
مبدع كما اعتدناك
مارس 2025 - إيفا
يجعلنا الموت نتساوى في القبر وليس في الأبدية.
ما أصدق هذه الحكمة! وما أقساها!
─ أليس من المرعب أن يموت الإنسان دون تخليد اسمه في التاريخ؟
تأليف كتاب مثلاً، أكثر شيء يحضرني في كيفية الخلود، لم تمت شارلوت برونتي برأيي، لا يزال الناس يقرؤون رائعتها الخالدة: جين إير.
لم يمت نجيب محفوظ وهو الأديب المصري العالمي، أغنى الأدب العربي برواياته وأدبياته.
حين أفكر بالكُتاب الراحلين، وأتعمق بالتفكير، أضحك مني وأضحك على الناس الغافلين اللاهين: هم الذين على قيد الحياة ونحن الميتون؛ الذين لم نؤلف مؤلفات أدبية تخلد اسمنا.
العمر يفنى، الإنسان يموت انتهاء! السنوات تمضي. عقارب الساعة ماضية نحو المستقبل.
الإنسان الذي لا يكتب يعيش ويموت ويكون نسياً منسياً. مثل ورقة خريفية سقطت ويبست وأصبحت رماداً ثم فتات ثم عدم.
لكي يخلد الإنسان ذكراه بعد موته عليه أن ينشر كتاب علمي ينتفع الناس بعلمه بعد موته، أو كتاب أدبي يستمتع الناس بأدبه ويتثقفون. أو يكون الإنسان فناناً وتبقى صورته حاضرة في المسلسلات وهو غائب.
قد يراود الإنسان هذا الهاجس: لا أريد الموت قبل تسطير اسمي على كتاب. أليست غصة أن يموت كاتب لأن الموت اختطفه غير آبهاً بحلمه ولذة السعادة بعد انتهاءه من تأليف كتابه؛ كما حصل مع الكاتب الإنجليزي العملاق تشارلز ديكنز. روايته: لغز إدوين درود؛ تُركت غير مكتملة بسبب وفاته.
وهناك الكاتب الفرنسي (ألكسندر دوماس) مؤلف الرواية الرائعة الخالدة: الزنبقة السوداء. لقد غيبه الموت قبل إتمام رواية فارس سانت هيرمين؛ ليأتي الباحث كلود شوب بعد ذلك ويكمل الجزء الناقص من روايته بناء على ملاحظات الكاتب المتوفى.
رهبة الموت حاضرة وقد آلمني ما فعل الموت مع أفضل كاتبين بالنسبة لي، فما بالك بشعوري في اللحظة التي أفترض وأنا موقن من هذه الفكرة: ثمة أدباء خطفهم الموت قبل أن يكتبوا أولى الصفحات من أعمالهم الأدبية، قبل أن يعرفهم العالم.
أليس مرعباً أن يقرأ الإنسان، يكوّن نفسه، ويطور من حصيلته الثقافية والأدبية والفنية، وحين يجد الجد ويقول لنفسه آن الأوان لأن أغنم من عمري وشبابي الذي ذهب في تحصيل العلم، الأدب والثقافة؛ لكي أؤلف كتاب يخلد ذكرايَ. لكن الموت يداهمه بغتة ويذهب إلى العدم قبل أن يعرفه الناس، وقبل ترك بصمة في الدينا.
هذا في الأدب والعلم والثقافة، لكن ماذا عن الحياة؟
أليس مرعباً أن يموت الأب ولم ير طفله يكبر ويشب؟! أليس مرعباً أن تموت الأم ولم تر حصاد تربيتها السليمة القويمة لأبنائها؟!
الموت لا ينتظر! حقيقة مرعبة وتؤذن أن الإنسان في غفلة قد يموت قبل الانتهاء من مشروعه الأدبي، الفني أو الحياتي (مشروع تجاري، كتابة رسالة دكتوراة، زواج وتكوين أسرة... إلى آخره).
هذا يقودني لفكرة قد تكون ساذجة أو متطرفة في اليأس: ليتنا نعرف متى نموت، فمن كان عمره طويلا فليستغل كل لحظة، ثانية، دقيقة، يوماً، شهراً، عاماً، مرحلة وعمراً. وبناء نجاح عظيم.
ومن كان ممن قُدر له أن يكون عمره صغيراً ومكوثه قصيراً على الأرض واستغلال كل لحظة وثانية وعدم التقاعس والتكاسل وبناء نجاحات قبل الفناء.
سؤال: كيف يواجه الإنسان هاجس الموت فجأة وهو لديه طموحات يود تحقيقها قبل رحيله؟
شاركوني بآرائكم
.gif)
التعديل الأخير بواسطة المشرف: