رسائل كتبتْ لتُحرق (11 زائر)


Shine

Life
إنضم
28 يونيو 2020
رقم العضوية
11248
المشاركات
6,643
مستوى التفاعل
34,343
النقاط
1,547
أوسمتــي
13
توناتي
12,953
الجنس
أنثى
LV
3
 
اسم القصة | رسائل كتبتْ لتُحرق
التصنيف | عاطفية , تاريخية
الكاتب | Shine


ྀི♪⋆.✮

من رياعين العشق , و بساتين الغرام .. هناكَ اكتشفت كم أحببتُك , كم كان قلبي فائضًا بالمشاعر نحوك.

أميري , عشقتُ كلَّ ما فيك من تفاصيل , بل و استمتعت و أنا أكتشفُ شيئًا يرقُّ له قلبي كل يوم , كلَّ ليلة.

تلك لحظاتٌ لن أنساها ما حييت , فهي من صنعتني الآن و أوصلتني لما أنا عليه.

أميري الوسيم , فحميَّ الشعرِ عسليَّ العينين , سحرتني و سرقتَ قلبي.

للأمير الحنون , من أمسك بيدي و قبلها بلطف , من احتضنني بعينيهِ قبل ذراعيه و كتب في قلبي معاني الحب و الوفاء .

أقدّم لكَ جزيلَ شُكري , عظيمَ حبّي .. و شديد أسفِي.

-

من شدة الخوف , قد يلتجئ الإنسانُ لأن يحشر نفسهُ في زاوية من إحدى زوايا حياته . لشدةّ تعلقه بتلك الزاوية .. يقتنعُ بأنها المكانُ الأفضل له , و أنها الملجأ الحقيقيّ الذي بدونه قد يضيع و يفقد السيطرة على زمام أموره. حتى و بصدفةٍ ما .. تنهارُ معتقداتهُ الخاطئة تلك نتيجةَ تراكماتٍ كان يحبسها في داخله , انفجرت من دون سابق إنذار في وقتٍ كان يُظنُّ بأنه أقصى مراحل الاستقرار و الاتزان.

تلكَ التراكمات تتشكل بسببِ كلمة .. رغبة , و عاطفة لم يعرف صاحبها بأنه كان يتجاهلها ظانًّا بأنها تعكّر صفو حياته التي أيقنَ بأنها الحياة المثاليَّة له , و أن أي محاولةٍ للانحرافِ عن المنهجِ الذي أُخبرَ بأنه الأفضل ستضيّعهُ أبد الآبدين و تفقدهُ فرصةً لن تعود !

إن اكتشفَ الحقيقة في وقتٍ مناسب .. قد تنقلبُ الأفكارُ رأسًا على عقب , مما يدفعُ ضحيّة الخوف إلى مواجهةِ مخاوفه تلك و فهمِ مشاعرهِ التي كبتها مرارًا و تكرارًا . يحاورها فتخبرهُ بما فعله بنفسه , فيُكتبُ له أن ينقذُ نفسه و من حوله من فظائعِ نتائجِ السكوت عن مثل هذه المشكلة !

-

وقّع رودريك أسفلَ الورقةِ ثم تفقدها بعينيهِ للمرةِ الرابعة بكلِّ حرص , ساعيًا على ألا تضيعَ منه أي كلمةٍ أو حرف. أومأ برأسه بإيجابٍ على النتيجةِ المرضية , ثم وضعَ الورقةَ جانبًا مع مجموعةٍ أخرى من الأوراق التي انشغل فيها هذا الصباح.

طُرق بابُ مكتبهِ الفسيح , فأشارَ للطارقِ أن يدخل. فُتحَ الباب بروية , و خطَتْ قدمٌ صغيرةٌ أرضية المكتبْ تقتحمُ جموده . ابتسمَ رودريك باتساع لحظةَ رؤيته الوجهَ الضاحكَ لطفلتهِ الصغيرةِ سيسيليا ذاتُ الأربع سنواتْ . قامَ من مكانهِ يهرع نحوها ليستقبلها رافعًا إياها في الهواء حتى يستمعَ لقهقهاتها التي تسعدُ قلبه. احتضنها فعانقته بأذرعها القصيرة تركي رأسها على كتفه لتسردَ عليه ما فعلتهُ للتو بكلماتٍ شبهِ مفهومة .. سيسيليا ما زالتْ في مرحلة التعلم , لديها بعضُ المشاكل في النطق , و على الرغمِ من ذلك يستمتع رودريك بسماعِ جملها المبعثرة و المتشابكة ببعضها بلا سياق , فهي تذكرهُ وقتما بدأت تنطقُ الكلمات و تستخدمها للمرة الأولى.

طرقَ صوتُ كعبٍ خافتْ في المكان , و دخلتْ امرأةٌ جميلةُ الملامحِ رقيقةُ التعابير إلى المكان و على ثغرها ابتسامةٌ مطمئنة. سلّمت على رودريك فمدَّ يده لها ليسحبها للعناقِ الجماعيّ الذي أرادتهُ سيسيليا عندما رأت أمها تقتربُ منهما.

- صباحٌ سعيد يا رودريك.

قالتْ إيفانجلين و هي تضع يدها على صدره بلطف.

- صباحٌ سعيدٌ يا إيف , أعتذرُ عن ليلةِ أمس , اضطررتُ للنومِ في المكتبِ بسببِ العمل.

- لا بأس أنا أقدّر انشغالك يا عزيزي.

أجابتهُ بهدوءٍ و هي تلاطفُ سيسيليا تداعبُ خدها.

- هل تناولتَ فطُورك؟

أتبعتْ بنبرةٍ مهتمةٍ و هي تتناول سيسيليا من ذراعه لتنزلها للأرض. ضربتْ سيسيليا انتفاخَ فستانِ إيفانجلين و هي تهمهم بانزعاجِ لأنها أنزلتها للأرض , فربتتْ إيفانجلينْ على رأسها تحثها على أن تتوقف.

- ما زال من المبكرِ التوقف عن حملها إنها طفلة صغيرة.

قال رودريك بفتور , فتنهدتْ إيفانجلين بثقلْ . هي تعاني بسببِ سيسيليا التي تضعهم في مواقفَ محرجةٍ كثيرة بسبب رغبتها بأن تُحملَ و أن تبقى بين الأذرع مرفوعة. يعلمُ رودوريك بأن هذه مسألة حساسة و قد تسبب شجارًا لذا يفضّل عدم الخوضِ بهِ كثيرًا.

-

بعدَ أن تناولتْ العائلة الصغيرة فطورها المتأخر سويًا في قاعة الإفطار , و أثناءَ توجههم لصالةِ القصر , اقتحمَ أجواءهم السعيدة صوت كبيرِ الخدمِ الذي أعلنَ لرودريك عن استقبالهم للتو لطردٍ باسمه هو بالفعل يحملهُ بين ذراعيه. سألهُ رودريك عن اسم المرسل فهو ليسَ معتادًا على استقبال هذا النوعِ من الطرودِ المزينةِ بالورودِ. استغربَ و اقتربَ من الطردِ الذي وضعه كبيرُ الخدمِ على إحدى طاولاتِ الممر الفسيح . رفعَ رودريكْ البطاقة التي كتبَ عليها اسمُ المرسل الذي امتنعَ كبيرُ الخدم عن قوله. ليلمحَ رودريك اسمًا لم يُذكر في وجوده منذُ سنوات. "باتريشا ويفينكلن".

انقبضَ فكّه و هو يعقدُ حاجبيهِ في حيرة , تفقدَ الطردَ بعينيه . مغلّفًا بعناية و إتقان , و كأنه يحملُ شيئًا ثمينًا داخله .

- أليستْ هذه زهور الأقحوان؟

- التي يحبها بابا؟

سألت سيسيليا ببراءة و التي كانت فضوليّة لماهيّة الطرد . كوّن رودريكْ ابتسامةً بصعوبة و هو يجيبهن : إنّه طردٌ من أحدِ معارفي.

أشار لكبيرِ الخدمِ أن يأخذ الطردَ و يبعدهُ إلى مكتبهِ في هذه اللحظة.

بدا الاضطرابُ على رودريك و الذي لم يستطع أن يخفيهِ عن زوجتهِ إيفانجلين من لم تغفل عن تفاصيلهِ أبدًا قبلًا. لاحظَ رورديكْ تنبهها فابتسمَ لها مطمئنًا إياها بأنه لا شيءَ جاد , و سعى بقوّة لأن يذهبوا ليقيموا جلستهمُ الصباحيّة المعتادة.

-

ذبلتْ الزهور و تغيّر لونها , فقد مرَّ أسبوعٌ على استلامه للطرد و منذ ذلك اليوم لم يجرؤ على فتحه. وضعهُ على طاولةٍ صغيرةٍ بجانبِ مكتبهِ البلوطيِّ الكبير. حربٌ مستعرةٌ قامت بين رغبته الشديدةِ في معرفة ما فيه , و مخاوفهِ تجاه ما يحمله. يبحلقُ فيهِ كلما لمحته عيناه , فيُدخلُ نفسه في جلسةِ مفاوضاتٍ صعبةٍ داخل عقله محاولًا التوصل لنتيجة. في النهاية .. استأذن من زوجته البقاء في مكتبه الليلةَ بحجةِ عملٍ ما , و ذلك حتى يفتحَ طردَ الأسرارِ هذا الذي قدمَ من امرأةٍ له معها ماضٍ لا يعرفُ كيفَ يصفه.

فقد هربَ من مشاعرهِ تجاهَ ذكرياته معها صانعًا ذكرياتٍ جديدةٍ بعد فترةٍ طويلةٍ من الانعزال جرّاء الضعف الشديد الذي أصابه وقتما تفارقا. فعليًا .. وقتما تركته و قررتْ الانفصال, على الرغمِ من أنَّ زواجهما كان سيعقد في خريف ذلك العام بعد خطبةٍ دامتْ لأربعِ سنواتْ.

باتريشا ويفينكلنْ. امرأةٌ صغرتهُ بأربعِ سنواتْ, كانت في الخامسة عشر عندما خُطبَتْ لهْ. و أتُّفِقَ بين العائلتين أن يتزوجا عندَ بلوغها الثامنة عشر , إلا أن وفاةَ جدِّها الأكبر أدّى لتأجيل زواجهما سنةً بعدها.

باتريشا لرودريك , كانت جوهرةً عشقها بل ابتذل في عشقها. بدَت له تائهةً فأراد أن يقودها نحوَ طريقٍ أصفى لها و أكثر وضوحًا. كبرا سويًّا فعاش معها كثيرًا من اللحظاتِ التي لا تنسى .. ظنَّ بأنها أحبته بقدرِ ما أحبَّها .. و لكن ظهرَ لهُ العكس حينما أتتهُ في ليلةٍ ما , تخبرهُ بأنها تريدُ الانفصال عنه. سألها بل ناجاها لأن تخبره بسببِ هذا الطلب و لكنها امتنعتْ تمامًا عن الإجابة . حتى استسلم و سمحَ لها بالرَّحيل.

نبضَ قلبهُ بعنفٍ و هو يقطعُ غلافَ الطرد. حتى وصلَ أخيرا للصندوقْ الذي تعجبَّ من محتوياته. رسائل... رسائلُ كثيرة. جلسَ على كرسيِّ مكتبه و على وجهه أماراتُ الحيرة . رسائل؟ .. شعرَ بضيقٍ في صدرهِ و هو يقلّب بينَ الظروف. يلمحُ أرقامًا على ظهر كلِّ واحدة منها , ففهمَ أنها مرقمةٌ بترتيبٍ من الرقم واحد إلى آخر رسالة.

