السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يسعد ربي صباحكم/ومساكم يا الشعب التوني أخباركم يارب الجميع بخير وصحة وسلامة
ورجع يطل عليكم فريق تآنجيرو الرهييب من جديد وفي قسم بالنسبة لي اول مره أدخله يعني
صدق إلعبت فينا كارينه<< على التحديث القديم للأسم ، لما أختارت لنا الأقسام ><" بس قلنا بما إننا دخلنا هوون
ما فيه افضل وأجمل من سيرة حبيبنا وسيد الخلق محمد صلوات الله عليه وصراحة وربي استمتعت
متعة وأنا اجمع المعلومات بشكل كبيير طلعت جاهلة بشغلات كثييرة في سيرته
وبالرغم من كتابتنا وتنوعنا في شتى مجال حياته إلا أننا لم نكتب سوى الشيء القليل جداً
يعني صراحه في اشياء تمنيت لو اسهبت في الكتابة عنها ، من كل قلبي أشكرك كارينه وطبعاً
نحنا 3 اعضاء لكن كارمي الجميلة صار لها ظروف وما قدرت تشارك معنا في انزال الفقرات لكن وجودها
معنا ملمووس جداً يعني إذا صار فيه تونات وحركات وبركات ما تنسونها معنا ^^
نقول بسم الله ونبدأ رحلتنا البسيطة في شيء عظييم جداً .... ▪▪▪
▪▪▪
▪ نسب النبي ومولده ▪امهاته ▪رضاعته ▪كفالته ▪رعيه للأغنام ▪تجارته ▪مشاركته في بناء الكعبة ▪دلائل النبوة قبل البعثه ▪نزول الوحي ▪الدعوة السرية ▪الدعوة الجهرية ▪المقاطعة ▪إنتهاء المقاطعة ▪عام الحزن ▪الدعوة خارج مكة ▪الهجرة إلى الحبشة ▪الإسراء والمعراج ▪بيعة العقبة الأولى ▪بنود البيعة الأولى ▪بيعة العقبة الثانية ▪بنود العقبة الثانية ▪الهجرة النبوية ▪بناء المسجد ▪المؤاخاة ▪وثيقة المدينة ▪بنود وثيقة المدينه ▪غزوات الرسول ▪أسماء غزوات الرسول ▪مكاتبة الملوك و الأمراء ▪الرسائل ▪الوفود ▪حجّة الوداع ▪خطبة حجة الوداع ▪البيت النبوي ▪صفات النبي ▪صفاته الخَلقية ▪صفاته الخُلقية ▪وفاة النبي ▪كتب في سيرته ▪المراجع ▪رمزيات قصيرة ▪رمويات طويلة ▪فواصل كتب ▪الخاتمة ___________________________________________________________________________________ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ__▪يتبع
إِنَّهُ مُحَمَّد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قُصي بن كلاب بن مرة بن كعب
بن لؤي بن غالب بن فهر ابن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان
ثم اختلفت الروايات من بعد عدنان إلى إسماعيل بن إبراهيم عليه السلام.
ومن اسمائه ايضا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أنا محمد، وأنا أحمد وأنا الماحي الذي يمحو اللهُ به الكفر
وأنا الحاشِرُ الذي يُحشر الناس على قدمي، وأنا العاقِب الذي ليس بعده نبي "، وقد سماه الله رؤوفاً رحيماً متفق عليه.
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُسمي لنا نفسه أسماء فقال: (أنا محمد، وأنا أحمد،وأنا المقفِّي، ونبي التوبة، ونبي الرحمة)
(المقفِّي: آخر الآنبياء) رواه مسلم وقال القاضي عياض: قد حمى الله هذين الاسمين (يعني محمد وأحمد)
أن يتسمى بهما أحد قبل زمانه، أحمد الذي ذكر في الكتب وبشر به عيسى عليه السلام، فمنع الله بحكمته
أن يتسمى به أحد غيره، ولا يدعى به مدعو قبله حتى لا يدخل اللبس ولا الشك فيه على ضعيف القلب، وأما محمد فلم يتسم
به أحد من العرب ولا غيرهم إلا حين شاع قبيل مولده أن نبياً يبعث اسمه محمد، فسمى قليل من العرب أبناءهم
بذلك رجاء أن يكون أحدهم هو، والله أعلم حيث يجعل رسالته.
ومن تكريم الله تعالى له ولاسمه الشريف أنه صرف كفار قريش عن شَتم اسمه، فكانوا يدعونه مذمَّماَ
وفي ذلك يقول عليه الصلاة والسلام: " ألا تعجبون كيف يصرف الله عني شتم قريش، ولعنهم ؟ يشتمون مذَمَّماً، ويلعنون مُذَمَّماَ وأنا محمّد ".
وبالنسبه لمولده فتعدّدت الأقوال في تاريخ ميلاد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ولكن ثمة اتفاقٌ بين جمهور أهل العلم
على أنّ النبي -صلّى الله عليه وسلّم- ولد في عام الفيل، ولكنّهم اختلفوا في الشهر، واليوم الذي وُلد فيه
حيث قال بعضهم إنّه وُلد بعد عام الفيل بثلاثين يوماً، ومنهم من قال بأنّه وُلد بعده بأربعين يوماً
ومنهم من قال بأنّه ولد بعده بعدّة أشهرٍ، ومنهم من قال بأنّه ولد بعد عام الفيل بعشر سنينٍ، أو بثلاثٍ وعشرين، أو بثلاثين سنةً
والدليل على أنّ النبي ولد في عام الفيل، ما رواه ابن إسحاق عن قيس بن مخرمة بن المطلب، أنّه
قال: (ولدتُ أنا ورسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ عامَ الفيلِ) بالإضافة إلى ما رُوي عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه
أنّه قال: (وُلِد رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عامَ الفيلِ) وقد رجّح الذهبي أن يكون سبب الخطأ في قول أنّ ولادة النبي
-صلّى الله عليه وسلّم- كانت بعد عام الفيل بثلاثين، أو أربعين عاماً، أنّ القائل أراد أن يقول يوماً، فقال عاماً
ويكاد أن يتحقّق الإجماع بين العلماء على أنّه ولد في عام الفيل، حيث قال ابن القيم في زاد المعاد: (لا خلافٌ أنّه ولد بجوف مكة
وأنّ مولده عام الفيل) وأمّا بالنسبة للشهر الذي ولد فيه النبي صلّى الله عليه وسلّم، فقد اتفق جمهور أهل العلم
على أنّه شهر ربيع الأول، ولم يخالفهم إلّا قولٌ واحدٌ، وهو أنّ النبي -صلّى الله عليه وسلّم- ولد في رمضان
وقد قال عنه ابن كثيرٍ: (نقله ابن عبد البر عن الزبير بن بكار، وهو قولٌ غريبٌ جدًا)، وبالنسبة لتاريخ اليوم الذي وُلد فيه النبي
فإنّ فيه خلافٌ أيضاً، حيث قال البعض أنّه ولد بعد ليلتين خلتا من ربيع الأول، ومن أصحاب ذلك القول ابن عبد البر
والواقدي، وقيل إنّ النبي ولد بعد ثمان ليالٍ من ربيع الأول، وهو ما رواه الحميدي عن ابن حزم، ورواه مالك، ويونس بن يزيد
وعقيل، وغيرهم عن الزهري عن محمدٍ بن جبيرٍ بن مطعمٍ، وقيل إنّ النبي -صلّى الله عليه وسلّم-
ولد بعد عشر ليالٍ من ربيع الأول، ونقله مجالدٌ عن الشعبي، ورواه ابن عساكرٍ عن أبي جعفر الباقر، وقيل بل وُلد النبي
بعد اثنتي عشر ليلةً، واستدلّ أصحاب ذلك القول بما رُوي عن عبد الله بن عباس، وجابر بن عبد الله رضي الله عنهما
أنّهما قالا: (وُلِدَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عامَ الفيلِ، يومَ الاثنينِ الثاني عشرَ من ربيعِ الأولِ، وفيه بُعِثَ
وفيه عُرِجَ به إلى السماءِ، وفيه هاجرَ، وفيه مات)، وذلك هو القول المشهور عند جمهور أهل العلم، وممّا يؤكد ولادة رسول الله
-صلّى الله عليه وسلّم- يوم الاثنين، ما رواه أبو قتادة عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم،
أنّه سُئل عن صيام يوم الاثنين، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: (ذاك يومٌ وُلدتُ فيه، ويومُ أُنزلَ عليَّ فيه)
آمنة بنت وهب: " أمه ولادة "، كانت خير امرأة في قريش نسباً وموضعاً من أسرة تعتبر من أشرف القبائل العربية وأشرفها سلالة.
- حليمة السعدية: " أمه رضاعة "، كانت فاضلة طيبة وحاضنة مرضعة، كسبت شرف أمومة رسول الله صلى الله عليه وسلم برضاعته.
- بَرَكة ثعلبة (أم أيمن): "أمه حضانة"، كانت من موالي عبد الله بن عبد المطلب، احتضنت النبي صلى الله عليه وسلم عندها
حتى شب وقد أحسنت حضانته وأخلصت إليه. وقد أعتقها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد زواجه من السيدة خديجة
وتزوجت وولدت أيمن رضي الله عنه الذي كان له شأن كبير في الإسلام، فقد هاجر و جاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم واستشهد يوم حنين.
وأم أيمن كانت قد أعلنت إسلامها من بداية الدعوة وكانت من أوائل النسوة اللاتي هاجرن إلى الحبشة وإلى المدينة
وبايعن الرسول صلى الله عليه وسلم ولقد كانت خلال هجرتها إلى المدينة المنورة، صائمة مهاجرة ماشية
ولم يكن معها شيء من الزاد أو الشراب ولما حانت ساعة الإفطار منحها الله تعالى كرامة عظيمة إذ دُّلي عليها من السماء دلو فيه ماء
فأخذته وشربت منه حتى رويت فما عطشت بعدها أبداً. أسلمت روحها الطاهرة في خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه ودُفنت في البقيع.
- فاطمة بنت أسد الهاشمية: " أمه تكريماً "، وهي زوجة عم الرسول صلى الله عليه وسلم أبي طالب
وأم علي بن أبي طالب كرم الله وجهه. وطالب وعقيل وجعفر وأم هانىء وجمانه وريطة بن أبي طالب أولاد عم الرسول عليه الصلاة والسلام.
أولت النبي صلى الله عليه وسلم رعاية خاصة وبذلت أقصى جهدها حتى لا تجعله يشعر بالغربة أو اليتم
حتى أنها كانت تفضله في بعض الأوقات على أبنائها وبهذا أصبحت فاطمة بنت أسد رضي الله عنها من
أقرب المقربات للرسول الكريم عليه الصلاة والسلام ولقد حفظت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الكثير من الأحاديث. ___________________________________________________________________________________ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ__▪يتبع
وُلِدَ الرسول عليه الصلاة والسلام يتيماً، فكفلته أمه تحت رعاية جده عبد المطلب، وكان من عادة قريش
أن تدفع بالأطفال إلى مرضعات من البادية، وذلك لينشأ الطفل في البادية حيث الهواء الصحي، وليتعلم اللغة العربية الفصحى في مهده.
بعد ولادة الرسول عليه الصلاة والسلام حضر إلى مكة عشر نساء من بني سعد يلتمسن إرضاع الأطفال
من عند سادة وأشراف مكة، وكان ذلك في سنةٍ شديدة القحط وكانت حليمة السعدية من بين نساء بني سعد جاءت إلى مكة
ومعها زوجها الحارث بن عبد العزى تتلمس طفلاً ترضعه، وحدث أن سبقت النساء حليمة أخذن الرضعاء ولم يبق
سوى الرسول صلى الله عليه وسلَّم، ولما وصلت حليمة السعدية مكة ورأت ذلك الطفل اليتيم أعرضت
عن أخذه لأنَّ أهله ليسوا أغنياء، وكادت أن تعود إلى البادية دون طفل، إلاَّ أنَّ قلبها رق له وصمَّمت على أخذه خشية أن تعود بلا طفل
وتعيرها المرضعات الأخريات، واستشارت زوجها فقال لها: لا عليكِ أن تفعلي فعسى أن يجعل الله لنا فيه خيراً وبركة، فذهبت إليه وأخذته.
تقول حليمة السعدية رضي الله عنها: لمَّا أَخَذْتُ محمداً صلى الله عليه و سلم ووضعته على حجري وضممته إلى صدري
فاض ثدياي باللبن بعد أن كادا يجفان من قلة الزاد، وشدة التعب، فشرب حتى روي وشرب أخوه حتى روي
وقام زوجي إلى ناقتنا فإذا بها مملوءة لبنا، فحلب لنا وشربنا حتى روينا
وقال زوجي: يا حليمة والله إني لأراك قد أخذت نسمة مباركة. فقالت: والله إني لأرجو ذلك. ثُمَّ خرجنا راجعين فسبقت الركب
ياتاني حتى ما سبقني أحد، فكلمَّا مررت على صواحبي قلن: يا حليمة أليست هذه إتانك التي خرجتِ عليها معنا؟
أقول: نعم والله إنها لهي، فيقلن: والله إن لها لشأناً. فلما عدنا إلى ديارنا وجدنا أرضنا ملأها العشب
لترعاه أغنامنا التي شبعت وسمنت وأعطت لبناً وافراً، وزاد عندنا الخير، وعرفنا أنَّ ذلك بسبب هذا الصبي المبارك.
ثُمَّ تضيف حليمة السعدية قائلة: شبَّ محمدٌّ صلى الله عليه و سلم بشكلٍ أسرع من الأطفال
ولم يبلغ التسعة أشهر من عمره حتى كان يتكلَّم بلهجةٍ واضحة ومحببة إلى القلوب، ولمَّا انقضت مدة الرضاعة
وهي سنتان أخذته إلى مكة لأسلمه لوالدته ثُمَّ أرجوها أن تبقيه عندي، وكم كان سروري عظيماً
عندما وافقت أُمُّه على عودته معي، وظل معنا، وكان يحب العزلة والهدوء، ويبتعد عن كل خُلُقٍ ذميم، ولمَّا بلغ الرابعة
من عمره أعدته إلى أمه في مكة المكرمة واحتضنته أمه تحت رعاية جده حتى بلغ السادسة
من عمره إذ توفيت وهي في طريق عودتها من يثرب إلى مكة، وكانت معها جاريتها أُمَّ أيمن
فعادت به إلى مكة، وأصبح عليه الصلاة والسلام يتيم الأبوين في هذه السن المبكرة من طفولته.
لقد شاءت الإرادة الإلهية أن يفقد النبي أباه وهو لايزال جنيناً في بطن أمه، ثم فقد أمه آمنة بنت وهب بعد عودته
من حي بني سعد من عند حليمة السعدية وله من العمر ست سنوات على أشهر الروايات.
وهكذا أصبح النبي وحيداً، وفي السن السادسة يتيم الأبوين. بعد وفاة أمه عاش في كفالة ورعاية جده عبد المطلب.
فكان هذا الرجل العظيم يرعاه خير رعاية ولا يأكل طعاماً إلا إذا حضر، وكان يفضله على سائر أبنائه.
وكان عارفا بنبوته وما تحمله له السنوات القليلة الآتية من مستقبل زاهر وحافل بالأحداث الكبيرة،
حتى إن بعض النصوص تنقل لنا أنه كان يوضع لعبد المطلب فراش مرتفع في ظل الكعبة، يجلس عليه يحيط به أبناؤه وأشراف مكة
فكان النبي يأتي وهو غلام صغير يدرج فيجلس على فراش جده فيستعظم أعمامه ذلك فيأخذونه يصرفوه عن ذلك
فيقول عبد المطلب :" دعوا ابني فوالله إن له لشأناً عظيماً، إني أرى أنه سيأتي عليكم يوم وهو سيدكم. إني أرى غرّته غرّة تسود الناس".
ثم يحمله فيجلسه معه ويمسح ظهره ويقبّله ويقول :"ما رأيت قبلة أطيب منه ولا أطهر قط
ولا جسدا ألين منه ولا أطيب". ثم يحمله على عنقه ويطوف به سبع مرات حول الكعبة الشريفة.
ويبدو أن عبد المطلب كان يعرف نبوة حفيده، وما سيكون من أمره وشأنه من خلال أمرين:
الأول : من الصفات والملامح التي كانت تظهر على النبي والبركات والأحداث غير العادية التي رافقته منذ ولادته
وفي أحضان أمه آمنة ومرضعته حليمة السعدية
الأمر الثاني: من بشائر وتلميحات الأحبار لمستقبله ونبوته.
فقد جاء في بعض النصوص أن عبد المطلب ذهب على رأس وفد من وجوه وأشراف مكة لتهنئة سيف ذي يزن
لمّا تغلّب على اليمن وتمكن من احتلالها. وبعد الانتهاء من مراسيم التهنئة عقدت خلوة بين سيف
ذي يزن وعبد المطلب فبشره سيف بمولود يولد لقريش في مكة يكون رسولاً للناس جمعياً، ووصفه له بصفاته وعلاماته.
فوجد عبد المطلب أن تلك الصفات والعلامات لا تتوافر في غير حفيده، فسجد لله شاكراً.
وهنا شعر "سيف" أن المولود الذي يتحدث عنه موجود في بيت عبد المطلب فأوصاه به خيرا، وحذره من خطر اليهود وغيرهم عليه.
إن هذا النوع من البشارات وغيره من الدلائل والعلامات والمؤشرات رسّخت في نفس عبد المطلب الاعتقاد بنبوة حفيده
وجعلت له (أي النبي) مكانة خاصة عنده بحيث كان يعطيه من الحب والعطف والحنان والرعاية والاهتمام ما لم يعطه لأحد غيره.
معاملة عبد المطلب لحفيده "المختار"
إلا أن هذا الحنان الدافق وهذه الرعاية الكريمة التي لمسها النبي من جده لم تدم طويلاً، فقد توفي عبد المطلب
والنبي في الثامنة من عمره ولكن قبل الوفاة كان عبد المطلب قد جمع أولاده العشرة ووزع عليهم المهمات
والأدوار التي كان يقوم بها في مكة، والخدمات التي كان يقدمها للمكيين وغيرهم من الوافدين إلى مكة في المواسم.
ولم يكن عبد المطلب يفكر في شيء كما كان يفكر في حفيده محمد الذي سيمضي عنه ويتركه وحيداً
في هذه الدنيا بلا مال وبلا أب ولا أم ، ولذلك فقد أوصى أولاده العشرة به
ولمّح لهم بما سيكون من شأن حفيده محمد في المستقبل.
وكان مما قاله لهم :"إني قد خلّفت لكم الشرف العظيم الذي تطأون به رقاب الناس"، على حد تعبير يعقوب
في تاريخه المعروف بـ"تاريخ اليعقوب". وقد اختار عبد المطلب من بين أبنائه لرعاية حفيده محمد أبا طالب
بالخصوص ليكون هو من يكفل محمداً بعده ويقوم برعايته باعتبار أن أبا طالب كان أخا لوالد النبي
من أم واحدة، فإن أمهما هي فاطمة ابنة عائذ المخزومية وطبيعي أن يكون أبو طالب أكثر حنانا وعطف وحباً
لابن أخيه من أبيه وأمه من بقية أخوانه الأخرين كالحارث والعباس وغيرهما الذين كانوا
من أمهات شتى أضف إلى ذلك أن أبا طالب كان أنبل أخوته وأكرمهم وأعظمهم مكانة في قريش وأجلهم قدراً
وقد ورث زعامة أبيه عبد المطلب، وخضع لزعامته القريب والبعيد والقاصي والداني رغم أنه كان فقيراً لا يملك شيئاً.
أبو طالب وزوجته يرعيان النبي
ولقد ورد عن الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) أنه قال :" إن أبي ساد الناس فقيراً"، أي أصبح سيداً وزعيماً، وما ساد فقير قبله".
وهكذا انتقل النبي إلى بيت عمه أبي طالب، بعد أن رحل جده من هذه الدنيا. فقام أبو طالب برعايته
خير رعاية وأدى الأمانة وحفظ الوصية، وبقي محمد شغله الشاغل الذي شغله حتى عن أولاده
في أشد المراحل ضيقاً وحرجاً حتى النفس الأخير من حياته.
ظل محمد في أحضان عمه وزوجته فاطمة بنت أسد لا يشعر بالغربة بين أولاده ولا يحس بمرارة اليتم والفقر
ووجد منهما الحرص والرعاية فوق ما يتصوره إنسان من أبويه بالنسبة إلى ولد وحيد عزيز عليهما.
لقد بلغ من حرص فاطمة بنت أسد على النبي أنها كانت في سني القحط والفقر التي مات
فيها الناس جوعا وعطشا تحرم أولادها من القوت الضروري من أجل أن تطعمه لنبينا محمد
واستمرت تعامله هذه المعاملة الكريمة حتى أصبح شابا.
وعندما بعث النبي بالرسالة أسرعت فاطمة بنت أسد إلى تصديقه والإيمان برسالته والإخلاص لهذه الرسالة
في السر والعلانية، هي وزوجها وأولادها منذ بدأ النبي يدعوة الناس إلى الإسلام وعبادة الله وحده.
الرسول يردّ الجميل لزوجة عمه ولم يكن محمد بن عبدالله، وهو الرجل الوفي الكريم الذي علّم الناس الوفاء والإحسان
لينسى لفاطمة بنت أسد مواقفها التي أنسته فقد أمه وأبيه وجده.
والتاريخ ينقل لنا أنه عندما توفيت هذه المرأة المعطاءة بكى النبي عليها، وقال والدموع تنهمر من عينيه :"اليوم ماتت أمي"
ثم كفّنها وصلى عليها وتولى دفنها ونزع قميصه وألبسها أياه ونزل في قبرها واضطجع فيه، وقرا فيه القرآن الكريم
وأحسن الثناء عليها، وصنع ما لم يصنعه مع مسلم قبلها.
وعندما رأى منه المسلمون صنعه هذا الذي لم يعهدوه منه مع أحد قبلها سأله بعضهم عن سبب فعله ذلك
فقال النبي :"ألبستها قميصي لتلبس من ثياب الجنة، واضطجعت في قبرها لأخفف عنها ضغطة القبر
إنها كانت أمي تؤثرني بالشيء على نفسها وولدها، إنها كانت أحسن خلق الله صنعاً بي بعد أبي طالب".
وهكذا فكما كان أبو طالب كانت زوجته حريصة على النبي وقدمت وضحت بالشيء الكثير
في طريق محمد ورسالته ودفاعا عنه وعن هذه الرسالة في جميع المراحل والظروف. ___________________________________________________________________________________ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ__▪يتبع
كان أبو طالب مُقلاًّ في الرزق فعمل النبي - صلى الله عليه وسلم - برعي الغنم مساعدة منه لعمه، فلقد أخبر - صلى الله عليه وسلم -
عن نفسه الكريمة وعن إخوانه من الأنبياء أنهم رعوا الغنم، أما هو فقد رعاها لأهل مكة وهو غلام وأخذ حقه عن رعيه
ففي الحديث الصحيح قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ما بعث الله نبيًّا إلا رعى الغنم» فقال: أصحابه: وأنت؟
قال: «نعم، كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة» ، إن رعي الغنم كان يتيح للنبي - صلى الله عليه وسلم -
الهدوء الذي تتطلبه نفسه الكريمة، ويتيح له المتعة بجمال الصحراء، ويتيح له التطلع إلى مظاهر جلال الله في عظمة الخلق
ويتيح له مناجاة الوجود في هدأة الليل وظلال القمر ونسمات الأشجار، يتيح له لونًا من التربية النفسية من الصبر والحلم والأناة
والرأفة والرحمة، والعناية بالضعيف حتى يقوى، وزم قوى القوي حتى يستمسك للضعيف ويسير بسيره
وارتياد مشارع الخصب والري وتجنب الهلكة ومواقع الخوف من كل ما لا تتيحه حياة أخرى بعيدة عن جو الصحراء
وهدوئها وسياسة هذا الحيوان الأليف الضعيف ، وتذكرنا رعايته للغنم بأحاديثه - صلى الله عليه وسلم -
التي توجه المسلمين للإحسان للحيوانات فكان رعي الغنم للنبي - صلى الله عليه وسلم - دربة ومرانًا له على سياسة الأمم.
نشأ الرسول صلى الله عليه وسلم في مكة (المدينة التجارية الكبرى في جزيرة العرب)، وفي هذه البيئة ظهر
رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد خرج صلى الله عليه وسلم مع قوافل قريش عندما كان عمره يتراوح بين التاسعة والثانية عشرة
فَصِلَتُه صلى الله عليه وسلم بالتجارة بدأت معه بداية مبكرة تأثرًا بالبيئة التي يعيش فيها
ولكن ما ميَّزه صلى الله عليه وسلم عن غيره من التجار عدة أمور: سُمعةٌ تجاريةٌ طيبةٌ
فالأمانة سبيل نجاح التاجر وأهم رأس مال يستثمره في التجارة، فإذا اجتمع مع الأمانة الصِّدقُ، توافرت الأرضية التجارية السليمة
وهو ما اجتمع للرسول صلى الله عليه وسلم، فقد عُرِف صلى الله عليه وسلم قبل الرسالة بالصادق الأمين
فسُمْعَتُه التجارية الطيبة ولَقَبُه الأمين جَعَلا السيدة خديجة -رضي الله عنها- تختاره ليتولى القيام بتجارتها أولا، ثم تتزوجه صلى الله عليه وسلم .
للسمعة التجارية الطيبة أثر واضح على المجتمع التجاري، وضح ذلك في ضوء سيرة النبي صلى الله عليه وسلم. ذكاءٌ ومهارةٌ في التجارة
كان صلى الله عليه وسلم ذا ذكاء شديد ومهارة في التجارة، وليس أدل على ذلك مما عمله صلى الله عليه وسلم في مال خديجة
فروي أنه (لما قدم مكة على خديجة بمالها باعت ما جاء به، فأضعف أو قريبًا).
أي إنه صلى الله عليه وسلم عاد من رحلته في تجارة خديجة بربح مُضَاعَف، ولا شك أن الأسواق التي كان يغشاها
رسول الله صلى الله عليه وسلم - مثل سوق عكاظ - كانت تمتلئ بالتجار ذوي التجارب ممن يكبرونه سنًّا وخبرة.
إضافة إلى ذلك فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتمتع بالفطنة في المعاملات التجارية وفهم التجار.
وقصته صلى الله عليه وسلم مع التاجر الذي يَغُشُّ مشهورة، فقد روى أبو هريرة -رضي الله عنه-
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم «مَرَّ عَلَى صُبْرَةِ (أي: كومة) طَعَامٍ، فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهَا فَنَالَتْ أَصَابِعُهُ بَلَلًا»، فَقَالَ: «مَا هَذَا يَا صَاحِبَ الطَّعَامِ؟!»
، قَالَ: «أَصَابَهُ المطر يَا رَسُولَ اللهِ»، قَالَ: «أَفَلَا جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعَامِ كَيْ يَرَاهُ النَّاسُ؟ مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي» (رواه مسلم).
فمن النظرة الأولى للطعام بدا فائق الجودة والنضارة، لكن بعد الفحص الدقيق فطن النبي صلى الله عليه وسلم
إلى ما كان خافيًا، فقد أدخل النبيُّ صلى الله عليه وسلم يدَهُ الشريفة إلى تلك الكومة فإذا بها مبتلّةٌ على نحوٍ يوحي بقُرْب
فسادها، فلم يكتفِ بالنظر لظاهر السلعة المعروضة، بل قام بالفحص والتدقيق للتأكد من جودتها ظاهرًا وباطنًا. ___________________________________________________________________________________ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ__▪يتبع
أول من بنى الكعبة المشرفة إبراهيم الخليل وولده إسماعيل ـ عليهما السلام ـ،
كما قال الله تعالى: { وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيم } (البقرة:127) .
ولما بلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خمساً وثلاثين سنة ـ قبل بعثته بخمس سنوات ـ اجتمعت قريش لتجديد بنائها
لما أصابها من تصدع جدرانها، وكانت لا تزال كما بناها إبراهيم ـ عليه السلام ـ رضما(حجارة) فوق القامة
فأرادوا هدمها ليرفعوها ويسقفوها ولكنهم هابوا هدمها، فقال الوليد بن المغيرة: أنا أبدؤكم في هدمها، فأخذ المعول، ثم قام يهدمها
وهو يقول : اللهم لم نزغ، ولا نريد إلا الخير.. فتربص الناس تلك الليلة وقالوا: ننظر، فإن أصيب لم نهدم منها شيئاً
ورددناها كما كانت، وإن لم يصبه شيء فقد رضي الله ما صنعنا، فأصبح الوليد غادياً يهدم، وهدم الناس معه حتى انتهوا..
