سندريلا. من أدب الحكاية الخرافية الشعبية. (3 زائر)

[عبدالله 3]

مشاهدة المرفق 9691

محتويات القصة:

1- الأب وبنته سندريلا

2- زواج الأب

3- الطائر الأبيض

4- لقاء شارل الكذاب في السوق

5- الزواج من الفتى العامي [شارل] في المحكمة

6- سندريلا تشتهي عنب اليمن.. ما سبب ذلك يا ترى؟

7- ولي العهد يفتح عينيه على الدنيا

8- سندريلا تنفر من الأمير شارل وتطلب الطلاق منه

9- شارل الأمير يجد سندريلا ويحضنها ويردفها وراء ظهره على جواده.​

 

[عبدالله 3]

1- الأب وبنته سندريلا



في عام ألف وستمائة وسبعة وستون ميلادية.

شُيد منزل كبير وجميل في يابسة معزولة على مبعدة أميال عن منازل المدينة المتكظة بالسكان.

مع اشراق شمس الصباح، كانت حناجر عصافير وحساسين أوربا لا تهدأ. وطبعا مدينة الزمرد التي تعيش فيها سندريلا ليست استثناء من هذا. استيقظت واستقبلت يومها بنشاط صاحبة الوجه البشوش، والبشرة الناعمة، والقد الظريف، والروح المرحة، والشعر البني المائل إلى اللون البرتقالي، والرمش الغض.

فقد كان عليها أن تجلب الماء من البئر وتحلب العنزة لأن والدها يشكو من قرحة بالمعدة والحليب دواء جيد للقرحة الهضمية.

- صباح الخير يا أبي الحبيب

- صباح الخير يا سندريلا..

- صفيحة الحليب الساخن في انتظارك يا أبي. وأضفت عليها القرفة والزنجبيل.

-ما أسرعك في العمل يا بنتي الحبيبة

-أحب العمل يا أبي.. إذ على الفتاة قبل أن تتمنى أن تكون أميرة، تعرف كيف تشتغل وتعتني بشؤونها وشؤون عائلتها.

ضحك الأب على بنته سندريلا لأنها على الرغم من أنها طيبة لكنها تحب توجيه الإطراء لنفسها بعفوية.

-لا تضحك علي يا أبي أخشى أن أصاب بالحياء،- غطت سندريلا وجهها لأنها استحت ذلك أنها رقيقة مثل جبنة القشقوان المدهونة على الخبز.



بعد تناول وجبة الافطار. تسكعت سندريلا وأبيها في حديقة المنزل، ثم سقت الشتلات والورود اليانعة بمنضحة الزرع. ثم ركبا العربة وانطلقا إلى متجر القرطاسية وسط المدينة؛ لشراء كتاب حكم ومواعظ الأزمان الغابرة.

في حقيقة الأمر يا من تقرأ هذا الفصل من القصة، أن الأب أسدى معروفا لابنته اليتيمة بحنيته ورحمته. فقد كادت ساندريلا بعد وفاة والدتها تغرق في بحر الأحزان العميقة والضياع النفسي والتشرد الروحي.

عملت سندريلا في النهار وأبقت آخر شطر من الليل لنفسها، وانكبت على قراءة حكايات شعبية ألمانية مُغرقة في الْقِدْم. جالت سندريلا في حقول الخيال الإنساني الخصبة. وجعلها الكتاب تعرف نفسها. وعرفت أيضا أن القراءة هي أعظم وأحلى وأوفى صديق.

 

[عبدالله 3]

2- زواج الأب



أحب الأب أن يرى حظه من الزواج مرة ثانية. اختار الزواج من أرملة فلاح، ولديها منه بِنتان جميلتان. البنت الكبرى تدعى كاثرين، تكبر سندريلا بعامين، أما الصغرى تدعى جانيت، وهي أصغر من سندريلا بعام واحد.

سرعان ما فرضت زوجة الأب سطوتها على المنزل كأنها عاشت فيه سنوات عديدة. وكذلك البِنتان حذون حذوّها في السلوك والتصرف.

كتمت سندريلا ملاحظاتها ولاذت بالصمت؛ من أجل خاطر والدها. عندما يكون الأب حاضرا، كانت الزوجة وبِنتاها يتعاملن بلطف شديد مع ابنته. وحين يغيب كن يجعلن سندريلا ترى النجوم في عز الظهر.

بعد شهر. جاء اليوم الذي ينبغي على الأب السفر في مهمة عاجلة. فقد كان موظفا في البلاط الملكي. وعليه تنفيذ رغبات الملك. بعد سفر الأب. بدأت معاناة سندريلا وانقلب هناء عيشها غما وكمدا.

 

[عبدالله 3]

3- الطائر الأبيض



لو ترى بعينك الحال الذي وصلت إليه سندريلا؛ لدمعت عيناك. فقد تحولت من فتاة غنية منعمة إلى فقيرة بائسة. نزعت زوجة الأب المتغطرسة وبِنتاها اللئيمتان ثوب سندريلا -الذي اشتراه لها راعيها- وألبسوها خرقة ممزقة، واستولن على غرفتها الواسعة المريحة المبهجة للنفس وأسكنوها في القبو البارد كعادة الخدم في تلك العصور الغابرة. أو الأزمان المارة.

جعلوها الذين لا يخافون الله ولا يحسبون حسابا لآخرتهم، تقوم بأعمال لا يستهان بها أبدا.

كانت سندريلا تعمل طول النهار وجزء كبير من الليل. فرضوا عليها قومها بأن تكنس الأرضية، وتلمع زجاج النوافذ والمرايا. وتدعك الملابس، وتكويها. وتملأ الدلو بماء البئر، وتحلب العنزة. وتطبخ وتغسل الصحون والطناجر. بل ووصلت الوقاحة من زوجة الأب أن قالت لسندريلا ذات مرة:

-يا سندريلا؛ إن قدماي تؤلمانني.. اجلبي الطشت واحرصي على ملأه بالماء الفاتر؛ وادعكيهما بصابون الغار، وأضيفي معه زيت الزعتر، أو الميرمية الجافة.

وكان لسان حال سندريلا يقول: حسبي الله ونعم الوكيل في كل ظالم يظلم طفلا يتيما، أو يتيما ضعيفا، أو عذراء يتيمة.

لم تترك زوجة الأب وبنتاها لسندريلا حتى لقمة لائقة وهانئة؛ واكتفت بما يُترك لها من فتات الخبز وبقايا الطعام في الصحون.

وعندما تنتهي سندريلا من الأعمال المنزلية تكون منهكة ولا تجد وقتا حتى لقراءة الكتاب الذي اعتادت قراءته قبل وقت النوم.

تذهب المسكينة إلى غرفة مغسلة الأطباق وتنام على رماد الفحم المحروق؛ بحثا عن الدفء المتبقي.

وجاء اليوم الذي فاض الحزن في حلق سندريلا فجرت إلى قبر والدتها وغرست عليه غصن ثم بكت وانتحبت... وبكت وانتحبت. حتى نمى الغصن؛ وأصبح شجرة معتبرة يمكن للمرء استخدامها للجلوس تحتها. ظلت الفتاة الذابلة ذات المظهر الحزين تجلس تحتها وتواسي وحدتها وأحزانها.

وفي يوم من الأيام. هبط على غصن الشجرة طائر أبيض أو عصفور أبيض. لا أعرف بالضبط؛ المهم طائر حلو المظهر. وغرد العصفور وقال بصوتا شجيا يهذب النفس ويطرب له القلب:

-لا تبكي يا صغيرة، لا تحزني يا يتيمة، لا تجزعي يا طاهرة، لا تيأسي يا نقية.. خذي هذا الثوب المطرز والمحبوك؛ ومعه حلوى لحية الشايب.

سرعان ما أصبحت سندريلا والعصفور الأبيض صديقان حميمان. وأتى لها بكل ما تشتهي نفسها.

 

[عبدالله 3]

4- لقاء شارل الكذاب في السوق



ظلت سندريلا تجلس تحت الشجرة ويطل عليها العصفور الأبيض مساء كل يوم ويحط على الغصن. وطلبت لنفسها أشياءاً عديدة.

في المرة الأولى قالت وغنت: أريد أن أنضم اللحم بيداي هاتين وأشويه على السفود؛ فقد أضحيت ضاوية من شدة الجوع؛ بسبب زوجة أبي وبِنتاها. وأحضر لها الطائر ما أرادت فأكلت وشبعت وملأت بطنها ونامت قريرة العينين.

-وفي المرة الثانية قالت وغنت: أريد ابريق شاي فضي كأحسن ما يكون؛ كي أغلي الشاي فيه.

-وفي المرة الثالثة قالت وأنشدت: أريد طبقين فاكهة: ليمون، وبرتقال.

-وفي المرة الرابعة قالت وأطربت بصوتها العذب: أريد ثوبا مخمليا أحمرا.

-وفي المرة الخامسة غنت: أريد طائرا من فصيلة الدواجن؛ كي يأكل الصراصير التي غزت مسكني وقرَّمت جلدي الناعم.

فأعطيت طائرا ذهبيا هو الأترج. وفعل واجبه بأحسن شكل ممكن؛ ونظف القبو الذي تنام فيه من شتى أنواع الحشرات.

وفي المرة السادسة غنت وقالت: لا يغمض لي جفن بسبب صرير الجرذان وأخشى أن تعضني وأنا نائمة. فأعطاها الطائر مصيدة جرذان. وكانت كل يوم تجد في المصيدة جرذ أو أكثر. فتأخذ المصيدة إلى مكان يبعد نصف فرسخ عن المنزل وتفتح شرك المصيدة وتطلق سراح الجرذان المذعورة.

-وفي المرة السابعة غنت: أريد عملة مجزية يا طائري الأبيض؛ فلما غرد بمعنى حددي بالضبط يا فتاتي ما تريدين، قالت: عشرة بنسات انجليزية. فأتى لها بطلبها.

-أما المرة الثامنة فقالت وغنت بحياء وجذل وبدت يومذاك أكثر كائن مكسو بالحمرة ولكن في قلبها رغبة مشتاقة: بلغت مبلغ النساء كما تعرف. أريد أن أقترن بزوجا شابا فارسا مشاغبا عزيزا يفرحني ويغضبني في ذات اللحظة. غرد العصفور الأبيض بمعنى: اذهبي للسوق تجدين طلبك. وطار العصفور.

---

ارتدت سندريلا ثوبها الأحمر المخملي، وذهبت خلسة إلى السوق في وضح النهار، وهي تعرف أنها ستتلقى التوبيخ من زوجة أبيها لحظة عودتها، لكن سندريلا لا تأبه للتوبيخ أو الطرد طالما أنها ستجد نصفها الآخر هناك.

انتظرت الفتاة اليافعة نصيبها في السوق عسى أن يأتي. لكنه لم يأتي. وحين أوشكت على البكاء والشعور بالضياع، هبط العصفور الأبيض على كتفها:

-أوه، هذا أنت من جديد يا صديقي.. أين العريس؟

بادرها صوت من وراءها: يا آنسة!؛ هل الطير الجميل لكِ؟

ولما تلاقت عينا الإثنين: الغلام والشابة،

انبهر كلا منهما بجمال وكمال الآخر.

وجد الشاب شارل في سندريلا الفتاة التي لا مثيل لها في اللطف والمزاج الحلو، والكياسة واللطافة.

ووجدت الفتاة في الشاب مثال الصبا والعنفوان والفتوة القوية ووسامة الأبطال البعيدة عن أية منغصة.



اقترب شارل من سندريلا مرتعدا من الاعجاب وجثا على ركبتيه. فقالت الفتاة بصوت حَيِيٌّ وليس لها خبرة مسبقة في هذا المقال:

-من أنت يا سيدي؟

كذب شارل وقال لها: اسمي هو شارل.. أنا من العامة.

فأجابت الفتاة:

-أسمي سندريلا يا سيدي.. تشرفت بمعرفتك.

غرد العصفور في أذن سندريلا فتفاجئت من حقيقة ما سمعت وقالت: يقول العصفور أنك مزيفا للحقيقة. وأنك كاذبا!. ولست سوى أمير على قلعة الزمرد. وا حسرتاه!!. لم أبغي العبث والفحشاء والمنكر يا سيدي، وإنما طلبت الزواج المحتشم المكلل بالسؤدد.

قالت سندرلا قولها الأخير وفرت هاربة؛ لأنها ظنت بالفتى الظن السوء وفهمت أنه لا يطلب علاقة جادة. بل يريد العبث وحسب، ولذلك أخفى أصله؛ للتجرد من كل كرم ونبل.

لكن شارل الكذاب أو الأمير ناداها بحرقة ناجمة من حب معذب وليد اللحظة:

-انتظري.. أريدك زوجتي.

قال شارل جملته الأخيرة وهو متيقن من رغبته بالزواج منها. لا شك أن سندريلا هي أيضا تكون سليلة الحسب والنسب والسمعة والمجد العائلي.

 

[عبدالله 3]

5- الزواج من الفتى العامي [شارل] في المحكمة


عادت سندريلا إلى المنزل فوجدت أغراضها موضوعة في صرة بالخارج وفهمت أنها طُردت. لكن لا بأس في محاولة أخيرة. طرقت الفتاة الباب

-من بالباب؟

-ارجوك افتحي لي الباب فسوف أموت من البرد في الخارج.

-لا! لن تدخلي المنزل ثانية. سوف نؤجر غرفتك لمستأجر جديد؛ كي ننتفع بنقوده.. أما انتي فابحثي لك عن مقام آخر.

حاولت سندريلا استرحام البنتان ولكن المحاولة لم تجدي نفعا؛ لأنهما على شاكلة والدتهما في الطبع والقلب الأسود.

شعرت سندريلا بحزن عميق وفكرت تقتل نفسها لولا أن الانتحار خطيئة وذنب كبير يرتكبه العبد في حق نفسه.

مشت سندريلا قليلا في الشارع، وخافت أن يتعرض لها الصعاليك وقطاع الطرق.

-سندريلا!

بادرها صوت شارل من خلفها ولما رآها غارقة في أحزانها أخذها إلى حضنه وعرف منها ما حصل لها. عرض عليها الزواج في المحكمة. هنا انفرجت أسارير سندريلا وانفتح قلبها من جديد للسعادة. وافقت ووعدت بالذهاب معه إلى المحكمة في صباح الغد.

أراد أن يدفع لها أجرة الفندق [ذو نجمة واحدة]. لكنها رفضت. وأعطت صاحبة النزل العشرة بنسات كلها. لأن هذا هو ثمن الاقامة لليلة واحدة.

في الصباح تزوجت سندريلا في المحكمة من شارل الفتى العامي.

لقد طلب منها أن تسمح له بأن يبقى على هيئة الشاب العادي؛ طمعا ببعض الحرية، أو هربا لبعض الوقت من تقاليد وبروتكول الأمراء والطبقة النبيلة.

سكنا في منزله الريفي المطل على الغابة.

اغتسلت سندريلا بأسرع ما يمكن ولبست ثوبها المخملي. فتوسعت حدقتا عيون زوجها شارل اعجابا وذهولا ودهشة.

معلومة هامة للقارئ عن سندريلا: هذه الفتاة عندما تكون معفرة [متسخة] بالرماد والتراب والأحزان تكون قميئة ذابلة ولكن عندما تكون نظيفة وسعيدة ومهندمة وعلى أهبة الاستعداد لمشاركة حبيبها أسعد اللحظات، تكون فاتنة وأجمل كائن على وجه البسيطة.

-بينما كان شارل يغط في نوم عميق ويشخر. تأملته سندريلا؛ وقالت:

-ما أظرفك يا شارل!.

ثم دخلت في الفراش إلى جانبه. وتركت شمعتها متقدة لتقرأ كتابها الذي كانت تطالعه قبل زواج أبيها.

 

[عبدالله 3]

6- سندريلا تشتهي عنب اليمن.. ما سبب ذلك يا ترى؟



أفاق شارل ولم يجد في الفراش حبيبته. فلحق بها حيثما تكون

كانت سندريلا ماكثة في المطبخ تخبط بيضتين ببعضهما لدلقهما في المقلاة:

-حبيبتي.. هل أنتِ على ما يرام؟.

راقبت سندريلا طشيش زيت المقلاة متجاهلة مناداة زوجها شارل.

هنا؛ ابتسم الزوج ابتسامة عريضة؛ لأنه اعتقد أنها تشاغبه وتخاصمه كحيلة من عبث النساء ومحاولة منها في تكثيف ولعه بها. وحالما اقترب منها وهمَّ بخطفها بين أحضانه، قفزت كضبية يافعة مبتعدة عنه وأسرعت للخروج من حجرة المطبخ واضعة الفوطة (المنشفة) على فمها.

-اذهب إلى اليمن واحضر لي عنبا.

لم يفهم شارل اللهجة المختلفة التي تحدثه بها سندريلا. خمنت الزوجة الفطنة الحيرة في عقله وقلبه فقالت:

-إذا أحضرت الداية؛ فسوف تفهم الموضوع.

ولما زارتها الداية وفحصتها. قالت مبتسمة: سوف ترزقين بمولودك بعد تسعة أشهر.

تهلل وجه شارل بالسعادة، وقال:

-في الحال أنا ذاهبا إلى اليمن مع وصيفي الأمين أليكس.

---

-يا الله ما أذكى سندريلا البارعة العقل والراجحة.. لقد طلبت من زوجها شارل السفر البعيد لأنها في هذه الأيام لا تطيق رؤيته لأسباب تمر بها النساء الحبالى. وحتى لا تكرهه أو يكرهها أرسلته إلى اليمن.

ذهب شارل ووصيفه وموكبه إلى دغل غزير في حضر موت وجلبوا منه ألف رطل من عنب اليمن. وعاد إلى سندريلا بعد سبعة شهور وكانت سندريلا سمينة وبطنها منتفخ مثل بالون. زغردت سندريلا عندما رأت زوجها شارل سالما صحيح البدن معافا ولم تؤثر عليه الرحلة المضنية. وقال لها بفخار:

-لم أُمس حتى بخدش واحد.

صنعت سندريلا من العنب مربى وبسكويت نموذجي الصنع والجودة.

 

[عبدالله 3]

7- ولي العهد يفتح عينيه على الدنيا



وضعت سندريلا مولودها أخيرا. وهذه المرة ليس في منزل ريفي.. بل في القصر الملكي. وزارها

-الملك والملكة

-والأمراء والاميرات

-والنبلاء والنبيلات

-والدايات والعرابات

-والأعيان والأشراف

-والأمهات والأيتام

-والأرامل واليائسات

فخرج الجميع أفضل حالا مما دخلوا؛ لرؤية الأمير الرضيع الملاك مثل البدر في ليلة أربعة عشرة، والأم التقية القديسة الشريفة أم الأمير صاحبة الصيت والغنى والسمعة. كانت محبة سندريلا في قلب الأمير شارل تزداد يوما بعد يوم. ولا أحد يلومه على عشقه الذي ليس له قعر ولا قرار؛ لأن سندريلا أم أولاده وحبه الأول والأخير.

 

[عبدالله 3]

8- سندريلا تنفر من الأمير شارل وتطلب الطلاق منه.



أعلنت المملكة المجاورة الحرب على مملكة الزمرد.

لبس الأمير شارل بدلة الحرب؛ فلطالما كان فارسا لا يشق له غبار.

وقاد الفرسان وارتكب أيما مجزرة في أعداءه وألحق هزيمة نكراء بهم وتسبب بخسارة فادحة للعدو.

انتصر الأمير شارل وأراد أبوه الملك التنازل عن التاج لمصلحته؛ لأنه أثبت شجاعته وأحقيته بالمُلك. لكن الأمير شارل امتنع عن ارتداء التاج. لأنه غير مؤهل بعد لحكم البلاد. فما زال يلزمه بعض الدروس في السياسة، والاقتصاد، والجغرافيا.

انطفأت الحرب وأصبح في السجن بعض الأسرى.

ولأن الحرية ورؤية الأحباب غالية، هرب ثلاثة من الرجال الأسرى من الزنزانة وحاولوا قتل الملك شارل شارل لكن هذا الأخير كان ذا قوة ولا نظير له في الفروسية والقتال. سفك دماءهم مجتمعين في أقل من ثلاثة دقائق في عرض مهيب.

كل هذا تحقق أمام أعين سندريلا.

لو كانت امرأة غير سندريلا لقفزت في حضن زوجها وقالت: يا إلهي، يا زوجي؛ كم أنت بطل وقوي!.

ولكن لأن سندريلا تمتلك قلب طيب ورؤوف قلما تجد مثله في العالم، غضبت منه وصعدت بسرعة إلى أعلى أحد أبراج القلعة للاختباء.

لحق بها الأمير شارل إلى هناك وقبل أن يقول أول حرف من كلامه، أعرضت عن الاستماع إليه. وفي نهاية المطاف قالت كل الكلام المثقل والمطبق على قلبها:

- بقدر ما أحببتك، بت الآن أكرهك؛ لأنك قاتل.. ولقد بطشت بأعداءك في الوقت الذي كان عليك اطلاق صراحهم وارسالهم إلى أهاليهم وذراريهم. أريد الاختفاء من حياتك مثل الشبح؛ وهذا لا يحدث دون الطلاق.

اقترب منها لكنها دفعته بكلتا يديها الضعيفتين الهشتين. ويا لدهشة الأمر، كاد الأمير القوي أن يسقط لولا أن استعاد توازنه في اللحظة الأخيرة..

ركبت سندريلا عربة وطلبت من الحوذي الاسراع كالبرق إلى منزل أبيها وزوجته لكنها لم تجد أحدا. عرفت الأخبار المفجعة عن طريق عصفورها الأبيض الذي ما زال يسكن الشجرة على قبر والدتها.

كانت طيور الحمام قد نقرت عيون البنتان. وماتت أمهما من الحزن عليهما. ولأن الأب كان متعلقا بزوجته فقد سافر في أصقاع المعمورة؛ كي ينسى أحزانه. وكان يظن أن سندريلا لأنها أميرة، فلن تحتاجه.

بعد ذلك، سقطت سندريلا في سبات عميق فوجدت نفسها عند الاستيقاظ في أرض لا يدب عليها غير الخنافس. ولم يتعد طعام المسكينة غير النبات الشوكي المنتشر في القفر.

 

[عبدالله 3]

9- شارل الأمير يجد سندريلا ويحضنها ويردفها وراء ظهره على جواده.



طار العصفور فوق الأرض القفر الحار؛ لأنه يعرف صديقته سندريلا جالسةً هناك. كانت مختفية في جذع شجرة مفلوق من أعلاه. ما أن رأته استبشرت ورق قلبها ولانت عواطفها فقالت وغنت:

-كيف نحب ونكره في نفس اللحظة؟

-كيف نتحايل على عقولنا من أجل قلوبنا؟

-كيف لقلوبنا تجعلنا نبكي، وينتشي العقل معلنا الانتصار؟

-كيف نسمح لمن نحبهم أن يكونوا قبل أنفسنا؟

-كيف يتحول الحب إلى سفاح؛ وتكون أمواج الشهوة كالأمواج العنيفة لفيضان مدمر؟

-كيف؟ وكيف؟.. وألف كيف!. إلى متى نتأرجح بين مطرقة الحب ومسمار القيم المستحبة

هنا. غرد العصفور. ففهمت سندريلا الحاردة ما يرمي إليه من تغريدته المختصرة:

-تقبل المحب لنفسه ومشاعره وعيوبه يكون خير ترياق لتقبل أخطاء الحبيب.

شعرت سندريلا أن هذا هو علاجها. وقبل أن تقرر العودة إلى زوجها، عادت إليها نظارة بشرتها وجمالها الفاتن؛ كأنها سقطت من الجنة لفرط حسنها، وبشاشة ضحكتها، وطرافة مبسمها، وجمال مشيتها.

رأت هيئة فارس تلوح ما بين الضباب.

لقد كان الأمير شارل يمتطي جواده. وتعلو وجهه ابتسامة تعكس أعلى درجات العشق والهوس بصاحبته.

ورغم شعوره بالحر والتعرق قفز بمهارة ورشاقة من جواده لأنه يحمل في أعماقه شوقا شديدا. وغمرها بين أحضانه. وظل ملتصقا بها لمدة نصف ساعة: وخلال هذه المدة كان لسانه يلهج بكلمات معبرة:

-لن تهرب مني زوجتي الحلوة. وسوف يجتمع شملنا نحن الثلاثة: أنا وهي، وابننا الصغير.

ثم أردفها وراء ظهره.

في الحقيقة، أحس الأمير شارل أنه فهم الدرس من هذه التجربة. وكم كان نادما على قتله أولئك الرجال؛ رغم أنه كان في موقف دفاعي عن النفس. ولكن بالطبع، كان قادرا على المحافظة على حياتهم. وهو يعرف ذلك.

وسوف يظل يتذكر الذنب طوال عمره؛ لأن هذا ما يستحقه بما ارتكبت يداه. ولكن طالما هو زوج سيدة طاهرة الفؤاد نقية السريرة مثل سندريلا؛ فحتما سوف يرتقي في الإنسانية مع الأعداء المعارضون. وسوف ينجو.



[النهاية: تمت بحمدالله]