبي -صلّى الله عليه وسلّم- حكيمًا في التعامل معها.
جاءت قصة خلاف النبي مع السيدة عائشة في الصحيحين حيث روت السيدة عائشة -رضي الله عنها- ذلك فقالت: "كانَ يَمْكُثُ عِنْدَ زَيْنَبَ بنْتِ جَحْشٍ، ويَشْرَبُ عِنْدَهَا عَسَلًا، فَتَوَاصَيْتُ أنَا وحَفْصَةُ: أنَّ أيَّتَنَا دَخَلَ عَلَيْهَا النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَلْتَقُلْ: إنِّي أجِدُ مِنْكَ رِيحَ مَغَافِيرَ، أكَلْتَ مَغَافِيرَ، فَدَخَلَ علَى إحْدَاهُمَا، فَقالَتْ له ذلكَ، فَقالَ: لَا، بَلْ شَرِبْتُ عَسَلًا عِنْدَ زَيْنَبَ بنْتِ جَحْشٍ، ولَنْ أعُودَ له"، والمغافير هو نباتُ شجر العرفط في الحجاز وهو يشبه الصمغ وله رائحة كريهة.فكان خلاف النبي -صلّى الله عليه وسلّم- مع السيدة عائشة هو بسبب تواطئها مع حفصة عليه مما جعله يُحرم أمرًا قد أباحه الله له ونزلت عندها الآيات:
﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ١ قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ٢ وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ ٣ إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ ٤﴾ [التحريم:1–4].
حادثة الإفك
إنّ حادثة الإفك من أصعب المواقف التي مرّت بها أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-؛ حيث اتّهمت بها زورًا، وقصة حادثة الإفك أنّ عائشة خرجت مع رسول الله إلى غزوة بني المصطلق، وفي العودة كادت الفتنة أن تشتعل بين مجموعة من المسلمين، فأراد رسول الله أن يعجّل بالعودة، وكانت عائشة قد خرجت لقضاء حاجتها بعيدًا عن المسلمين، ولم تعلم بما حدث، ولا يعلم أحد أنّها خارجة، فسار الجيش، ولمّا اقتربت عائشة فقدت عقداً لها، ولم تجده فعادت تبحث عنه.وكانت من عادة رسول الله أن يرسل خلف الجيش من يتفقّد الطريق؛ خوفًا من أن يكون المسلمون قد نسوا شيئًا، فأرسل صفوان بن المعطل فرأى عائشة، وعاد معها إلى المدينة، فأخبرت رسول الله بما حدث معها، ولكنّها حينما أقبلت إلى المدينة مع صفوان شاهدهم ابن سلول الذي اتّهمها بالفاحشة وأشاع الخبر. بقيت عائشة -رضي الله عنها- متعبةً لأيام في بيت والدها، والنبي لا يكلّمها، وقد حزنت حزنًا شديدًا،
إلى أنّ برّأها الله من فوق سبع سماوات، فأنزل قوله تعالى:
(إنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ).
" قول العقاد في كتابه «الصديقة بنت الصديق» موقف المستشرقين في حادثة الإفك
الذين لا يزالون يجزمون بتلك الواقعة: «إن غرض ابن سلول هذا لهو بعينه غرض كل متشبث بحديث الإفك
إلى يومنا هذا، ليتخذ منه سبيلاً إلى الطعن في الإسلام ونبي الإسلام، وبخاصة المبشرين من المستشرقين.
فمن هؤلاء من غلب عليه أدب التربية واستبعد حديث الإفك كما فعل موير،
حيث قال إن سيرة عائشة قبل الحادث وبعده لتوجب علينا أن نعتقد ببرائتها من التهمة.
ومنهم من نقل الحكاية وخلطها بالمعجزات التي لا يصدقها غير المسلم، كما فعل واشنطن إيرفنج في سيرة النبي عليه السلام،
فلم يقطع بنفي صريح أو ترك الباب مفتوحاً للتأويلات والأقاويل.
ومنهم من زعم أن السيدة عائشة ابتعدت يوماً كاملا عن النبي قضته في صحبة صفوان خلافاً لكل ما جاء في كل قصة وردت إلينا عن حادثة الإفك، مثل رودويل صاحب ترجمة معاني كلمات القرآن،
حيث عرض لهذا الحديث في حاشية من حواشي سورة النور. ومع ذلك هؤلاء هم أشد المستشرقين حذراً في تعرضه لحادثة الإفك
. أما بعض المستشرقين المبشرين لم يحذروا هذا الحذر بل جزموا بصحة الحديث،
وقال بعضهم إن محمداً استنزل تلك الإيات ليحمي سمعة زوجته، ويدين الوشاة بالعقاب الذي نزل في تلك السورة.
وجهلهم للقرآن هو الذي أوقعهم في تلك الفرية على غير علم بمصادرها وموردها.» "
و لمّا بلغت عائشة -رضيَ الله عنها- من العمر تسعة وستين عامًا؛ مرضت مرضًا شديدًا، حتى اشتدّ بها المرض، وانتقلت إلى الرفيق الأعلى، ودُفنت في البقيع، وقد كان ذلك في اليوم السابع عشر من شهر رمضان، في السنة الثامنة والخمسين للهجرة.
التعديل الأخير بواسطة المشرف: