الختم الفضي ذوبان القطب الشمالي والجنوبي (2 زائر)


عبدالله 3

“فَمَتَى رَأَيْتَ بُسْتَاناً يُحْملُ في رُدْن ، ورَوْضَةً تُقَلُّ في حِجر
إنضم
14 يناير 2022
رقم العضوية
12560
المشاركات
315
مستوى التفاعل
1,159
النقاط
98
أوسمتــي
2
توناتي
2,775
الجنس
ذكر
LV
0
 
at164022439997121.gif

S A L W A | 12/12/2022
-





كان ليث اختصاصياً في علم المناخ. وذات مساء، وبينما كان منهمكاً بكتابة مقاله عن النشاط الشمسي، إذ بباب حجرته يفتح فجأة، فتطلع حوله ورأى أمه تقول له بنبرة حالمة: إني آمل أن تتزوج يا ليث، لكي أتمتع بمشاهدة أحفادك قبل موتي

- ليس في مُكنتي الزواج يا أمي

تغير لون الأم وسألت بانزعاج: لماذا لا يمكنك الزواج؟

- لأنه في المستقبل، القريب أو البعيد، سوف تغمر المياه الأرض ويموت الناس. لن أتحمل رؤية أبنائي وهم غَرْقَى أمامي. ولكي أحفظهم من ميتة البحر، سأحْذُ حَذْوَ أبا العلاء المعري في عدم الإنجاب.

- يتملكني العجب منك يا ليث. كيف أمكنك أن تكون متشائماً؟.

- يا أماه!، دعيني أشرح لكِ خطورة المسألة. سنة بعد أخرى، يصبح مدار الأرض أكثر ميلاً في القرب من الشمس، مما يجعل الجبال الجليدية تذوب في المحيط وتسبب فيضانات مدمرة.

لم تكترث الأم بمنطق ابنها وقالت بقسم:

- إن لم تتزوج، فلن تكون لي بك أية صلة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أمام إلحاح الأم، لم يكن للابن مناص من الاستجابة لمَطْلَبها. واقترن بالزواج من سيدة فاضلة. دار عقرب الزمن، وانصرمت الأيام، وتحقق حلم أم ليث وأصبحت جدة. إلا أن الطفلة الرضيعة قد تيتمت يوم ولادتها. وسُميت فيما بعد ب (لجين) وأصبحت الجدة ترعى حفيدتها بمحبة بالغة وأسبغت عليها ألواناً شتى من العطف والحنان. وبعد سنوات قليلة، ماتت الجدة وكانت لجين لا تزال تعيش سنواتها المبكرة. وهكذا استمر الأب وابنته بالعيش في بيتهم الواسع. تعلق ليث بلجين وكانت منه بمثابة القلب من الجسد. ولم ينس تدريبها على السباحة. مرت السنون سِراعاً، وأصبحت لجين تبلغ من العمر ثمان عشرة سنة. وكانت هادئة في أخلاقها وتمتلك عينين مفكرتين.

أتت الفرصة التي ينبأ فيها الأب ابنته بمصيرها ومصير العالم بأجمعه، فقال لها: "إني أعتذر لكِ يا أعز محبوبة، لأنني كنت أخفي عنكِ، طيلة وقت طويل، شيئاً جسيماً"

لم يوحِ التعبير الذي كان على وجهها بأنها قلقة، فقالت: أنا مصغية يا أبي إلى ما تقول.

- هل تذكرين جدتك يا لجين؟

- وكيف أنساها يا أبتِ، إذ لا يلوح لي في أفق طفولتي غير وجهها العذب المشرق

- هذا صحيح يا صغيرتي، لم تألفين أحداً سواها. والآن أخبركِ قصة البداية: كان لجدتك نُزُوع كبير إلى حُب الأطفال ومراقبة تصرفاتهم بمتعة، من أجل هذا ظلت تلح علي بأن أتزوج.

لم تنطق لجين بكلمة واحدة. أما الأب فقد استأنف خطابه:

منذ سنين خلت كنت عضواً في منتدى الجغرافيا الطبيعية، وقمنا بكتابة بحث علمي عن الحقب الزمنية التي تزداد فيها الحرارة التي تطلقها الشمس، وتبين لنا أن في ذلك تأثير خطير على القطبين: الشمالي والجنوبي. سوف يرتفع مستوى البحر تدريجياً ويموت الناس غرقاً. هذه الفرضية التي جرت بها أقلامنا، منذ مدة من الزمن، في طريقها الآن أن تصبح واقعاً يفجع مئات الملايين بالموت.

- كم من الزمن سيمر وتفيض البحار والمحيطات يا أبي؟.

- بوجه العموم، ليس كثيراً.

- إذن أمامنا القليل من الوقت ننتفع به يا أبي،- قالت لجين وكان وجهها الباسم يشع بالإيمان.

حينذاك تجمعت دموع الأب في عينيه وقال: " يشق علي أن أرى مكروهاً يصيبك يا ابنتي العزيزة إلى نفسي، إذ أن النجاة في هذه الأحوال تكون بنسبة صفر إلى عشرة."

أسرعت إليه ولفت ذراعها حول عنقه ورجته بأن يهدأ قائلة: "يا أبي العزيز، ما دمت أنت وأنا معاً في الحياة والموت فلن أقلق من شيء."

قالت الابنة المرحة بلهجة أمر: "والآن لنبتهج بأيامنا الحاضرة"

- كلمتك قانون بالنسبة لي يا بنيتي الحبيبة.

كفكف الأب دموعه ثم ابتسم.

- من أجل هذه البَسْمَة الحلوة التي على وجهك يا أبي الحبيب، سوف أدخل، في الحال، إلى المطبخ وأعد لكلينا عشاءً شهياً.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بعد مُضِيّ بضعة شهور على ذلك اليوم، حدث أن أتى الأب، مسرعاً، من الخارج ويحمل الخبر المشؤوم، وقال:

هيا يا لجين أعطني يدك ولنغادر بسرعة إلى أرض الله الواسعة، فالبقاء في البيت ليست خطة مأمونة العواقب. البحر العاتي في طريقه إلى البلاد.

- هيا يا أبي، فلنسرع إذن.

كادت لجين أن تتعثر ، أثناء إسراعها، لولا أن أمسك والدها بيدها وحال دون سقوطها أرضاً.

لم يبق أحد في بيته في ذلك المساء، فالجميع قد ولى الأدبار متجهين إلى الصحاري وقطع الأرض المهجورة.

قاد الأب سيارته على الطريق الرئيسي متوجهاً إلى الصحراء. وكانت مصابيح السيارة تكشف له الظلام الدامس. بدا أن جميع سكان الكرة الأرضية قد اختاروا نفس الصحراء، التي يقصدها، موئلاً لهم؛ فالجميع في حالة استنفار، ويضغطون على أبواق سياراتهم.

كان الأب، أثناء قيادته السيارة، يحول بصره إلى ابنته ويتكلف ابتسامة شجاعة. أما هي فقد زادت عليه في الشجاعة، حيث قالت: "ما أهمية أن نعيش في عالم ملآن بالفاقة والبطالة والمواجع يا أبي؟. إذا كتب الله، تعالى، لنا أن نموت غرقاً، فلتكن مشيئته".

تأثر الأب بكلمات ابنته وقال: "يا عزيزتي لجين، أعرف أنكِ تفكرين وتشعرين بصورة مختلفة عن كثيرات من النساء، فليباركك الله نظير احساسك المرهف"

قطع الأب مسافات شاسعة في الصحراء؛ لأنه أراد الوصول إلى مكان لم يبلغه أحد. ثم أوقف السيارة في البقعة التي شعر فيها بالأمان.

- يا عزيزتي لجين، هل نمتِ.

أنا يقظى يا أبتِ،- قالت لجين بتثاقل وتعب.

- هل أنتِ متعبة؟.

- كلا.

همست الفتاة بوهن ووضعت يدها الباردة في يد والدها فشدد هو قبضته عليها.

- أبي! أنا أحبك.

ألقت الفتاة برأسها على كتف أبيها ثم نامت.. وبهذه الطريقة خمدت فيها جمرة الحياة.

- ما خطبك؟ هيا أفيقي!

قفز قلب الأب بين ضلوعه في اللحظة التي كان يهزها من نومها وكانت شفتاه ترتعش

- لجين!!

تبعت هذه الكلمة صرخة مذعورة من الأب المكلوم.

بيد أن الكارثة لم تأبه للجرح العميق في قلب الرجل الكهل. إذ، عند مطلع الصباح، بدأ البحر يجتاح الأرض ماحياً كل أثر للموجودات. وفقدت السهول الرملية شكلها بصفتها صحراء جدباء.

- عزيزتي الصغيرة، سوف أتركك تنامين هنا بسلام. سأنضم إليك عما قريب! ولكن لا بُدَّ من القتال قبل الموت.

أغلق ليث باب السيارة وراح يخوض حتى ركبتيه في الماء. ودع ابنته النائمة، من خلف زجاج النافذة، بنظرة أخيرة، ثم رمى بنفسه فوق السيارة؛ لأن مستوى منسوب البحر كان مستمراً في الارتفاع. بعد فترة يسيرة، اِنْغَمَرت السيارة في الماء. ودُفِع ليث بعيداً بسبب الموج، وكان يرتفع بارتفاعه وينخفض بانخفاضه، ويختفي تحت الزبد الكثيف. وكان يكافح بكد وبطولة، لكن قوة البحر كانت تتطلب منه كفاحاً مميتاً. رأى ليث فوق سطح الماء جثث الناس الكثيرة تتمايل بين الأمواج. ضربت الموجة الهائلة ليث الضربة القاضية. وأخيراً، صمت قلبه المحب وعقله البصير إلى الأبد.
 
التعديل الأخير:

أجنحَة الحريّة

تعب هالخاطر! ~
إنضم
6 يونيو 2015
رقم العضوية
4508
المشاركات
1,444
الحلول
1
مستوى التفاعل
7,856
النقاط
927
أوسمتــي
7
العمر
25
توناتي
8,288
الجنس
أنثى
LV
1
 
at165827215404342.png

r o m e o - 18/12/2022

السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
أخبارك اخ عبدالله ان شاءالله بخير
عشت 😶💙✨ اسلوبك دايماً يجنن وما ينشبع منه
تخلينا نتمنى لو المقطع ما يخلص ولو نشوف لك عمل طويل 🥺💔
اعتذر عالرد المتأخر، اول ما شفت اشعار نشر قصة
ولقطت العنوان حتى دخلت فوراً اقرأه! من اول لحظة نشر
وفي كل دقيقة كان يتم تأجيل التفاعلات حتى ساعتي هذه وأخيراً!!

فكرة مخيفة ودائماً كنت اشوفها بكوابيسي خاصة بعد حادثة تسونامي
بكل مرة كنت أحاول اطلع على أعلى قمة موجودة من جبال او مباني
والتف لشوف الموجة العالية كلما اقتربت كلما بانت ضخامتها كأنها واصلة للسحاب!
وعند الاصطدام اصحى مو مصدقة انه كان حلم ه1
لهيك ولإني بعرف شعور الهوس هذا مراراً وتكراراً فكنت مستمتعة بالقراءة
وفخورة انو في معنا قلم مبدع بهالشكل! ابتسمت بفخر وامتنان انك سمعت لاقتراحي
وطلعت لنا بهذه الكارثة الرهيبة! الأسلوب، اخ شو احكي عن الأسلوب
مذهولة من العربية القوية وبنفس الوقت سلسة وسهلة الفهم
ما شاءالله عندك ثروة لغوية ومصطلحات شتى تخلي الجمل تلعب بيدك لعب ش2
اقبلنا تلاميذ عندك لو سمحت ش5 و2
- إذن أمامنا القليل من الوقت ننتفع به يا أبي،- قالت لجين وكان وجهها الباسم يشع بالإيمان.
يالروعتك ي لجين ش2 تصميمك لها يجنن هذا غير بأني اعشق الاسم بشكل خاص
طوال قرائتي اتخيلها صديقة طفولتي التي لا أعلم ما حالها الآن او بأي أرض هي
لكن وبطريقة ما، كانت تشبه هذه الشخصية تماماً بوعيها
وانا اتفق معها! ان تكون خائف من لحظة لا تدري متى موعدها ولربما تأتي الموتة طبيعية قبل اليوم الموعود!
فتكون قد أضعت كامل عمرك في خوف وخشية، ولولا استسلامه لقرار والدته
لربما بقي وحده 18 سنة في البيت الواسع بعد وفاة والدته!
تعددت الأسباب والموت واحد 😔💔 إن كنت خائفاً من سبب واحد معين
فهناك مئة طريقة يتعرض الموت لها، يمكنني تقبل تفكيره قليلاً من ناحية عاطفية
اما عن المنطق فلا.. اعجبني انغماس القصة بالمحتوى العلمي وطريقة الشرح
والذهاب إلى صحراء خالية بعيداً عن هرسهم في ركام المدينة والماء
نقاط جعلت القصة تبدو لي وكأنها حقيقة وتعاطفت معها..
كان الأب، أثناء قيادته السيارة، يحول بصره إلى ابنته ويتكلف ابتسامة شجاعة. أما هي فقد زادت عليه في الشجاعة، حيث قالت: "ما أهمية أن نعيش في عالم ملآن بالفاقة والبطالة والمواجع يا أبي؟. إذا كتب الله، تعالى، لنا أن نموت غرقاً، فلتكن مشيئته".
كتير تأثرت هون وأدركت اديش كان ليث يحتاجها جنبه 😭💔
عند اليأس تلاقيها مقتنعة بالكارثة وواقعية وتهون عليه انو الدنيا فانية
وخربانة اصلاً، شو فيها شي يستدعي اننا نتمسك فيها بمزيد من العذاب والإرهاق
صابتني قشعريرة لما غفيت على كتفه وما عاد صحيت 😭💔
القدر رحمه بآخر لحظة انه ما يشوفها تصارع الأمواج محاولة التقاط نفس!
أبدعت بمشهد النهاية لساته مرسوم ببالي وما اتوقع يغيب
احاول اعصر دماغي لأقترح عليك شي كمان عشان نشوف التحفة الرهيبة مرة تانية دولور2
لا تحرمنا من جمال قلمك وإبداعك، لو انك طلبت تصميم للموضوع
لكنا هلأ ركبناه بالبنر والكل قرآه طالما انك تتكاسل بنشر الدعوات بالملفات ضض1
اشوفك ع خير، لنا لقاء آخر بإذن الله 💙
سلوى كانت هنا و2 ق1 تحياتي
باي4
 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:

عبدالله 3

“فَمَتَى رَأَيْتَ بُسْتَاناً يُحْملُ في رُدْن ، ورَوْضَةً تُقَلُّ في حِجر
إنضم
14 يناير 2022
رقم العضوية
12560
المشاركات
315
مستوى التفاعل
1,159
النقاط
98
أوسمتــي
2
توناتي
2,775
الجنس
ذكر
LV
0
 
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

الله يبارك فيك الأخت الكريمة سلوى، الله يسعدك

سبحان الله، كل واحد فينا له مخاوف تنعكس بأحلامه.. الله يحفظك

العفو أختي الكريمة سلوى، أنا اللي فخور أني أكتب بينكم وأجد تفاعل كبير بالمشاهدات (القراءات) أنا جد سعيد بينكم

حقيقة أجد هنا راحتي أكثر من أي مكان آخر أكتب فيه.

بصراحة كانت الفكرة اللي طلبتيها مني بمثابة تحدي لي كوني لا أكتب الكثير عن الكوارث الطبيعية. جدا متشكر.

بخصوص مفردات اللغة العربية: الحمدالله هذا فضل من ربي، اني أسعى جاهداً لجمع مفردات جديدة في الدفتر وتوظيفها في قصصي.. منها أتعلم ومنها أجعل القارئ ينشد للقصة من أولها لآخرها.

العفو، أنتم والنعم فيكم، وكلنا نتعلم من بعض.

الحقيقة أضفتي قيمة للقصة بردك الرائع وتفاعلك العفوي الذكي

ومعك حق، التصميمات كانت لتضيف لمسة جمالية على القصة، لكني دوماً مستعجل وما أن أنتهي من قصة حتى أشرع بكتابة قصة جديدة.

كل الشكر والاحترام لشخصكم الكريم أختي سلوى.

في أمان الله.
 

المتواجدون في هذا الموضوع

أعلى أسفل