عندما ينطق الإبداع يستشهد بكلماتك
أبدعت ~ عموري
29/1/2025
أبدعت ~ عموري
29/1/2025
الاسم : الرقصة الأخيرة
النوع : قصة قصيرة
التصنيف : رومنسي، خيالي
عدد الكلمات : 4920 كلمة
كانت تغفو بهدوء كما لو انها لا تتنفس، ستحتاج ان تقترب كثيراً لتتأكد إن كان جسدها يتحرك ويعمل! اما عن فراشها فستشعر بأنه على حافة النافذة من شدة قربه منها، تحركت الستارة فوق وجهها تسمح للشمس ان تلاطف جفنيها، وتعطي بعض الإضاءة لوجهها الشاحب، كانت نحيلة جداً وضعيفة، تململت وهي تضع ذراعها على عينيها وتقلبت عطشة لتنظر إلى زجاجة المشروب بجانبها على الطاولة- أوه لقد ثملنا أمس!-
نهضت بتثاقل لتتعثر بجسد شريكتها بالسكن، نائمة في منتصف الغرفة على البلاط بعشوائية والمكان بأكمله فوضى!
بعثرت شعرها وتنهدت، إنه يوم آخر من كآبة وانتظار المجهول! تترقب قدوم شيء تفتقده بشدة لكن لا تعلم ما هو!
تشعر بأنها على حافة انتظار شيء ما، تتوق له وتصحو يومياً لأجله ولا تطوله
رتبت أمورها على عجل وارتدت حذائها بينما الشطيرة في فمها، اغلقت الباب خلفها وتوجهت بخطوات عفوية إلى عملها
اليوم موعدها مع فريق نبش الكنوز، كونها غواصة ماهرة! فـإن عمق المحيط بالنسبة لها كما السباحة بالفضاء، تتجرد من العالم كله
وتغوص بعيداً جداً حتى لا تفكر بأي شيء؛ تغرق في الفراغ! كان هذا علاجها المؤقت عدا الحبوب المهدئة التي تساعدها على النوم ومحاربة الاكتئاب
"آنسة جولي، أنتِ جاهزة؟ "
هتف لها رئيس العمال بينما كانت تقف على الحافة بلباس الغواصين، أحكمت ارتداء القناع وشد عبوات الأكسجين على ظهرها، رمقت رئيس العمال بطرف عينها وأشارت لهم بيدها على البدء، ثوان وقد غطست في الماء بقوة وفقاعات الهواء تزدهر من حولها، حركت قدميها ببطء، تشعر بحركة الماء بين أصابعها وهي تفرد ذراعيها مغمضة العينين مستمتعة بالشعور أثناء هبوط جسدها في العمق شيئاً فشيئاً!
تنفس واضح، تركز على صوت أنفاسها، فقط هذا ما كانت تسمعه! مع مرور الوقت وانسجامها ببعض التركيز الذهني، التقط سمعها صوت خافت! عقدت حاجبيها بخفة وهي تركز بشكل أعمق، هذه المرة بدا لها صوت موسيقى! فتحت عينيها ببطء لتنظر من حولها، لكن العجيب كان بأن المكان اختلف، تغير محيطها بالكامل، ترى نفسها فجأة تقف في ممر يكسوه سجاد أحمر، ينتهي الرواق بباب ذهبي ضخم يُفتح على مصراعيه وأصوات الهمهمات، الضحكات الراقية، الموسيقى الكلاسيكية تصدر من هناك، اقتربت بحذر تحاول إلقاء نظرة ضائعة وفضولية، يبدو كما لو ان هذا قصراً فيكتورياً! من تنسيق الصالة التي يقام بها حفلة على ما يبدو، النساء بأثوابهم المنفوخة كما الأميرات مع تسريحات شعر رائعة! إحداهن تحرك مروحتها بلباقة بينما تحادث صديقاتها ثم تخفي ضحكتها خلفها، أما الرجال كانوا بلباس كلاسيكي قديم وفاخر! لا ينتمي لبدلاتنا الرسمية! مع منصة لفرقة موسيقية راقية، هناك ينحني الرجل لتلك الفتاة بينما يمد يده ويعرض عليها مشاركته الرقصة، بقيت جولي تقف على مقربة من الباب تتأمل كالبلهاء، اوقفها عن تحديقها معطف يوضع على رأسها بأكمله يخفيها داخله وشخص ما يشد على جسدها بين ذراعيه وهو يدير وجهها إليه حتى لا يراها أحد، كان ضخماً بالنسبة لحجمها، وأطول منها بكثير! هذا ما لاحظته وهي تحاول إبعاد هذا الشيء عنها! جرها ناحية احد الأبواب ليدخل بها الى الغرفة ويغلق الباب خلفه
- هيه، يا انت! اتركني!
رفعت رأسها إليه تحدثه بحدة، شعور غريب راودها خلال تحديقها به، كانت ملامحه حادة، عيون سوداء عميقة كثيفة الرموش، وحاجبين عريضين ذو عقدة قلقة على ما يبدو، نبس بتأنيب
- هل تركتِ عقلكِ في غرفتكِ وأتيتِ ؟ كيف تقتربين من الحفلة بقميص نومكِ هذا؟ هل نظرتِ لعشوائيتكِ في المرآة قبل ان تخرجي؟
إنها جامدة تستمر بنقل بصرها بين عينيه غير مدركة عما يتحدث عنه، ارتعشت حين وضع كفه على جبينها يتفحص حرارتها بينما يسأل
- لما لا تجيبين؟! لا تبدين بخير..
نفضت رأسها وأزالت يده ثم خلقت مسافة بينهما بابتعادها وهي تتمتم بحيرة " ما هذا المكان؟ "
لفت نظرها مرآة معلقة بجانبها لتندهش مما تراه! اقتربت تنظر بوضوح،صحيح ان شعرها مبعثر وبلباس نوم قصير وخفيف، لكن ما ادهشها حقاً هو كيف أصبح وجهها بهذه الحيوية وخدود متوردة وممتلئة كما الحال مع جسدها، مرت سنوات منذ اخر مرة رأت نفسها تبدو بصحة ونفسية جيدة، هل هذه مرآة طبيعية؟ تأملت نفسها تتأكد وسط مراقبته وقد كادت تنسى انه بجانبها "انت.. قلت ان هذه غرفتي، لكن لِما أنا هنا ؟ "
أخفى نصف وجهه بيده بتعابير غامضة غير مفهومة، تنهد ثم التف معطياً إياها ظهره، يفرك جانب عنقه بينما يقول في طريقه للخروج
" ترككِ والدكِ ضيفة عندي لبضعة أيام ريثما يعود "
كان جواباً مختصراً كما لو انه تهرب، تماماً كما خروجه السريع هذا!
- يعرف أبي؟ أجل كان يبدو بأنه يعرفني أيضاً من اسلوبه وكلامه، لكن لما لا أتذكر أي شيء؟ أشعر كما لو أني داخل فقاعة خفيفة-
جلست على حافة السرير بشرود تحاول تفسير ما يجري حولها
أيقظ انتباهها طرق على الباب، اقتربت وفتحته قليلاً بتردد، وجدت أكبر ابتسامة عفوية ولطيفة لهذا الشاب المهندم والأنيق، كان بشعر بني طويل يربطه برتابه، كان يحمل ثوباً سماوي اللون يلمع بسحر جذاب!
- وصل الثوب من أجلكِ أنستي! هل يمكنني إدخاله لكِ؟
- أجل، تفضل..
أفسحت له المجال في حيرة ونظرها معلق على الثوب بإعجاب، رأته يفرده كاملاً على ملأ السرير الفوضوي ويضع حذائه الزجاجي قربه، يذكرها هذا بـ ستايل سندريلا! ياله من رابط عجيب، هل سيختفي السحر في ساعة معينة؟ زفرت بسخرية ليلتفت لها الشاب ويقول
- انا ورد، المسؤول عن الخدم ورعاية الضيوف، اعتبريني مساعدكِ أنستي بكل ما تحتاجين، سأكون بالقرب دائماً
- شكراً لك سيد ورد، أعتقد بأني سأبحث عنك كثيراً اليوم..
أخفض بصره يبتسم بخفة بينما يتمتم لنفسه بخفوت: - لطالما كنتِ تفعلين ذلك -
ثم رفع صوته يقول بلطف - لا بأس، أنا معتاد ويسرني مساعدتكِ، أوه هل احضر خادمة تساعدكِ في التجهيز؟
رفعت حاجبها عند رؤية حماسه لتجهيزها فاستنكرت تقول:
- تجهيز؟ لا، لا داعي لذلك لأنني لن اذهب للحفل
- لكن أنستي... إنه احتفال خاص بعيد ميلاد الدوق
نظرت الى الثوب الجذاب وجلست على طرف السرير في حيرة وضياع، لا تدري ما يجري حولها كما لو انها في حلم غريب
- لا أشعر بأني جاهزة للخروج من الغرفة
- حاولي ان تعطي للأمر فرصة..
رفعت نظرها إليه حيث كان يبتسم لها، يواسيها وينصحها دون ان يعلم بما يدور في ذهنها من تخبطات، بعد صمت لعدة ثواني أومأت برأسها بخفة بينما بينما تردف " سأحاول.. "
- حسناً، سأكون بالجوار إن احتجتني
قدم التحية باحترام وانسحب من الغرفة، تاركاً اثر لطيف خلفه، هناك شعور غريب يتسلل إليعا حول المكان وسكانه! بعد دقائق نهضت اخيراً وارتدت ثوبها ثم وقفت امام المرآة ترتب شعرها الأسود المتموج فوق ثوبها، كما الليل يغازل النهار الذي تجسد بلون فستانها، الحفلة كانت قد شارفت على نهايتها، تقق جولي جانباً كالصنم مشوشة ، لا تعرف أحداً، تشعر انها غريبة عن أجوائهم، فقط تشبك أصابعها ببعضم بينما تنقل بصرها لجميع الحضور من شخص لآخر، سرق نظرها النادل لتفك أصابعها عن بعضهم وتلتقط منه كأس من المشروبات التي يحملها وشكرته، قامت بتحريك محتوى الكأس بشكل دائري وهي تركز على معزوفة الفرقة بإنسجام، كادت ان تقرب الكأس من شفتيها لترتشف منه إلا أن يد ما سارعت باختطاف الكأس منها بشكل مفاجئ! انه ذات الشخص
تجرع المشروب دفعة واحدة تحت صدمتها، ثم أغلق عينيه بشدة من تأثيره وأردف بلا مبالاة مبرراً
- لا ينقصنا أنسة ثملة..
- هذا تصرف غير مهذب!
كات تشعر بغيظ شديد! ابتسم بجانبية على إنزعاجها الطريف ثم أخذ كأس عصير من نادل كان يمر من جانبهم
قدمه لها قائلاً " العصير هو ما تحتاجينه."
زفرت بضجر وابتعدت عنه تتجاهله بينما تشتمه في سرها كم أنه مزعج!
تريد ان تنفرد بنفسها بينما هو لم يبعد عينيه عنها، وكلما التقى بصرهم يزيح نظره بعيداً ويحادث بعض الضيوف
تقدم منها شاب راقي ووسيم يبدو انه أحد النبلاء، حدقتيه زمرد! وشعره اشقر مجعد لكنه يعطيه مظهراً لطيفاً، طلب يدها للرقص بينما يغازل أن الشمس خاصته التقت بسماءها أخيراً! لاحظت نظره ينزاح عن عينيها وينظر لشيء ما خلفها جعله يبدل ملامحه ثم يبتلع كلامه، يتمنى لها ليلة سعيدة ويغادر بهدوء مثير للريبة، عقدت حاجبيها باستغراب والتفتت خلفها تود ان تعرف ماذا رأى حتى انقلب هكذا؟ ومن غيره يتكئ على باب الشرفة يرتشف من مشروبه بينما يراقب الأجواء بنظرات حادة قادرة على شطر أي أحد تقف عنده، هل أرعبه؟
انتهت الحفلة بعد تقدم بعض النساء نحوها وملئ رأسها بأحاديث تعارف وثرثرة لا تنتهي، تشك بأن احد ما دفعهم نحوها، مشت بتهالك ناحية غرفتها ورمت نفسها على السرير بتعب، غفت بثوبها كما هي، تنام على جانبها وتشعر بعناق دافئ من خلفها يشعرها بالراحة والأحتواء مع همسات غريبة
- لا بأس لدي إن لم تتذكرينني، فقط لا ترحلي!
تقلبت اثناء نومها إلى الجهة الأخرى لتشعر بأنفاس تلفح وجهها، فتحت عينيها لكنها لم تجد شيئاً! هل ثملت دون ان تشرب؟
تجاهلت الأمر كما لو أنه هلوسات واستمرت بالنوم، رغم ان هذا يتكرر في ثلاث ليالي أخرى
لم ترى ذلك الشخص لثلاثة ايام، لم تقابله ولو صدفة، حتى عندما حاولت الذهاب لمقابلته في مكتبه للإستفسار عن مدى بقاءها هنا، والى متى سيبقى والدها غائب على حسب قوله، خرج الحارس من باب المكتب يحمل جواباً بأن الدوق يرفض مقابلة اي احد، بعذر انه مشغول جداً
قلبت عينيها بضجر وإحباط تنظر حولها وتفكر في طريقة ما لمقابلته، ثم فجأة لمعت فكرة في رأسها، التفتت وكأنها على وشك الرحيل ثم وضعت يدها على فمها تتظاهر بالسعال وضيق التنفس بينما تستند بيدها على الجدار مما جعل ملامح الحارس تتوتر
- انستي، هل انتِ بخير؟
- اسفة لكن.. انا نسيت دوائي في غرفتي
- تسعل مجدداً بأنفاس ثقيلة - هل يمكنك... إحضاره لي.. من فضلك؟
- نعم، نعم.. فقط تنفسي جيداً.. تماسكي أنستي، سأعود سريعاً!
ترك مكانه وهرع بخطواته مرتبكاً من ان يحصل لها شيء ويتسبب بحمل اللوم من طرف سيده، راقبته وهو يختفي من الردهة ولم يعد هناك اي حرس على الباب، استقامت في وقوفها تنهي التمثيلية وفتحت الباب تقتحم مكتبه وتغلق الباب خلفها سريعاً
- كم مرة يجب ان اقول بأن لا تقاطعني؟!
رفع نظره عن الاوراق التي بين يديه وتلقى صدمة عندما ادرك بأن الدخيل لم يكن حارسه الشخصي، اخفى تعبير الصدمة سريعاً وقطب جبينه بملامح باردة
- انتِ..؟
- اعتقد بأن مقابلة الملك كانت ستكون اسهل..
- كيف دخلتي؟
رفعت اكتافها بلا مبالاة وهي تجيب ببساطة: - حيلة صغيرة
نظر لها طويلاً يحاول إخفاء ابتسامته والحفاظ تعبيره الصلب والرواقي
تنهد يسقط الاوراق من بين يديه ويرجع ظهره على الكرسي الفاخر بينما يدلك بين حاجبيه بصداع
- اسمعي ايتها الانسة الصغيرة، ليس لدي الوقت الكافي لمجالستكِ
- وانا لا املك الصبر الكافي لمعرفة الإجابات
تحمحم ينظف حلقه وكأنه يود التهرب من الجو المشحون بالتوتر، نبس سريعاً:
- في وقت لاحق
- اريد ان اعرف اين ابي!
- قلت سنتحدث لاحقاً، ايها الحارس!
عندما رأى إصرارها العنيد دحرج عينيه وحاول مناداة الحارس في الخارج لكنها سارعت وأقفلت الباب واسندت ظهرها عليه بجرأة اذهلته
- لن اخرج حتى تخبرني
رفع حاجبه على تصرفاتها ثم هز رأسه بقلة حيلة وهو ينهض عن كرسيه ويخطو نحوها، اسند ذراعه على الباب بجانب رأسها واخفض رأسه الى حيث مستوى نظرها، حضوره طاغياً ورائحة عطره تحتل حواسها بهذا القرب، الصقت ظهرها على الباب بأعصاب مشدودة وارتباك، يكاد حجمها ينكمش
- مـ.. ماذا..
- انتِ شقية حقاً
- انا..
- ششش..
اسكتها بوضع اصبعه على شفتيها مما جعلها تجفل وترى النظرة العميقة في عينيه، قفزت نبضات قلبها سريعاً ولوهلة نسيت قدرتها على التنفس من شدة الارتباك والتوتر، دفعت يده بعيداً وهي تضع كف يدها حاجز امام وجهها الذي بدأ يتورد بأنفاس متوترة
- لا تعبث معي!
- هل ستتحملين توابع إقفالك الغرفة علينا؟
- مهلاً!
اغمضت عيونها بقوة عندما ادركت بأنه يقترب اكثر والحرارة تشتعل في وجهها، ثوانٍ وسمعت صوت قفل الباب يُفتح، فتحت عيونها بتردد وإرتباك تنظر له كيف فتح قفل الباب ويشير برأسه لها على ان تخرج
- هل ستخرجين ام تفضلين البقاء معي؟
لم تفكر ثانية واحدة، دفعته عن طريقها وهربت للخارج هرولة، صادفها الحارس الذي يفترض ان يبحث عن دوائها وقد عاد في هذه اللحظة
- أنستي، هل انتِ بخـ..
- انا بخير.. بخير..
ردت سريعاً وهي تتخطاه حتى اختفت عند اول منعطف تأخذ استراحة وتلتقط أنفاسها من الفوضى التي شعرت بها
لوحت بيدها للتهوية وهي تشعر بالحر من شدة التوتر
- اللعنة.. ذلك المنحرف.. النذل.. المخادع.. كم أرغب بلكمه
انهت كلامها بحنق وإحباط، لكن ما زالت تشعر بنشاط قلبها المضطرب: وما خطب هذا الغبي ايضاً؟
اغمضت عينيها تتنفس وتعيد ترتيب سيطرتها من جديد
في اليوم التالي وقفت بملل تتأمل الحديقة من نافذة الممر حيث الزهور تمتد على طول النافذة، يمر ورد عليها ذهاباً وإياباً إلى ان تفرغ للجلوس معها وقد لاحظ كونها لا تتحرك من بقعتها طيلة الفترة، تساءل عما تفكر او ما خطب مزاجها لهذا اليوم! وقف قربها بصمت ليجدها تسأله بعد دقائق دون النظر إليه
- ما اسمه؟
- من؟
- ذاك، صاحب المكان؟
لاحظ بأنها تبدو معكرة المزاج بسببه، ابتسم بخفة وأجابها بينما يجمع كفيه خلف ظهره ويقف بإستقامة يشاهد الخارج معها
- انه الدوق قيصر، من أقوى فرسان المملكة لا يوجد بالغ او رضيع لا يعرفه، لقد شيدوا له تمثالاً تكريماً لأعماله وشجاعته..
- تمثالاً لكونه الأكثر وقاحة في المملكة
- عذراً ؟
- لا شيء
- يبدو ان أنستي تشعر بالضجر، ما الأمر؟
- أريد الرحيل، متى سيأتي أبي لأخذي؟
- إن تفاصيل هذه الأمور لدى الدوق
- هل يمكنني المغادرة واللحاق بأبي إلى حيث مكانه؟
- لا يمكن لأحد الرحيل دون إذن من الدوق، ستحتاجين لمحادثته..
استنكرت سريعاً بغيظ وإجابة قاطعة محبطة
- لا أحب محادثته
لاحظ ورد اسلوبها وادرك السبب لمزاجها المتعكر، حاول إخفاء ابتسامته الناعمة ليسأل بلطف
- لما؟ هل أزعجكِ بشيء ما ؟
ابتلعت بتوتر تدحرج نظرها بعيداً وتجيب بإختصار
- اسلوبه في الكلام يثير اعصابي
- هكذا هو الدوق، شخصية صعبة وذو أسلوب جاف لكن الجميع يحبه..
- حقاً؟ من سيحبه..
انهت جملتها الحائرة والمشبعة بالغيظ وهي تسند خدها على كفها تراقب المشهد الطبيعي في الخارج، تحرك نظرها نحو الإسطبل وساحة الخيول حين لمحت حصان أسود قد خطف انتباهها، كان جذاب للعين وقوي بطوله وحجمه المختلف عن البقية، يسايره الفتى من لجامه بحذر وهو يتمشى مرفوع الرأس، يبدو ذو شخصية صعبة...
لاحظ ورد مراقبتها للحصان بإهتمام، فكر بأن ربما هناك شيء سيغير مزاجها لذا ابتسم بلطف واقترح مستمتعاً
- ما رأيك بجولة في الإسطبل؟
- هذا سيكون رائع!
أثار حماستها للفكرة وقد اصطحبها إلى الساحة حيث كان الخيل الأسود يمارس تدريباته بينما هي تشاهد من خلف السياج، فجأة تغيرت تصرفات الحصان عندما انتبه إلى وجودها، تجاهل تعليمات مدربه واقترب نحوها مما أربك الجميع، فجأة اخذ يشم رائحتها ويدس انفه في شعرها وسط دهشة المدرب والعاملين من تصرف الحصان العنيد بشكل وديع معها، بينما ورد اكتفى بإبتسامة غامضة، ضحكت جولي وهي تمسد على عنق الحصان
- انت جميل ورائع، هل تعلم ذلك؟ " لاطفته بملستها، اقترب المدرب يقول:
- انه لا يرحب بأي احد، لكن يبدو انه أحبكِ كما لو كان معتاداً عليكيِ، هل ترغبين بتجربة امتطائه قليلاً؟
- أود ذلك!
سمح لها المدرب بالدخول إلى الساحة، نظرت الى ورد وكان يشجعها بإماءة بسيطة، قام المدرب بمساعدتها للصعود على ظهر الحصان لأنه كان كبير الحجم بالنسبة لها، ثم زودها بالإرشادات والمعلومات، تحرك الحصان يمشي بينما المدرب يجاريها جانباً وهو يقول
" استرخي، قد يشعر الخيل بتوترك.. "
اومأت برأسها واخذت نفس عميق بينما ترخي قبضتيها على اللجام، وكانت التجربة رائعة بالنسبة لها، تبتسم وهي تترك القيادة للحصان، لكن بعد بعض الوقت وبشكل مفاجئ خرج الأمر عن السيطرة وأسرع الحصان في حركته
توترت جولي وحاولت سحب اللجام قليلاً حتى تجعله يبطئ او يتوقف، لكن استجابته انه رفع اطرافه الأمامية عن الأرض يطلق صهيلاً مما جعلها تتشبث بعنقه بخوف وتترك اللجام بصرخة
- هيه! هيه اهدئ، لا بأس.. لا بأس
يحاول المدرب السيطرة عليه لكن لم يستجب بل سارع في ركضه وانطلق يقفز من فوق سور الساحة يتخطى الحدود بينما جولي تتشبث بعنقه بشدة وأنفاس سريعة، لا تعرف اين وجهته!
تغمض عيونها بقوة وهي تدفن وجهها في عنق الحصان وشعره المتموج في الهواء، كان يتجه لممرات غريبة بعد الحديقة الخلفية للقصر، حيث يعلم تماماً اين صاحبه
كان قيصر يجلس على ضفة البحيرة عندما سمع وقع حوافر الخيل، فاستقام يستقبل حصانه بتعجب
- ماكسميس!
توقف الحصان عنده وهو يضع رأسه تحت كف يد القيصر ويطلق صوت حمحمة حنونة:- ايها الشقي، كيف جئت الى هنا؟
فتحت عيوني عندما شعرت بتوقف الحصان وانا اسمع صوتاً مألوفاً، ما تزال اعصابي متصلبة ويداي مرتعشة وانا متمسكة بعنق الحصان
- اوه، من لدينا هنا؟
- قيصر...
لفظت اسمه لأول مرة مما جعل ملامحه تصبح اكثر نعومة عن صلابته المعتادة، كانت عيونها مشتتة من الدوار وهي تلهث بإرتعاش عاجزة عن إفلات الحصان
- لا بأس.. استرخي.. انتِ بخير.. كل شيء بخير..
امسك يدها بلطف ينزع تشابكها مع الحصان ويراعي اعصابها المشدودة والمرتعشة، أحاط خصرها وحملها لينزلها على الارض
- لم اتوقع بأن لدى احد الشجاعة ليمتطي حصاني..
- حصانك؟ لا عجب بأنه مخادع ومتقلب مثلك
افْتَرَّ ثَغْرُه من ابتسامة خفيفة وزفر بسخرية على تعليقها وقدرتها على الرد حتى وهي بهذه الحالة
- يا فتاة، انتِ بالكاد تلتقطين انفاسكِ..
ربط لجام الحصان في الشجرة ثم امسك بكتفيها يسندها عندما كانت تترنح، اخذها نحو ضفة البحيرة حيث كان يجلس، أجلسها برفق وغمر اقدامها بماء البحيرة بينما يجلس على ركبة واحد امامها ويحرك أصابعه على مشط قدمها بتدليك ماهر
اردفت بتوتر وإحراج بينما تحاول سحب قدمها: - مهلاً! ليس عليك..
اوقفها يرد عليها بهدوء: استرخي، هذا سيساعد اعصابكِ على الاسترخاء
ابتلعت بتوتر وهي تنظر له بإرتباك تتأمله طويلاً والنسيم المنعش يداعب شعره المبعثر والكثيف
شعور ماء البحيرة على قدميها وكامل هذه اللحظة يمنحها شعوراً غريباً لم تألفه، عاد قلبها ينبض بإضطراب
- هل ستخبرني الان.. بما يحدث؟
رفع نظره إليها ثم تنهد وهز رأسه بإستسلام، أخرج يديه من الماء ينفضهم ثم جلس بجانبها يسند مرفقه على ركبته
بعد صمت قصير يرتب الكلمات في ذهنه، قال بهدوء دون ان يلتقي بعينيها:
- والدك في مهمة خطرة وسط البحار، لا يريد تعريضك للخطر لذا ترككِ في أمانتي، هل فهمتِ الان؟
- ماذا تعني بالخطر؟
- أعني قد يستهدفك الأعداء من أجل إضعافه، لذا انا مكلف بحمايتك.. ورعايتك بكل ما تحتاجينه
كان قلقها واضحاً من رعشة صوتها، فأخذ يحاول طمأنتها بكلامه مختصراً دون ان يدخلها في التفاصيل
يريد فقط ان يؤكد لها فكرة- انها بحمايته- بينما ذهنها مشغول بوالدها فتطرقت الى سؤال مترددة
- هل تلقيت برقية منه؟
- حتى الآن، لا..
- ماذا عن إمكانية ان نبعث له رسالة؟
نظر إليها اخيراً يواجه عينيها المتخوفة والقلق يأكلها، أجاب مستسلماً وتلين ملامحه الباردة، تعاطف معها مجيباً
- انه صعب بعض الشيء، لكن لا بأس.. سنرسل له معاً
أومأت برأسها موافقة ثم ازاحت عينيها بعيداً تفكر والهواجس تفترس رأسها، سمعت حركته ولاحظت انه ينهض فجأة وينفض ملابسه
مد يده نحوها يعرض عليها المساعدة للنهوض، نظرت الى عرضه طويلاً مشوشة ومتعجبة من لمح بعض التغير معها، وضعت يدها في يده فأمسكها بإحكام وكأنها ستطير في الهواء بأية لحظة!
دحرج نظره ناحية حصانه الذي يقف قريباً ولجامه مربوط بجذع الشجرة
تنهد بخفة مبتسماً ثم أعاد نظره إليها بنبرة هادئة يحاول جعلها رواقية لكنه يفشل
- يبدو ان ماكسميس محرج من سلوكه معكِ، هل تسمحين له بتصليح موقفه معكِ؟
نقلت نظرها بينه وبين حصانه، لا تدري إن كان يقصد حصانه أم يشير إلى نفسه خلف الكلمات
كان متردداً ويحاول الحفاظ على واجهة جامدة لكن بدأ يتكشف بوضوح كم انها تلين لحظة بعد الاخرى، ابتسمت تجيب
- حسناً، سنرى نهجه في إصلاح المواقف..
- جيد.. تعالي..
أخذ يدها يقود الخطوات إلى حيث حصانه، ما إن اقتربت منه حتى عاد يتودد ناحيتها بتحريك رأسه قربها يحمحم بمتعة وحنين
عض ملابسها بأسنانه وسحبها كدعوة للركوب بينما هي متوترة ومتعجبة
- مـ.. ماذا يفعل؟
-انها دعوة ودية للخروج بنزهة معكِ..
امسك خصرها ورفعها فوق ظهر الحصان مما جعلها ترتبك وتبقى متمسكة بملابسه لاسيما ان الحصان حرك اقدامه قليلاً كتمهيد
بَسَمَ القيصر بضحكة خفية لا صوت لها واردف
- لا بأس، استرخي..
- ماذا لو ركض مجدداً؟
- لن يفعل، فصاحبه هنا بالفعل..
كان فخوراً وابتسامته مسلية بينما هي أومأت برأسها وأفلتت اصابعها ملابسه متوقفة عن التشبث وهذا اتأح له ان يقفز على الحصان برشاقة خلفها، ذراعيه على جانبيها يمسك اللجان فتحرك الحصان بهدوء وخطوات ناعمة ورغم ذلك، ما زال كف يدها يستقر على ذراعه وهي تراقب كيف يمتثل الحصان لقيادة صاحبه، ثم بعد قليل استرخت وتنهدت معترفة
- انه جيد..
- نعم، لطالما كان كذلك..
- لكن، لماذا فعل ذلك؟.. اعني في وقت سابق..
- يبدو انه كان متحمس لخطفكِ..
نفخ الحصان الهواء من بين اسنانه كما لو انه يتذمر وغير راضي عن كلام صاحبه
فرفعت حاجبي بريبة مما جعل القيصر يصدر ضحكة مكتومة
- كما لو انه يفهم ما تقول
- انه يفهم الكثير من الأمور..
قال جملته بشكل غامض وكأنه يقصد شيء ما لا تعرفه، نظرة عينيه كانت عميقة فسكتت تجهل الجو حولها مجدداً
لم تعلم ان الحصان كان متحمس لجمعهما معاً، هما الاثنان.. كما كانوا
اثناء تجوالهم في المناطق الريفية، تستمتع العين وترتاح النفس مع المناظر الطبيعية الخلابة، الشمس تغرب وينرسم ظليهما معاً خلفهم متحدين..
عندما وصلوا قرب الشلالات، كان ضجيج الماء المسكب والمتصادم مع سطح البحيرة يثير ضحكة وتشتيت انتباه
بالإضافة للجمال الذي يخطف العقل ويدعو للشرود..
ظهر امامهم فجأة من العدم فريق من الملثمين جعل الحصان يطلق صهيلاً عنيفاً ويرفع قامته الأمامية، أحاط القيصر خصرها سريعاً يثبتها عليه أثناء ميلها مع حركة الحصان، اغمضت عينيها بقوة ومر كل شيء سريعاً، كل ما تسمعه هو الانفاس الثقيلة للقيصر فوق رأسها، بالإضافة لعدو الحصان بسرعة البرق حيث يجعل حواسها تضيع من ضجة ارتطام حوافره بالأرض، وسط كل هذا هناك همسات متناثرة على مسمعها بشكل مبهم وباهت
لا بأس
انتِ بأمان..
اخبرتكِ انك في حمايتي
لن أخسركِ مجدداً
نبض قلب قوي اخترق سمعها وأعاد تركيزها، فتحت عيونها وهي تشعر برطوبة دافئة على خدها، رفعت رأسها عن قميصه الابيض وادركت انه ملطخ بالدماء، اتسعت عيونها بخوف على إصابته اثناء حمايته لها، لمحت على محياه ابتسامة شخص وجد السلام والطمأنينة بينما ينظر لها
في القصر، وقفت خارج الغرفة تستند على الجدار وهي تقضم اظافرها بخوف وتوتر بينما عيونها تتنقل في الارجاء
كبير الخدم " ورد " بجانبها يعتصر المنديل في قبضته ومع ذلك يحاول طمأنتها
- انه قوي، نجا من إصابات اسوأ..
اغمضت عيونها تصلي بصمت من اجله في حالة ارتباك، لقد كانت تغتاظ منه
ثم فجأة شعور من السلام مر بينهما ثم انقلب الى كارثة، قلبها يحترق بالإنتظار
وأخيراً خرج الطبيب من الغرفة وعلى وجهه علامات ارتياح وقال انه اخرج الرصاصة من كتفه وعالج جرحه، زفروا جميعاً بوقت واحد يتخلصون من ثقل القلق، ارتخت اكتاف جولي ولانت ملامحها وهي ترى جميع الشخصيات تحت قياده يدخلون إليه ويطمئنون على صحته، سمعت صوته المحبوح وهو يتحدث معهم فاسترقت النظر من طرف الباب تراقبه، لكنه لاحظها سريعاً وعلق بصره بعينيه حتى توارت بإرتباك خلف الباب، تتراجع عن هذه التصرفات ثم وجدت الرجال يغادرون الواحد تلو الاخر خلف بعضهم ويمرون بجانبها
كادت لن ترحل هي الاخرى لكن هناك يد أطبقت على معصمها توقفها
التفتت سريعاً بإرتباك لتجد قيصر يقف امامها والضماد ملتف حول كتفه ومخفية تحت عبائته ذات الفرو
رمشت وهي تشعر بأن الرطوبة تلمع في عينيها، نقل يده الى خدها الملطخ بدماءه الجافة على بشرتها الناعمة
يحاول مسح اثار الموقف، ساعده على ذلك الدمعة التي سقطت سهواً على خدها
كادت ان تسأل إن كان الهجوم بسبب اعداء والدها، كما لو انه يقرأ افكارها فما إن فتحت فاهها تتلفظ الحروف حتى قاطعها
- لا تشغلي بالك، انا قيصر.. وهكذا هي حياتي..
- لكن..
- هل ادركتِ الآن اهمية بقاءكِ بجانبي؟
- أجل، ادركت..
ابتسم بخفة واختتم كلامه: إذاً، هل نرسل برقية معاً؟
ابتسمت حتى لانت نظرها بالعاطفة وتزاحمت الرموش المبتلة بزوايا عينيها
بعد ذلك اليوم اجتمع كلاهما في أمسية هادئة داخل مكتبه حيث يشرب الاعشاب بكأسه الذهبي ويسند مرفقه على الطاولة بينما خده يستريح على كف يده يراقبها وهي منكبة على الاوراق، تكتب الرسائل الى ابيها بينما رأسها يخيم على الورقة فلا يرى ما تكتبه، هو فقط يتأملها بشرود ووهج الشمعة ينير وجهها وملامحها الناعمة
- انتيهت
- هاه؟
رفع حاجبه يستيقظ من شروده على صوتها فنقلت نظرها من الاوراق إليه توضح
- اعتقد اني انهيت كتابة رسالتي
- حسناً، هل يمكنني إضافة جزئي الخاص في الرسالة؟
- لكنك على هذه الحال ستقرأ كلماتي!
- وماذا في ذلك؟
- انها شؤون عائلية
- الطير لا يحمل سوا برقية واحدة يا انسة ذات الاسرار العائلية، لذا يجب ان ندون معاً على الورقة نفسها..
عبست بشكل طفولي ثم أتاحت له الورقة امامه بينما تغطي جزئها الخاص بكف يدها حتى لا يراه
- تتصرفين كما لو انكِ تعترفين لأباكِ عن إيجادك لفتى احلامك
- هذا لا يخصك!
زفر بتهكم وهو يرى تورد وجنتيها العصبي رغم عنادها ثم امسك القلم يسقط بصرها على الورقة يجاريها وهو يقول
- إذاً ابعدي عينيكِ عن الشؤون العملية التي لا تخصكِ..
قلبت عينيها بملل وأدارت وجهها بعدل، هز رأسه وعلى ثغره ابتسامة تسلية ثم خطى قلمه جملة
" ابتنك صدعت رأسي، عد بأمان "
لف الورقة مما جعلها ترفع يدها عنها وقد لمحت عينيه بعض الاسطر العاطفية المحملة بالمشاعر، وضع ختمه الخاص ثم ربط الشريطة الحمراء، نهض بحذر بسبب اصابته واتجه نحو النافذة، فتحها لتهب الرياح تأرجح الستائر، صفارة واحدة وإذ بطائر واسع الجناحين يهبط على ساعده ويستعد ليعلق البرقية بمخالبه ويؤدي دوره كمرسال، ثم رفرف بجناحيه ليحلق عالياً في سماء الليل الحالك مع صلوات جولي ان يعود لها بجواب..
بعد عدة أيام عاد الدوق من المعركة وقد انهى تمشيط المنطاق المسؤول عنها وتأمينها من الاعداء وقد هزمهم شر هزيمة، وبهذه المناسبة أقام القصر احتفالاً بنصر سيدهم الدوق، كانت تقف على الشرفة وهي تراقبه بإهتمام بينما الحشد يستقبله، تشعر بتوتر في قلبها كلما أطالت النظر بغير وعي، لكن عندما تتشابك ابصارهم فتهرب العيون بتردد خجلاً من ان يتم فضح هذا الانجذاب الغريب
الموسيقى الموجودة في هذا المقطع
في حال لم تعمل- اضغط هنا-
أثناء تهربها دخلت الى قاعة الحفلة حيث كانت التجهيزات للجولات المتتالية من العرض على مرآى جميع الحضور بينما هي تتجول بثوبها الألماسي كجوهرة لامعة تضيء الحفل
الموسيقى كانت تخطف السمع وتشير الى بدء عرض موسيقي فاخر، هادئ ويجذب القلب متناسب مع الحيرة التامة التي تسكنه، كان الشاب والفتاة الجميلة مستعدان للرقص وهما يتمايلان معاً، الشاب يحركها بينما هي تغني بصوت عذب
العازفين في الخلفية مخفيين عن الاضواء بينما التركيز التام على الثنائي الراقص، فجأة اصاب الفتاة بعض التوعك المحرج فيها جعلها تتوارى عن المسرح بينما تضع يدها على معدتها المتهيجة، يبدو انها شربت بعض النبيذ الذي لا يناسب حالة معدتها الصحية
الشاب كان مرتبك ويتلفت حوله حيث اصبح واقفاً بمفرده امام الملأ، فما كان منه إلا ان يتماشى مع الموقف تجنباً للإحراج كما لو ان ما حدث كان من مضمن العرض، تمايل يلتف برقصته حتى وصل الى جولي بشكل عشوائي وسحبها معه على المنصة مما احدث شهقات ذهول وإعجاب بينما جولي كانت مصدومة كلياً وعيونها متسعة
همس لها:- جاريني من فضلك.. لأجل الدوق
ابتلعت بتوتر ثم أومأت برأسها على الرغم من خجلها ان تكون جميع العيون تحدق بها لكنها حاولت ان لا تنظر حولها فقد تورطت في الأمر بالفعل ولا انسحاب
بينما كان الشاب يمسكها ويتماشيان مع المعزوفة برقصة ناعمة، تعالت الموسيقى حيث حان وقت مقطوعة الغناء، فصدح صوتها العذب تلفظ الكلمات
- يُسمعني.. حـينَ يراقصُني
كلماتٍ ليست كالكلمات
أدارها الشاب بحركة محترفة حيث اخذت تلتف حول نفسها وهي تردد المقطوعة، لكن فجأة التقطتها اذرع اخرى، حيث صعد المنصة يأخذها من ذراعها متمماً الرقصة، اعتلت الدهشة عينيها المتلألئتين وهي تنظر في عيون قيصر، فأكملت غناءها
يأخذني من تحـتِ ذراعي
يزرعني في إحدى الغيمات
يُسمعني.. حـينَ يراقصُني
كلماتٍ ليست كالكلمات
يأخذني من تحـتِ ذراعي
يزرعني في إحدى الغيمات
مع اخر كلمة أمالت جذعها للخلف بينما ينحني نحوها بثبات وذراعه تحيط خصرها كداعم، ويدها على عنقه، ثم سحبها لتدور حوله، ألتفت حول نفسها
والمطـرُ الأسـودُ في عيني
يتساقـطُ زخاتٍ.. زخات
والمطـرُ الأسـودُ في عيني
يتساقـطُ زخاتٍ.. زخات
التقطها مجدداً يجذبها ويرفعها من خصرها في الهواء وهو يدور بينما تكمل مقطع الاغنية
يحملـني معـهُ.. يحملـني
لمسـاءٍ ورديِ الشُـرفـات
لمسـاءٍ ورديِ الشُـرفـات
أنزلها ببطء وخفة لتلامس اقدامها الارض لكن ما زالت يده على خصرها
والاخرى تحمل كفها يرقصان مع الموسيقى التي تعالت وتنسج خطواتهما المتحدة معاً وثوبها يتأرجح مع حركاتهما
وأنا.. كالطفلـةِ في يـدهِ
كالريشةِ تحملها النسمـات
نظرت في عينيه، ورموشه الكثيفة تجعل نظراته ناعسة والمشاعر مستورة بين اهدابه غموضاً
يحمـلُ لي سبعـةَ أقمـارٍ
بيديـهِ وحُزمـةَ أغنيـات
يهديني شمسـاً.. يهـديني
صيفاً.. وقطيـعَ سنونوَّات
يخـبرني.. أني تحفتـهُ
وأساوي آلافَ النجمات
و بأنـي كنـزٌ... وبأني
أجملُ ما شاهدَ من لوحات
يروي أشيـاءَ تدوخـني
تنسيني المرقصَ والخطوات
كلماتٍ تقلـبُ تاريخي
تجعلني امرأةً في لحظـات
لانت دفاعاته وتقاربت اجسادهم يسند جبينه على جبينها، يتضح صوت انفاسه الهادئة والدافئة على وجهها مع تخافت الانغام
كما لو ان كل المشاعر جاءها ركود واستقرار، بالتالي اغمضت عينيها تغني بصوت خافت
يبني لي قصـراً من وهـمٍ
لا أسكنُ فيهِ سوى لحظات
وأعودُ.. أعودُ لطـاولـتي
لا شيءَ معي.. إلا كلمات
مال نحو اذنها يهمس بصوت أجش، بنفس واحد " احبكِ، جولييت "
انتهت الموسيقى وتوقفت الاجساد، صوت التصفيق يأتي بشكل خافت من الخلفية وينتهي تدريجياً، يزول الدفئ ببطء وتكتسيها رعشة برد!
فتحت عينيها لتبصر ما تراه تحت الماء، هي في زي غواصة، لا فستان ألماسي، لا جمهور، ولا رقصة، لكن شريكها معها، الآن.. على هيئة تمثال في أعماق البحار
خرجت الفقاعات منها بكثرة وقد اشتدت تنفسها بصدمة وعدم استيعاب لما يجري حولها، كان هناك بريق سحري خافت حولهما يتلاشى شيئاً فشيئاً، وضعت يديها المرتعشة على الوجه الحجري تتأمل ملامح القيصر، الدموع تنسكب من عينيها بعدم تصديق، كان اسمه منحوت بالفعل
" الدوق قيصر مارشيل كويل "
تحت الاسم كان هناك عبارة وكأنها احد الأقتباسات وأقول تراثية تعود للشخصية
" روحي أبت ان تغادر على أمل لمستكِ يا جولييت "
احتضنته وهي تشهق ببكاء وإنهيار، ترتعش من المرارة، الوحدة تزيد هلعها أكثر مما كانت عليه في السابق، حزنها يطفو على السطح اخيراً بعد ان حملته معها سنين طويلة، اثناء احتضانه وهي تنظر خلف وقع بصرها على بقية الاغراض الاثرية القديمة، كل ما رأته كان حقيقياً وحياً وقد عاشته، لاسيما لوحة مرسومة له وهو يمتطي خيله ' ماكسميس'
كما لو ان روح القيصر أخذتها الى بقايا الذكريات العالقة في أثره، همسات الليل والاحتضان اليائس بها اثناء نومها كان حقيقياً
كان يرجوا منها ألا تختفي.. ألا تستيقظ من المجال الزمني الذي يخترق الواقع
- لا بأس إن لم تتذكريني، فقط لا ترحلي
تجنبه، تهربه، الغموض وعدم قوله للحقيقة كان خشية من ان تنفقع فقاعة الأحلام إن ادركتها
مغادرة والدها وتركها ضيفة لديه كانت محض كذبة بيضاء اختلقها قيصر حتى يطول أمد بقائهما معاً لوقت أطول...
لم يكن يريدها ان تدرك انه ليس موجوداً في واقعها، أراد ان يشتم ويحتفظ برائحتها مع بقايا روحه لأطول فترة ممكن
بعد ان اخرج الغواصين جسد جولي المنهار، قام الفريق قي البحث عن معلومات لأي عصر تعود هذه الآثار، ولمن هذا التمثال
توصلوا انه في ايطاليا القديمة وفي العصور الوسطى تحديداً كان هناك دوق يدعى قيصر مارشيل كويل، كان يحكي الزمن عنه وعن بطولاته
جموده وبروده الذي اشتهر به، ذاب بعشقه، ليصبح متيم ويجعل حبه خالداً كأسطورة خيالية
وقصة تحكى في المجالس من القصص الشعبيه، قيصر وحبه لجولييت
- كان يناديني جولييت، اعترافه أيقظني مما كنت فيه
لم يستطع كبح رغبته في إظهار مشاعره، لم يستطع تجاهلها لوقت اطول، فاندثر مع همسات حبه كبريق سحري يحوم حولها
مشت بخطوات ثقيلة كالميت الذي يتم تحريكه عنوة، نظرتها فارغة ومشوشة، تسير ضائعة في الشوارع، هي ولدت هنا من دون القيصر
لهذا السبب كانت حياتها بائسة وتنتظر شيء ما.. وتنتظر.. ما كان تنتظره هو وجوده .. في مجالها الزمني هذا
فجأة اصطدمت بشخص ما وهي تسير شاردة الذهن
كادت ان تسقط إلا ان ثبتها بإمساك عضدها بإحكام ولطف خشية ان تتأذى
رفعت رأسها إليه، التقت عينيها في عينيه الداكنة
-
التعديل الأخير بواسطة المشرف: