- إنضم
- 14 مايو 2019
- رقم العضوية
- 9975
- المشاركات
- 747
- مستوى التفاعل
- 4,766
- النقاط
- 267
- أوسمتــي
- 3
- الإقامة
- Sichuan
- توناتي
- 2,472
- الجنس
- أنثى
﹏١٩٨٠/٩/٤﹏
وسط شوارع قريتي الصغيرة تحديدًا نافذة مكتبي ، حيث السماء ماطرة بغزارة و السكان يحتمون من صفاوة مائها ببعض المظلّات المشقوقة. و تقديسًا لهذه الأجواء هأنذا أجلس على مكتبي العريق مُغلِقة عيناي بينما أنتظر بيأس إلهامًا يطُل عليّ في أية لحظة ! وضعت أناملي على الورقة الرابعة و أخذت شهيقًا و زفيرًا في محاولةٍ بائسة لرسم بعض الحروف لكتابي الجديد و الذي أنا مُتحمسة جدًا بشأنه لربما أكثر من العادة. دحرجت القلم بيدي بتوتيرة سريعة في حين أنني حاولت جاهدة إيقاف عقلي الباطن من تلك اللعنات التي لا تساعد البتة زفرت بشيء من العصبية ثم أرجعت رأسي ليحط على ... لحظة واحدة ! هذا الكرسي بدون ظهر ! تأوهت أثر سقوطي بقوة على الأرض ، لا أستبعد أنني قد كسرت أحد أضلعي "تستحقين ذلك!" صرخت بغضب على ذاتي ! أستقمت بترنّح متجاهلةً ألم مؤخرتي و أسفل ظهري ، نظرت إلى الكرسي بحقد و لم أمنع ذاتي من البصق على الأرض ، بجانب قدمه تمامًا. أعلم تمامًا ما ينقصني ! هرولت على السلالم و توجهت سريعًا إلى المطبخ ، أحضرت المكونات بغية إعداد كوبًا صغيرًا من القهوة ، هكذا يأتي إلهامي. عندما إنتهيت و أخيرًا أخذت رشفة صغيرة بينما نمت إبتسامة راضية على شفتاي ! أجهل لما كنت أكابر لكنني أكره الإدمان على شيء و القهوة هي إدماني حين يتعلّق الأمر بالكتابة ، قد أكون كسرت أحد قوانيني و لكن لا بأس مؤقتًا
﹏١٩٨٠/٩/٦﹏
"نزهة تحت المطر!" حادثت ذاتي بهمسٍ و إبتسمت على المصطلح الغير مُناسب ، نزلت أسفلًا و أخرجت شيئًا أرتديه ، إكتفيت بما حطّت عيناي عليه و حسب .. أجل أنا أضع دولاب ملابسي بغرفة المعيشة ! أقدّس جدًا غرفتي كوني أستمدّ منها إلهامي ، و هذا الشيء الضخم سيكون عائقًا إن وضعته بها خرجت بشيءٍ من الحماس إلى شوارع قريتي ، سرت برزانة و إطمئنان ، أحب المشي جانبًا تحسبًا لأي موقف لا داعٍ له ، حملقت في السُكّان المجبورون على العمل في مثل هذا الطقس لكسب لقمة عيشهم ! ملابس مُهترئة ، ملامح ذابلة و أجساد هزيلة .. لا أحد هنا يكترث لمظهره و هذا يريحني إلى حد ما فيالها من سخافة الإنشغال بنظرة الناس .. جذب أنظاري متجر الجدّة إشتياق و بلا تردد دلفت إلى الداخل بغيّة إلقاء السلام ، ما إن فتحت الباب حتى أصدر ذلك الجرس الصغير صفيرًا مُعلنًا دخول أحد الزبائن .. جميلة هي التفاصيل. رفعت الجدّة رأسها بعد أن كانت منغمسة بالمسح على شعر القطة المتوضعة على حجرها ، أظهرت شبح إبتسامة لها فبادلتني بأخرى أظهرت تجاعيد خدّيها لشدّة عرضتها
﹏١٩٨٠/٩/١١﹏
"جُمانة ! كيف حالكِ يا إبنتي" توجهتُ إلى ذلك القفص الصغير بأحد أركان المنزل "بخير" أردفتُ بهدوء في حين كانت دواخلي مشغولة في تأمّل الحمامة البيضاء المسجونة بحواجز ذاك القفص "ماذا عنكِ أمّي ، كيف حال أبنائكِ؟" بادرت بالسؤال أنا هذه المرة و عيناي لا تزال في موضعها. "بأفضل حالٍ صغيرتي" ردّت عليّ بصوتها ذو البحّة "لم يزرني أحد إلى الآن" أكملت بنبرةٍ طغى عليها الحزن و خيط أملٍ رفيع يكمن في نهايته ، همهمت بشرود و لا أعلم لما ضاق صدري فجأةً. إستدرت بنيّة المغادرة ، "جُمانة إنتظري!" أوقفني صوتها المرتفع نسبيًا فإستدرت بفزع خشية أنه قد أصيبها شيء ! "أوه!" أردفت بقليل من التفاجئ عندما وجدتها تقف أمامي مباشرةً !! تبًا أين إحترامكِ لقانون الخمسة أقدام !! ، "في الواقع أحتاج أن أبتاع بعض الأشياء لمخزون البيت و لا أجد مُعينًا ، صغيرتي هلّا أعنتيني فأنا كهلت على مشقّة السفر" أحببت أسلوبها "كنت ذاهبةً على كل حال ، أعطيني ما عندكِ" أردفت مشيرة بعيناي إلى الورقة المتموضعة في جيبها الأيمن "دقيقة كعادتكِ!" ناولتني الورقة بإبتسامة دافئة. "وداعًا" لوحت لها بخفة و غادرت سريعًا قبل أن تفكر حتى بإعطائي مُقابلًا ، عليّ الذهاب قبل حلول الليل ! قد توقف المطر بالفعل و هذا جيّد ، سرت إلى محطة القطار .. لم تكن مزدحمة لكنني بالكاد أستطعت التنفس !
﹏١٩٨٠/٩/١٨﹏
"أنت تأكل اللحم بأسنانك و تقتل ما هو أفضل منك ، و في ذات القدر من التغطرس أنت تشتكي كم أنه سيئ كون أطفالك مُحتالين ، أنت تجعل أطفالك ما هم عليه" سمعت صياح العم عليّ أثناء مشيي تجاه أحد المبانى المهجورة ، إنتصبتُ لوهلةٍ "أنا لم أسرق أحدًا ! لقد أمرتُ ألّا يُسرق أحد ! .. هؤلاء الأطفال الذين يأتون إليك بخناجرهم هم أطفالك .. أنا لم أعلمهم ؛ أنت فعلت!" إستأنف حديثه فأظهرتُ شبح إبتسامةٍ ساخرة ، دلفتُ إلى مُبتغاي رافضةً أن أشهد باقي الشجار العقيم .. صعدتُ الدرج إلى أعلى و أنا أقوم بتعداد خطواتي بشرود .. ذاك الرجل لم يكن مُخطئًا بعد كل شيء ، هو يعلمُ ما يقول جيدًا .. تنهدتُ حينما وصلتُ للسُلّمة الأخيرة المؤدية للسطح .. من المُفترض أنه مبنى غير مؤهلٍ للسكن و مرفوعٌ عليه قضية ترميمُ أو ما شابه .. لكن من سيعطي بالًا لقرية عشوائية لا مجال لها على الخريطة ، و لهذا السبب تحديدًا نتّخذه أنا و دعجاءتي ملجئًا لنا بعيدًا عن صخب هذا العالم ، مُتجاهلتين إحتماليّة وقوع السقف فوق رؤوسنا أو العكس .. جال بذهني الذِكرى حين سألتُ أرين عن ما العمل إذا تهدّم ذلك المكان و نحن بداخله ، هي قالت أنّني سأكون محظوظةً لموتي بجانب ملاك و أن ذلك قد يشفع لي .. يروقني هُرائها .. دفعتُ الباب الشبه مكسور و مشيتُ إلى حيث جسدها المتموضع أرضًا يُراقب السحاب .. أخذتُ مجلسًا بجوارها فأخذت كفّي بين خاصتها كنوعٍ من الترحيب ، رفعتُ ببصري لذات البُقعة التي تنظر إليها ، فهمتُ أنها كانت تُعلّق بصرها بسحابةٍ ما مُتتبعةً إيّاها إلى تختفي من أنظارها فتعود مُتعلقةً بأخرى .. أخذتُ شهيقًا و أسقطتُ رأسي على فخذها الأيسر ثم سمعتُ تمتمتها بـ "أحلامًا هنيئة"
﹏١٩٨٠/٩/٢١﹏
إنه لأمرٌ مُثير للشفقة أن نستمر في كتابة البشاعة و الألم بطريقة جذابة بينما نحن نخاشهما في الواقع ، "سُحقًا كم هذا لطيف!" أردفت أرين المسلوب عقلها بل و جميع حواسها أمام دمية الأرنب المحشو موقظةً إيّاي من ظلمتي الباطنيّة ، "جُمانة أنا أريده!" إنتحبت بصوت جدّي "أحتاجه!!" صاحت فجأةً مما جعلني أغمض عيناي بقلّة حيلة ، تماسكي يا أنا فأنتِ من ورط نفسكِ بهذا ، هي منذ ثمانية عشر دقيقة تتذمر بشأن رغبتها المُلحة في إمتلاك تلك الدمية و لكن ما يمنعها هو صرامة والدها نحوها. "أهلًا بكما في متجرنا المتواضع ! كيف يمكنني مساعدتكِ يا صغيرة" تحدثت إحدى العاملات هنا بلطف و ختمت حديثها بإنزال نظرها للطفلة بجانبي ، قهقهت أرين بخجل ثم أنزلت عينيها للأرض لثلاث ثوانٍ "أنا في العشرين بالفعل" أردفت بهدوء و هي تحك جسر أنفها ، شخرتُ بسخرية و همستُ بـ "أقنعيني بذلك" رأيت أرين تخطف نظرةً إليّ و لم أكد أبادلها حتى أشاحت وجهها بعيدًا "أعتذر لم أقصد آنستي!" إعتذرت العاملة بندم "لا لا عليكِ" نفت أرين بيديها و إبتسمت بتكلّف ، "شكرًا لكِ" تدخلتُ بصوت عالٍ نسبيًا علّها تفهم أن وجودها غير مرحب به "على الرحب آنستي" ردّت ثم إستدارت عائدةً ، إلتفتت فورًا لأرين أتفقّد ملامحها فوجدتها شاردة بذات الدُمية .. دقيقة ، إثنتان "لنرحل ، قضينا وقتًا ممتعًا!" هتفت أرين بصخب و سحبت يدي سريعًا متوجهةً للخارج "أمامنا الكثير لنفعله أنا متحمسة". عجبًا ! هل هي حسّاسة إلى تلك الدرجة بشأن حجمها ؟! خطفت نظرةً إلى الدمية ثم إلتفتت مُجاريةً خطواتها القصيرة
﹏١٩٨٠/٩/٢٢﹏
"حَمامة!" تلفظ مجهول الهوية عنوان كتابي الذي بدأتُ فيه منذ يومين و أربع ساعات بينما يجلس بكل وقاحة على أريكتي العزيزة واضعًا قدمه اليُسرى فوق الأُخرى "لما هذا الإسم بالذات ؟!" سأل بإبتسامة مُتلهفة أغاظت سكوني "إقرأهُ و ستعرف" قلت في محاولة لإستدراجه لكنه إلتزم الصمت "ما مُرادك يا سيّد" حادثته بوقاحةٍ فالمماطلة لا تروقني "حسنًا آنستي ، الجميع يسعى وراء الشهرة و المعيشة اليسيرة ، كتاباتكِ لا يستهان بها و أحرفكِ من ذهب ! لما لا تشاركين العالم فنكِ ؟!" "من القائل؟" حافظت على ملامحي الهادئة "ماذا تعنين ؟! قرأت مبيعاتكِ في المدينة ! أعجبت بأسلوبكِ في كتاب غبار للغاية لقد وصلتني مشاعركِ!" مبيعات ؟! إتّضح الأمر الآن "تحتاجين و حسب إلى تبسيط مصطلحاتكِ المُعقّدة فقد لا يفهمها عامة الناس ، و أن لا تتعمقي في وصف المشاعر الكئيبة" 'كأنك ستفعل' سمعت همسها "أخرج" أردفتُ بإبتسامة و أخرجت علكةً من جيبي الأيمن ، "عفوًا ماذا قلتي يا آنسة؟" إدّعى الجهل "أغرب عن وجهي!" قلت بنبرةً أكثر صخبًا و كثّفتُ عضّي على العلكة المسكينة ، "كاتِبة كبيرة مثلكِ لا ينبغي أن تكون بمثل هذه الأخلاق الدنيئة! أنا ضيفكِ!" صاح بوجهي "شخصٌ ذو ذوق عالٍ مثلك لا ينبغي أن يتاجر في ما لا يخصه" سخرتُ و بدأت بهزّ قدمي "نراك في المحكمة!" تحدثت الدعجاءة على الأريكة المجاورة و هي تلوّح بغية إستفزازه و قد نجحت ، فدوى صوت إغلاق الباب بقوة عاليًا بشكل غير مُحبب ، نظرت إلى أرين و هي تتقدّم لتجلس بجواري "ماذا سنفعل بتلك" هتفت بعبوس و هي تُشير إلى الأريكة الّتي باتت مُدنّسةً الآن "نحرقها؟" إقترحت و أومأت الغرابيّة بلطف .. ليت كان للعالم رقبةً واحدة حتى أضع يدي عليها
﹏١٩٨٠/٩/٢٧﹏
"عصير الأناناس" قلبتُ عيناي من إدماني الحديث "ما الذي فعلته بي!" لا فائدة تُرجى منّي ، لقد تمردتُ مجددًا .. إرتشفتُ من كوبي بهدوء و شعرت براحةٍ منذ بدء اليوم ، سبتمبر على وشك الرحيل حاملًا معه ماضٍ جديد، و كعادتي راقبتُ المارة من على طرف الرصيف ، فكرت أن كل شخص هنا أحمل معه ماضٍ لكن ما من حاضر ، إحدى عيوب القُرى الصغيرة هي إضطرارك للتعامل مع جميع سُكّانها بغرض المصالح .. بطبيعة الحال أنا لم أتأثّر بمفارقة أحد لأكثر من ٧ دقائق ، و هذا التأثّر ليس حزنًا بل على الأرجح خيبة ، في الواقع أنا لم أحجُب الماضي يومًا ، لن أُتاجر بالشخص الذي أنا عليه .. "ستتسخ ملابسكِ" أتت صاحبة العيون الواسعة من اللامكان 'ثلاثةٌ و عشرون' همستُ بخفة ثم أردفتُ "تُعيقين بصري" أحب التواقح معها، "إنتظري" ركضت إلى داخل المقهى الصغير و إستنتجت أنها ستلقي السلام على صديقاتها بالداخل ، سبعة و عشرون ، ثمانية و عشرون ، "اللعنة!!" جفلتُ بفزع حينما حلّقت حقيبة طائرة أمام وجهي "لا تلعني!" عاتبتني أرين ثم جلست بجواري آخذةً حقيبتها محتضنةً إيّاها ، "ستتسخ ملابسكِ" سخرتُ من حديثها السابق "أجل و ستغسلينها مع خاصتكِ" دحرجتُ عيناي لهذا "لما تكابرين ؟!" تمتمت بصوتٍ أشبه بالهمس و إرتفعت كفّها عابثةً بخصلاتي القصيرة ، أعطيتها كامل إنتباهي في إنتظار تعليلٍ لما ذكرته "أنتِ نعسة" قالت بإبتسامة و قهقهة خفيفة ثم أمالت رأسها بخفة لتتمايل خصيلات شعرها الناعمة ! لما أجد ذلك مُريحًا؟. "لستُ كذلك" أردفت ببرود و أنا أميل شفتاي بغرض الإستهزاء ، أزالت كفها سريعًا و تحدثت بإنفعالٍ طفيف "الطقس قارس هنا و أنتِ تشربين عصيرًا بكرات الثلج بلا إكتراث" "أعلم" أجبتُها بإختصار ، يمكنني رؤية إبتسامتها البلهاء تنمو ، "لوح شوكولاتة!" أردفت و هي تمدّ واحدةً أمامي نفيتُ رفضةّ و أعطيتها إبتسامة مُمتنّة "لا بأس" ردّت ثم أخذت قضمة من خاصتها ، أنزلتُ أنظاري ناحية حذائي أتلمسّه بشرود ، كان خيارًا جيدًا شراء واحدًا بلا رباط "إثبتي يا جميلة" قالت أرين و هي تضع شيئًا أشبه بوسادة خلف رأسي رغمًا عنّي "ما الـ.." قاطعتني بدفعي أرضًا مرغمةً إيّاي على التمدّد .. "سأقوم بإيقاظكِ فور إنتهاء تلك المراسم" إرتفعت زاوية شفتاي بإبتسامة للمصطلح الذي ذكرته ، تنهدتُ و أنا أتحسس تلك الوسادة خلف رأسي .. ناعمة "لا ترحلي" ناظرتُها بشكّ "لن أفعل" إبتسمت بدفئ لتُطمئنني "تصبحين على خير جيجي ، إستمتعي بوسادتي" "أعيريني صمتكِ" أغلقتُ جفناي و تجاهلت كل الأصوات حولي ، ربما أنا محتاجة لذلك فعلًا ، واحد ، إثنان .. فتحت عيناي مجددًا بفزع عندما أحسست بشيء فوقي "رويدكِ اللعنة" شهقت أرين "الطقس بارد" قالت و هي تستكمل وضع الغطاء فوقي ، "لا تلعني!" عبست أرين بينما قلدتي بسخرية ، إبتسمت و همست بـ 'شكرًا' صغيرة ثم عاودتُ إغلاق جفناي و بدأت بعدّ الخراف القافزة فوق رأسي اليابس .. مُرحبةً بعالمي الآخر
﹏١٩٨٠/٩/٣٠﹏
"الأول من أكتوبر لعام ألف تسعمائةٍ و ثمانين" تمتمت مغلقةً عيناي حيث يلفح نسيمٌ بارد وجهي بلُطفٍ ، هنا النهاية التي ستفتح المجال لبدايةٌ أُخرى .. "جيجي!" صدر صياح خلفي و إستطعتُ تمييز صاحبه على الفور ، شعرت بجسدٍ يتّخذ موضع بجواري فأدرتُ رأسي نحوه "تأخرتِ ست عشرة دقيقة" أردفتُ بأسلوبٍ أقرب للتوبيخ لعلمها التام بدقّة مواعيدي "أجل أعلم ، كنتُ أصارع رباط حذائي أمام باب الشقة .. في النهاية طلبت العون من أحدهم" برّرت بنبرةٍ طغى عليها اليأس من حالها ، هززتُ رأسي بيأسٍ أكبر ثم أعدتُ بصري للبحر أراقب وتيرة أمواجه الهادئة .. "لطالما رغبتُ بتعلّم الصيد" كسرت الدعجاءةُ حاجز الصمت بيننا حاصلةً على إنتباهي "أخذني والدي ذات مرة مُستأجرًا أحد القوارب لتعليمي ، لكن لم يلبث طويلًا إلى أن سخر منّي لعدم قدرتي على حمل الشباك نظرًا لحجمها الكبير مُقارنةً بخاصتي .. كذلك تقززي من الديدان" جذبتُ رأسها ليتّخذ كتفي ملجئًا له بينما أخذت كفّي تُربّت على خصيلات شعرها بهدوء ، مُحاولةً بذلك إيصال رسالة أنّ كل شيء قد تغيّر الآن .. فاشلةٌ أنا في المواساة .. أخذت بضع رمالٍ بكفّي اليُسرى ثم بدأتُ بتعدادهم بأناملي ، "أتخشين الغرق؟" تسألتُ بدافع الفضول ، "البحر لا يُغرِق" أجابتني بشكلٍ عميق مما أدّى لتعجُبي منه ، "لكنه يفعل الآن" عارضتُها في حين أشرتُ بعيناي لبقعةٍ ما ليست ببعيدةٍ حيث تجلس إحدى الفتيات شاردةً بعُمق نحو البحر مُحتضنةً جسدها بهدوء ، رفعت أرين رأسها و ركّزت أنظارها داخل عيناي "هي من إرتمت في أحضانه ، لا يحقّ للمُرتمي في البحر أن يشكو الغرق" توسّع بؤبؤ عيناي قليلًا فأعدتُ بصري لذات الفتاة مُعيدةً صياغة كلماتها داخل ذهني ، أفقتُ بعد مُدّة على صوت ضجّة طفيفة كانت مصدرُها الأصغر و هي تُخرج من حقيبتها كيسًا أجهلُ مُحتواه "إعتدتُ أنا و جدّي على فعل ذلك كل فترة" فسّرت و هي تُخرج حجرًا صغير الحجم نسبيًا من داخل الكيس ضاغطةً عليه بقوة بينما تُغلق جفناها بتركيز عالٍ ، رفعت كفّها عاليًا ثم رمتهُ تجاه البحر "كان يخبرني أنّ ذلك سيمتصُ الألم ببطئ" أوضحت حاثةٌ إيّاي على التجربة و إمتدّت كفّها حاملةً إحدى الحجارة ، إمتثلتُ لأمرها بلا تردّد و تناولت الحجارة مُقلّدةً خطواتها ثم ألقينا سويًا .. واحدةً تليها الأُخرى ، "أتمنّى أن يبقى كل شيء على حاله" تنهدتُ بشيءٍ من التوتّر "للتو بدأنا يا فتاة! إنضجي!" 'أُنظروا من يتحدّث عن النُضج! صاحبة محلّ الدُمى!" "لا دخل لذلك في الأمر ! إنه عمل!" شخّرت بسخرية فضريت رأسي بخفّة ، تبادلنا القهقهة ثم أعدنا أنظارنا إلى البحر بإبتسامةٍ راضية ، ها قد خرجت الحمامة البيضاء من حواجز القفص ، ها هي تُثبت للعالم فِتنة جناحيها ، القانون الواحد و الثلاثون قد كُسِر
لأنكِ كنتِ كشعور نسمة خريفية باردة تأتي في بدايات صيفٍ جاف ،
لأنكِ دعجاءةُ سِبتمبر.
التعديل الأخير بواسطة المشرف: