قبل بضعة اعوام قمت بعمل مراجعة لنفسي وححدت المشاكل التي لدي، يعني دراسة أخذت مني وقت مطول
رغم أني عرفت الكثير إلا أني لم أغير منها الا القليل، أغلبها أمور نفسية ومثل هذه الأشياء تأخذ وقت وتحتاج صبر
وعزيمة، يصعب تحديدها فما بالك بتغييرها أو توجيهها.
اعتقد أني قد أخذت وقت كافي لهضم كل ما عرفته وإستيعاب الجديد منها، تعلمت أن كل الأفعال ناتجة عن سبب
عميق فدائما هنالك أسباب أو سبب واحد لكن يختبئ تحت طبقات عديدة من ردود الفعل التي تعمل كغطاء يتحول
بذاته الى كونه سبب .. شبكة معقدة تحتاج لتفكيك حتى الوصول إلى النواة، وبالتالي إلى السبب الفعلي.
العديد من الطيور تقوم بالتحليق والقفز على الأرض كانها مصابة وغير قادرة على الطيران، وتحاول أغراء من أمامها
باللحاق بها وكل ذلك في سبيل تشتيت إنتباه الخطر الذي أمامها عن عش صغارها، وكذلك هو العقل يشتت إنتباه
الأخرين وإنتباه الشخص نفسه عن الحقيقة الفعلية، ويستعمل في ذلك العديد من التصرفات غير المنطقية والمحيرة
للأخرين وللذات نفسها، وكلما طال الزمان بدون إستيعاب لتلك الحقيقة تحول الأمر إلى عادة وإلى حقيقة.
..
لآ أعلم حقا إذا ما كانت المخاوف هي ما يحركنا في ذلك الأتجاه، بالنسبة لي هي كذلك ولا يحتاج أن تكون كثيرة
سبب واحد يمكن أن يحكم كل شيء أخر، وهبة ريح واحدة كافية لتحريك أعلام كل الدول بمختلف لغاتها.
البعض يخشى الموت وأخرون مثلي يخشون الحياة ولكل سببه، فأنا أخشى الأسوأ كنهاية أي أن تصبح اخر صورة لي
حيا هي الأسوأ، ولا أدري على أي عمل أموت...
ويبقى هنالك شيء أخشاه أكثر متعلق بالحياة نفسها وفترتها لكن لن أذكره، ...
على أي، أنا الأن على مشارف الثلاثينيات وهو أمر مرعب لي، كل هذا الوقت الذي مضى... قضيت الكثير من وقتي فقط
في محاولة فهم نفسي وما أريده وفهم العالم من حولي، وهو أمر لا يحتاج الجميع القيام به، لكن البعض مثلي يحس
بالذنب وتأنيب الضمير ومشاعر أخرى تقوده فعلا لتقشير نفسه لمحاولة الوصول إلى معنى وهدف لحياته.
هدف ليس ماديا بل هدف على شكل حالة من الأستقرار والثبات النفسي والرضى والقناعة وتحصين لتلك الحالة
بدل أن يتذبذب مع كل صغيرة وكبيرة، ليس الجميع قادرا على أن يعيش حياة من الهبوط والصعود، او الهبوط بدرجات
متفاوتة والتأقلب مع طول كل درجة إلى حين الوقوع الى التي تليها ثم محاولة التأقلم معها ودواليك حتى الوصول
للقعر.... والحقيقة أننا كلنا متوجهون إلى ذلك القعر البعض في خط مستقيم والبعض في درج متبذب كالذي ذكرته
وأخرون صعودا ... الكل طريقه مختلفة لذلك يصعب إستيعاب وفهم هذه الأختلافات وكيفية تأثيرها على الأخرين وعلى
طرق تصرفهم وتعاملهم ونظرتهم الى الحياة، ليس الجميع محتاجا لكل هذا التعقيد، ولكن أخرون مجبرون عليه.
لسنا مثل بعض وفهمنا للحياة مختلف إنها تركيبة خاصة بكل روح وكيف شكلت وكيف نشأت وكيف ترى العالم من
حولها ولربما لو كنا في صندوق واحد كنا لنتشابه غير أننا لسنا كذلك... ولكل رحلته
..
بالنسبة لي قد حان الوقت للتخلي عن الأحلام، عن الماضي وعن الأرتباطات الهشة وأقصد بذلك عودتي إلى نفس
المكان بسبب الحنين وأشياء من قبيل "لربما ولعل" ، لابد لي من التخلي عن الكثير من الرغبات وتقبل الواقع
وحسب وأن لا أتململ في سلك دربه، أعرف هدفي وطريقي لكن محاولة اخذ مؤونة من طرق أخرى في سبيل
إكمال هذا الطريق أمر غير وارد ومشتت سيعيدني دوما إلى نقطة الصفر، كما عرفت الطريق وعرفت حدودي
ومساري فيجب أن أسلكه بأفضل ما لدي دون الألتفات للطرق الأخرى فما بها محرم علي حمله معي أو الأتكال عليه
سأحاول أن أكون أفضل نسخة من نفسي في ذلك الطريق إلى نهايته ولا يعني ذلك الوصول إلى شيء فالنهاية
واحدة في كل الطرق، إنما الفكرة أن أبقى على طريق واحد يتناسب معي ومع ما هو حولي ومع تركيبتي، وربما
هذا ما يسمى بتتبع خيوط القدر، بدل التنكر لها.
في نهاية المطاف نحن فقط ضيوف في هذه الدنيا لكن لأسباب كثيرة نعيش فيها كما لو أنها النهاية، وليست برمشة
عين في عمرنا حتى.
