دخل التتار بلاد المسلمين عام ١٢١٩ فقتلوا ما يزيد عن ٨٠٠ ألف مسلم، فطُلب من المؤرخ ابن الأثير تدوين هذه الفترة، فظن ابن الأثير أنها نهاية العالم، وأن هذه هي علامات الساعة، وأن تأريخ هذه اللحظات لن يفيد، فرفض وقال مقولته الشهيرة: "فمن الذي يسهل عليه أن يكتب نعي الإسلام والمسلمين؟ ومن الذي يهون عليه ذكر ذلك؟ فيا ليت أمي لم تلدني، ويا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيًا منسيًا". بعدها بسنواتٍ معدودة هُزم التتار فى معركة عين جالوت على يد الملك المظفّر سيف الدين قطز رحمه اللّٰه. قال تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً ۚ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِن شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ ۚ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا}.
والجاهل بتاريخ أمتنا يصيبه جزع ويأسٌ مكنونٌ خلف يقينٍ مهتز وإيمانٍ مرتج، يردد شعارات الوعد الإلهي بالنصر والتمكين بفاه مرتجفٍ وقلبٍ شكوك. إنٌ من أخطر مخرجات الإعلام الحديث إيهامه المسلمين اليوم أن التكالب الحاصل عليهم من طرف غيرهم من الأمم والذي نتج عنه ملايين القتلى، ومثلهم من المعاقين والجرحى والمغتصبات لم يحدثُ أبدًا في تاريخ الإسلام بهذه الأرقام الهائلة والطرق المفزعة في القتل والتنكيل، بهدف تثبيط العزائم، وبثّ الوهن في النفوس وزرع روح الإستسلام، ليتسائل المسلم اليوم بينه وبين نفسه: إذا لم يحدث هذا أبدًا طوال تاريخنا الطويل، ولم يتعامل معه أسلافنا من قبل وهُمُ الأفضل منا دينًا ودنيا، فكيف نستطيع نحن الصمود ثم النهوض من جديد؟. والحقيقة أن هذا حدث عشرات المرات في تاريخ الأمة الإسلامية، فـ ٨٠٠ ألف مسلم الذين قتلهم التتار مثلًا يُعدُ رقمًا مرعبًا بالنظر لتعداد سكان العالم آنذاك، وأما طرق القتل والتنكيل فأعداء آبائنا بالأمس هم أساتذة أعدائنا اليوم، فقد قتل التتار الأطفال أمام أمهاتهن، واغتصبوا النساء أمام محارمهن، وشقوا بطون المسلمات الحوامل وهن على قيد الحياة!.
إن تحرير أفغانستان قبل ٣ سنوات وفتح سوريا قبل أسابيع هو بشرى إلهية لهذه الأمة المنكوبة بقرب زوال الغمة وإنفراج الأزمة، وإنّا نسأل اللّه العلي القدير أن تُفتح باقي بلاد الإسلام بما فيها بلدي الجزائر، فتحًا يكون فيها الإسلام دستور الدولة الأول والأوحد {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}.