مدونة متألقة عالمي الحقيقي هو الذي يصنعه خيالي (1 زائر)


عبدالله 3

“فَمَتَى رَأَيْتَ بُسْتَاناً يُحْملُ في رُدْن ، ورَوْضَةً تُقَلُّ في حِجر
إنضم
14 يناير 2022
رقم العضوية
12560
المشاركات
316
مستوى التفاعل
1,167
النقاط
98
أوسمتــي
3
توناتي
2,920
الجنس
ذكر
LV
0
 
ECOWs8Z.png

تخيل يا صديقي كم هو مقدار البهجة حين تتحقق اللوحة الفنية الأدبية التتي ببالك! كم هو جميل أن أعثر على رسام بارع وفي الوقت نفسه يكون متواضع ومرن بالنسبة للاختلاف في الأفكار ووجهات النظر.. يكون هناك تشابه كبير بيني وبينه.. أنا أرسم بالحروف وهو يرسم بالقلم لتظهر أمام القارئ أحلى صورة مدعومة بنص أدبي محبوك. مستعد أقرأ للجاحظ والمعري ومجلد ألف ليلة وليلة ابتغاء الوصول لدقة الوصف. في حين يكون هو على استعداد ليغرف من بحر الرسومات الابداعية في موقع Pinterest

أنا أكتب القصة والحبكة الزمانية والمكانية وهو يرسم غصن الشجرة وصورة انعاكسه على صفحة البركة. إلى هذه الدرجة أريد الدقة واللمسة الصارمة في الفن؛ لأن الفن ليس عفوياً كما نظن فهو يلبي حاجات دفينة في نفس الإنسان ولا يستطيع التحدث عنها إما لقصور في اللغة والمشاعر أو انغماسه في العالم المادي البعيد عن عالم الخيال والأمنيات حيث يطيب المقام هناك للروح. من خلال الأدب والفن أريد أن أنفصل عن الواقع الخانق. عندما تجتمع الصورة مع النص فإن القارئ يغرق في سحر الابداع وجزالته. فيا الله لو انضم إلى الكاتب والرسام المؤدي الصوتي.. ويا الله لو انضم إلى هؤلاء الثلاثة العازف الذي يجيد العزف على أكثر من آلة موسيقية. أنا لا أخرف يا أصدقائي.. إليكم هذا المقطع الذي هو عبارة عن تحفة ابداعية أتمنى أن تكثر وتنمو..


 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:

عبدالله 3

“فَمَتَى رَأَيْتَ بُسْتَاناً يُحْملُ في رُدْن ، ورَوْضَةً تُقَلُّ في حِجر
إنضم
14 يناير 2022
رقم العضوية
12560
المشاركات
316
مستوى التفاعل
1,167
النقاط
98
أوسمتــي
3
توناتي
2,920
الجنس
ذكر
LV
0
 
ECOWs8Z.png

أنا على يقين على مثل هذا القول: لا يمكن لنوع واحد من الفن أن يشمل ويستوعب كل المواضيع والأفكار. لقد
جربت حظي من خلال كتابة القصص أن أتكلم عن دمية مسكونة فكان الفشل حليفي. أنت هنا بحاجة إلى فيلم يغطي هذا الموضوع من كل جوانبه.

-لا يمكن للكاتب مهما اجتهد على النص أن يصنع لك قصة عن دمية مسكونة بمثل جودة الفيلم المشتمل على مخرج وممثلين ومصوريين وموسيقى تصويرية ترافق المشهد.
كذلك مهما تعبت بالوصف من خلال النص الأدبي لن أحاكي جمالية صورة مرسومة بريشة أو قلم فنان لمشهد غروب الشمس في البحيرة.

طبعاً الشيء نفسه يقال عن عدم مجاراة الفنون الأخرى للنص الأدبي الذي يتكلم عن قصة تاريخية مثلاً. من هذا المنطلق أقول لكل موضوع بالحياة فن يناسبه إما الكتابة الأدبية أو الرسم أو الفيلم أو المسلسل أو الموسيقى والغناء أو حتى النحت وفنون أخرى لا يسعني ذكرها.

-أخيراً أقول لا يوجد فن أرفع من فن وإنما لكل موضوع تعبيري أو إنساني بحاجة لأحد هذه الفنون للتعبير عنه بصورة أحلى.
 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:

عبدالله 3

“فَمَتَى رَأَيْتَ بُسْتَاناً يُحْملُ في رُدْن ، ورَوْضَةً تُقَلُّ في حِجر
إنضم
14 يناير 2022
رقم العضوية
12560
المشاركات
316
مستوى التفاعل
1,167
النقاط
98
أوسمتــي
3
توناتي
2,920
الجنس
ذكر
LV
0
 
أحب كل أغاني السيدة فيروز .. لكن أغنية بيتي أنا بيتك أو (لا تهملني) تجعلني أشعر كما لو أنني أرى أمامي
فتاة مهمشة على أطراف الحياة.. متوحدة في هذا الكون الفسيح.. تناجي الله وتبكي
لأنها وحيدة
لأنها تقاسي من برد المكان والوقت في حجرة ضيقة ليس فيها سوى هي وشعورها الذي يذكرها كم هي وحيدة وتائهة وفقيرة للحب جائعة للطبطبة.. مشتاقة لليد الحانية.
تبكي وتبكي تلك الفتاة فلا يملأ قلبها سوى الله.. يا لها من كلمات ويا لها من أغنية .. ويا له من تجسيد لمشهد متخيل بصوت ملائكي حزين يناجي الله.
 

عبدالله 3

“فَمَتَى رَأَيْتَ بُسْتَاناً يُحْملُ في رُدْن ، ورَوْضَةً تُقَلُّ في حِجر
إنضم
14 يناير 2022
رقم العضوية
12560
المشاركات
316
مستوى التفاعل
1,167
النقاط
98
أوسمتــي
3
توناتي
2,920
الجنس
ذكر
LV
0
 
E55KVTA_d.webp

إني أعتبر أن مما يوجب الاستغراب المشبوب بالاستنكار ألا ينظر كثير من الناس إلى التمثيل المسرحي على أنه أبو الفنون. وفي ظني أن التمثيل المسرحي هو غذاء الروح. كان يلازمني هذا الشعور بل ويعزيني: أستطيع أن أمثل مسرحية حتى لو لم أرتاد خشبة المسرح، وحتى لو كان الممثل المسرحي المحترف مستواه القياسي أعلى مني بكثير .. يكفيني كرسي بجانبي ومشجب ملابس خلفي بصفتهما من لوازم المسرحية. أحب التمثيل المسرحي من صميم قلبي، وقد كان هذا الحب في نظري حباً مشرفاً سامياً محفوظاً في السريرة. وفي اعتقادي: من الضرورة الملحة أن أكون ممثلاً مسرحياً للتخلص من بعض المكابدات والعذابات، خصوصاً بعدما جاء الزمن بتبدلات وتقلبات غير سارة.. أضحى الأمر أكثر إلحاحاً من قبل. كأني بالفن يتحول إلى طبيب نفسي يعالج الروح مما أصابها من جروح وخدوش وندبات لا تندمل.

وجدت نفسي وسط لجة هذه الخواطر الابداعية؛ لأن النوم لم يستطع أن يغمض جفوني؛ بسبب الأرق والسهاد. وقلت ألجم صوت الفنان داخلي: تمدد ونم تحت البطانية مثل اليربوع!. بيد أن هذه الخواطر لم تلبث أن عادت من جديد، وتحولت الخواطر إلى أفكار، وداهمني شعور أحسست بموجبه إلى الانصياع خلف الصوت الداخلي ما دام عقلي يواصل عمله ناشطاً وحالتي الذهنية في ذروتها. لا ريب أن الانطباعات المتضاربة تقفز إلى أذهان القارئ عني، وهو أنني ذو نزوات متقلبة غريبة الأطوار. إلى حد عظيم هذا تقدير راجح. قلت لنفسي بلهجة الاستحثاث: اليربوع! إنه يشبه الفأر ويهرب من الملاحقين له إلى أقرب جحر. اليربوع يعيش في الفيافي والقفار، فما قولك لو ذهبت إلى هناك وقدمت مسرحية.. مسرحية أحادية آخذة بالتوحد، حيث من خلالها تطلق العنان المكبوت، دهراً طويلاً، لمكنونات نفسك بالانفراج والانْعتاق من سجنها وهو جسدك. هناك في ذلك الموقع تقول ما لا تجرؤ على قوله أمام أحد.. أي أحد. لأنني كنت طيع الانقياد خلف شعوري الفني الذي كنت أعتبره لؤلؤة ثمينة لا ينبغي أن يذوب قفزت من سريري وقلت: أرجو ألا تشعر بأني تركتك يا سريري، ولا تظن يا أيها النوم أن حبي للتمثيل المسرحي نال من حبي لك. إنه نداء الفنان الذي بداخلي.. والفنان هذه المرة اختار أن تكون المسرحية في الصحراء وليس في غرفة نومي كما جرت العادة. الحال أنه إذا لم أوفق في أدائي المسرحي فلا أقل من أني كافحت في سبيل المحاولة.

لقد قدت السيارة متوجهاً إلى البرية المقفرة وقد تنامت روحي وتعاظمت بمثل ما تعاظمت لحظة نزولي منها. اخترت مكاناً نائياً عن الطريق الرئيسي. مشيت حاملاً الكرسي والمشجب في الفضاء الرملي وهواء الشتاء الحي يداعب ملابسي والريح القارصة تهب في وجهي. وقفت وحيداً متبرداً مصاباً بالقشعريرة. شاهدت قمر ليلة الشتاء في الأعالي يتهادى بتمامه وصفائه وبرودته. يا له من نور قمر رائق يفضض الكآبة في نفسي. كان عالمي ضئيل ومحدود فأضحى الكون في هذه اللحظة عالمي وأضحى القمر صديقي. أصخت السمع لصوت ينشد التقصي والاستكشاف، وفرضت علي الملاحظة الاجبارية الاضطرارية فكرة ما هيته وكنهه مما يدل على قرب مجيء الفنان المسرحي الذي سوف يتقمص جسدي وينطق بلساني. كانت عيناي شاخصتين إلى السماء الملبدة بالغيوم وترنوان ويتحول رنوهما من كتلة القمر النيرة إلى الغيوم الداكنة بسرعة متناهية وبتكرار مفعم الحيوية. الليل مرتدياً الجلال قد أثار مسرتي وسعادتي، ووقع في دخيلتي أن هذا أكثر من ممتاز لتأدية مسرحية؛ فالليل والفضاء تحولا إلى خلفية للمشهد الذي أنا بصدد تشخصيه. لقد جرى سريان اللذة في كياني وحسبت أني انزلقت إلى دنيا الخيال. قلت لنفسي: سأشحذ لساني وأعمل قريحتي وسوف أتكلم ما يشاء لي الكلام معتمداً على محفوظاتي من مسرحية هملت، وقد بذلت جهداً مستميتاً لأؤدي العرض المسرحي برزانة وصرامة الفنان المخضرم، وخفت أن يحيق بعرضي المسرحي خطر الاهتزاز والنسيان:

ليت بارئَ الإنسان لم يُحَرِّمْ عليه قتلَ نفسه. أي إلهي. ما أَثْقلَ جميعَ مصطلحات هذا العالم، وما أسفلَها، وما أقدمَها، وما أقلَّها جدوى. قبحًا لهذه الدنيا وتبًّا لها، إنها لحديقة غيرُ مهذبة، ينمو فيها النبات فِطْرِيًّا، وتستولي عليه الأعشاب السَّمِجَة، أَإلى هذا الحد وصلت الأمور؟ مات منذ شهرين أو أقل، ملك، وأي ملك! جواد لا يدانيه هذا إلا دانى الهرُّ الأسد، وما كان أرَقَّهُ لوالدتي، وأعطَفَه يا لَلسماء! يالَلأرض! بئست الذكرى، إذا تذكرت كان يعلَقُ بها علاقة من لا يَزِيدُهُ تمثيل الطعام سوى تمادٍ في الغرامِ، وهذا ما انتهى إليه وفاؤه في شهر، لندع التفكير في ذلك، يا سرعَةَ التحول! لو سُمِّيتِ لسُميتِ امرأة. في شهر قصير قبل أن يُعتَق الحذاء الذي مشت به وراء الجِنازة باكية، وأي بكاء غزير! يا عجبا! أتلك هي هذه؟ تالله لو أصيب وحشٌ ضارٍ لم يوهب أدْنى تعقل بما أصابها لكان إعوالُه أطول مدًى من إعوالها، تزوجت من عمي وأين هو من أبي؟ أين هرقل القدير من ضعيفٍ مثلي؟ تزوجت ولم ينقضِ الشهر، ولم تَنْصُلْ حمرةُ جُفُونِهَا من مِلْح دموعها. ويْلَها من عجلة عَجِلَتها إلى مهد الحرام، ساءَ ما عَمِلَتْ وساءت عقباه، ولكن تَفَطَّرْ يا قلب، ولا تنطق يا لسان.

يا الله على أدائي التمثيلي! حقاً لقد حيرني أدائي المحترف وبهر نفسي قدرتي على استرجاع ما قرأته من مسرحية هملت منذ فترة خلت. أخذتُ لحظات استراحة وعلقت قبعتي القشية على المشجب وجلست على الكرسي ونظرت للكون علَّي أجد تأثراً ملحوظاً فيه. كانت الغيوم تزداد كثافة الأمر الذي حدا بالقمر أن يصارعها ليكون على مرأى مني. فكرت في نفسي: الحمدالله على موهبة حفظ نصوص المسرحيات التي أتمتع بها. فإن نفذ زادي من حصيلتي الكلامية التعبيرية فأجد بأعمال مسرحية عظيمة خير ذخيرة أعتصم بها في التعبير عن نفسي؛ وهنا في رأيي الخاص تكمن أهمية المسرح. وقفت وارتديت معطفاً أسود تمهيداً للمشهد الجديد.

يا ملائكة الرحمة لطفًا بنا. إن تكن روحًا ميمونًا، أو روحًا هالكًا ملعونًا، آتيًا بنفحة من النعيم، أو بلَفْحَةٍ من الجحيم، بالشر نذيرًا، أَو بالخير بشيرًا، إن مثالك ليحتم عليَّ أن أخاطبك، أناديك يَا هملت، يا ملكي، يا أبتي، يا صاحب اﻟ دانمرك فَأَجبني، لا تذَرْني في جهلي، أَفْنَى زَفَراتٍ وحسَرات، لماذا بَرزَتْ من كفنِهَا عِظامُك التي طهرت، وحجبها الموت؟ لماذا فتح الضريح — الذي رأيناك مُغَيَّبًا فيه — أنيابهُ الرخامية الثقيلة، وألقى بك إلى الخارج؟ ما معنى هذا؟ نهوضك وأنت جسم هامد، مرتديًا شِكَّتَكَ الكاملة، وعَوْدُك إلى حيث ترى ضوء القمر، وتَزيِد الليل وحشة ورَهبًا، ثم وقوفُنا منك بأفكارنا المضطربة، على ما بَدَا بنا من ضعف موقف الارتعاد الذي يزعزع أركان الجسوم، ويجاوزُ طاقَةَ النفوسِ، قل ما وراءك؟ لِمَ هذا؟ ما ينبغي أن تعمل؟

أنهيت هذا الحوار يساكن قلبي الفرح والابتهاج أني ما زلت قادراً على أداء بعض من حوارية هملت. ولأنني لم أتذكر أكثر من هذا الشطر؛ فشرعت أقول حواراً جديداً من مشهد آخر:

يا جيوشَ السماء، يا أَيتها الأرض، وماذا أُنادي بعد؟ أأناديك يا جَهَنم؟ رُوَيْدَك يا قلبي، رويدك، وأنتِ أَيَّتُها الأعصاب لا تَشِيخي بغتةً … بل أسْعديني بكل ما فيكِ من القوى، أتُذكِّرني إياك. أجل يا أيها الروح الحزين، ما دامت لي حافظة تحفظ في مركز هذه الْجُمْجُمَةِ المُتَضَعْضِعَة. أتُذَكِّرني إياك. أجل سأمحو من سِجِلِّ استظهاري كلَّ المعاهد التي كان حديث الضمير بها يُؤنسني، سأمحو كلَّ ما اقتبسته من حِكَم وأسفار، سأمحو كلَّ الصور والآثارِ التي أفادني إياها الشبابُ والاستقراءُ، ولن يبقى في كتاب عقلي كلمةٌ واحدة سوى وصيتك الشريفة. كذا وايْمُ الله. يا لَلْمرأة؛ ما أَفسدَ ما تكون المرأة! يا لَلْمُجْرم الأثيم ذي الوجه البسام! إِليَّ قرطاسي. سأنقُشُ فيه


كان الجو هادئاً في الفضاء حتى بعد تشبع السماء بالغيوم. فماذا حدث الآن؟ تناوحت الرياح وطال نواحها. إنه جو لا يبشر بالخير لمقامي في الصحراء وينذر عويله بحدوث الأسوء في الدقائق القادمة. لكن ارتباطي العاطفي بالفن المسرحي قد جسم فكرة وجوب بقائي كممثل قدير، وأكملت عرضي المسرحي على تلك الشاكلة التي بدأت بها:


ويحي من هُزْأَةٍ بليد، أليس عجيبًا أن ذلك الممثلَ الذي كنت أختبره منذ هنيهةٍ يستطيع على كونه إنما يُصَوِّرُ حادثًا مكذوبًا، ويُهيِّئُ إحساسًا ليس من الحقيقة في شيء، أن يصنَعَ وجهه، ويُشَكِّلِ حركاته، على النحو الذي يوحيه إليه خاطرهُ، فهو يمتقعُ حزنًا، ويستدِرُ جفْنيه دمعًا، ويظهر التَّدلُّةَ ويجهَشُ بصوته في التِّوَلُّه، ويطابِقُ بمهارته بين صُورَتهِ، وتَصَوُّرِهِ، وكل ذلك لغير ما طائلٍ يحلي به كل ذلك في سبيل حسناء لم يرَها ولم يعرفها، فما الذي كان يفعله لو كان مكاني؟ إذن لأَغْرَقَ مسرحَه بعبراته، وصدَّعَ آذان الجمهور بكلماته الرهيبة، وَأجَنَّ المذنب، وَأذْعَرَ البريء، وأذْهَلَ الجاهل، بل لأصمَّ السمع، وسدَرَ البصر، أما أنا وتبًّا لي من أثيم وضيع، وشجاع دَعيٍّ، فغايةُ ما دافعت به عن أبٍ حبيب، وملكٍ عزيز، نُكِبَ أَشدَّ النَّكباتِ: هو أنني أهْذِي هَذَيَانَ الحالم، مع أن شاغل الانتقام مالئٌ نفسي، أجبانٌ أنا؟ من ذا الذي أسمعه يسخَرُ مني؟ ويقول لي: يا ضُحْكَة. من ذا الذي اعترضني الآن في الطريق؟ فَنَتَفَ لِحْيَتي، ونَفَخها في وجهي، من ذا الذي جَذَبَني من أَنْفي؟ من ذا الذي كذبني فردَّ أَقوالي في حَلقي حتى أعادَهَا إلى صميم رِئتي؟ من ذا الذي فعل بي هذا؟ إِني أذن لذو كبد لا تَزِيدَ شيئًا عن كبدِ فرخ من الحمام، فليت لي مرارةً ولا يَضِيمُني ظُلم الظالمين، ولولا ذلك لا شَبِعَتْ منذ حين جوارح الطير من لحم ذلك الوغدِ الخبيث، لك الويلُ كلُّ الويل، من مجرم دَامِي الأَظَافر، ومن فاسقٍ فاسدٍ، ومن خائن مَيِّتِ الضمير، أَيُّ صبور أنا؟! أكذا إقدامُ الولد الذي قُتِل أبوه فاسْتَصرَخَهُ لأخذ الثأر، واستفزَّهُ بعوامل السماء وَجَهَنَم؟! أَفَبي حاجةٌ كحاجة البَغِيِّ المومِس، أو الأجيرةِ القعيدةِ في المطبخ إلى تبديد ما في قلبي من الحقد بالألفاظ والثَّرْثَرات؟! حَراكًا يا دماغي، حَراكًا، أمامًا يا عَزْمي أمامًا، رويدي هنيهة، قد سمعت أَن أناسًا من مرتكبي الجرائر، ومقترفي الجرائم، شهدوا تمثيل وقائع شبيهة بجرائمهم، وجرائرهم، فَأَخَذَتْهُم رَهْبةُ المقام، وفاجأتهم هِبّةُ الضمير، فَأَقروا بما ارتكبوا واقترفوا، وذلك لأن جِنايَةَ القتل على كونها ليست بذات لسان، لا تعدَمُ أداةً عجيبة للإفصاح عن سرها، والدَّلالَةِ على نفسها، ولهذه العلة قد هيأت للممثلين الذين ستشهدهم الآن، جريمة خيالية من نوع الحادثة التي اغتال بها عمي أبي. ومتى مَثلتْ لأَرْقُبَنَّه وأسبُرنَّ غورهُ، فإذا اضطرب فقد تبينت ما عليَّ، وسلكتُ سبيلي، قد يكون الروح الذي رأَيته شيطانًا، وللشيطان أن يبدوَ في كل شيءٍ يختارُهُ، فَأَخشى أن يكونَ قد حاول خديعتي من أجْل ضعفي، واستمرارِ كآبتي وإنَّ أصحابَ الأمزجةِ المجانسة لِمزَاجِي، لَأشَدُّ تَأثرًا بإغراءِ الشيطان، فلا بدَّ لي من الأدِلَّةِ الجليَّة، النَّافِيَةِ لكل ريب، وما تلك الروايةُ إلَّا المرآة الصادقة التي سأستجلي بها سَرِيرةَ المَلِك.

لم أحسب حساب الوقت، ورحت أسبح في دنيا لا تمت بصلة لهذه الدنيا التي تعرفونها. بدأت الرياح الباردة الهابة تهزهزني وتضغط بضغطها الجليدي على رئتيّ. ومع ذلك لم تستطع هذه القلاقل الطقسية لجم لساني.. وقلت بصوت حالم جهوري:

أكون أو لا أكون؟ تلك هي المسألة، أيُّ الحالتين أمْثَلُ بالنفس؟ أتَحَمُّلُ الرجم بالمقاليع وتَلَّقي سهام الحظِ الأنكد، أم النهوضُ لمكافحةِ المصائب ولو كانت بحرًا عجاجًا وبعد جهد الصراع إقامةُ حدٍّ دونها، الموت، نوم، ثم لا شيء. نوم نستقر به من آلام القلب، وآلاف الخطوب التي وَكَلَتْهَا الفِطْرَةُ بالأجسام، ونخشاهُ على أنه حقيق بأن نَرْجُوَه، الموتُ رقاد، رُقَادٌ وقد تكونُ به أحلام، آها هذه عقدةُ المسألة، إنما الخوفُ من تلك الأحلام التي قد تتخلل رقادَ الموت بعد النجاة من آفات الحياة، وهو الذي يَقِفْ دونه العزم، ثم هو الذي يَسُومُنَا عذاب العيش، وما أَطوَل مداه، إذ لولا هذا الخوفُ، لما صَبَرَ أَحَدٌ على المذَلَّاتِ، والمَشَقَّاتِ الرَّاهنة، ولا على بَغْي الباغي، ولا عَلَى تَطَاوُلِ الرجلِ المُتَكَبِّر، ولا على شَقَاءِ الحب المرذول، ولا على إِبطاءات العدل، ولا على سلاطَةِ السلطة، ووقاحة القدرة، ولا على الكوارث التي يُبتلى بها الْحَسَبُ الصحيح، والمجدُ الصريح، بفعل الْجَهَلةِ، وتهجم السَّفَلَةِ، وفي وُسع المرء أَن يترخصَ في الابتعاد، فيسلمَ من كل هذه الرزايا بطعنةٍ واحدة؟ من خِنْجَرٍ في يده. من الذي كان يرضى بالبقاءِ رازِحًا تحت الحِمْلِ دائمَ الأَنينِ، مستنزِفًا ماءَ الجبهة من الإعياء؟ لولا أنه يتقي أَمرًا ورَاءَ الحياة، البلد المَجْهَل الذي لم يستكشفه باحث، ولم تَتَخَط تُخُومَه قدمُ سائح، يحدونا أن نُؤْثِرَ الصعب بين أَهلنا، على السهل بين قوم لا نعْرفُهم. من ثَمَّ قَوِيَ الضميرُ، وجعلنا كلَّنا جبناء، من ثَمَّ تحولَ الزَّهْو في لونِ العزيمة إِلَى شحوبٍ بفعل التفكير، من ثم صْودِم التصميمُ على كل أَمْرٍ عظيم، فانحرَفَ عن طريقه، ثم بَطُلَ ولم يجدُرْ باسم العمل.

أردت أن أقول وأمثل وأسبح في عالم المسرح وأستذكر حوارات وروائع من مسرحيات أخريات، لكن وفي تضاعيف ساعات الليل تغيرت نبرة الرياح وشدة هبوبها، وراحت تشق أجْواز الفضاء شقاً متساوقاً. فقلت: كيف سأصمد أمام هذه الرياح.. أأبقى هنا لكي أتعرض لأسوء جزء من زوابعها؟ أرى من الأوفق أن أعود إلى بيتي. وبينما كنت أقود سيارتي في طريق العودة شعرت كما لو أنني إنسان متفتح القلب خالٍ من الهموم. رجل طوباوي بمعنى الكلمة. جرت هذه التجربة المسرحية قبل ثلاثة أعوام. وأعتبر هذه التجربة أفضل صديقة لي لأنها تمدني ببهجة نفسية في أعماقي وتعيد لقلبي حياة جميلة طالما تصورت أنها اضمحلت وتلاشت وامتزجت بقالب الموت.


اقتبست من شخصية هملت من مسرحية هملت
 
التعديل الأخير:

المتواجدون في هذا الموضوع

المواضيع المتشابهة

أعلى أسفل