- إنضم
- 26 مايو 2017
- رقم العضوية
- 8113
- المشاركات
- 13
- مستوى التفاعل
- 1
- النقاط
- 0
- توناتي
- 0
- الجنس
- أنثى
LV
0
قصة قصيرة بعنوان * سماء دون قمر *
تتحدث أحياناً عن محاولات الكاتب في البحث عن الهامه المفقود , مع لمسة من الخيال .
أترككم معها ....
*****************************************************
" لا تقتل ! .. خذ شهيقاً .. زفير .. فكر ملياً و ارمه من يدك ، لا تقتل ! "
ارتفعت بها نبرة ذلك الفتى ذو الشعر الذي شابه بني القهوة المرة لمَن أمامه بينما يمد يده حذِراً علّه يسحب القلم من أنامل ذلك القاتل السفاح و لم تكن سوى محاولة منه لانقاذ
" الشخصيات " و مصيرها من بين يدي
" كاتب " ذو مزاج عكر كصديقه .
تنفس الآخر بعمق يتشرب قهوته البنية متبرماً ليس من مرارتها بل من صديقه ، ما إن رنّ صوت وضعه كوبه على الطاولة أمامها حتى ضيق عينيه المغبرة بسوادها كشعره الحالك و أفكاره ، رمى القلم الذي كان يسكن أصابعه منذ لحظات على مَن قابله جلوساً أمام الطاولة الصغيرة على سطح المنزل " تحمل نتائج أقوالك ! طلبت مني ترك القلم و ها أنا ذا أتركه "
تحسس ذو الشعر المكتسي بناً رأسه المتألم يتذمر " هذا يسمى رمياً لا تركاً ! ، أهكذا تفعل بي لأني أحاول تخفيف وطأة مزاجك السيء و قسوتك على صغارك ؟ كف عن تعذيبهم "
و لم يكن يعني ب " صغاره " سوى " شخصياته " ، أليست تلك الشخصيات قطعاً في أحجية قلب كاتبها ؟ أليست أزهاراً تنمو من أعماق روحه ؟
ما إن أنهى كلامه حتى قُذفت من كف صديقه الحانق رواية كانت أمامه " و تأتي لي بهذه ؟ ، فاشلة ! إنها فاشلة تماماً ! "
********************
بدايتنا مع ذلك الباحث عن الهامه ، لطالما كان كسولاً ، تلك الصفة التي تجعله يضجر حتى مما يحب ; و هكذا بالطبع حبه لأن يخط عالمه الخاص على ورق لم يتحول زهوراً ناضجة بعد .
أفكاره المشتتة كعادتها نادراً ما تتوحد ، لكن ما ذنب قلبه الذي يحب الكتابة بأن ينقاد خلف تلك المبعثرة ؟
" سأحاول " ضيق خناق قبضته حول القلم بينما يقرأ شروط تلك المسابقة التي خُطّت على جدار اعلانات جامعته .. سجل اسمه دون تردد ، لكن هل حقاً ستجود عليه بنات أفكاره كما يشاء ؟
أرخى جلوسه على مقعد في حديقة الجامعة ، قلمه في يمينه ..أوراقه في يساره استعداداً لحربه مع محيطه الذي يريد الاستلهام منه ، و مع نفسه التي تقوده نحو الجنون .
ضيق احدى عينيه الحادة كقناص يرتقب فريسته ، أستاذ له قصير القامة أشيب الشعر يجول القاعات في تلك الأيام العصيبة التي تكاد تقود للموت " أيام الامتحانات " موزعاً الحلوى و الطمأنينة على الطلبة علّه يخفف وطأة الأفكار الانتحارية .
و كم يذكره أستاذه ذاك بعيد الميلاد و توزيع الهدايا ! هل يكتب عن ذلك ؟ بالطبع لا .. ليس و كأنه يحب الأعياد أصلاً .
أدار مقلتيه في المكان بحثاً عن ضوء الهام تتسع حدقتاه شوقاً له ، هذان الاثنان أمامه ، نعم يعرفهما و من لا يفعل ؟ .. روميو و جولييت .. عصافير الحب المتهامسة .. كل تلك الرومانسية الملتمعة في عينيهما تعطي شعوراً أن العالم مليء بإشراقة شمس المشاعر الدافئة .. هذا ما يقوله الجميع .
أما هو عقد حاجبيه انزعاجاً ينفض رأسه رغبةً بنسيان ما رآه تواً متسائلاً في أفكاره " بحق ! كيف يطيق شخص ما اطالة النظر بغيره هكذا ! " مستاءً همست نفسه دون تفكير " محال لي أن أكتب قصة رومانسية ، تلك أسوء من الكتابة عن عيد الميلاد حتى " ، و لو فكر أن يفعل ستنتهي القصة بخيانة ، انفصال ، انتقامٍ فَموت ! نوع جديد من الرومانسية ربما ! .
كم تستفزه النهايات السعيدة ! سبب آخر يبعده عن شغفه المسمى " الكتابة " ، فكلما خطت يده كلمة مزقت الأخرى ورقة . لا نهاية ترضيه ، ليس يحب السعادة الكاذبة و ليس بقادر على ختمها مع حزن محتم ، كالعالق بين بر و بحر .. تناقض داخلي لا يشفى .
بعد ساعة من التأمل و التذمر في الجامعة ، أدرك أنها ليست سوى " مكان للنوم " ... عذراً بل " مكاناً للدراسة " كما لا يراها .
لملم شتات نفسه و أغراضه رجوعاً لمنزله عازماً على قراءة كتاب ما قد يقتبس منه القليل و ليس فكره سوى الاتصال بصديقه شين الذي تقترب المكتبة من مسار منزله .
رنة تتلوها رنة ، رُفعت سماعة الهاتف بعدها لينطق ذو الشعر الأسود بلهجة باردة " شين أريدك أن ... "
قاطعه شين مستنكراً من فوره " أتطلب فوراً ؟! ، ألا تلقى التحية أولاً ؟! "
بالكاد استطاعت سماعة الهاتف أن تتسع لحجم غرور ذلك المعني بينما تخللت أصابعه خصلاته السوداء في تداخل فوضوي " كن ممتناً فقط لأني أُسمعك صوتي "
تنهد شين بقوة منهياً النقاش الذي مهما طال سينتهي به الأمر يلبي طلبات صديقه ، و هل من حل آخر أمامه ؟
- " حسناً .. ما طلبك ؟! "
- " كتاب أو رواية من المكتبة ، عقلي يحتاج بضع أفكارٍ تدفعه " .
*********************
اعتلى كلاهما مكانهما المعتاد فوق سطح المنزل .
و هكذا ........
" انها فاشلة ! فاشلة تماماً ، يا لذوقكَ السيء ! لمَ اعتمدتُ عليك ؟ "
شهق شين مستاءً " ممَ يشكو ذوقي ؟ ثم انها رواية لكاتب مشهور "
ارتفع احدى حاجبيه يرمق شين غاضباً " و ماذا لو كانت مشهورة ؟! ما يهم كونها لم تعجبني "
هز رأسه يائساً ، فاشلاً في مجاراة صديقه و ذوقه " المختل " ، كتم ضحكته على تلك الفكرة يتحدث ساخراً " اذاً لن تجد حلاً عندي أيها الحاذق ! "
غادر تاركاً الآخر يركب الزورق ثم يبحر غوصاً ، وحيداً بعيداً عن الواقع ليته يجد لآلئ أفكاره .
*********************
ارتمى يستلقي باهمال في المكان ذاته يراقب السقف الداكن فوقه المسمى " السماء " كأنه يحفظ تفاصيله الممحية ، كانت ليلة صافية تلوح مودعة نجومها الراحلة .
مد يده نحو السماء مغطياً القمر .. من شدة وحدته تلك اللحظة لم يكن هناك من يصغي له عدا القمر .. همس خافت صدر منه لا يعرف أين يوجه وقعه الضعيف " لَكم أشفق عليك أيها القمر ! مغرور كل ليلة بالنجوم حولك .. لكنك الآن لست سوى كوكب وحيد .. ها قد خدعتك النجوم محطمة عهدها أن تكون معك .. أتراك متألماً لخيانتها ؟ أنت مخدوع .. ليتك تختفي و حسب ! "
تداخل مع همساته التائهة شعوره بحضور قوي لشخص ما خلفه .. صوت تنفس قريب جداً .. نهض يتلفت من حوله ظناً أن عقله يخذله كونه لم يجد أحد .
فجأة دلف الى بصره فتى يلمتع الفضي على شعره و تتلألأ عيناه به كياقوت يعكس ضوء البدر .
اقترب ذلك اللامع الغريب يسأله بنبرة فرغت من أي معنى بل بالكاد كانت استفهاماً " أتريد رؤية عالمٍ دون قمر ؟ لك ذلك ! " ، أمسك كتفه مدخلاً اياه في غياب الوعي .
استعاد حواسه في غرفة كبيرة ذات سقف يعلو مزداناً بأضوء كثيرة صغيرة لامعة فبدا كسماء تزهو فخراً بنجومها .
أدار سمعه و رأسه نحو مصدر الصوت العميق الهادئ و صاحبه ذو الشعر الفضي الذي ينطق
" كنت بانتظار صحوتك .. رغبةً أن أريك شيئاً ما "
أعطاه الماكث على السرير نظرات مستغربه تطالبه أن يعرف عن نفسه و المكان ، لكن التجاهل كان مصيرها ثم ايماءة صغيرة تأمره باللحاق به ، فلم يكن أمامه خيار سوى اتباع مَن أمامه ، خرج من الحجرة الواسعة مقابلاً ممراً طويل يعتليه سقف منير كالغرفة ، أبواب كثيرة على جوانبه و أطرافه توحي أنه قصر فخم اجتذب الهام حالك الشعر و العينين .
خارج القصر اتخذت خطواتهما مساراً نحو مكانٍ يشبه السوق المفتوح ، و يا له من غريب أمره هذا المكان ، بل هذا العالم ! فمنذ فتح مقلتيه السوداء لم تتسلل لهما سوى ألوانٍ ثلاث ، أبيض ، أسود ، أزرق . كل ما يحيطه اصطبغ بها حتى شعر من يراهم يجولون أمامه صغاراً أم كباراً ، عدا أعينهم المختلفة ألواناً متوهجة لم يرَ مثيلاً لها بل يعجز عن وصفها .
رفع فضي الشعر يده مشيراً نحو السماء
" انظر .. أليس هذا ما أردت ؟ أترغب بسماءٍ كهذه ؟ "
وجه الآخر رأسه فأنظاره نحو السماء من فوره ، اتسعت حدقتاه الداكنة صدمة مما وقعت عليه عيناه ، ليس ليلاً .. ليس نهاراً .. وجود الشمس ملغي .. و وجود القمر مخفي .. نجوم و غيوم ؟ لا أثر لها ! ، هي سماء طغت زرقتها المعتدلة بشكل غريب .. لا داكن و لا فاتح . جعلت تساؤلات الناظر تتخبط كانعكاسات لا متناهية في نفسه ، ألم يكن منذ قليل يراقب ليلة وحيدة القمر ؟ .
قرأ ذو عينا الفضة التساؤلات في الآخر و الذي احتله فضول قاتل فتبسّم لمرته الأولى ، تلك الابتسامة التي صاعدت لمعان جاذبيته " أنت في عالمٍ آخر .. هو عالمي و أحضرتك اليه ، عالم لونا ( القمر ) .. تخيل أن اسمه القمر بينما يخلو منه ، ألم تُرد اختفاءه ؟ كيف ترى شعورك الآن ؟ "
زمَّ الآخر شفتيه لحظات يفكر أحلم هذا أم واقع ؟! لكن لمَ عسى ذلك يكون مهماً ؟ سيساير الوضع مهما كان الحال ، رد ناطقاً " سماؤكم عميقة كمحيط نبذ نهايته .. قد يسحرك بداية لكن سريعاً ما يتشبث بك الملل ثائراً على حاله التي لا تتغير و انغماسه المستمر .. يا له من ضجر ! "
سخرية خفيفة ظهرت في رد الآخر السريع
" ما أراكَ سوى متراجعاً عن كلامك فرغبتك .. لذا سأخبرك القليل عن هذا المكان ، عالمنا هنا شديد الارتباط و السماء . نحن بشر مثلكم لكن حين يولد شخص منّا يرتبط مصيره مع نجمة ما كأنه واحد معها ، و كأنها تصبح حية .. يضيآن معاً و يخفتان معاً ، لكن نجومنا ليست في سماءنا بل سماءكم "
صمت قليلاً مراقباً تركيز مستمعه يفصل بين سكناته بدقائق مردفاً " الرابط الوثيق مع السماء منحنا بعضاً من ألوانها فكل شيء يصطبغ مثلها ، عدا الفضي الذي يميزني ، بل يميز تسعة في عالمنا كله .. أصحاب الارتباط مع القمر ذاته و ليس بنجم .. أمراء القمر الذي يمثل كل منهم طوراً من أطواره التسع ، و نحن فقط من يستطيع دخول عالمكم .. أنا القمر الكامل
" البدر " . كلماتك عن سماءك أوقظت بي رغبةً أن أريك سمائي الفارغة ، حينها كنت أعلم أنك ستحب عالمك فكل منا يتمناه "
أنهى كلامه غير عالِمٍ أن مستمعه غائص في في عالم بعيداً عن العالمين ، فلم يكن في فكره سوى طَرقٍ على فكرة جديدة كصفيحة ذهب يحيلها مجوهرات ، نفض رأسه عودةً الى واقعه أم هو حلم مضاعف واحد متداخل مع آخر ؟
" لم تخبرني باسمك "
ابتسم الفضي مجدداً " سِلفر " و يا له من اسم براق كصاحبه !
أمهل سِلفر ذلك المتمعن الحائر بضع دقائق يثبت أنظاره على السماء ثم يختلس النظر لكل ما حوله ، وجه كلماته نحوه مع علمه أنه شارد في التفاصيل " و الآن ستعود لعالمك ، رأيتَ ما يكفيك و ما يجدر بأفكارك أن تغير نفسها لأجله "
كرر سِلفر ما فعله في المرة الأولى ، يده على كتف الآخر الذي تداخل وعيه مع الغياب .. لكنه استيقظ هذه المرة على سطح منزله يتذكر ما حصل تواً لا يكف عن الاستفهام " أحلم كان أم حقيقة ؟ " ، بعثر شعره الداكن لعل سؤاله هذا يتبعثر هو الآخر فيُنسى .
أطبق كفيه مسرعاً على قلمه و أوراقه يمطر عليها أفكاره .
**********************
*** بعد اسبوعين ***
انتهى الى سمعه صوت تصفيق حاد في القاعة الكبيرة يتلو سماعه لاسمه ، ثوانٍ يستوعب الأمر ثم يمحو استغرابه راسماً ثقته معتلياً المنصة ، ها هو ذا يتوّج فائزاً في مسابقة الكتابة مع قصته بعنوان " سماء دون قمر " مسترجعاً رؤياه في عالم القمر الذي خلا منه .
طُرحت أسئلة تدور حول مصدر الهامه الذي أوصله نحو فوزٍ بالمركز الأول ، تلونت عيناه السوداء الداكنة بالغرور كما ابتسامته يجيب بأربع حروف " سِلفر ! "
* النهاية *]
تتحدث أحياناً عن محاولات الكاتب في البحث عن الهامه المفقود , مع لمسة من الخيال .
أترككم معها ....
*****************************************************
" لا تقتل ! .. خذ شهيقاً .. زفير .. فكر ملياً و ارمه من يدك ، لا تقتل ! "
ارتفعت بها نبرة ذلك الفتى ذو الشعر الذي شابه بني القهوة المرة لمَن أمامه بينما يمد يده حذِراً علّه يسحب القلم من أنامل ذلك القاتل السفاح و لم تكن سوى محاولة منه لانقاذ
" الشخصيات " و مصيرها من بين يدي
" كاتب " ذو مزاج عكر كصديقه .
تنفس الآخر بعمق يتشرب قهوته البنية متبرماً ليس من مرارتها بل من صديقه ، ما إن رنّ صوت وضعه كوبه على الطاولة أمامها حتى ضيق عينيه المغبرة بسوادها كشعره الحالك و أفكاره ، رمى القلم الذي كان يسكن أصابعه منذ لحظات على مَن قابله جلوساً أمام الطاولة الصغيرة على سطح المنزل " تحمل نتائج أقوالك ! طلبت مني ترك القلم و ها أنا ذا أتركه "
تحسس ذو الشعر المكتسي بناً رأسه المتألم يتذمر " هذا يسمى رمياً لا تركاً ! ، أهكذا تفعل بي لأني أحاول تخفيف وطأة مزاجك السيء و قسوتك على صغارك ؟ كف عن تعذيبهم "
و لم يكن يعني ب " صغاره " سوى " شخصياته " ، أليست تلك الشخصيات قطعاً في أحجية قلب كاتبها ؟ أليست أزهاراً تنمو من أعماق روحه ؟
ما إن أنهى كلامه حتى قُذفت من كف صديقه الحانق رواية كانت أمامه " و تأتي لي بهذه ؟ ، فاشلة ! إنها فاشلة تماماً ! "
********************
بدايتنا مع ذلك الباحث عن الهامه ، لطالما كان كسولاً ، تلك الصفة التي تجعله يضجر حتى مما يحب ; و هكذا بالطبع حبه لأن يخط عالمه الخاص على ورق لم يتحول زهوراً ناضجة بعد .
أفكاره المشتتة كعادتها نادراً ما تتوحد ، لكن ما ذنب قلبه الذي يحب الكتابة بأن ينقاد خلف تلك المبعثرة ؟
" سأحاول " ضيق خناق قبضته حول القلم بينما يقرأ شروط تلك المسابقة التي خُطّت على جدار اعلانات جامعته .. سجل اسمه دون تردد ، لكن هل حقاً ستجود عليه بنات أفكاره كما يشاء ؟
أرخى جلوسه على مقعد في حديقة الجامعة ، قلمه في يمينه ..أوراقه في يساره استعداداً لحربه مع محيطه الذي يريد الاستلهام منه ، و مع نفسه التي تقوده نحو الجنون .
ضيق احدى عينيه الحادة كقناص يرتقب فريسته ، أستاذ له قصير القامة أشيب الشعر يجول القاعات في تلك الأيام العصيبة التي تكاد تقود للموت " أيام الامتحانات " موزعاً الحلوى و الطمأنينة على الطلبة علّه يخفف وطأة الأفكار الانتحارية .
و كم يذكره أستاذه ذاك بعيد الميلاد و توزيع الهدايا ! هل يكتب عن ذلك ؟ بالطبع لا .. ليس و كأنه يحب الأعياد أصلاً .
أدار مقلتيه في المكان بحثاً عن ضوء الهام تتسع حدقتاه شوقاً له ، هذان الاثنان أمامه ، نعم يعرفهما و من لا يفعل ؟ .. روميو و جولييت .. عصافير الحب المتهامسة .. كل تلك الرومانسية الملتمعة في عينيهما تعطي شعوراً أن العالم مليء بإشراقة شمس المشاعر الدافئة .. هذا ما يقوله الجميع .
أما هو عقد حاجبيه انزعاجاً ينفض رأسه رغبةً بنسيان ما رآه تواً متسائلاً في أفكاره " بحق ! كيف يطيق شخص ما اطالة النظر بغيره هكذا ! " مستاءً همست نفسه دون تفكير " محال لي أن أكتب قصة رومانسية ، تلك أسوء من الكتابة عن عيد الميلاد حتى " ، و لو فكر أن يفعل ستنتهي القصة بخيانة ، انفصال ، انتقامٍ فَموت ! نوع جديد من الرومانسية ربما ! .
كم تستفزه النهايات السعيدة ! سبب آخر يبعده عن شغفه المسمى " الكتابة " ، فكلما خطت يده كلمة مزقت الأخرى ورقة . لا نهاية ترضيه ، ليس يحب السعادة الكاذبة و ليس بقادر على ختمها مع حزن محتم ، كالعالق بين بر و بحر .. تناقض داخلي لا يشفى .
بعد ساعة من التأمل و التذمر في الجامعة ، أدرك أنها ليست سوى " مكان للنوم " ... عذراً بل " مكاناً للدراسة " كما لا يراها .
لملم شتات نفسه و أغراضه رجوعاً لمنزله عازماً على قراءة كتاب ما قد يقتبس منه القليل و ليس فكره سوى الاتصال بصديقه شين الذي تقترب المكتبة من مسار منزله .
رنة تتلوها رنة ، رُفعت سماعة الهاتف بعدها لينطق ذو الشعر الأسود بلهجة باردة " شين أريدك أن ... "
قاطعه شين مستنكراً من فوره " أتطلب فوراً ؟! ، ألا تلقى التحية أولاً ؟! "
بالكاد استطاعت سماعة الهاتف أن تتسع لحجم غرور ذلك المعني بينما تخللت أصابعه خصلاته السوداء في تداخل فوضوي " كن ممتناً فقط لأني أُسمعك صوتي "
تنهد شين بقوة منهياً النقاش الذي مهما طال سينتهي به الأمر يلبي طلبات صديقه ، و هل من حل آخر أمامه ؟
- " حسناً .. ما طلبك ؟! "
- " كتاب أو رواية من المكتبة ، عقلي يحتاج بضع أفكارٍ تدفعه " .
*********************
اعتلى كلاهما مكانهما المعتاد فوق سطح المنزل .
و هكذا ........
" انها فاشلة ! فاشلة تماماً ، يا لذوقكَ السيء ! لمَ اعتمدتُ عليك ؟ "
شهق شين مستاءً " ممَ يشكو ذوقي ؟ ثم انها رواية لكاتب مشهور "
ارتفع احدى حاجبيه يرمق شين غاضباً " و ماذا لو كانت مشهورة ؟! ما يهم كونها لم تعجبني "
هز رأسه يائساً ، فاشلاً في مجاراة صديقه و ذوقه " المختل " ، كتم ضحكته على تلك الفكرة يتحدث ساخراً " اذاً لن تجد حلاً عندي أيها الحاذق ! "
غادر تاركاً الآخر يركب الزورق ثم يبحر غوصاً ، وحيداً بعيداً عن الواقع ليته يجد لآلئ أفكاره .
*********************
ارتمى يستلقي باهمال في المكان ذاته يراقب السقف الداكن فوقه المسمى " السماء " كأنه يحفظ تفاصيله الممحية ، كانت ليلة صافية تلوح مودعة نجومها الراحلة .
مد يده نحو السماء مغطياً القمر .. من شدة وحدته تلك اللحظة لم يكن هناك من يصغي له عدا القمر .. همس خافت صدر منه لا يعرف أين يوجه وقعه الضعيف " لَكم أشفق عليك أيها القمر ! مغرور كل ليلة بالنجوم حولك .. لكنك الآن لست سوى كوكب وحيد .. ها قد خدعتك النجوم محطمة عهدها أن تكون معك .. أتراك متألماً لخيانتها ؟ أنت مخدوع .. ليتك تختفي و حسب ! "
تداخل مع همساته التائهة شعوره بحضور قوي لشخص ما خلفه .. صوت تنفس قريب جداً .. نهض يتلفت من حوله ظناً أن عقله يخذله كونه لم يجد أحد .
فجأة دلف الى بصره فتى يلمتع الفضي على شعره و تتلألأ عيناه به كياقوت يعكس ضوء البدر .
اقترب ذلك اللامع الغريب يسأله بنبرة فرغت من أي معنى بل بالكاد كانت استفهاماً " أتريد رؤية عالمٍ دون قمر ؟ لك ذلك ! " ، أمسك كتفه مدخلاً اياه في غياب الوعي .
استعاد حواسه في غرفة كبيرة ذات سقف يعلو مزداناً بأضوء كثيرة صغيرة لامعة فبدا كسماء تزهو فخراً بنجومها .
أدار سمعه و رأسه نحو مصدر الصوت العميق الهادئ و صاحبه ذو الشعر الفضي الذي ينطق
" كنت بانتظار صحوتك .. رغبةً أن أريك شيئاً ما "
أعطاه الماكث على السرير نظرات مستغربه تطالبه أن يعرف عن نفسه و المكان ، لكن التجاهل كان مصيرها ثم ايماءة صغيرة تأمره باللحاق به ، فلم يكن أمامه خيار سوى اتباع مَن أمامه ، خرج من الحجرة الواسعة مقابلاً ممراً طويل يعتليه سقف منير كالغرفة ، أبواب كثيرة على جوانبه و أطرافه توحي أنه قصر فخم اجتذب الهام حالك الشعر و العينين .
خارج القصر اتخذت خطواتهما مساراً نحو مكانٍ يشبه السوق المفتوح ، و يا له من غريب أمره هذا المكان ، بل هذا العالم ! فمنذ فتح مقلتيه السوداء لم تتسلل لهما سوى ألوانٍ ثلاث ، أبيض ، أسود ، أزرق . كل ما يحيطه اصطبغ بها حتى شعر من يراهم يجولون أمامه صغاراً أم كباراً ، عدا أعينهم المختلفة ألواناً متوهجة لم يرَ مثيلاً لها بل يعجز عن وصفها .
رفع فضي الشعر يده مشيراً نحو السماء
" انظر .. أليس هذا ما أردت ؟ أترغب بسماءٍ كهذه ؟ "
وجه الآخر رأسه فأنظاره نحو السماء من فوره ، اتسعت حدقتاه الداكنة صدمة مما وقعت عليه عيناه ، ليس ليلاً .. ليس نهاراً .. وجود الشمس ملغي .. و وجود القمر مخفي .. نجوم و غيوم ؟ لا أثر لها ! ، هي سماء طغت زرقتها المعتدلة بشكل غريب .. لا داكن و لا فاتح . جعلت تساؤلات الناظر تتخبط كانعكاسات لا متناهية في نفسه ، ألم يكن منذ قليل يراقب ليلة وحيدة القمر ؟ .
قرأ ذو عينا الفضة التساؤلات في الآخر و الذي احتله فضول قاتل فتبسّم لمرته الأولى ، تلك الابتسامة التي صاعدت لمعان جاذبيته " أنت في عالمٍ آخر .. هو عالمي و أحضرتك اليه ، عالم لونا ( القمر ) .. تخيل أن اسمه القمر بينما يخلو منه ، ألم تُرد اختفاءه ؟ كيف ترى شعورك الآن ؟ "
زمَّ الآخر شفتيه لحظات يفكر أحلم هذا أم واقع ؟! لكن لمَ عسى ذلك يكون مهماً ؟ سيساير الوضع مهما كان الحال ، رد ناطقاً " سماؤكم عميقة كمحيط نبذ نهايته .. قد يسحرك بداية لكن سريعاً ما يتشبث بك الملل ثائراً على حاله التي لا تتغير و انغماسه المستمر .. يا له من ضجر ! "
سخرية خفيفة ظهرت في رد الآخر السريع
" ما أراكَ سوى متراجعاً عن كلامك فرغبتك .. لذا سأخبرك القليل عن هذا المكان ، عالمنا هنا شديد الارتباط و السماء . نحن بشر مثلكم لكن حين يولد شخص منّا يرتبط مصيره مع نجمة ما كأنه واحد معها ، و كأنها تصبح حية .. يضيآن معاً و يخفتان معاً ، لكن نجومنا ليست في سماءنا بل سماءكم "
صمت قليلاً مراقباً تركيز مستمعه يفصل بين سكناته بدقائق مردفاً " الرابط الوثيق مع السماء منحنا بعضاً من ألوانها فكل شيء يصطبغ مثلها ، عدا الفضي الذي يميزني ، بل يميز تسعة في عالمنا كله .. أصحاب الارتباط مع القمر ذاته و ليس بنجم .. أمراء القمر الذي يمثل كل منهم طوراً من أطواره التسع ، و نحن فقط من يستطيع دخول عالمكم .. أنا القمر الكامل
" البدر " . كلماتك عن سماءك أوقظت بي رغبةً أن أريك سمائي الفارغة ، حينها كنت أعلم أنك ستحب عالمك فكل منا يتمناه "
أنهى كلامه غير عالِمٍ أن مستمعه غائص في في عالم بعيداً عن العالمين ، فلم يكن في فكره سوى طَرقٍ على فكرة جديدة كصفيحة ذهب يحيلها مجوهرات ، نفض رأسه عودةً الى واقعه أم هو حلم مضاعف واحد متداخل مع آخر ؟
" لم تخبرني باسمك "
ابتسم الفضي مجدداً " سِلفر " و يا له من اسم براق كصاحبه !
أمهل سِلفر ذلك المتمعن الحائر بضع دقائق يثبت أنظاره على السماء ثم يختلس النظر لكل ما حوله ، وجه كلماته نحوه مع علمه أنه شارد في التفاصيل " و الآن ستعود لعالمك ، رأيتَ ما يكفيك و ما يجدر بأفكارك أن تغير نفسها لأجله "
كرر سِلفر ما فعله في المرة الأولى ، يده على كتف الآخر الذي تداخل وعيه مع الغياب .. لكنه استيقظ هذه المرة على سطح منزله يتذكر ما حصل تواً لا يكف عن الاستفهام " أحلم كان أم حقيقة ؟ " ، بعثر شعره الداكن لعل سؤاله هذا يتبعثر هو الآخر فيُنسى .
أطبق كفيه مسرعاً على قلمه و أوراقه يمطر عليها أفكاره .
**********************
*** بعد اسبوعين ***
انتهى الى سمعه صوت تصفيق حاد في القاعة الكبيرة يتلو سماعه لاسمه ، ثوانٍ يستوعب الأمر ثم يمحو استغرابه راسماً ثقته معتلياً المنصة ، ها هو ذا يتوّج فائزاً في مسابقة الكتابة مع قصته بعنوان " سماء دون قمر " مسترجعاً رؤياه في عالم القمر الذي خلا منه .
طُرحت أسئلة تدور حول مصدر الهامه الذي أوصله نحو فوزٍ بالمركز الأول ، تلونت عيناه السوداء الداكنة بالغرور كما ابتسامته يجيب بأربع حروف " سِلفر ! "
* النهاية *]