لم يفهم , ما كلُّ هذه الرسائل ؟ لمَ أرسلتها ؟ ماذا تحوي ؟ ... هو خائف. خائفٌ بشدَّة من معرفةِ ما قد يكونُ مكتوبًا. توقف يحدقُّ في الفراغ للحظاتْ. باتريشا امرأة كانت من أعزِّ الأشخاص على قلبه, لا يستطيع أن ينكرَ ذلك فحتى بعدما تركتهُ و ذهبتْ لم يستطع كرهها , لامها بشدة على تصرفها بالتأكيد . حاولَ معرفةِ و استنباط السبب لكن لم يسعهُ ذلك , فقد آمن سابقًا بأنها امرأةٌ لا يستطيعُ التنبؤ بأفكارها , فلمّا عجِزَ عن فهم السبب علِق في دوامةِ صراع نفسيٍّ في محاولةِ تطبيبِ الجرحِ الذي شقَّه فراقها في قلبه. عانى لشهورٍ لأن كل زاويةٍ في القصر له فيها ذكرًى مع باتريشا.

ابتلعَ ريقه و أخذَ نفسًا عميقًا ثم بحث عن الرسالةِ ذاتِ الرقمِ واحدْ . لمّا وجدها عدّل جلستهُ و ارتدى نظارَة قراءته , و بدأت عيناهُ تبصرُ الكلمات التي احتوتها الرسالة.

-


الخميس . الثامن عشر من يونيو , السنةُ الأربعمئة و الخمسين القمرية في التأريخ الإمبراطوري.


اقتربَ موعدُ مهرجانِ العاصمة يا رودريك. ذات الوقتْ الذي تتفتحُ فيهِ زهورُ الأقحوانِ التي تفضلها . كلمَا نظرتُ من نافذة العربة للطريق ألمحُ الأقحوان الأبيض في كلّ مكان, و كأنه يصر على أن يذكرني بك في كلِّ لحظة.

يؤلمني قلبي عندما أراها, و لكن ماذا عسايَ أفعل؟ فمن أنا لأعيدَ الزمن للوراء حتى أمنع نفسي عن الرحيل ؟ في الآن ذاته لا أستطيعُ إنكار أنني سأعودُ لاختيار نفس القرار إذا عشتُ تلك اللحظة مجددًا.

رودريك , هذه أول رسالةٍ أكتبها. قررتُ كتابتها لأخبركَ بما أنا مقدمةٌ على فعله , حتى أصل في النهايَة للوقتِ المناسب الذي أخبركَ فيه لماذا اتخذتُ هذا المسار.

لا أخفي عليكْ , الشهور التي تلت ذلك اليوم كانت صعبةً للغاية. مؤرقة , متعبة , احترق قلبي شوقًا و جفّتْ دموعي على ابتعادي عنك. تشاجرتُ كثيرًا مع نفسي , لكنني كنتُ في النهاية أخسر لنفسِ النتيجة. ما فعلته هو الأفضل .. ليس لي وحدي بل لكَ أيضًا.

رودريك قراري لم ينبع عن كره , و لا رغبةً في إيلامك قطعًا ! فأنا أتألم لألمك و أحزن لحزنك كما أفرح لفرحك . لكن بعد فهمي لحقيقة الواقع الذي كنّا نعيشه أدركتُ أن بقاءنا معًا سيكونُ فيهِ من الألمِ الكثير لكلينا.

أعترف بأنه هروبٌ أيضًا , فأنا علمتُ بأنني لن أقوى على تغيير أي شيء يدورُ بيننا. فأنتَ صعبُ المراس و عنيد .. و أنا لسوءِ حظّي أشدُّ عنادة و قصيرة الصبر. فكرتُ كثيرًا بما قد تكون النتائج .. لكنَّ الميزان رجح عشراتِ المرات للكفّة التي تشير بأنك ستحيا أسعدَ بعيدًا عني و أنا كذلك.

لا أقصدُ بالجملة أنني لم أسعد قطُّ معك ! بل كانت أشدُّ اللحظاتِ سرورًا هي التي أمضيتها برفقتك. على الرغم من ذلك يا رودريك فإن القدر أحيانًا يخفي عنّا حقائق الأمور حتى نفهما بعد حين.

-


الجمعة. الثالث و العشرين من أغسطس , السنةُ الأربعمئة و الخمسين القمرية في التأريخ الإمبراطوري.

مررتُ بالكثيرِ اليومَ يا رودريك. فقد شاجرتني أمي مجددًا على اتخاذي لقرار الانفصال. و بدأت بمحاضرتها المعتادة التي تذكر لي فيها محاسنكَ الكثيرة .. فتنزعج عندما أزيدُ أنا في ذكرِ محاسنك فتصيح بي "لمَ فسخت الخِطبة إذًا يا حمقاء!!" فأضحكُ حتى أمنع دموعي من الانهمار.

خرجتُ بعد الظهر مع ابنةِ عمّي . مشينا سويًّا بين أشجار حديقة القصر. و فجأة خطرت لي فكرة , من تلك الأفكار التي إن اخبرتكَ بها كنتَ ستنهرني عن تنفيذها. ضحكتُ عندما تخيلت ردّة فعلك جرّاء إعلاني عن أنِّي سأتسلق الشجرة. لأحد عشرَ عامًا و منذُ تلكَ المرة التي صعدت فيها الشجرةَ لحاقًا بأخي و تلقيت التوبيخ جرّاء ذلك لم أكرر هذه الفعلة قطْ. لم أتوانى أبدًا عن خلعِ حذائي و رفع فستاني لأبدأ بالتسلق على مرآى نظر ابنة عمي التي كادت تفقد عقلها.