وكانوا قد قسموا العمل وخصوا كل قبيلة بناحية، واشترك سادة قريش وشيوخها في نقل الحجارة ورفعها
وقد شارك النبي - صلى الله عليه وسلم ـ في بناء الكعبة، فعن جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنه ـ
قال : ( لما بُنيت الكعبة ذهب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والعباس ينقلان الحِجارَةَ، فقال العباس للنبي - صلى الله عليه وسلم -
: اجعل إزَارَك على رقبَتِكَ يَقِيكَ الحِجارةَ ، - وفعل ذلك قبل أن يُبْعثَ - فَخَرَّ إلى الأرض
فطمَحَتْ عيناه (أمد نظره) في السماء ، فقال : إزاري ، إزاري ، فشدَّه عليه ) رواه البخاري .
وقد تم تقسيم العمل في بناء الكعبة بين القبائل، وتولت كل واحدة منها ناحية من نواحي الكعبة، فجعلوا يبنونها بحجارة الوادي
ولما بلغ البنيان موضع الحجر الأسود دبَ الشقاق بين قبائل قريش ، فكل يريد أن ينال شرف رفع الحجر إلى موضعه ، وكادوا أن يقتتلوا فيما بينهم
حتى جاء أبو أمية بن المغيرة المخزومي فاقترح عليهم أن يحكّموا فيما اختلفوا فيه أول من يدخل عليهم من باب المسجد الحرام
فوافقوا على اقتراحه وانتظروا أول قادم ، فإذا هو رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
وما إن رأوه حتى هتفوا : هذا الأمين ، رضينا ، هذا محمد ، وما إن انتهى إليهم حتى أخبروه الخبر فقال : ( هلمّ إليَّ ثوبا )
فأتوه به فوضع الحجر في وسطه ثم قال : ( لتأخذ كل قبيلة بناحية من الثوب ثم ارفعوه جميعا ) ففعلوا ، فلما بلغوا به موضعه
أخذه بيده الشريفة ووضعه في مكانه فحاز النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ الشرف الذي كادوا يقتتلون عليه جميعاً، وهذه من أول
المقدمات للتكريم، ومن اعترافات قريش له ـ صلى الله عليه وسلم ـ بأنه الأمين ..
وفي ذلك إظهار لشرف النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ على كافة رجالات قريش، فقد كان محبوبا منهم كلهم، وكانوا لا يرتابون
في صدقه إذا حدث، وفي عدله إذا حكم، وفي أمانته وكريم وعظيم أخلاقه إذا عومل .
وإن اشتراك النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في بناء الكعبة وتجديدها، بين لنا حكمته ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، فقد كانت
طريقة حله للنزاع والخلاف موفقة وعادلة وحكيمة، ومن ثم رضي بها الجميع، وحقنت دماء كثيرة، وأوقفت حروباً طاحنة ..
وقد حصل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مشاركته في بناء الكعبة أمران: إنهاء الخصومة ووقف القتال المتوقع
بين قبائل قريش، والثاني: حصوله هو ـ صلى الله عليه وسلم ـ على شرف وضع الحجر الأسود
بيديه الشريفتين في مكانه من البيت .. وهذا من توفيق الله لرسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، وبيان لفضله وعلو منزلته ..
أولاً: خروج نور عند ولادته صلى الله عليه وسلم: عن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول: «إني عبد الله وخاتم النبيين، وإن آدم لمنجدل في طينته، وسأخبركم عن ذلك: دعوة أبي إبراهيم
وبشارة عيسى بي، ورؤيا أمي التي رأت، وكذلك أمهات النبيين يرين» وإن أم رسول الله صلى الله عليه وسلم
رأت حين وضعته نوراً أضاءت له قصور الشام ثانياً: البركة العامة في بيت مرضعته: حليمة السعدية ومالها: كان من عادة قريش أن يطلبوا لأبنائهم مرضعات من البادية
لتقوى أجسادهم وتتربى على حياة البادية، وكانوا يبعدونهم عن مكة لكونها -في ذلك الزمان-
تمثل المدنية المترفة التي تُخرِّج أبناءً مترفين غير قادرين على تحمل المشاق والحروب، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ممن
عاش في البادية وأرضعته حليمة السعدية، وكان قد حدث لها ولزوجها من النعم الكثيرة أثناء مكث محمد بن عبد الله معهما ثالثاً: شق صدره عليه الصلاة والسلام: لما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عند مرضعته حليمة السعدية
أراد الله عز وجل أن يطهر قلبه من حظ الشيطان، روى مسلم عن أنس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
أتاه جبريل، وهو يلعب مع الغلمان، فأخذه فصرعه، فشق عن قلبه، فاستخرج القلب، فاستخرج منه علقة
فقال: هذا حظ الشيطان منك، ثم غسله في طَسْت من ذهب بماء زمزم، ثم لأَمَه -أي جمعه وضم بعضه إلى بعض- ثم أعاده في مكانه
وجاء الغلمان يسعون إلى أمه -يعني ظئره، وهي مرضعته- فقالوا: إن محمدًا قد قُتل، فاستقبلوه وهو مُنْتَقِعُ اللون
-أي متغير اللون- قال أنس: وقد كنت أرى أثر ذلك المخيط في صدره!) رابعاً: عبد المطلب يستسقي برسول الله صلى الله عليه وسلم: عن جَلْهُمَة بن عُرْفُطَة قال: قدمت مكة وهم في قحط، فقالت قريش: يا أبا طالب
أقحط الوادي، وأجدب العيال، فهَلُمَّ فاستسق، فخرج أبو طالب ومعه غلام، كأنه شمس دُجُنَّة
تجلت عنه سحابة قَتْمَاء، حوله أُغَيْلمة، فأخذه أبو طالب، فألصق ظهره بالكعبة، ولاذ بأضبعه الغلام، وما في السماء قَزَعَة، فأقبل
السحاب من هاهنا وهاهنا وأغدق واغْدَوْدَق، وانفجر الوادي، وأخصب النادي والبادي خامساً: بحيرى الراهب واستدلاله على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم: لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم
اثنتى عشرة سنة ارتحل به أبو طالب تاجرًا إلى الشام، حتى وصل إلى بُصْرَى، وهي معدودة من الشام، وقَصَبَة لحُورَان
وكانت في ذلك الوقت قصبة للبلاد العربية التي كانت تحت حكم الرومان. وكان في هذا البلد راهب عرف بَبحِيرَى، واسمه
–فيما يقال-: جرجيس، فلما نزل الركب خرج إليهم، وكان لا يخرج إليهم قبل ذلك، فجعل يتخلّلهم حتى جاء فأخذ
بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: هذا سيد العالمين، هذا رسول رب العالمين، هذا يبعثه الله رحمة للعالمين.
فقال له أبو طالب وأشياخ قريش: وما علمك بذلك؟ فقال: إنكم حين أشرفتم من العقبة لم يبق حجر ولا شجر إلا خر ساجدًا
ولا يسجدان إلا لنبي، وإني أعرفه بخاتم النبوة أسفل من غضروف كتفه مثل التفاحة، وإنا نجده في كتبنا، ثم أكرمهم بالضيافة
وسأل أبا طالب أن يرده، ولا يقدم به إلى الشام؛ خوفًا عليه من الروم واليهود، فبعثه عمه مع بعض غلمانه إلى مكة ___________________________________________________________________________________ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ__▪يتبع
دخل جبريل عليه السلام على النبي صلى الله عليه وسلم في هيئة رجل. ودخول رجل على رجل ليس مفزعًا في حد ذاته رغم أن الرجل
غريب ولا يعرفه النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن لماذا خاف النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى جبريل عليه السلام؟
تعالَوْا نسمع القصة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسنعلم لِمَا خاف صلى الله عليه وسلم.
تروي السيدة عائشة -رضي الله عنها- فتقول: فَدَخَلَ عَلَيْهِ الْمَلَكُ فَقَالَ: اقْرَأْ. هكذا بدون مقدمات، ولا سلام، ولا كلام، لم يُعرِّف نفسَه
ولم يسأل الرسول عن نفسه، يخاطبه وكأنه يعرفه من زمن، ويقول له: اقرأ. والرسول لا يدري أي شيء يقرأ، فالرسول أمّيّ لا يعرف القراءة ولا الكتابة
يقول له: اقرأ. فقال صلى الله عليه وسلم بأدبه الجم، قَالَ:"مَا أَنَا بِقَارِئٍ".
لم يسأله الرسول صلى الله عليه وسلم من أنت؟ وماذا تريد؟ فهو بُهت بدخوله عليه فجأة، وقوله له: اقرأ. قال الرسول: ما أنا بقارئ.
ففوجئ برد الفعل الذي أفزع الرسول صلى الله عليه وسلم، هذا الرجل اقترب من الرسول، ثم احتضنه بشدة، يقول الرسول: قَالَ: فَأَخَذَنِي،
فَغَطَّنِي (يعني احتضنني)، حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ (أي كان الأمر شاقًّا جدًّا عليه، والرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن ضعيفًا، بل كان قوي البنية،
فمعنى ذلك أن هذا الرجل قوته هائلة)، ثُمَّ أَرْسَلَنِي (تركني) ثم َقَالَ: اقْرَأْ (المرة الثانية). قُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ. فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّانِيَةَ
حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي، فَقَالَ: اقْرَأْ (المرة الثالثة). فَقُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ ، فقال: فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّالِثَةَ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي.
ولكن، لماذا كل ذلك العنف في التبليغ، ذلك ليعلم صلى الله عليه وسلم أنه لا يحلم وأنه يعيش واقعًا حقيقيًّا، وأن الكلام الذي
سيقوله الرجل الآن يحتاج إلى تركيز ووعي، لست تحلم يا محمد هذه حقيقة.
فَقَالَ: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق: 1- 5].
من هذا الرجل؟ كيف ظهر؟ وكيف اختفى بعد ما قال هذه الكلمات؟ الرسول لا يعلم، والرسول صلى الله عليه وسلم هو أبلغ العرب
وأفصحهم، وبالتأكيد أنه عرف منذ اللحظة الأولى أن هذا الكلام ليس من كلام البشر هذا كلام معجز.
وثمة أمر آخر وهو أن هذا الرجل الذي جاءه، يتحدث عن الإله الذي يبحث عنه الرسول منذ زمن، فالرسول يعتكف
ويتفكر؛ ليعرف من خالق هذا الكون، فهذا الرجل يتحدث عن الإله الذي خلق والذي يتكرم والذي يعلم.
والرجل لم يخبره عن أي شيء يريده منه، لم يخبره أنه سيصبح رسولاً.
قرأ هذه الكلمات التي لم تسمع من قبل على وجه الأرض، ثم اختفى، تركه وذهب، وكان في كل مرة يغطه حتى بلغ منه الجهد
وفي رواية أنه قال صلى الله عليه وسلم: "لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي".
كل هذه الأمور أدت إلى أن الرسول صلى الله عليه وسلم يخاف جدًّا ويخشى على نفسه، فذهب يجري إلى بيته قاطعًا اعتكافه باحثًا عن الأمان.
هلع النبي وخوفه ! تقول السيدة عائشة في وصف ذلك الموقف: فَرَجَعَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَرْجُفُ فُؤَادُهُ.
فبعد ذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يخرج مرارًا إلى الجبال، لعله يقابل ذلك الرجل الذي جاءه في الغار، فأصبح مشتاقًا إلى قدوم جبريل عليه السلام.
وأن يقابله مرة ثانية، ليؤكد له أمر الرسالة، ويخبره بما يقوم به، لكن مع تعلق قلب الرسول صلى الله عليه وسلم واشتياقه لرؤية جبريل شاء الله أن يفتر الوحي.
واختلف المؤرخون في مدة انقطاع الوحي، ولكن في أغلب الظن أنها كانت أيامًا من ثلاثة أيام إلى أربعين يومًا.
كان انقطاع الوحي بمنزلة صدمة للنبي صلى الله عليه وسلم فهو لم يتيقن بعد، ويريد أن يتيقن والشك شعور قاتل
كان النبي صلى الله عليه وسلم متوقعًا أنه إذا ذهب إلى الغار سيجد هناك جبريل أو يلقاه في مكان آخر، وكان صلى الله عليه وسلم
يخرج إلى الجبال، لعله يلتقي بجبريل، لكن جبريل عليه السلام لم ينزل.
كان هذا التأخر ليزداد النبي صلى الله عليه وسلم اشتياقًا إلى الرسالة، فالرسالة مهمة ثقيلة جدًّا، يقول سبحانه: {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً} [المزمل: 5].
فإن لم يكن حامل هذه الرسالة متشوقًا إليها سيكون حملاً صعبًا جدًّا، بل لعله مستحيل، فارق كبير بين أن تبحث
الدعوة عن رجل ليحملها، أو يبحث الرجل عن الدعوة ليحملها.
من هنا بدأت الرسالة
ولما كان يبلغ الحزن بالنبي صلى الله عليه وسلم المبلغ، يأتيه جبريل، ويقول له: يا محمد، إنك رسول الله حقًّا. فيسكن النبي صلى الله عليه وسلم
لكن ليست هناك تبليغات بالرسالة، لا يزيد عن قوله: يا محمد، إنك رسول الله حقًّا.
ثم جاء اليوم الذي سيبدأ النبي صلى الله عليه وسلم فيه رحلة النبوة والتبليغ والتبشير والإنذار هذه الرحلة الصعبة
فيقول صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يُحَدِّثُ عَنْ فَتْرَةِ الْوَحْيِ: بَيْنَا أَنَا أَمْشِي إِذْ سَمِعْتُ صَوْتًا، فَنَظَرْتُ عَنْ يَمِينِي فَلَمْ أَرَ شَيْئًا، وَنَظَرْتُ عَنْ شِمَالِي فَلَمْ أَرَ شَيْئًا
وَنَظَرْتُ أَمَامِي فَلَمْ أَرَ شَيْئًا، وَنَظَرْتُ خَلْفِي فَلَمْ أَرَ شَيْئًا، ثُمَّ نُودِيتُ، فَرَفَعْتُ بَصَرِي إلى السماء، فَإِذَا الْمَلَكُ الَّذِي جَاءَنِي بِحِرَاءٍ
جَالِسٌ عَلَى كُرْسِيٍّ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، فَرُعِبْتُ مِنْهُ حَتَّى هَوِيتُ عَلَى الأَرْضِ، فَرَجَعْتُ حَتَّى أَتَيْتُ خَدِيجَةَ، فَقُلْتُ: زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي
دَثِّرُونِي دَثِّرُونِي، وَصُبُّوا عَلَيَّ ماءً باردًا. فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا المُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} [المدَّثر: 1- 5].
وكان هذا هو الأمر الواضح بالرسالة وبالتبليغ وبالإنذار، فتغيرت حالة النبي صلى الله عليه وسلم من حالة الشك والارتياب
وعدم التأكد من أمر النبوة إلى حالة من العزيمة والقوة والإصرار والنشاط، ولما كانت تطلب منه السيدة خديجة
بعض الراحة كان يقول: مَضَى عَهْدُ النَّوْمُ يَا خَدِيجَةُ.
وجد النبي صلى الله عليه وسلم تفسيرات لما كان يحدث له قبل النبوة، من سلام الحجر عليه، وشق الصدر
وعرف الرجل الذي جاءه في غار حراء وبدأ النبي صلى الله عليه وسلم الرحلة الطويلة الشاقة رحلة الدعوة إلى الله التي بدأت
بقول الله عليه السلام له: {قُمْ} وفي ذلك يقول الأستاذ سيد قطب رحمه الله: قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم {قُمْ}.
فقام، وظل قائمًا بعدها أكثر من عشرين عامًا، لم يسترح، ولم يسكن، ولم يعش لنفسه ولا لأهله، قام وظل قائمًا على دعوة الله
يحمل على عاتقه العبء الثقيل الباهظ ولا ينوء به؛ عبء الأمانة الكبرى في هذه الأرض، عبء البشرية كلها
وعبء العقيدة كلها، وعبء الكفاح والجهاد في ميادين شتى.
قام النبي صلى الله عليه وسلم بعد هذه الكلمات ولم يقعد إلى أن مات، وما ترك فردًا ولا قبيلة
ولا صغيرًا ولا كبيرًا ولا سيدًا ولا عبدًا إلا ودعاه إلى الله. ___________________________________________________________________________________ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ__▪يتبع
في بيئةٍ سادت فيها الوثنيّة بين القبائل العربيّة زمانا طويلاً ، وتربّى فيها أهلها على العصبيّة المقيتة والحميّة الجاهلية
وضاعت فيها معالم الديانات السماوية ، وانتكست فيها الفطر والمفاهيم حتى صار الباطل حقّاً ، والفضيلة رذيلة ، لم يكن أمام النبي
تجاه هذا الواقع سوى أن يؤجّل الإعلان بدعوته على الملأ ، ويكتفي بدعوة من حوله سرّاً ، حتى لا يكون الصدام المباشر
في أوّل الأمر سبباً في فشل مهمّته التي بعثه الله بها .
وكان من الطبيعي أن يبدأ - صلى الله عليه وسلم - بعرض الإسلام على أهله وأقرب الناس إليه ، وفي مقدّمتهم زوجته خديجة
رضي الله عنها ، فكانت أوّل من آمن به على الإطلاق ، وأوّل من استمع إلى الوحي الإلهي من فم النبي - صلى الله عليه وسلم -
وأول من وقف على شهادة أهل الكتاب بصدق نبوّته من خلال عمّها ورقة بن نوفل .
ثم عرض - صلى الله عليه وسلم - الإسلام على ابن عمّه علي بن أبي طالب ، فسارع إلى الإجابة على الرغم من صغر سنّه ، ثم أسلم مولاه زيد بن حارثة
وأسلمت بناته زينب وأم كلثوم وفاطمة ورقيّة رضي الله عنهنّ ، وبذلك حاز بيت النبوّة على شرف الأسبقيّة في الإسلام .
وبعد ذلك انتقل النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى دائرة أصحابه ومعارفه ، فدعا أبا بكر رضي الله عنه ، الذي لم يتردّد لحظةً
في تصديقه والإيمان به ، وقد حفظ النبي - صلّى الله عليه وسلم - له هذا الفضل
فقال : ( ما دعوت أحداً إلى الإسلام إلا كانت عنده كبوة ، وتردّد ونظر ، إلا أبابكر ) رواه ابن إسحاق .
وكان في إسلام أبي بكر رضي الله عنه فاتحة خيرٍ على الإسلام ودعوته ، فقد كانت قريشٌ تحبّه لسعة علمه وحسن ضيافته ، ومكانته كرجلٍ من كبار التجّار
الذين لهم ثقلٌ في المجتمع المكّي ، ولذلك استجاب له الكثير من الناس ، ومنهم : عثمان بن عفّان ، و طلحة بن عبيد الله ، و الزبير بن العوّام
و سعد بن أبي وقاص ، و عبدالرحمن بن عوف ، و عثمان بن مظعون ، و أبو سلمة بن عبد الأسد ، و أبو عبيدة بن الجراح ، و الأرقم بن أبي الأرقم
و خبّاب بن الأرت ، و عمار بن ياسر وأمّه ، رضي الله عنهم أجمعين .
وسارع كل واحدٍ من هؤلاء إلى دعوة من يطمئنّ إليه ويثق به ، فأسلم على أيديهم جماعة من الصحابة ، حتى وصل عدد الذين
أسلموا في تلك الفترة - وفقاً لمصادر السيرة - ما يزيد على الأربعين ما بين رجلٍ وامرأة ، وهؤلاء هم السابقون الأوّلون الذين
ذكرهم الله عزّوجل في قوله : { والسابقون الأوّلون من المهاجرين والأنصار } ( التوبة : 100 ) .
واستمرّ النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذه الدعوة السرّية أكثر من ثلاث سنوات ، ظلّ فيها يعلّم حقائق التوحيد ، ويغرس معاني
الإيمان ومحاسن الأخلاق ، وتمّ اختيار دار الأرقم بن أبي الأرقم لهذه المهمّة .
وفي هذه الفترة شُرعت الصلاة ركعتين في الصباح ، وركعتين في المساء ، وذلك في قوله تعالى : { وسبح بحمد ربك بالعشيّ والإبكار }
وكان الصحابة يستخفون بصلاتهم في الوديان والشعاب لئلا يفتضح أمرهم .
التدرّج منهجٌ لكُلّ داعيةٍ يبحث فيه للوصول الأمثل للنتيجة التي يطمح بها في دعوة الله تعالى، والاهتمام بمبدأ الأولى فالأولى
ومعرفة طبيعة المجتمع، وهذا ما قام به النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- من دعوة قومه، حيث بدء بالدعوة سرّاً ثمّ جهر به
فاستمرت الدعوة سرّاً مدّة ثلاث سنوات، وبعدها أمر الله -سبحانه- رسوله -صلّى الله عليه وسلّم- بالبدء بالدعوة جهراً
حيث قال تعالى: (وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ)، فبدأ النبيّ بالدعوة، فدعا بني هاشم، ثمّ جمع قريشاً على جبل الصفا ليبلّغهم دعوة الله. الدعوة لقريش عامةً
صعد النبي -صلّى الله عليه وسلّم- قمة جبل الصفا، ونادى قائلاً: "يا بني فهرٍ، يا بني عديٍ، يا بني هاشمٍ"، وبندائه أصاب قريشاً جمعاء
فسارعوا إليه، واجتمعوا حوله، وقال لهم -عليه الصلاة والسلام-: (أرَأَيْتَكُمْ لو أخْبَرْتُكُمْ أنَّ خَيْلاً بالوَادِي تُرِيدُ أنْ تُغِيرَ علَيْكُم، أكُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ؟
قالوا: نَعَمْ، ما جَرَّبْنَا عَلَيْكَ إلَّا صِدْقاً، قالَ: فإنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ)، فقال له عمّه أبو لهب: "تباً لك، ألهذا جمعتنا". موقف أبي طالب من الدعوة
استخدم زعماء قريش العديد من الأساليب للنيل من النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-؛ منها: التفاوض وإقناع عمّه
أبي طالب بضرورة توقيف ابن أخيه عن تسفيه آلهتهم، إلّا أنّ أبا طالب دافع عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-
ومضى النبيّ بالدعوة إلى الله، وصوّب زعماء قريش أنظارهم إلى الدعوة، وذهبوا إلى أبي طالب
يتوعّدون ويتهدّدون النبي، فأخبر أبو طالب النبي بنية القوم، فما كان من النبي إلى أن ازداد ثباتاً وإصراراً على دعوته
وظنّ أنّ عمّه سيخذله، إلّا أنّه أخبره بأنّه سيبقى على عهده في نصرته والدفاع عنه. ___________________________________________________________________________________ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ__▪يتبع
مقاطعة قريش للرسول استمرّت حملة قريش للصدّ عن دعوة الإسلام، وكانت تتطوّر مع تتطوّر كلّ مرحلة، فلمّا فتح الله -تعالى-
على المسلمين بإسلام حمزة بن عبد المطلب، وعمر بن الخطاب، حاولت قريش كبح جماح الدعوة بالتفاوض مع الرسول
ولكنّ رسول الله كان ثابتاً كما عوّدهم، ولم يداهنهم على باطلهم، وممّا دفع قريش لرفع مستوى العداء، شعورهم بخطورة الموقف بعد
أن التفّ بنو المطلب وبنو هاشم مسلمهم وكافرهم حول رسول الله؛ لحمايته، والدفاع عنه من بطشهم، فاجتمعوا في خيف بني كنانة
من وادي المحصب، لا على قتل محمّد عليه الصلاة والسلام، فقتله قد يؤدّي إلى استئصالهم، وهدر دمائهم
ولكنّهم لجأووا إلى أسلوبٍ جديدٍ من الصدّ والعداء بإعلان مقاطعة بني هاشم، وبني عبد المطلب، فاتفقوا على ألّا يُناكحوهم، ولا يُبايعوهم
ولا يُخالطوهم، ولا يجالسوهم، ولا يكلّموهم حتى يسلّموا محمّد -صلّى الله عليه وسلّم- للقتل، وكتبوا ذلك في وثيقة
في السنة السابعة للبعثة، وعلّقوها في جوف الكعبة، ويُقال أنّ كاتبها كان بغيض بن عامر بن هاشم، فدعى عليه رسول الله فشُلّت يده.
ثمّ انحاز بنو هاشم وبنو المطلب كلّهم إلى شِعَب أبي طالب إلّا أبو لهب، واستمرّت المقاطعة ثلاث سنوات
كانت عِجافاً، حتى إنّهم أكلوا أوراق الشجر، وجلود الحيوان من قلّة الطعام، وكان يُسمع بُكاء أطفالهم ونسائهم من شدّة الجوع
وكانت قريش تشدّد الحصار برفع أسعار السلع التي تأتي من خارج مكّة حتى لا يستطيعون الحصول عليها، ولم يكن يصل
إليهم شيء إلّا سرّاً، حيث إنّ حكيم بن حزام كان يُدخل القمح لعمّته خديجة -رضي الله عنها- سرّاً، وكان أبو طالب شديد الحرص والخوف
على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فكان يأمر أحد أبنائه بتبديل مكان نوم الرسول -عليه الصلاة والسلام- بمكانه؛ خشية أن يغدره
أحد من المشركين وهو نائم، واستمرّت مُعاناتهم، واستمرّ الثبات إلى أن أذن الله -تعالى- بفكّ الحصار عنهم.
انتهاء المقاطعة وفكّ الحصار كان لهشام بن ربيعة فضل عظيم في نقض ميثاق المقاطعة، حيث كان واصلاً لبني هاشم
فذهب في يومٍ من الأيام إلى زهير بن أبي أميّة، وكانت أمّه عاتكة بنت عبد المطلب، فذكره بما فيه أخواله من جوعٍ وعطشٍ
بينما هو يتنعّم بالملذّات من أكلٍ، وشربٍ، ثمّ قال له: (أما إنّي أحلف بالله لو كانوا أخوال أبي الحكم بن هشام، ثمّ دعوته إلى مثل
ما دعاك إليه منهم، ما أجابك إليه أبداً)، فتحرّكت عواطفه تجاه أخواله، وقال له: إنّما أنا رجلٌ واحد، لو كان معي رجلٌ آخر
لقمت بنقضها، فقال له هشام: أنا الرجل، فقال زهير: نريد رجل ثالث، فذهب هشام إلى المطعم بن عدي، ولامه على ما يحصل
لبني هاشم، وعرض عليه الأمر فوافقه عليه، ثمّ ذهب إلى البختري بن هشام فقال له كما قال للمطعم، فأجابه على ذلك
ثمّ ذهب إلى زمعة بن الأسود وذكّره بقرابته من بني هاشم، وطرح عليه فكرة نقض الوثيقة فأجابه أيضاً.
ثمّ أعدّ لهم هشام بن ربيعة اجتماعاً سريّاً، فاجتمعوا واتفقوا على نقض الوثيقة، وإنهاء المقاطعة، وأن يبدأ زهير الكلام عند ذلك
فلمّا كان الصباح أقبل زهير، وعليه حلّة جديدة، فطاف بالبيت، ثمّ أقبل على الناس
فقال: (يا أهل مكة، أنأكل الطعام، ونلبس الثياب، وبنو هاشم هلكى لا يبتاعون ولا يُبتاع منهم؟ والله لا أقعد حتى تُشقّ هذه الصحيفة)
فقام أبو جهل مُسرعاً، وقال: (كذبت والله لا تُشقّ)، فقام زمعة بن الأسود وقال: (أنت والله أكذب، ما رضينا كتابتها حيثُ كتبت)
وقال أبو البختري: (صدق زمعة ما نرضى ما كُتب فيها)، وقال المطعم بن عدي: (صدقتما وكذب من قال غير ذلك)
وقال هشام بن ربيعة كما قالوا، فقال أبوجهل: (هذا أمرٌ قُضي بالليل، تُشُوروا فيه بغير هذا المكان)
ثمّ قام المطعم بن عدي ليشقّ الصحيفة، فوجد الأرضة قد أكلتها إلّا باسمك اللهمّ، وهكذا كانت نهاية مقاطعة قريش لبني هاشم. ___________________________________________________________________________________ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ__▪يتبع
هو العام الذي توفيت فيه السيدة خديجة بنت خويلد زوجة الرسول صلى الله عليه وسلم، وتوفي فيه أيضًا عمّه أبو طالب
وقد زاد من حزن النبي عليه الصلاة والسلام أن عمّه مات كافرًا، وقد كانت وفاتهما بعد أن نُقضت
صحيفة المقاطعة وهمّ المسلمون لاستئناف حياتهم ونشاطهم الدعوي. وفاة خديجة توفيت السيدة خديجة رضي الله عنها بعد خروج المسلمين من شعب أبي طالب بأشهر
وقد كان لهذه المصيبة وقع على رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنَّ خديجة رضي الله عنها كانت سنده العاطفي والقلبيّ، إضافة إلى ما قدمته له
من دعم ماليٍّ، وقد توفيت رضي الله عنها بعد وفاة أبو طالب، ولم تكن زوجته وأم أولاده فحسب، بل كانت المرأة الصالحة، ووزيره الصادق
ومستشاره الأمين، ذات الرأي الحكيم، حيث عاشت مع الرسول عليه الصلاة والسلام لحظات الخوف والقلق والترقب، ودعمته بكل ما تستطيع. وفاة أبو طالب تدهورت صحة أبو طالب ومرض بعد خروجه من الحصار في شعب أبي طالب، وقد أحزن هذا الرسول صلى الله عليه وسلم أشد الحزن
وحين علِم عليه الصلاة والسلام بأن عمّه يحتضر أسرع إليه متلهفًا لعله يستجيب لدعوته ويدخل في الإسلام
ولكنّ أبو جهل كان موجودًا هناك وأثنى أبو طالب عن النطق بالشهادة، وتوفي في العام العاشر من البعثة، وهو كافر، وقد كان هذا الموقف
من أشد المواقف حزنًا في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، لأنَّ علاقتهما لم تكن فقط علاقة رجل بعمّه
وإنما كان أبو طالب يمثّل للنبي صلى الله عليه وسلم الأب الرحيم، والكفيل، علاقة حميمة وطيدة امتدت إلى ما يزيد عن أربعين سنة
فكان حزن النبي عليه السلام على موت عمّه مضاعفًا
في شوال سنة عشر من النبوة [في أواخر مايو أو أوائل يونيو سنة 619 م] …
خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى الطائف، وهي تبعد عن مكة نحو ستين ميلًا، سارها ماشيًا على قدميه جيئة وذهوبًا، ومعه مولاه
زيد بن حارثة، وكان كلما مر على قبيلة في الطريق، دعاهم إلى الإسلام، فلم تجب إليه واحدة منها.
فلما انتهى إلى الطائف عمد ثلاثة إخوة من رؤساء ثقيف، وهم عبد ياليل ومسعود وحبيب أبناء عمرو بن عمير الثقفي، فجلس إليهم ودعاهم إلى الله
وإلى نصرة الإسلام، فقال أحدهم: هو يَمْرُط ثياب الكعبة – أي: يمزقها -، إن كان الله أرسلك،.
وقال الآخر: أما وَجَدَ الله أحدًا غيرك، وقال الثالث: والله لا أكلمك أبدًا، إن كنت رسولًا لأنت أعظم خطرًا من أن أرد عليك الكلام
ولئن كنت تكذب على الله ما ينبغي أن أكلمك. فقام عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال لهم: «إذ فعلتم ما فعلتم فاكتموا عني».
وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أهل الطائف عشرة أيام، لا يدع أحدًا من أشرافهم إلا جاءه وكلمه، فقالوا: اخرج من بلادنا.
وأغروا به سفهاءهم، فلما أراد الخروج تبعه سفهاؤهم وعبيدهم يسبونه ويصيحون به، حتى اجتمع عليه الناس
فوقفوا له سِمَاطَيْن – أي: صفين -، وجعلوا يرمونه بالحجارة، وبكلمات من السفه، ورجموا عراقيبه، حتى اختضب نعلاه بالدماء.
وكان زيد بن حارثة يقيه بنفسه، حتى أصابه شِجَاج في رأسه، ولم يزل به السفهاء كذلك حتى ألجأوه إلى حائط لعتبة وشيبة ابني ربيعة
على ثلاثة أميال من الطائف، فلما التجأ إليه، رجعوا عنه، وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حُبْلَة من عنب، فجلس تحت ظلها إلى جدار.
فلما جلس إليه واطمأن، دعا بالدعاء المشهور الذي يدل على امتلاء قلبه كآبة وحزنًا مما لقي من الشدة، وأسفًا على أنه لم يؤمن به أحد
قال: «اللهم إليك أشكو ضَعْف قُوَّتِي، وقلة حيلتي، وهوإني على الناس، يا أرحم الراحمين، أنت رب المستضعفين، وأنت ربي، إلى من تَكِلُني؟
إلى بعيد يَتَجَهَّمُنِي؟ أم إلى عدوٍّ ملكته أمري؟ إن لم يكن بك عليَّ غضب فلا أبالي، ولكن عافيتك هي أوسع لي، أعوذ بنور وجهك
الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تنزل بي غضبك، أو يحل عليَّ سَخَطُك، لك العُتْبَى حتى ترضى
ولا حول ولا قوة إلا بك» فلما رآه ابنا ربيعة تحركت له رحمهما، فدعوا غلامًا لهما نصرانيًا، يقال له: عَدَّاس، وقالا له: خذ قطفًا
من هذا العنب، واذهب به إلى هذا الرجل. فلما وضعه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم مد يده إليه قائلًا: «باسم الله» ثم أكل.
فقال عداس: إن هذا الكلام ما يقوله أهل هذه البلاد، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أي البلاد أنت؟ وما دينك؟
» قال: أنا نصراني، من أهل «نِينَوَى». فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرية الرجل الصالح يونس بن مَتَّى».
قال له: وما يدريك ما يونس ابن متى؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ذاك أخي، كان نبيًا وأنا نبي»
فأكب عداس على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم ويديه ورجليه يقبلها.
فقال ابنا ربيعة أحدهما للآخر: أما غلامك فقد أفسده عليك. فلما جاء عداس، قالا له: ويحك ما هذا؟ قال: يا سيدى، ما في الأرض شيء
خير من هذا الرجل، لقد أخبرني بأمر لا يعلمه إلا نبي، قالا له: ويحك يا عداس، لا يصرفنك عن دينك، فإن دينك خير من دينه.
ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم في طريق مكة بعد خروجه من الحائط كئيبًا محزونًا كسير القلب
فلما بلغ قرن المنازل بعث الله إليه جبريل ومعه ملك الجبال، يستأمره أن يطبق الأخشبين على أهل مكة.
وقد روى البخاري تفصيل القصة ـ بسنده ـ عن عروة بن الزبير: أن عائشة رضي الله عنها حدثته أنها قالت للنبي
صلى الله عليه وسلم: هل أتى عليك يوم كان أشد عليك من يوم أحدٍ؟ قال: «لقيت من قومكِ ما لقيت، وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة
إذ عرضت نفسي على ابن عبد يالِيل بن عبد كُلاَل، فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت ـ وأنا مهموم ـ على وجهي، فلم أستفق إلا وأنا بقَرْنِ الثعالب
ـ وهو المسمى بقَرْنِ المنازل ـ، فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني، فنظرت فإذا فيها جبريل، فناداني،
فقال: إن الله قد سمع قول قومك لك، وما ردوا عليك، وقد بعث الله إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم.
فناداني ملك الجبال، فسلم عليَّ ثم قال: يا محمد، ذلك، فما شئت، إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين»
ـ أي لفعلت، والأخشبان: هما جبلا مكة: أبو قُبَيْس والذي يقابله، وهو قُعَيْقِعَان ـ قال النبي صلى الله عليه وسلم:
«بل أرجو أن يخرج الله عز وجل من أصلابهم من يعبد الله عز وجل وحده لا يشرك به شيئا».
وفي هذا الجواب الذي أدلى به الرسول صلى الله عليه وسلم تتجلى شخصيته الفذة، وما كان عليه من الخلق العظيم لا يدرك غوره.
وأفاق رسول الله صلى الله عليه وسلم واطمأن قلبه لأجل هذا النصر الغيبى الذي أمده الله عليه من فوق سبع سموات، ثم تقدم
في طريق مكة حتى بلغ وادي نخلة، وأقام فيه أيامًا. وفي وادي نخلة موضعان يصلحان للإقامة: ـ السَّيْل الكبير والزَّيْمَة ـ
لما بهما من الماء والخصب، ولم نقف على مصدر يعين موضع إقامته صلى الله عليه وسلم فيه.
وخلال إقامته صلى الله عليه وسلم هناك بعث الله إليه نفرًا من الجن، ذكرهم الله في موضعين من القرآن: في سورة الأحقاف:
{ وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ *
قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ *
يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ الله ِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ } [الأحقاف: 29- 31].
وفي سورة الجن: { قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ
وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا } [الجن: 1- 2] إلـى تمـام الآيــة الخامـسة عشـرة.
ومن سياق هذه الآيات ـ وكذا من سياق الروايات التي وردت في تفسير هذا الحادث ـ يتبين أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلم
بحضور ذلك النفر من الجن، حين حضروا وسمعوا، وإنما علم بعد ذلك حين أطلعه الله عليه بهذه الآيات،
وأن حضورهم هذا كان لأول مرة، ويقتضي سياق الروايات أنهم وفدوا بعد ذلك مرارًا.
وحقًا كان هذا الحادث نصرًا آخر أمده الله من كنوز غيبه المكنون بجنوده التي لا يعلمها إلا هو، ثم إن الآيات التي نزلت بصدد هذا الحادث
كانت في طيها بشارات بنجاح دعوة النبي صلى الله عليه وسلم، وأن أي قوة من قوات الكون لا تستطيع أن تحول بينها وبين نجاحها
{ وَمَن لَّا يُجِبْ دَاعِيَ الله ِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِن دُونِهِ أَولِيَاء أُوْلَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ }
[الأحقاف: 32]، { وَأَنَّا ظَنَنَّا أَن لَّن نُّعجِزَ الله َ فِي الْأَرْضِ وَلَن نُّعْجِزَهُ هَرَبًا } [الجن: 12].
أمام هذه النصرة، وأمام هذه البشارات، أقشعت سحابة الكآبة والحزن واليأس، التي كانت مطبقة عليه منذ أن خرج من الطائف مطرودًا مدحورًا
حتى صمم على العود إلى مكة، وعلى القيام باستئناف خطته الأولى في عرض الإسلام وإبلاغ رسالة الله الخالدة بنشاط جديد وبجد وحماس.
وحينئذ قال له زيد بن حارثة: كيف تدخل عليهم وقد أخرجوك؟ – يعني: قريشًا -،
فقال: «يا زيد، إن الله جاعل لما ترى فرجًا ومخرجًا وإن الله ناصر دينه، ومظهر نبيه». ___________________________________________________________________________________ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ__▪يتبع
الهجرة الأولى إلى الحبشة أذن رسول الله لأصحابه في شهر رجب من السنة الخامسة بعد بعثته -صلّى الله عليه وسلم-
بالخروج من مكّة المُكرَّمة، والتوجُّه إلى أرض الحبشة، وكان عددهم آنذاك اثنا عشر رجلاً وأربع نساء، وقِيل إنّهم كانوا أحد عشر رجلاً وامرأتان
ومنهم: عثمان بن عفان ومعه زوجته رقية بنت رسول الله، وابن عتبة ومعه زوجته سهلة، ومصعب بن عمير، والزبير بن العوّام
وعبدالرحمن بن عوف، وأبو سلمة وزوجته أم سلمة، وعثمان بن مظعون، وعامر بن ربيعة وزوجته ليلى بنت أبي حثمة، وأبو سبرة
وسهيل بن بيضاء، ثمّ لحق بهم جعفر بن أبي طالب، واستمرّ المسلمون باللحاق بهم؛ منهم من كان يخرج بنفسه
ومنهم من يصحب أهله معه، فكان مجمل العدد باستثناء الأطفال أو من وُلِدوا هناك ثلاثة وثمانين رجلاً.
وقد كان رسول الله -عليه السلام- حريصاً على الاطمئنان عن أصحابه، والسؤال عنهم؛ فلمّا خرج عثمان بن عفان ومعه رقية بنت رسول الله
وصل إلى رسول الله خبرهما من قِبل امرأة قرشيّة، فسألها عن الحال الذي رأتهم عليه، فأخبرته أنّ رقية كانت تركب الحمار
وعثمان يقودها، فدعا رسول الله لهما بحفظ الله، وقال إنّ عثمان بن عفان هو أوّل من هاجر بصحبة أهله بعد لوط -عليه السلام-.
الهجرة الثانية إلى الحبشة لمّا خرج المسلون إلى الحبشة، وكان ذلك في شهر رجب، أقاموا في الحبشة بقية شهر رجب وشعبان
حتى إذا جاء رمضان عادوا إلى مكّة المُكرَّمة، وفي يوم من الأيّام حضر رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- إلى الحرم بوجود
سادات قريش وكبارها، وبدأ بقراءة سورة النجم، وعندما وصل إلى السجدة فيها سجد، وتبعه جميع من كان حاضراً من المسلمين والمشركين
إلّا اثنين، هما: أمية بن خلف، والمطلب بن أبي وداعة؛ حيث ورد عن عبدالله بن مسعود عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-:
(أنَّهُ قَرَأَ والنَّجْمِ فَسَجَدَ بهَا، وسَجَدَ مَن معهُ، غيرَ أنَّ شيخًا أخَذَ كَفًّا مِن تُرَابٍ فَرَفَعَهُ إلى جَبْهَتِهِ،
فَقَالَ: يَكْفِينِي هذا قَالَ عبدُ اللَّهِ: فَلقَدْ رَأَيْتُهُ بَعْدُ قُتِلَ كَافِرًا). وقد أسلم حمزة بن عبد المطلب، وبعد ثلاثة أيام أسلم عمر بن الخطّاب
وفُتِح بإسلامهما البابُ أمام دخول الكثير من الأمم في الإسلام، والتخفيف من عذاب قريش تجاه المسلمين، كما شَهد المسلمون بإسلامهما رخاءً
لم يشهدوه منذ سنوات، ولمّا وصلت أخبارهم إلى أصحابهم في الحبشة، فرحوا لفرحهم، وبدأ الحنين يأخذهم
من أجل العودة إلى ديارهم؛ حيث بلاد آبائهم وأجدادهم، والكعبة والبيت الحرام، ولربّما كان الوقت مناسباً لذلك،
وبالتزامُن مع هذه الأحداث اتّفقوا على العودة، فخرجوا راجعين إلى مكّة، ومنهم عثمان بن مظعون، فلمّا وصلوا أدركوا أنّ ما سمعوه
لم يكن صحيحاً، فما كان منهم إلّا أن عادوا إلى الحبشة مرّة أخرى برفقة أناس آخرين، وبذلك كانت الهجرة الثانية إلى أرض الحبشة.
وكان ممّن هاجر إلى الحبشة في الهجرة الثانية أم حبيبة بنت أبي سفيان التي هاجرت برفقة زوجها عبدالله بن جحش
إلّا أنّه ارتدّ عن الإسلام، واعتنق النصرانيّة، ومات عليها، فأرسل رسول الله عمرو بن أمية إلى النجاشي، وطلب منه أن يزوّجها لرسول الله
وكانت قد رأت في منامها أنّ أحداً يناديها بأمّ المؤمنين، ولم يلبث أن تحقّق ما رأته، إذ دخلت عليها الجارية تُبشّرها
بأنّ رسول الله يريد أن يَعقد عليها، فوكّلت خالد بن سعيد ليكون وليّها في العقد، وتمّ العَقد بين وكيلها والنجاشيّ
ومُنِحت الجارية خلخالَين، وخواتم من الفضّة؛ جزاءً لها بما بشّرتها به
بدأت أحداث ليلة الإسراء والمعراج حينما كان النبي -صلّى الله عليه وسلّم- نائماً، فأتاه آتٍ، فشقّ قلبه، وأخرجه وملأه حكمةً وإيماناً
ثمّ جاءت دابةٌ عظيمةٌ تسمّى البراق؛ لتحمل النبي والملك جبريل -عليهما السلام- في رحلتهما، فانطلقت بهما إلى بيت المقدس
ودابة البراق سريعةٌ جداً، حيث كانت تضع خطواتها عند منتهى نظرها، فدخل النبي المسجد الأقصى، فلقي جميع الأنبياء، فأمّهم بركعتين
ثمّ خرج بعد ذلك، فإذا بجبريل -عليه السلام- يخيّره بين كأسين؛ أحدهما الخمر، والآخر فيه لبنٌ، فاختار النبي -صلّى الله عليه وسلّم-
اللبن، فأخبره جبريلٌ بأنّه قد اختار الفطرة، بدأت بعد ذلك رحلة المعراج، فانطلق النبي وجبريل -عليهما السلام-
إلى السماء الأولى، فاستفتحا فأُذن لهما، فإذا هو النبي آدم عليه السلام، فسلّم على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ثمّ انطلقا إلى السماء الثانية
واستفتحا فأُذن لهما، فكان فيها نبيا الله عيسى ويحيى بن زكريا، فسلّما عليهما، فردّا السلام مرحّبين بهما، ثمّ عرج النبي إلى السماء الثالثة
وكذا كان في الاستقبال نبي الله يوسف، وفي السماء الرابعة كان نبي الله إدريس، ثمّ في السماء الخامسة كان نبي الله هارون عليه السلام
وفي السماء السادسة كان موسى عليه السلام، ثمّ إذا استأذنا في السماء السابعة، فإذا فيها إبراهيم عليه السلام
وكان مُسنداً ظهره إلى البيت المعمور؛ وهو بيتٌ يدخله كلّ يومٍ سبعون ألف ملكٍ، لا يعودون إليه.
بعد اكتمال المعراج في السماوات السبع، انتقل رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- إلى سدرة المنتهى، فبدا شكلها غايةً في الحُسن؛ وذلك ممّا تغشّاها
من أمر الله ما تغشّاها، وهناك أوحى الله -تعالى- لعبده فرض خمسين صلاةً في كلّ يومٍ وليلةٍ، فنزل النبي -صلّى الله عليه وسلّم-
إلى موسى، فقال له موسى أن ارجع إلى ربّك؛ فيخفّف عنك، فإنّ أمّتك لا تطيق خمسين فرضاً في اليوم والليلة، فعاد النبي -صلّى الله عليه وسلّم-
يسأل ربه أن يخفّف عنه، فوضع الله -تعالى- منها عشراً، وما زال النبي -صلّى الله عليه وسلّم- يطلب منه مزيداً من التخفيف،
حتى بلغ عدد الصلوات خمس فرائض في اليوم والليلة ___________________________________________________________________________________ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ__▪يتبع