.
.
بدأت الغيوم بحجب ضياء الشمس الوهاج عن الملعب
و تطايرت أوراق الخريف مداعبة حبات الرمل التي حركها ذلك النسيم الدافئ
تُرتكز الكرة بيدي أمل الواثقة نظراتها و تتراجع إلى الخلف تستعد لركل الكرة
فيتخذ أيهم وضعية الحارس الشهم غير مبالٍ بثقتها
ركض ذلك الصبي نحو ملعب كرة القدم و دخل الملعب
حيث تنبّهت إليه أشواق التي أدارت برأسها إليه بعد أن كانت تراقب أمل وأيهم
فقالت في حيرة: أوه سامي!
هل أنهيتم ترتيبات نادي كرة السلة؟
.
ردّ وهو يلتقط أنفاسه: أوه تقريباً
ثم قال بجدية: يجب أن نخرج من هنا حالاً فريق كرة القدم قادمون
.
اتسعت عيني أشواق في قلق بينما سمعته أمل
لكنها تجاهلته حيث قالت بصوت عالِ حازمة : حسناً .. هل أنت مستعد أيها الواثق ..؟
.
أيهم يرد بشيء من الغيظ : اركليها فحسب
ركضت أمل مسرعة نحو الكرة و ركلها بقوة كقذيفة الصاروخ
حاول أيهم الإمساك بها ولكنّه انزلق وكاد ان يقع لولا أن وازن نفسه
لكنّ الفرح لم يبدو على وجه أمل التي قطبت حاجبيها
وهي تهمس محدثة نفسها: يا إلهي لقد انحرفت عن مسارها
يبدو أنّ المطر أثرّ على الركلة
وصل فريق الكرة إليهم وقبل أن يدخلون الملعب تنبّهوا لما يحدث فيه
فزمجر أوسطهم حينما رآهم يلعبون: مالذي يفعلونه هنا؟
صرخ أحدهم: هيه! اخرجوا من هناك حالاً
أدارت أشواق برأسها وهي تشهق بدهشة : إنه فريق الكرة!
ارتبك سامي و هو يتلفت يمنة و يسرة
تجاهلتهم أمل وهي تصرخ لأيهم: هيا أركل إليّ الكرة
دعني انهي ركلاتي الثلاثة حتى تتسخط على تحديك لي أيها الفاشل
أيهم بغضب: اصمتي! هذهِ مجرد البداية, الموقع مبلل هنا للغاية
ركل أيهم الكرة لأمل فقالت بغرور: إنها ليست مشكلتي
كانت الكرة ضعيفة الركلة حيث وصلت لمنتصف المسافة بينهما
فقالت أمل بإشمئزاز: أنت لن تستطيع أن تركل الكرات على كل حال
.
قال أحد اللاعبين يهمس لمن يتوسطهم:
إنها أمل فتاة الصف الثاني الشعبة الأولى أيها الكابتن
ركلاتها قوية فعلاً, لو كانت صبيّاً لضممناها لفريقنا
.
أضاف آخر: ستكوّن فريقاً للفتيات هذا العام لمدرستنا
وسيشاركون في مباريات دوريّ المدارس, وبذلك لن نستطيع رفض وجودها هنا
.
قال الكابتن: كلا, لن أسمح بحدوث ذلك, لن يكون هناك فريق للفتيات بمدرستنا
توجّه الكابتن الفتى الوسيم ذو الشعر البنيّ والملامح الواثقة وبقيّة الفريق نحو أشواق وسامي
التي كان مرتبكاً الأخير بينما بدت عليها هي سمات القلق فحسب
.
فقال بابتسامة غرور وهو يمسح شعره:
مرحباً أشواق.. ألم أخبرك صديقتكِ سابقاً ألا تأتوا هنا ؟
.
أشواق بقلق: نحن آسفون وليد
سنخرج بعد قليل لاحاجة للمشكلات, أعدك بأننا لن نطيل البقاء هنا
.
الكابتن بهدوء وهو يتملّق: تعلمين أن هذا الملعب لنا وحدنا و لا نرحب بأحد آخر هنا
ثم أنني الكابتن وليد سأسامحك هذهِ المرة
.
قال جملته الأخيرة بابتسامة محاولاً إغرائها, فقال سامي بارتباك: ولكنّ هذا الملعب..
الكابتن بانفعال : اصمت أيها الأحمق .. يجب أن تخرجوا من هنا .. لدينا تدريبات الآن
قال أحد أفراد الفريق بتعجرف: أنت ماذا تفعل هنا ؟
ألا يفترض بك أن تتجه لملعب السلة .. لاشك بأنك أخطأت الطريق
رد آخر بثقة : أنسيت بانه قد أصيب بالأمس؟
لعله أعاد التفكير بشأن البقاء في النادي الآن فهو رقيق جداً و لايتحمّل الإصابات
.
ضحك الجميع ساخرين من ضمنهم الكابتن
بينما أرخى سامي برأسه إلى الأسفل و شعر بالإحراج
بدا على أشواق بعض الغضب حينما لاحظت سامي
فقالت برقة ممزوجة بالغضب: غير صحيح
سامي لاعب بارع وسيشارك ضمن الاعبين الأساسيين في الفريق
.
الكابتن بغرور: عزيزتي أشواق لاتدافعي عن هذا الضعيف بهذا الشكل, دعيه وشأنه
.
تقدّم أحدهم إليه وقد كان أطول منه بعشرين سنتيمتراً
مما بعث إليه الخوف وهو يتراجع خطوة إلى الخلف
فقال لاعب الكرة: يمكنني تحطيمه في مباراة واحدة لكرة السلة
.
ضحك الفريق ساخرين فتجاهلاه صاميتن وقال الكابتن بطريقة مغرية:
سأسمح لأصدقائك بالبقاء خمس دقائق فقط من أجلك أيتها العزيزة
حدّقت أشواق به بنظرة حائرة بينما اعتلى التضجر وجه سامي الذي فكّر: ياله من متعجرف!
.
فجأة دخلت كرة أمل الشباك بمهارة حيث ركلتها بقوة
فتنبه البقية إليها وهم يراقبون, فقال أحدهم: إنها تجيد الركل فعلاً
فقال الكابتن: مجرد الركل الممتاز لايعني بالضرورة أنه جيّد في الملعب خصوصاً على أرض مبللة كهذه
صاح أحد أفراد الفريق بصوت عالٍ: هي أنتما !.. لديكما خمس دقائق لتنتهيا!
أمل بغيظ: و ماذا يكون هذا الملعب؟ ملك أبوه؟
.
ركلت أمل الكرة كرتها الثالثة بقوة فهزّت الشباك مجدداً بينما كان أيهم ملقى على الأرض
فاعلت وجهها الابتسامة ووضعت يديها على خصرها
وهي تهمس لنفسها: الآن قد أوقع نفسه في مشكلة هذا الأيهم
تبادل الاثنان مكانيهما بحيث اتجهت أمل إلى المرمى بثقة
بينما اعتلى الإحباط وجه أيهم وهو يتقدّم إلى نقطة الجزاء
راقب البقيّة بصمت بينما كان الكابتن يحدّق بأشواق فقال لها: أتعلمين يا أشواق؟
أدارت برأسها نحوه فقال بحنيّة: إن كان بإمكانكِ الخروج معي نهاية الأسبوع القادمة
فسأسمح لصديقتكِ بالبقاء في الملعب بعض الوقت
.
أدار سامي برأسه إليه في دهشة
فردّت أشواق بابتسامة لطيفة مع تقطيبة على جبينها: آسفة لن أستطيع ذلك
الكابتن بلطف: إذاً الاسبوع الذي يليه..!
فكّرت أشواق وهي ترفع عينيها إلى الأعلى, فقال سامي بتعجّل: لـ لا! لدينا امتحان رياضيات
اتسعت عينيّ سامي وانطبقت شفتيه ببعضهما حينما قال الكابتن بغضب: اصمت أنت!
أشواق بابتسامة : أعتقد أنه يمكنني أن أختزل بعض الوقت
.
اعتلت الابتسامة وجه الكابتن بينما اتسعت عينيّ سامي في صدمة
فأضافت أشواق بلطف: سأرَ إن كانت أمل تستطيع مرافقتنا
.
هبط جفنيّ الكابتن بينما ابتسم سامي بإحباط
وحينما جاء دور أيهم لركل الكرة كانت أمل تعلتي وجهها ابتسامة واثقة وهي تركز بنظرها نحو الكرة
فشدّ أيهم حزمه و ركض مندفعاً ليركل بقدمه
ولكن أمل أصيبت بالدهشة فجأة وكذلك باقي أفراد الفريق
كما أنّ ماحدث قد نبهّ سامي وأشواق و الكابتن إليه
أدار أيهم برأسه إلى الخلف وقدمه معلّقة في الهواء
حيث أن الكرة لازالت في موضعها, فانفجر كل الفريق بالضحك واعتلى الإحباط وجه سامي
بينما كانت الدهشة لاتزال في وجه أشواق, أما أمل فقد غشاها الاشمئزاز
فصرخ أحدهم: ياله من مهرّج!
قال آخر ساخراً: إنه أسوأ لاعب .. أطفال الروضة يجيدون الركل أفضل منه
فقال وليد بصوتٍ عالٍ: هيه ! أيهم ..! إذا تمكنت من ركل الكرة الآن
فيمكننا تسجيلك لدينا في النادي
سنعينك لاعباً احتياطياً لتقوم بإضحاكنا وقت الاستراحة
ضحك باقي أفراد الفريق خلفه بقوة حتى علت أصواتهم
فاخترق حاجز تحمّل أيهم الذي انفجر غضباً
وهو يقول: أتسخر مني هااا؟ .. سأريك من يجب أن يسخر منه يا وليـد
ركل أيهم الكرة ثم سقط أرضاً من شدة الرمية و تبدو على أمل الثقة
غير أن الذي غير ملامحها إلى التعجب هو انحراف الكرة إلى أحد الحاضرين
الكل قد استغرب و أيهم في ذهول
تجمدت ملامح ذلك المسكين حتى اصطدمت الكرة على رأسه و سقط أرضاً عندها
كانت كرة أيهم قد اتجهت إلى وليـد الذي نهض على عجل مغطياً فمه بيده
أحد أفراد الفريق بارتباك : هل أنت بخير أيها الكابتن ؟
بصق وليـد على يده فخرج سناً مكسوراً تلفه الدماء
و قد كان سنّاً أمامياً من أحد القواطع حيث ميّزه الكابتن وهو يتحسس موقعه بلسانه
وليـد بغضب و دهشة : مـــاذا فعلت أيها المغفل ؟ لقد كسرت سنــي!!
أيهم باندهاش : مـاذا ! أنـا فعلت ذلك ؟
أمل منفجرة من الضحك : هل هذه هي ركلتك ؟
تقدم وليد نحو أيهم حامياً وبان فارق الطول بينهما بحوالي الخمسة عشر سنتيمتراً:
ستدفع الثمن غاليــــاً هذه المرة يا أيهم
أيهم بمبالاة وهو يضع يديه خلف رأسه: لكنّك أثـرت غضبي
وليـد بغضب عارم : أتقصد أنك تعمدت فعل ذلك ؟
أيهم ببرود : لا .. لم أفعل و لن أعتذر إليك أبــداً حتى لو تعمّدته فأنت تستحق ذلك
.
غضب الكابتن أكثر فانطلق إليه بقية الفريق يمنعونه من ضرب أيهم الذي استعدّ الأخير للقتال
فقال أحدهم: إن دخلت في شجارٍ الآن فقد يبعدونكَ من الفريق أيها الكابتن, أرجوك اهدأ
.
هدأ الكابتن وتلفتّ حوله ليجد ذلك الشخص ضخم الجثّة أسمر البشرة
يمرّ بجانب الملعب خلف الشباك, فناداه: هيه! سمير!
.
اتسعت عينيّ أيهم في دهشة: سمير!
أدار سامي وأشواق برأسهما حيث قال الأوّل بقلق: أهوَ سمير سمير .. أم شخص آخر؟
.
حوّل سامي بنظره نحو ذلك المدعو سمير ضخم الجثة والذي كان يرتدي زيّ الكاراتيه ذو عضلات بارزة
فلمعت عينيه حينما أدرك بانّ الكابتن يناديه بعد أن تلفت حوله ولم يجد غيره
ثم انطلق حتى وصل إلى الشباك
فقال الكابتن محدّثاً سمير: هل يمكنك أن تسدي إليّ خدمة؟
فهم أيهم ما أراده الكابتن من سمير فقال بارتباك: أنا لا .. أنا لم أكن.. .
الكابتن بغضب: لقد ركلتَ الكرة مباشرة إليّ بعد أن تحديتني, سأعلّمك ألا تتحداني!!
أيهم بارتباك : قلت لك لم أقصـد
دخل سمير الملعب فأشار الكابتن نحو أيهم وهو يقول:
أريدك أن تحطّم أسنانه كما فعل بي!
شعر سمير بالغضب حينما رأى الدم ينزف من فم وليد,
فهرول نحو أيهم, تقدّم سامي إلى أيهم وهو يقول بقلق: أيهم! فلنرحل من هنا بسرعة
ركض الاثنان فصرخ سمير بغضب: توقّف يا أيهم!
حاول سمير الانقضاض على أيهم تفاداه وتبعه سامي من خلفه
فتقدّمت أشواق نحو الكابتن التي مسح الدم من فمه
وقالت برقة ممزوج بالغضب: لقد أخبرك بأنه لم يقصد, لماذا تريد افتعال المشكلات الآن؟
الكابتن بحنق: ولكنه ركل الكرة في وجهي مباشرة, ألم تري ذلك؟
أشواق بنبرة أسى: لن أذهب معك, انسَ الأمر!
فخرج أيهم و سامي من الملعب اللحظة ثم تبعهم سمير غاضباً
فصرخت أمل: هيه مهلاً .. أيهم أيها الجبان لا تهرب
.
ثم تبعتهم أمل, فاستدارت أشواق إليهم وركضت باتجاههم لتتبعهم
فقطب حاجبيه وقال: مهلاً أشواق انتظري
.
تجاهلته أشواق وهي تركض حتى خرجت من الملعب
فرحل الرباعي مع سمير و بقي أفراد الفريق في الملعب
فقال أحد أفراد الفريق: كابتن!
ثم شعر بالإحباط وهو يقول: سأصبح بشعاً الآن!
خرج كلاّ من أيهم و سامي وخلفهما سمير من بوابة المدرسة
ثم تبعتهم أمل وهي تستصرخ أن يتمهّلوا
أثناء ذلك كانت هناك سيارة بي أم دبليو من النوع الفاخر سوداء اللون
قد عكست أشعة الشمس من شدة لمعانها
كان أحدهم في الداخل يجلس على المقاعد الخلفية ذات الجلد البيجي الأنيق
لكنّه لايكاد يظهر جيّداً بسبب الستار الذي غطّى النافذة بأناقة
قد راقب خروج الرفاق وهم يركضون ببلاهة عبر عينيه الزرقاوين وخصلات شقراء بانت من بينهما
أعاد ببصره نحو شاشة الحاسوب المحمول الذي كان يضعه على ساقيه
وقد كانت العديد من الصفحات والنوافذ تعمل حيث بدا عمله جديّاً
حتى فتحت تلك الصفحات المتشابهة لأربعة أشخاص
ظهرت صورهم الجسمية وملامحهم التي كانت لأيهم و سامي وأمل
حوذل بعينيه نحو أشواق التي رآها تخرج من البوابة وهي تركض
فابتسم بخبثٍ حيث ظهرت أسنانه المرتبّة
وفتح نافذة توضّح مظهرها على شاشة الحاسوب