و آه يا رودريك , آه كم كان مذهلًا الجلوسُ على جذعها و رؤية السماء من الأعلى و استنشاق الهواء الذي و بشكل غريب , كان أكثر إنعاشًا من الهواء الذي أتنفسهُ كل ثانية في الأسفل !

تمنَّيت أن تكون برفقتي و تجرِّب معي هذه التجربة. لكنني تذكرت بأنك لم تكن ستقبل قط بذلك. لم أكن أنزعج من حقيقة كونكَ تكره مثل هذه التصرفاتِ الصبيانية بما أنك عشتَ و ترعرتَ في بيئةٍ منضبطة. تفهمتُ كثيرًا وجهة نظرك مع أنني كنتُ أكبتُ رغباتِي هذه باستمرار.

أخذتُ وقتي و أنا جالسةٌ على جذعِ تلك الشجرة , أتذكرُ كلَّ الأفكار التي غالبًا ما راودتني و رغبتُ في تنفيذها فكان صوتُ أمي يأتي في الخلفية ناهرًا إياي و نظرة والدي التي تخبرني كم هو يشعر بالحرجِ مني .. و أخيرًا الخوف من أن تكرهني عندما أظهر مثل هذه التصرفات.

-


الاثنين. التاسع من إبريل , السنةُ الأربعمئة و الثانية و الخمسين القمرية في التأريخ الإمبراطوري.

اليومَ يا رودريك أمضيتُ اليوم بأكمله و أنا أفكرُ بشيءٍ كان يحاصرني و يؤرقني .

حبّي لكَ يا عزيزي , جعلني أتناسى نفسي. أتناسى حقيقتي .. و كياني. انغمستُ في تفاصيلك , في أفكارك و معتقداتك , آمنتُ بها بل تشبثتُ بها حتى أستطيع أن أفهمكَ أكثر لأحبك أكثر حتى تحبني أكثر. تابعتكَ يومًا بيوم , استغرقتُ الوقت في فهم هواياتك . ما تحب و ما تكره , اهتممتُ اهتمامًا شديدًا بأدق التفاصيل . لاحقتها و ركضتُ وراءها فسُرق الزمن الذي توجب عليَّ به أن أكوّن نفسي و أصنع لذاتي كيانًا خاصًّا بها بعيدًا عن التمحور حولك.

منعتُ عن نفسي كلَّ شيءٍ قد لا يرضيك , و كأنني كنتُ أسجنُ كلَّ محاولة للقيامِ بشيءٍ يتضادُّ مع ما تقبلهُ و ترضاه. حبستُ نفسي في ظلِّك خوفًا و رهبةً من فقدانك.

و كأنك لن تحبني إن استفردتُ بشخصيةٍ تتناقضُ مع شخصيتكْ. ظننتُ بأنك ستفقدُ اهتمامكَ بي إذا ما اختلفنا و تشاجرنا فكان كلُّ شجار يدورُ بيننا كالجحيم ! عواصفُ من اللوم و الاحتقار كنتُ أوجهها لنفسي ألومها لمَ أحزنتك ؟! لمَ آذيتك ؟! لمَ أغضبتك ؟! و كأن اختلافي اللحظي الذي أنشب الشجار بيننا كان عدوًّا وجبَ القضاءُ عليه. فحاصرتهُ و حبستهُ في زوايا شخصيتي حيثُ تتجمع الأتربة عند الكنس.

فلم أسمح لحقيقةِ مشاعري بالولوجِ و الطفو على سطح أفكاري. للأسف يا رودريك .. مع كل محاولاتي لقمعِ ذلك الجزء من شخصيتي لم أكن أستطيع تغييره , صحيحٌ بأنني كبتُّ مشاعري و غطيتُ على الكثيرِ منها و لم أخرجها و أصارحك بها ظانّةً بأنها ليستْ شيئًا مهمًّا و أنَّ إخراجها لن يؤدي إلي أيِّ حل , بل شجاراتٌ أخرى قد تتولدُ خفتُ أن تفعل .حاولتُ مرارًا أن أراقب نفسي , أن أحثها و أعلمها كيف تمنعُ ذلك الجزءَ مني عن الخروج , لكنه قوي متمردٌ عنيد يستغلُّ اللحظة التي أغفل فيها عنه , لينتج عن ظهوره مشكلة تدور بيني بينك , فأفهم منها بأن هذا تصرفٌ لا يرضيك. فأسجله في القائمة فأحرص على عدم القيام به . يتكرر الموقف فنتشاجر فألومُ نفسي فأكبتُ مشاعري و أحاصر جزئي المتمرد فيعصيني و تتكرر الدورة.

كرهتُ نفسي لأنني لم أستطعْ أن أكون النموذج المثالي للمرأة التي تحب. أخبرتها بأنها فاشلة ! خائبة.. فأحرقتها و أذللتها و أحزنتها.

حتى انفجرتْ . ذلك اليوم عندما سمعتُ عمتك تتحدثُ عنّي بأني لا أليقُ بك , و بأن هذا الزواج كان خاطئًا منذُ البداية و بأنك ما زلتَ تملكُ الوقت للبدءِ من جديد و البحثِ عن عروسٍ أخرى. انفجرتْ فحينها أنت دافعت عنّي قائلًا بأنك تتقبلني كما أنا فعلمتُ بأن كلَّ تلك المحاولات لتكوينِ شخصٍ تحبه كانت بلا فائدة , فأنت كنتَ تعرف بجزئي المتمرد الذي كان يؤرقني و كنت تتصابر عليه حتى لا تفقدني. فأدركتُ هناك بأن نفسي لم تكن الضحية الوحيدة , بل أنت أيضًا كنتَ ضحيةً لشخصيتي التي لم أكن أستطيع التحكم فيها.

لاحظتَ الانفجار , و فقدان السيطرة الذي أدّى إلى تصاعدِ المشاكل بيننا. فأصبحتُ أدقق على توافه الامور فأفسرها بشكلٍ خاطئ فأفتعلُ معكَ شجارًا فتحزنَ فأحزنُ و نستمرُ في ذلك.

-


الثلاثاء . الخامس من فبراير , السنةُ الأربعمئة و الثالثة و الخمسين القمرية في التأريخ الإمبراطوري.

لم أستطع حضورَ زواجك يا رودريك. مع أنَ عائلتي قد تلقت الدعوة بالجمع , فمن ذهبَ كان والدي و أخي فقط. والدتي لم تردْ أن تتركني وحدي في القصر.. ظانَّةً بأنني ساكونُ شديدةَ الحزن على هذا الخبر. لا أنكرُ بأنني شعرت بالحزن لأنني لم أكمل معك , و لكنني ذكّرتُ نفسي بأنني ابتعدت عنك حتى تجدَ السعادة مع أحدٍ آخر يفهمكَ أكثر مني . يرضيك و يسرك أكثر مني.

لقد فرحتُ فرحًا شديدًا عندما علمتُ من تكون عروسك . أنك تزوجتَ بإيفانجلين ابنة الماركيز لويس. تأكدتُ حينها بأنكَ تميلُ حقًا للمرأة التي تكون بالمواصفات التي تبتغيها ! و بأنك كنت تكذب على نفسك و تتحامل بقولك أنك تحبني كما أنا. أحيانًا لا نستطيعُ تحمل الصبر على أطباعِ شخصٍ لا يستطيع التغيير فكان الإنفصال حقًا هو الوسيلة الوحيدة لتحريركَ من قيودِ العلاقة التي جمعتنا. ليس و كأنني بلا استفادة . بل إنني يا رودريك بدأت أتعلم التعرف على نفسي و فهم من أكون.

استمتعتُ جدًا و أنا أتعرفُ على ذاتي التي ظلمتها , و بأنها كانت تستحق معاملة أفضلَ بكثير من المعاملة التي كنت أعاملها إياها. فهمتْ , بأنه لم يتوجب عليَّ التغيُّر أصلًا و أنَّ التغيير كان حكمًا على نفسي بالإعدام. قصرِ عائلتي كان حاضنةً ممتازةً لطبيعة شخصيتي .. صحيحٌ بأن هنالك من التضييقِ الكثير و بأن هنالك العديد من الأمورِ التي لم أتقبلها و ما زلت لا أتقبلها ملزمةٌ أنا على الالتزام بها , إلا أنَّ قصرَ عائلتك كان ضغطًا شديدًا عليّ. كانت حركاتي و إيماءاتي مراقبة و مدققة , يتم تقييمها بعد كل جلسة و حفلة و بأنه يتوجب عليَّ تعديل هذا و هذا و بأن هذا سيء و هذا لا ممنوع !

أمسيتُ أقف على حبل الصبر الذي عليَّ الكفاح للبقاء متوازنةً عليه. إيفانجلين إمرأةٌ رقيقةٌ و هادئةٌ بطبعها. شخصيةٌ ذكيةٌ و حساسةٌ للجو من حولها و لتصرفات الآخرين الذين يتعاملون معها. تعلم متى يتوجب عليها التدخل و متى لا . تعرفُ ما يجبُ عليها قوله و ما لا. مراعيةٌ للآدابِ العامة و التقاليدِ السائدةِ بين العائلات بينما أنا كنتُ أنزعجُ من تقاليدِ عائلتك التي كانت تقيدني . أصمت و أمنع نفسي من الحديث لأن في انتقادِ التقاليدِ التي أنت تحترمها استنقاصًا منك و ذلك ما لم و لن أرضاه لأجلك. فصبرتْ .. مجددًا حتى انفجرتْ.

ففهمتُ بعد كلِّ ذلك , بأنك لست الملام , و لا أنا ملامة ! و لا الظروفُ من حولنا ملامة ! بل إن شخصياتنا و اعتقاداتنا و أفكارنا في الأصل كانت مختلفة ! حبُّنا لبعضنا لم يكن يكفي حتى نستطيعَ تجاوزَ هذه المشكلة ! فهمتُ ذلك بعد كل الصراعات التي مررتُ فيها خلال تلك السنوات الأربع و أعتذرلك شديد الاعتذار لأنني استغرقتُ وقتًا طويلًا لفهم هذه الحقيقة.

أنت يا رودريك شخصٌ حنونٌ رؤوفٌ لطيف , حاولتَ مراعاتي بقدرِ ما تستطيع حتى لا تفقدني . تفهمت محاولاتي بل إنك أحببتني حتى و أنا في أسوءِ أوقاتي. و أنا كذلك .. أحبُّك حبًّا جمًّا شديدًا عظيمًا إن أردتُ وصفهُ أكثر من ذلك فأوراقُ العالمِ بأكملهِ لن تستطيعَ أن تسعَ كلماتي في وصف حبِّك ! أحبُّك يا رودريك ! أحبُّك ! أحبُّك ! لكننا لم نكن نستطيع أن نكمل سويًّا .

-


الأحد . الحادي و العشرين من سبتمبر, السنةُ الأربعمئة و الخامسة و الخمسين القمرية في التأريخ الإمبراطوري.

رودريك , اليوم حملتُ طفلةً مولودةً حديثًا بين ذراعيّ. لا أستطيعُ وصفَ الشعور الذي تملكني حينها. أتعلم؟ كنتُ كثيرًا ما أخافُ طرحَ فكرةِ الأطفال و إنجابهم أمامك. فأنا كنتُ أعلمُ أنك تخاف من فكرةِ الإنجاب. فوالدتكَ قد توفيتْ و هي تلدُك. و أتذكر كلما حاولتُ أن أجلبَ سيرة الأطفال الذين ننوي إنجابهم كنتَ تغيرُ الموضوع و تتجنبُ الحديث فيه معي , بل إنكَ كنتَ تقطع أيَّ محاولةٍ لفتح هذا الموضوع حتى لو كانت مع طرفٍ آخر في جلسةٍ عادية.

تفهمتُ ذلك و أخبرتُ نفسي بأنَّ صدمةَ أن تكبر و أنت تحملُ الملامة على وفاةِ والدتك لهو أمر صعبٌ للغاية. أن تضطرَ للعيشِ و أن تسمعَ ذكرى والدتك التي فقدتها نتيجة ولادتك كان فعلًا ألمًا لا أستطيعُ أن أصفه لأنني لست في مقامِ الإحساسِ بمن يعانون منه.

حاولتُ أن أبحث و أسمع من أحدٍ آخر أي طريقةٍ لإقناعكَ بأنَ إنجاب الأطفال سيكونُ شيئًا سعيدًا و يدخلُ البهجة و السرورَ على الزوجين. لكن محاولاتي تلكْ بائت بالفشل. ربما لأن طريقتي في طرح الموضوع معكَ كانت خاطئة. فأنا مباشرة للأسف و لست من النوع الذي يستطيع أن يمهدُ و يدخلُ برويةٍ و بروحٍ هادئةٍ للمواضيع الحساسة. كانت نقطة ضعفي تلك هي سبب اندلاع الشجارِ بيننا و حينها أخبرتني بأنني لا أفهمُ ألمكَ تجاهَ الامر , فأصبحَ أمرُ الأطفال من المحرمات.

عندما سمعتُ خبرَ حملِ زوجتك إيفانجلين استطعتُ أن أتنفس الصعداء , شكرتُ إيفانجلين لأنها ساعدتكَ على أن تتخذَ معها هذه الخطوة الكبيرة ! أنتَ ستحصلُ على طفل ! ستستطيعُ أن تحب طفلًا من صلبك ! أن تحمله بين ذراعيك أن تسميه و يكبر تحت كنفك و في رعايتك. مطمئنةٌ أنا لأنه سيكونُ ابنًا لأبٍ سيخافُ عليهِ من نسمة الهواء و لمسةِ بتلات الورد. و يالها من نعمة ! أتتكَ فتاة !

سيسيليا ! اسمٌ جميلٌ يا رودريك ! بل خلّاب ! أرجو أن تكبر سيسيليا لتصبحَ امرأة قويّةً و شجاعةً مثلك , جميلةً و ناعمةً كوالدتها.

و أرجو أن أحصل على فرصتي بأن أنجب طفلًا يومًا ما.

-


الأربعاء. الحادي و العشرين من يوليو, السنةُ الأربعمئة و السادسة و الخمسين القمرية في التأريخ الإمبراطوري.

رودريك ! مرحبًا ! لقد مرَّت فترةٌ مذ كتبت لكَ رسالة ! دعني أخبرك بالذي عشتهُ هذه الفترة. مجددًا لقد اقتربَ مهرجانُ العاصمة !

أقنعت والدي أخيرًا حتى أستطيع السفر للعاصمةِ وحدي هذه المرة للفيلا الصيفية التي نملكها قرب شاطئ البحر. حزمتُ أغراضي بحماسة بما أنني ذاهبةٌ للقيام برحلةٍ ليست كغيرها من الرحلات ! فقد نويتُ فعلَ المصائب بعيدًا عن عائلتي ! ليست المصائب حرفيًا .. و إنما فعل بعض الأمور التي لن يرضاها والداي كالنزول للسباحة في البحر مثلًا .

إن سألتني هل فعلتها ؟ لم أجرؤ ! كيف سأسبحُ و أنا لا أعرفُ كيف أعوم أصلًا؟ أحيانًا الواقع يهدم الأحلام من شدَّة قسوته !

على الرغم من أنني لم أسبح مع الأسف , فقد أخذتُ راحتي في المشيِ على الشاطئ و استنشاق هواء البحر المنعش , و لا أخفي عليك اقتربتُ من المياهِ و سمحتُ لأقداميِ أن تواجهَ الأمواج الصغيرة لتعترضها. وقت المساءِ يبردُ الماء و كذا الرمل .. و أنا أمشي على الرمال تذكرتُ إحساس المشي على بلاطِ قاعة الرقص عارية الأقدام ! لمعتْ الفكرةُ في رأسي فلم أتررد بالبدء في الرقص على أنغامِ أغنياتٍ شعبيةٍ غنيتها بنفسي , فكان اللحنُ الذي أضافته أمواجُ البحرِ على أغنياتي من أجملِ ما يكون! سمعتُ دندناتِ الحورياتِ من الأصداف وهمساتِ النجوم القادمة من السماء!

رودريك , ظننتُ بأنني حتى بعدما عالجتُ مشكلتي و اكتشفتُ شخصيتي سأبقى عالقةً في ذكراكَ و في أواصر حبِّك. اسمح لي أن أعتذر لك .. فأنا قد وقعتُ في الحب . كيف حصل ذلك ؟ لا أعلم !

و لكنني قابلت من وقعت في حبّه في آخرِ مساءٍ قضيته عند البحر. كنتُ قد جهزتُ سلّة مأكولاتٍ خفيفةً للاستمتع بها و أنا أشهدُ الغروب. جلستُ و قضيتُ كل لحظةٍ و أنا أشاهدُ تلاطمَ الأمواجِ الخفيف .. أتلذذ بمداعبات نسمات البحر و أنا أقضمُ من كعكِ الفانيلا الذي أحضرته معي.

و فجأة يا رودريك ! و القضمة الكبيرةُ ما زالت في فمي أمضغها ! شهدتُ انقلابَ الغروب ! فقد رأيتُ شمسًا تركبُ الليل بدلًا من العكس!

توقفتُ عن المضغ عندما رأيتُ الشمس تقترب من مكاني على ليلها, اقتربتْ بما فيها الكفاية لتحدثني . "أيتها الآنسة , ألا مرافقَ لكِ؟" . سألتني الشمس يا رودريك ! رفعتُ يدي حتى أطلب منها بعض اللحظات لابتلع لقمتي , همهمت الشمس و قالت لي على مهل. شعرتُ بالحرج , فما هذا الموقف السيئُ الذي قد تمرُّ به آنسةٌ مع الشمس ؟! و أخيرًا بعد حربٍ كدتُ أختنقُ فيها مع اللقمة .. أجبتُ الشمس "كلا , ليس لدي" . فنزلتِ الشمسُ عن ليلها .. و تخصّرتْ أمامي ثم بدأت تلقي عليَّ محاضرة و لا أظنُّ بأنه من الصعب استنباطها . لأجعل الشمسَ تتوقفُ عن إلقاء المحاضرةِ عليّ , ضيفتها بعضًا من كعك الفانيليا فعبستْ و قالت "أتظنينَ بأنك ستسكتينني ببعض الكعك؟" حسنًا لقد قالت الشمسُ ذلك بكل ثقة و لكنها تناولت الكعك و سكتت في النهاية . بعدها أوصلتني الشمسُ إلى مسكني على ليلها .. ثم ودعتني و طلبتْ مني أن أكون أكثر حذرًا . أتجرؤ يا رودريك على أن تعصي الشمس بعد كل ما فعلته لأجلك ؟ لا بالطبع لن تفعل ! و لا أنا أيضًا ! لم أجرؤ على عصيان الشمس !

و من يومها , أصبحتُ أرى و أقابلُ تلك الشمس بين الفينة و الأخرى.

هذه الشمس يا رودريك أنارتْ لي حياتي . أشعتها الدافئة احتضنت قلبي و ساعدتني على أن أحبها كما كنتُ أبتغي أن أحب. تلك الشمسُ يا رودريك همستْ لي بمعانٍ في الحب لم أكن أتوقع بأنها توجد. علّمتني أمورًا جديدة .. ساعدتني على الإشراق للحاق بها. نورها كان ساطعًا لدرجةِ أن الظلال تختفي. أحبتني الشمس .. و مدّت يدها لي و سمحت لي بالركوبِ على ليلها - إنه حصانٌ قويٌّ و جميلٌ بالمناسبة , أسودٌ بالكامل كالليل تمامًا و اسمه ليل !! - فكانت أكثرُ اللحظاتِ متعةً هي حينما تأخذني الشمسُ في نزهات مع الليل.

رورديك أنا حقًا حقًا أحببتُ هذه الشمس .

-


الأربعاء. العاشر من من يوليو , السنةُ الأربعمئة و السابعة و الخمسين القمرية في التأريخ الإمبراطوري.

مرحبًا يا رودريك . كيف حالك ؟ كيف حال إيفانجلين ؟ سيسيليا؟ إنها ستنهي الثالثة و تدخلُ في الرابعة هذا العام صحيح ؟ أرجو بأنها بخير و بأنكم جميعًا بخير. هذه آخرُ رسالةٍ من سلسلةِ الرسائل. أردت بها توديعك. لأنني لن أستطيع أن أكتبَ لكَ بعد الآن. إن كنتَ قد قرأتَ حتى وصلتَ إلى هنا فشكرًا لك. شكرًا جزيلًا جزيلًا لك.

أنا ابتغيتُ تأجيلَ إرسالِ هذه الرسائل , حتى أتأكد بأنك استطعتَ أن تقف من جديد. فلم أرد أن أرسلها في وقتٍ قد تظنُّ به أنني ألومك على كل ما جرى , فأنا أعلمُ بحكمِ معرفتي بك , بأنك و على الرغم من أنني وضحتُ في رسائلي بأن الخطأ ليس خطأك إلا أنك ستضع اللوم في هذا على نفسك . لذا لا تفعل. أرجوك لا تفعل. انظر إلى نفسك حاليًا .. ألستَ سعيدًا؟ ألستَ راضيًا بزوجتك الحبيبة و ابنتك ! أنا متأكدةٌ بأنك تفعل !

مجددًا , أتأسف لك إن شعرتَ بالاستغرابِ و الحيرةِ الشديدةِ جرّاء وصول الرسائل إليك و أتأسف إن كنتُ سببتُ اضطرابًا أو توترًا لم أقصد حقًا أن أتسببه لك.

رسائلي هذه أرجو منكَ بعد قرائتها أن تحرقها. فقد كُتبتْ هذه الرسائل لتُحرق. لتُحرقَ و نمضي .. فأنت قد مشيتَ في المسار الذي كتب لك و أنا مشيتُ في المسار الذي كتب لي. لأجلِ أن نستمر و ألا نلتفتَ للوراء .. أردتُ أن أوضحَ لك هذه المشاعر حتى لا أجعلها معلقةً لديَّ أو لديك . لذا الآن أظنُّ بأنك فهمتَ طبيعة المشكلة و بأنها حلّتْ و بأن الحياة التي نعيشها الآن هي الأفضل لكلٍّ منّا . فأنت قد وجدتَ صفاءك في عائلتك الصغيرة و أنا وجدتُ صفائي في تعرفي على نفسي و تكوين نسخة جديدةٍ قادرة على أن تستمرَ و تمضي !

رودريك أعلمُ بأنها وقاحةٌ مني أن أفعل ذلك , و بأنني للأسف لم أستطع حضور حفل زفافك , و مع ذلك و من باب الواجب فقد أرفقتُ دعوةَ زفافي لعائلتك. الزفاف سيكون في خريف هذا العام . إن حضرت فإنني أتشرفُ بك و بوجودك , و إن لم تحضر فأنا شاكرةٌ لكَ على كلِّ شيء. على كلِّ ما مضى و على كلِّ ما سيمضي .

من باتريشا ليفيوسا , سابقًا ويفينكلن.

-

خلع رودريك نظارته , و مسح بظهر يدهِ دموعًا متمردةً كانت على وشك النزول. لم يتوقع قط أن تحملَ هذه الرسائل كلَّ المشاعر التي قدمت له. استطاع أخيرًا أن يفهمَ المعضلة التي عجز عن حلها. فهمَ أخيرًا سببها بل و تفهمها.

- شكرًا لكِ.

همسَ بكلِ امتنان و هو ينظرُ للرسائل المبعثرة على مكتبه. قلبهُ الآن يعصفُ بالعاطفة. امتنانٌ و حنين. شكرها مجددًا.. و استمرّ في محادثة نفسه عن تعجبهِ من كلِّ هذا الذي مر. بحثَ عن بطاقة الدعوةِ لحفلِ الزفاف. و وجدها أخيرًا تحتَ الظروف .. مزينةً بتطريزٍ للشمس معنونةً باسمِ
باتريشا و شمسها جيوفاني.

سمعَ رودريك فجأةً صوتَ طرقٍ على الباب. فأشار للطارق بالدخول.


تسللّت إيفانجلين للغرفة بروية, و كأنها تشعرُ بالخجلِ للقدوم إلى رودريك هكذا و يبدو أن في بالها موّالًا ما.

اتسعت ابتسامة رودريك بدفءٍ عندَ رؤيتها فقهقهَ بسرورٍ ثم سألها : قلقةٌ ها ؟

- حسنًا كنتَ مضطربًا اليوم على العشاء و كأنَّك تخططُ لشيءٍ ما .

قام من مكانِه متجهًا نحوها , مدَّ ذراعيه و قبض عليها يحتضنها و السرورُ على وجهه.

- أشكركِ على قلقكِ يا إيف.

تعجَّبت إيفانجلين من سرورهِ الذي بدا غريبًا لها بعدما كان متوترًا طوال الأسبوع ! هو لا يستطيع أن يخفي مشاعره عنها كما يظنْ فهي تلاحظُ أدقَّ حركةٍ غير معتادةٍ منه.

بادلتهُ العناق بقوة , تستمتعُ بالدفءِ الذي غمرها به.

- إذًا هل ستقول لي ؟

- هل أنتِ مستعدة ؟

- أنا مستعدةٌ لأيِّ شيء!

مسّدَ رودريك شعرها بخفة و شكرها على ذلك ثم قادها للأريكة التي تتوسطُ غرفة مكتبه , و بدأ يسردُ عليها تفاصيلًا لم يسردها عليها من قبل.

-


في السماءِ الواسعةِ و فوقَ الغيوم .. حصلتُ على دعوةٍ مخصصةٍ باسمي لأراقبَ نجومَ الليل و هي ترقصُ و تُنشدُ لأجلي..

و هناك , رأيتُ فارسًا تنبعُ منه هالةُ الوقارِ و الهيبة. شعرهُ ذهبيٌّ كأشعةِ شمسِ الغروب و عيناهُ زرقاوان واضحتان كوضوح السماءِ وقت الضحى , جميلتانِ عندما تطرفانِ لتبصرا ما حولهما و تزدادانِ جمالًا كلما التقتا بعينيّ لأنهما تضيقان في ابتسامةٍ مع ثغره.

على فرسهِ الأسودِ كسوادِ ليلةٍ بلا بدر .. قطعَ المسافاتِ بين سرابِ الأحلامِ و الغيوم ليصلَ إليَّ حيثُ أقفُ.

لم يقلْ شيئًا , فقط مدَّ يده لي و كأنه موقنٌ بأنني لن أرفضها و فعلًا , مشيتُ برفقٍ على الغيمة أقتربُ منه بروية .

مددتُ يدي له فغلّفها بيده الدافئة , و سحبني لأرافقهُ في رحلةٍ لزيارةِ البحر. حيث التقينا للمرةِ الاولى .
-

ྀི♪⋆.✮
 
التعديل الأخير:

Shine

Life
إنضم
28 يونيو 2020
رقم العضوية
11248
المشاركات
6,643
مستوى التفاعل
34,343
النقاط
1,547
أوسمتــي
13
توناتي
12,953
الجنس
أنثى
LV
3
 
at_176567285426411.jpg



ྀི♪⋆.✮

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.
كيف الحال إيش الأخبار ؟
رجعنا للقسم بحلتنا الجديدة حز88
نكتب قصص و حركات ~
خطرتلي فكرة القصة البارحة و قررت انه اليوم ما بدي أنام إلا و أنا كاتبيتها xd
حبيت إنها تكون هالمرة غير عن العادة و بصراحة كثير عجبتني فكرتها و أعطتني طابع لطيف.
أتمنى إني جبت الفايب اللي ببالي ~
حاولتْ قدر الإمكان أوضح مشاعر الشخصيات بكل لطف و بدون مبالغة و تعقيد
و توصل للقارئ بشكل متسلسل و غير ممل , أتمنى فعلًا إنها مش مملة : )
أعطوني رأيكم بالقصة ؟ ايش تقييمكم حز88 ؟ ق12
كل الحب للجميع ! ~


 
التعديل الأخير:

isolated

|| I am very far away || ☕ ~
إنضم
5 سبتمبر 2022
رقم العضوية
12969
المشاركات
11,640
مستوى التفاعل
2,882
النقاط
898
أوسمتــي
2
العمر
30
الإقامة
CAGE
توناتي
5
الجنس
ذكر
LV
0
 
القصص الرومانسية ليست المفضلة لدي
ولا احب قراءتها لكن لها جمهورها الذي يعجبه التكرار
لكن كتابتك جيدة جدا

يعطيك العافية على جهدك المبذول​
 
  • فديت
التفاعلات: Shine

المتواجدون في هذا الموضوع

أعلى أسفل