في ظهائر يونيو الحار تمتد السماء الزرقاء عالياً وتسكن الشمس في وسطها ويضمخ نورها البر والبحر. في هذا الوقت تكون الطفلة هتان بالمدرسة. وإن سألها المرء: ما أجملُ أيام الأسبوع؟ تجيبه: أوه! يوم الثلاثاء! فيه ألتقي بمعلمة حنون قلبها. إن لها فؤاد إنساني النزعة. وهي من تعلمنا كيف نرسم الأشياء.
وحدث أن طلبت السيدة (أثيلة) من التلاميذ الصغار أن يأتوا برسوماتهم في الأسبوع القادم، ويجب أن تكون هذه الرسومات عن المشروع البيئي للتصدي للاحتباس الحراري، واضعة على الجملة الأخيرة توكيداً قوياً لكي تشعرهم بالانْضِباط والمسؤولية: "لا يتساوى من يجتهد بمن لا يجتهد."
جاءت هتان من المدرسة متعبة. فقالت لها الأم بلهجة حنان: بينما كنتِ في المدرسة ذهبت إلى السوق واشتريت كيلو برتقالاً. سأجعله عصيراً.
- لا أحب البرتقال بعد العصر يا أمي!
- إذن كليها كما هي، انظري! هذه البرتقالة كالشمس في لونها
فتحت هتان عينيها دهشة وسارعت إلى احتضان أمها وقالت: الأمهات أولاتُ فضل على الأبناء. كيف لم يخطر ببالي أن أرسم موضوعاً عن الشمس؟! كان الجو حاراً هذا اليوم.
ضحكت الأم قائلة: هذا صحيح، لماذا كنتِ عابسة الأسارير منذ قليل؟
- طلبت السيدة (أثيلة) أن نرسم موضوعاً عن البيئة. كنت محتارة عن ماذا أرسم. إلى أن ألهمتِني بالموضوع الذي يجب أن أرسمه. أنتِ يا أمي، منذ لحظة، شبهتِ الشمس بالبرتقالة في لونها وهذا تشبيه مرسل. إذن سوف أرسم الشمس.
قالت الأم ذات الوجه البشوش: رائع! أرأيتِ، يا حبة عيني، كيف يساعدنا علم البلاغة في الرسم أيضاً؟
- علم البلاغة ممتع إلا أنه مفيد، ولكني لا أتنفس بغير الرسم والأقلام الملونة
ولكن ماذا سوف ترسمين غير الشمس يا هتان؟
- اممم ألا يكفي أن أرسم الشمس فقط؟
- بلى! ولكن لجعل الرسمة أكثر تأثيراً في نفس الرائي، حبذا أن تضيفي مزيداً من التفاصيل
- إني أقر رأيك إقراراً كاملاً يا أُمي.
بعد الغداء، طبعت هتان قبلة طفولية على خد أمها وأبيها ثم ذهبت إلى غرفتها وقالت لنفسها: ما أحوجني إلى الهدوء الآن. يجب أن أفكر برسم مشهد مؤثر.
أمسكت هتان القلم. ثم لم تمض دقيقتان حتى طرحته على الطاولة بعصبية. قالت وقد اعتملت سخونة بدماغها كله: "أية جهالة تسيطر على ذهني!"
ومع ذلك سمحت الفتاة الصغيرة أن تدور رحى الأفكار العشوائية في باطنها قبل أن تقرر موضوع الرسم.
بوجه العموم، الرسومات العالية الجودة تأخذ أياماً عديدة. كانت هتان، في كل يوم، تذهب إلى المدرسة صباحاً وتأتي إلى بيتها ظهراً. وبعد الغداء تباشر بالرسم.
في مساء يوم الإثنين، انتهت هتان أخيراً من تأدية عملها: كانت الرسمة تصور أرنباً برّياً ذا أذنين مُنْحَنيتين وقد أذبله الحر. ولئن الشمس كانت تسخن الهواء في الصحراء وتجعل العشب ذاوٍ لقد فقد الأرنب رفاقه. ولم تنتهِ الرسمة إلى هنا، ففي منتصف المشهد صورت هتان أن الأرنب يتخيل نفسه قافزاً في البركة.
جاءت هتان تمسك في يدها كراسة الرسم، وأُدنيت الرسمة إلى الأب والأم فنظرا إليها وفرحا فرحاً كبيراً. الواقع أن الأب والأم لم يكونا قادرين على صرف نظريهما عن الرسمة.
- أنتِ يا هتان تنتسبين بإبداعك هذا إلى العباقرة ذوي الأحاسيس المرهفة،- قالت الأم بافتخار
- بلى بالطبع،- قال الأب وهو يُجلس طفلته على ركبته.- أجل، هذه خصائص ابنتنا الحبيبة.
تناولت هتان عشاءها ثم دخلت إلى فراشها؛ لكي يأتي يوم الغد بسرعة، فهي لا تطيق الصبر. نامت الطفلة وكان رأسها مسجى على ذراعها، وعلى وجهها تعبير سعيد كأنها تحلم بشيء سار.
في حصة الرسم كانت السيدة أثيلة تشغل مقعدها المألوف، وتنظر إلى الطاولات الملآنة بالأطفال. كانت تنادي على أسمائهم الواحد تلو الآخر.
- عبدالعزيز! جئني برسمتك
"تفضلي يا معلمتي" شرح الطالب المتحمس، "هذه مستنقعات تملأ المكان جزئياً.. وفيها حشرات ناقلة للأمراض."
- أحسنت يا عبدالعزيز،- قالت السيدة أثيلة وعلى وجهها الهادئ علامة الرضى.
ثم جاءت آيلا تمسك دفتر الرسم: الأغنام ترعى من الغطاء النباتي، وهذا رعي جائر يساهم بزيادة معدل التصحر.
قالت السيدة أثيلة وهي تضع الدرجة للمبدعة الصغيرة: ما أبرع عملك يا آيلا!.
قدم باقي الطلاب والطالبات رسوماتهم حتى جاء دور هتان أخيراً.
أخذ قلب هتان يدق بعنف بسبب خوفها من أن رسمتها قد لا تعجب المعلمة أثيلة. لكن ابتسامة مُشجِعة من السيدة الطيبة قامت بتشجيع الطفلة.
تناولت السيدة أثيلة كراسة الرسم من هتان. وشرعت تنظر إلى الرسمة. ثم رفعت عينيها في جلال مؤثر إلى أبعد حد وقال صوتها: أيها الطلاب والطالبات أريد منكم تصفيق حار لصديقتكم هتان، لأنها الفائزة.
لم تتمالك هتان مشاعرها وألقت بنفسها إلى حضن المعلمة وتشبثت بها من فرحتها وقالت: لقد حبَوْت الرسمة هذه بأعظم حبي لأنني أحبكِ كل الحب". ربتت السيدة أثيلة على شعر هتان وقالت: "سوف أعرض رسمتك على وزارة البيئة." ثم توجهت إلى باقي الطلاب والطالبات وقالت: "أحسنتم جميعاً أيها الأطفال، بكم تتقدم البلاد"
أصبح عمل هتان في عهدة وزير البيئة حيث قال: هذه الطفلة أَلْمَعيّة حقاً. الأرانب وغيرها من الكائنات الحية تحتاج إلى ظل وخضرة وبركة. نحن نعيش في بلد صحراوي.. نحتاج أن نرى الأشجار والنباتات. أفكر أيضاً بأن أزرع أشجار السدر.
حُفِر بئرٌ في منطقة قاحلة لكي يوفر الماء بها طوال العام. وعلى الرغم من أن كميات البئر قليلة نسبة إلى حجم هذه المنطقة إلا أنه سيكون لها أثر كبير على النباتات والطيور والحيوانات.
مرت ثلاث سنوات سراعاً، وذهبت هتان مع أمها وأبيها إلى المحمية. ورأت رأي العين ما رأت.
"هذه نافورة عذبٌ ماؤها" قالت الطفلة فرحة جذلة ثم نظرت إلى لفيف الأشجار والحقل المتموج من الزهور وقالت: "يستهويني البقاء هنا اليوم كله."
- ما أجمل تلألؤ الماء،- قالت الأم.- هتان! أنتِ يا صغيرتي الحلوة جعلتِ مجتمعنا في رتبة أعلى.
- أنتِ رسامة فائقة يا هتان،- قال الأب وهو غير مصدق أن رسمة بنته الصغيرة تحولت إلى مشروع وطني.
وحدث أن طلبت السيدة (أثيلة) من التلاميذ الصغار أن يأتوا برسوماتهم في الأسبوع القادم، ويجب أن تكون هذه الرسومات عن المشروع البيئي للتصدي للاحتباس الحراري، واضعة على الجملة الأخيرة توكيداً قوياً لكي تشعرهم بالانْضِباط والمسؤولية: "لا يتساوى من يجتهد بمن لا يجتهد."
جاءت هتان من المدرسة متعبة. فقالت لها الأم بلهجة حنان: بينما كنتِ في المدرسة ذهبت إلى السوق واشتريت كيلو برتقالاً. سأجعله عصيراً.
- لا أحب البرتقال بعد العصر يا أمي!
- إذن كليها كما هي، انظري! هذه البرتقالة كالشمس في لونها
فتحت هتان عينيها دهشة وسارعت إلى احتضان أمها وقالت: الأمهات أولاتُ فضل على الأبناء. كيف لم يخطر ببالي أن أرسم موضوعاً عن الشمس؟! كان الجو حاراً هذا اليوم.
ضحكت الأم قائلة: هذا صحيح، لماذا كنتِ عابسة الأسارير منذ قليل؟
- طلبت السيدة (أثيلة) أن نرسم موضوعاً عن البيئة. كنت محتارة عن ماذا أرسم. إلى أن ألهمتِني بالموضوع الذي يجب أن أرسمه. أنتِ يا أمي، منذ لحظة، شبهتِ الشمس بالبرتقالة في لونها وهذا تشبيه مرسل. إذن سوف أرسم الشمس.
قالت الأم ذات الوجه البشوش: رائع! أرأيتِ، يا حبة عيني، كيف يساعدنا علم البلاغة في الرسم أيضاً؟
- علم البلاغة ممتع إلا أنه مفيد، ولكني لا أتنفس بغير الرسم والأقلام الملونة
ولكن ماذا سوف ترسمين غير الشمس يا هتان؟
- اممم ألا يكفي أن أرسم الشمس فقط؟
- بلى! ولكن لجعل الرسمة أكثر تأثيراً في نفس الرائي، حبذا أن تضيفي مزيداً من التفاصيل
- إني أقر رأيك إقراراً كاملاً يا أُمي.
بعد الغداء، طبعت هتان قبلة طفولية على خد أمها وأبيها ثم ذهبت إلى غرفتها وقالت لنفسها: ما أحوجني إلى الهدوء الآن. يجب أن أفكر برسم مشهد مؤثر.
أمسكت هتان القلم. ثم لم تمض دقيقتان حتى طرحته على الطاولة بعصبية. قالت وقد اعتملت سخونة بدماغها كله: "أية جهالة تسيطر على ذهني!"
ومع ذلك سمحت الفتاة الصغيرة أن تدور رحى الأفكار العشوائية في باطنها قبل أن تقرر موضوع الرسم.
بوجه العموم، الرسومات العالية الجودة تأخذ أياماً عديدة. كانت هتان، في كل يوم، تذهب إلى المدرسة صباحاً وتأتي إلى بيتها ظهراً. وبعد الغداء تباشر بالرسم.
في مساء يوم الإثنين، انتهت هتان أخيراً من تأدية عملها: كانت الرسمة تصور أرنباً برّياً ذا أذنين مُنْحَنيتين وقد أذبله الحر. ولئن الشمس كانت تسخن الهواء في الصحراء وتجعل العشب ذاوٍ لقد فقد الأرنب رفاقه. ولم تنتهِ الرسمة إلى هنا، ففي منتصف المشهد صورت هتان أن الأرنب يتخيل نفسه قافزاً في البركة.
جاءت هتان تمسك في يدها كراسة الرسم، وأُدنيت الرسمة إلى الأب والأم فنظرا إليها وفرحا فرحاً كبيراً. الواقع أن الأب والأم لم يكونا قادرين على صرف نظريهما عن الرسمة.
- أنتِ يا هتان تنتسبين بإبداعك هذا إلى العباقرة ذوي الأحاسيس المرهفة،- قالت الأم بافتخار
- بلى بالطبع،- قال الأب وهو يُجلس طفلته على ركبته.- أجل، هذه خصائص ابنتنا الحبيبة.
تناولت هتان عشاءها ثم دخلت إلى فراشها؛ لكي يأتي يوم الغد بسرعة، فهي لا تطيق الصبر. نامت الطفلة وكان رأسها مسجى على ذراعها، وعلى وجهها تعبير سعيد كأنها تحلم بشيء سار.
في حصة الرسم كانت السيدة أثيلة تشغل مقعدها المألوف، وتنظر إلى الطاولات الملآنة بالأطفال. كانت تنادي على أسمائهم الواحد تلو الآخر.
- عبدالعزيز! جئني برسمتك
"تفضلي يا معلمتي" شرح الطالب المتحمس، "هذه مستنقعات تملأ المكان جزئياً.. وفيها حشرات ناقلة للأمراض."
- أحسنت يا عبدالعزيز،- قالت السيدة أثيلة وعلى وجهها الهادئ علامة الرضى.
ثم جاءت آيلا تمسك دفتر الرسم: الأغنام ترعى من الغطاء النباتي، وهذا رعي جائر يساهم بزيادة معدل التصحر.
قالت السيدة أثيلة وهي تضع الدرجة للمبدعة الصغيرة: ما أبرع عملك يا آيلا!.
قدم باقي الطلاب والطالبات رسوماتهم حتى جاء دور هتان أخيراً.
أخذ قلب هتان يدق بعنف بسبب خوفها من أن رسمتها قد لا تعجب المعلمة أثيلة. لكن ابتسامة مُشجِعة من السيدة الطيبة قامت بتشجيع الطفلة.
تناولت السيدة أثيلة كراسة الرسم من هتان. وشرعت تنظر إلى الرسمة. ثم رفعت عينيها في جلال مؤثر إلى أبعد حد وقال صوتها: أيها الطلاب والطالبات أريد منكم تصفيق حار لصديقتكم هتان، لأنها الفائزة.
لم تتمالك هتان مشاعرها وألقت بنفسها إلى حضن المعلمة وتشبثت بها من فرحتها وقالت: لقد حبَوْت الرسمة هذه بأعظم حبي لأنني أحبكِ كل الحب". ربتت السيدة أثيلة على شعر هتان وقالت: "سوف أعرض رسمتك على وزارة البيئة." ثم توجهت إلى باقي الطلاب والطالبات وقالت: "أحسنتم جميعاً أيها الأطفال، بكم تتقدم البلاد"
أصبح عمل هتان في عهدة وزير البيئة حيث قال: هذه الطفلة أَلْمَعيّة حقاً. الأرانب وغيرها من الكائنات الحية تحتاج إلى ظل وخضرة وبركة. نحن نعيش في بلد صحراوي.. نحتاج أن نرى الأشجار والنباتات. أفكر أيضاً بأن أزرع أشجار السدر.
حُفِر بئرٌ في منطقة قاحلة لكي يوفر الماء بها طوال العام. وعلى الرغم من أن كميات البئر قليلة نسبة إلى حجم هذه المنطقة إلا أنه سيكون لها أثر كبير على النباتات والطيور والحيوانات.
مرت ثلاث سنوات سراعاً، وذهبت هتان مع أمها وأبيها إلى المحمية. ورأت رأي العين ما رأت.
"هذه نافورة عذبٌ ماؤها" قالت الطفلة فرحة جذلة ثم نظرت إلى لفيف الأشجار والحقل المتموج من الزهور وقالت: "يستهويني البقاء هنا اليوم كله."
- ما أجمل تلألؤ الماء،- قالت الأم.- هتان! أنتِ يا صغيرتي الحلوة جعلتِ مجتمعنا في رتبة أعلى.
- أنتِ رسامة فائقة يا هتان،- قال الأب وهو غير مصدق أن رسمة بنته الصغيرة تحولت إلى مشروع وطني.
التعديل الأخير: