S A L W A | 5/7/2023
هذه القصة بعيدة الزمن. عاشت فتاة عذراء تُسمى (ديزي) حياة قريرة مع أمها وأباها. (ديزي) ليس تحت أديم السماء أكثر منها حمرة في الخدين، كذلك هي عَذْبَة الصوت. ديزي لها مرْأى المتعففة الورِعة المنقطعة عن كل أمر فيه خِزْي ومَنْقَصَة - ذلك أنها طاهرة الظاهر والباطن ولم تكن ضاربة على غرار لئيمات النفس. يليق بها أن تعيش في غرفة في محاذاة المحراب من شدة تعففها. كانت (ديزي) تحب سقي النباتات والجلوس تحت نَخْلة التمْر، التي ترتفع في الفضاء، والنظر إلى القمر وهو يتابع سراه في رقعة السماء. وإذا كان القمر غائباً تنظر إلى فوضى النجوم المنثورة في الليل. كثيراً ما كانت الفتاة تأخذها سِنة من النوم وهي مستقرة تحت نَخْلة التمْر. ولا تنفصل عن النَخْلة إلا إذا أخالت السماء للمطر أو في وقت النوم.
بعد فترة مرضت الأم ومُددت على السرير. وران على أجواء البيت حس التعاسة. طالت إقامة الأم في سرير المرض، ولمّا أيقنت أن الحمى توشك أن تُهلكها، قالت ل(ديزي) في وهن وضعف بالغين: يا بنتي ابقي طيبة ومُحِبة، لكي يحفظكِ الله.
- يا أماه، باركك الله، أعدك أن أبقى طيبة ومُحبة.
جلست (ديزي) عند قدم السرير تعني بأمر والدتها. وهكذا تقضّى الليل وئيداً وئيداً. عندما ارتفع الضحى في السماء، كانت الأم قد انقلبت إلى عالم الأموات. وجرياً على مألوف عادة الناس إذا ألمَّت بهم فاجعة كهذه الفاجعة، بكت (ديزي) المكلومة:
- يا دَهْر فِيمَ فجعتني بأمي؟
أقفر وخلا قلبها من السعادة، واحتبس الكلام في حلقها. كذلك لم تستطع الاقتراب من المأكل والمشرب؛ فقد أهاجت نفسها خواطر الحزن المَأْتَمي. ولبثت في سكون كُلّي مثل قديسة بكماء.
انطوى اليوم الحزين. وَضَحَت الشمس ثم اصفرت. ولم تكن (ديزي) بحاجة أن تستجلي طلعة الأصيل الكئيب وهو أول أصيل تحياه من دون والدتها. والحق أنها لم تُرِد أن تبرح خلوة غرفتها. كانت مصونة في عزلة مكانية ومعنوية.
نصح الأب ابنته (ديزي) أن تعود لحياتها القديمة. وهذا ما كان، فقد جلست الفتاة تحت نَخْلة التمْر. آنذاك كانت الليلة مظلمة باردة، وبدت النجوم في عينيها أبعد عن الأرض مما قُدر لها أن تراها في أي يوم من الأيام.
عقب مرور شهر. ولمّا قاسى الأب شعور الوحدة تزوج امرأة أرملة، تدعى خوشناف، ولديها ابنتان: إيفلين وأريونا. برغم جمال مظهر الأم وبنتيها إلا أنهن شامخات الأنوف. بعد زواج الأب، كان على (ديزي) أن تواجه مجاهدات الحياة واضطراباتها. في بادئ الأمر، الأم وبنتاها كُن لا يتجرأن على الإِنْتِقاص من (ديزي) في حضور الأب. أما عندما يغيب عن البيت، فيتجرأن على الإجْحاف في حقها. وإليكم جملة من الأشياء التي كُنّ يقلنها ل(ديزي) في صيغة أمر:
- اكنسي الدار، اغسلي ثيابنا، انشري الغسيل قبل أن تسكن حدة الحر، اطبخي العشاء، ادعكي الأطباق.
ولم تنتهِ المعاملة السيئة إلى (ديزي) عند هذا الحد من جانب زوجة الأب وبنتيها.. بل فرضن عليها ارتداء ثوب عتيق، أضفى عليها سيماء الخادمة، وإرغامها على البقاء في غرفة المطبخ والنوم على البلاط المُتْرِب بمحاذاة ركن المستوقد. ظلت (ديزي) تعيش في هم وكرب وذبول.
بعد مضي أشهر، حملت زوجة الأب وأصبح هذا الأخير مُنْحازاً لزوجته. أصبحت المرأة الشريرة وبنتاها يُسئن إلى (ديزي) على مَرْأى ومسمع من الأب دون أن يفوه بكلمة اعتراض. ومع هذا ظلت (ديزي) صابرة تتحمل سوء المعاملة. بيد أن زوجة الأب لم تستسلم في تَثْبيط عزيمة الفتاة؛ إذ طلبت من زوجها إسقاط نَخْلة التْمر؛ حتى لا تجلس ابنته تحتها. وهكذا حُرمت (ديزي) من البهجة الوحيدة المُتبقية لها في الدنيا.
- وا حسرتاه، أسقطوا نَخْلة التمْر التي زرعتها أمي المرحومة! − قالت (ديزي) وقد اضطربت وضجت بالبكاء.− وقضت جانباً من الليل مستقرة عند موقع النخلة تبكي وتنتحب حتى عادت إلى الدار.
- كفكفي دمعك يا ديزي،- جاء الصوت من داخل غرفة المطبخ.
رفعت (ديزي) رأسها إلى مصدر الصوت وقالت: من أنتِ أيتها السيدة؟ وكيف عرفتِ اسمي؟
أجابت: "أنا جنية وقد نجحت في الحلول في صورة بشرية كما تريني الآن. لكن العباءة التي أرتديها فضفاضة بعض الشيء (هَأْهَأَ). أعرف كل شيء عنكِ يا صغيرتي".
لم يتطرق الخوف إلى قلب الفتاة؛ إذ كانت عينا الجنية تلتمعان ببريق ينطوي على الخير الكثير وقد طفت على شفتيها ابتسامة عطوف.
- لماذا أنتِ محزونة الخاطر يا صغيرتي؟
- منذ أن ماتت أمي وأنا محزونة الخاطر.
- منذ هذه اللحظة سأقف إلى جانبكِ فلا تجزعي يا ديزي،- قالت الجنية تمسك في يدها الصَوْلجان وكان طرفه يضيء مثل كوكب الزهرة عند بُزُوغه وقت الغروب -أنتِ بحاجة إلى الدفء أولاً فأنتِ بَرْدانة فيما أرى.
تطلعت (ديزي) حولها فوجدت وهج الجمرات المتقدة يتألق في المستوقد. لقد تلظّت النار وتلهبت؛ من أجل أن تصطلي الفتاة بها.
- أشكركِ جزيل الشكر يا سيدتي الجنية.
قالت الجنية وهي تُلَّوح صَوْلَجانها: "وأيضاً أنتِ تحتاجين إلى بعض الشاي لتَهْدِئَة أعصابك".
خلال لحظة، أصبح أمام الفتاة إبريق يتصاعد من فتحته البخار، وقدح، وصحن شاي وملعقة صغيرة، وإناء سكر.
قالت الجنية الطيبة في بشاشة قبل أن تختفي في نار المستوقد: والآن سأقول لكِ: إلى لقاء قريب.
سعدت (ديزي) برفقة الجنية، وتناولت أُذن الإبريق وسكبت الشاي في القدح وارتشفته.
بفضل تَسْرِيَة الجنية عن (ديزي) في الأيام التالية، أصبحت هذه الأخيرة مُتحلية بالتفاؤل. قالت الجنية للفتاة: اختاري واحداً من الحيوانات المنزلية.
- أختار الفأر يا سيدتي الجنية.
- تَمّ العمل.
دبت قدادية من الفصيلة الفأرية أمام الفتاة. ابتهجت كثيراً ولم تنس شكر الجنية على مُؤازرتها لها.
سرعان ما آلفت الفأرة (ديزي). قالت الفتاة للفأرة التي كانت تسير تحت خزانة الصحون والملاعق والقدور: تعالي يا دُوَيْبَّة إلي، ربما يأتي الجرذ الضخم ويمزقك تمزيقاً.
قدمت (ديزي) للفأرة حبوب الشعير، فأكلت الفأرة ثم نامت في قفصها ذي القضبان.
استغرب أفراد البيت عندما وجدوا الفأرة بالمطبخ، فسألوا (ديزي): كيف استطعتِ امتلاك هذا وأنتِ لا تخرجين من البيت؟
- أعطتني إياه صديقة مُقدرة مني،- أجابتهم (ديزي).
تمنت زوجة الأب لو أنها تُلقي القفص بالفأرة التي فيه إلى خارج الدار، لكن والد الفتاة لم يشأ أن يطيع أمرها هذه المرة؛ فقد رَقَّ قلبه لابنته.
حدث ذات يوم، أن كانت المملكة قائمة على قدم وساق، كانت كتيبة من جنود القلعة يوزعون على الناس منشورات تخبرهم بأن ابن الملك يريد الزواج من إحدى عذراوات المملكة، وسوف تُقام الحفلة في القلعة. وكانت هذه المناسبة موضوع حديث إيفلين وأريونا.
- الأمير سوف يتزوجني،- قالت إيفلين.
- بل أنا من سوف يتزوج الأمير،- ردت أريونا.
- إن أياً منكما جديرة بأن يتزوجها الأمير وتصبح سيدة القلعة والبلاد،- قالت الأم.
تمنت (ديزي) في أعماقها أن تذهب إلى الحفلة. وأعلنت لزوجة أبيها برغبتها في الذهاب أيضاً. آنئذ قطّبت زوجة الأب في وجه (ديزي) على نحو عدائي: هش! وصه! بل ستبقين في المطبخ بين الغبار والأوساخ.
وسخرت منها الفتاتان:
- يا للسخف! خادمة المطبخ في القلعة! ها ها ها،- قالت إيفلين.
- إيه ديزي! أنتِ تطمحين بالذهاب معنا إلى هناك، لكي تجعليننا نخجل بكِ؟،- ردت أريونا.
عادت الفتاة إلى المطبخ.. وجلست عند المستوقد ساكنة واضعة يداً فوق أخرى.
منذ الصباح وحتى المساء كانت (ديزي) منهمكة بمساعدة الفتاتين؛ لتكونا جاهزتين، على وجه الضبط، بأفضل شكل لائق. ومع هذا، لم تكلف واحدة منهما نفسها أن تتجشم عناء التلفظ بلفظة الشكر ل(ديزي).
قالت زوجة الأب: يا ديزي.. أخبري أباكِ أننا مستعدات للذهاب إلى قلعة الملك.
- حسناً،- أجابت المسكينة حابسة الدموع في عينيها.
بعد مغادرة زوجة الأب وبنتاها، بقيت (ديزي) وحيدة بالبيت. وجلست في المطبخ وسرحت بأفكارها بعيداً. بعد قليل جاءت الجنية ووجدت (ديزي) في اِبْتِئَاس، فسألتها: "أي ديزي، بماذا تفكرين؟
- كنت أتمنى أن أكون مع أمي الآن. حتماً كنت سأكون أسعد حالاً.
- بعد عمر طويل إن شاء الله،- تابعت الجنية.- قولي لي: ألستِ راغبة بالذهاب إلى القلعة.
- لشدّ ما أتمنى الذهاب.
- إذن تعالي معي.
أخذت الجنية (ديزي) إلى أرض الفناء. وقالت لها وهي تلوح بصولجانها الذي أضاء طرفه: "يا صولجان عليك بتحويل ديزي إلى أميرة"
تكشفت (ديزي) عن أميرة حقيقية بشعر مُمشط منسدل على الكتفين وفستان جميل له ذيل طويل وحذاء مشغول من الزجاج.
- هممم، أنتِ بحاجة إلى عربة تنقلكِ إلى القصر. وتحتاجين طبعاً إلى سائق، لكي يساعدكِ على الذهاب إلى هناك،- قالت الجنية وهي تتبع القول بالعمل مُلّوحة صولجانها في الهواء.
ركبت (ديزي) العربة. واستعد السائق للانطلاق إلى الوجهة المعلومة.
- مهلاً! لقد نسيت أمراً هاماً،- قالت الجنية وهي تدخل رأسها داخل النافذة.- يا ديزي، هذا السحر سوف يزول في ميقات معين. عليكِ مغادرة القصر عندما تقترب الساعة من منتصف الليل. حاذري أن تتأخري دقيقة واحدة.
- عُلِمَ.
انطلقت العربة مجلجلة فوق الطريق. كانت تطوي طريقاً يمتد أميالاً وأميالاً. وقفت آخر الأمر أمام قلعة متطاولة البنيان متعاظمة التشييد، ومؤلفة من أبراج عالية وأسوار منيعة. وكانت تتخلل القلعة نوافذ كثيرة تلتمع الأضواء فيها جميعاً.
اجتازت (ديزي) ردهة القلعة. كانت الثريا المعلقة بالسقف العالي تغمر المكان بفيض من النور الاحتفالي التي أُنيرت بمناسبة انتقاء الأمير لعروسه. ولما وقفت أمام أول درجة من درجات السلم الطويل، جمعت ذيل فستانها وأخذت ترتقي السلم، درجة درجة. لم تكن أيما أنثى بين الحضور تضارع (ديزي) في الجمال والبهاء والرقة.
كان الأمير له مَرْأى حسن، وهو في رَبْعة في الطول. ولمّا رأى (ديزي) وهي تجيل في ما حولها طرفاً حائراً قلقاً، أبهج نفسه أعظم الإبهاج أن يرى فتاة على مثل هذه النَضَارَة والوَضَاءَة في الدنيا كلها. تملك الحضور، بمن فيهم زوجة الأب وبنتيها، دهش أبكم، عندما رأوا (ديزي) بكامل حُسْنها وبَهَاءها. لم يخطر ببال زوجة الأب وبنتيها أن هذه الآنسة الفاتنة، التي أدارت رؤوس جميع من في القلعة نحوها، إنما هي (ديزي) نفسها. ازداد الحضور دهشاً على دهش عندما رأوا الأمير يترك صحبة العذراوات الفاتنات ويتقدم بكامل الحماسة الجديرة به نحو (ديزي).
- أنا الأمير، فهل تنضمين إلى رفقتي وتجلسين معي إلى مائدة عشائي؟
أطبقت حمرة الخِفْر فم الفتاة وعجزت عن التفوه بحرف، لكنها هزت رأسها هزة أن: نعم، موافقة. ابتسم الأمير واصطحبها إلى المائدة الخاصة بالعائلة المالكة. أحبها الملك والملكة وكأنهما كانا يباركان اختيار ابنهما الصائب لرفيقة حياته.
جيئ بالديك الرومي وشرعت الخادمة ترتب الشِوَك والسكاكين والصحون. تناول الأمير قَبْصَة من خبز ووضعها في صحن ديزي، وقرب منها أيضاً طبق المُخَلَّلات. لكن لأن (ديزي) كانت نباتية،لقد تناولت تفاحة من طبق الفواكه الممتلئ بالكثير من ثمرات التين والبرتقال والليمون والتفاح. كان جميع من في القلعة يجلسون إلى الموائد. وكان العشاء كافياً لإقاتة ما يزيد عن خمسمائة فقير على أقل تقدير.
بينما كانت (أريونا) تقطف عِنَبَة من العنقود لكزت شقيقتها (إيفلين) خاصرتها وقالت: انظري، انظري إليها. ألا تذكركِ بشخصية مألوفة؟.
- لا أعتقد. هذه الفتاة تبدو وكأنها أتت من مملكة بعيدة. انظري إلى ثوبها وتسريحة شعرها. إنها أعجوبة من الجمال وكأنها ليست من أهل الأرض،- قالت (أريونا).
- أُفًّ منكما أنتما الإثنتين،- قالت زوجة الأب.- لو كنتما بقدرها في المَكْر والدهاء، إذن لجلست إحداكما إلى جانب الأمير بدلاً منها.
كانت (ديزي) سعيدة بصحبة الأمير. استفسر منها عن اسمها، فأجابته أن: ديزي.
لم تنس (ديزي) اختلاس النظر، في كل فرصة، إلى ساعة الجدار الضخمة. وعندما اقتربت اللحظة الحاسمة، هربت من الأمير، وإِنْحَدَرَت درجات السلم بأقصى سرعة لديها. وفي غير انتباه لخطواتها السريعة زُلت قدمها وسقطت فردة حذاؤها. لم تتمكن من الالتفات إلى الخلف؛ لأن الأمير كان يلحق بها. أصبحت (ديزي) خارج القلعة، ورأت العربة التي تنتظرها بالخارج، وما كادت تركبها حتى رنّ جرس الساعة رنيناً صارخا معلناً أنها: الثانية عشرة. اختفت العربة، واختفى ثوب الأميرة وحل مكانه ثوب المطبخ العتيق. كل شيء اختفى ما عدا فردة الحذاء الزجاجي التي ظلت في قدمها.
- يا ديزي! لِماذا تهربين مني؟ - هتف الأمير.
حينذاك قالت ديزي لنفسها: لا حل أمامي سوى أن أضرب في الأرض، حتى لا يدركني الأمير.
ركضت الفتاة مبتعدة عن الأمير الوسيم. وكانت في مكان أشبه بفناء سجن أو تخوم منفى. لفعها الخوف من منظر الظلال القاتمة التي ألقتها الأشجار على الأرض. لكن وُطِن في أذنها صوت رقيق يقول لها: من هنا يكون الطريق الصحيح يا ديزي!
فاستجابت لذلك الصوت وسارت حيثما يقودها. تعبت الفتاة بسبب من طول المسافة التي سلختها. لكنها وصلت أخيراً إلى البيت ومنه إلى المطبخ.
بعد قليل عادت زوجة الأب وبنتاها إلى البيت، ووجدنّ ديزي نائمة في محاذاة المستوقد والفأرة كانت تقرض القضبان تريد الخروج.
في نهار اليوم التالي كان الأمير مغتماً وينظر إلى فردة الحذاء وزفر قائلاً: " إن الحياة من دون ديزي تبعث السآمة في نفسي."
نصحه الوزير بأن يرسل الموظفين للتفتيش عن العروس في كل بيت من بيوت المملكة بإِسْتِخْدام فردة الحذاء؛ لئن ناسب الحذاء قدم الآنسة التي ترتديه فسوف تكون هي العروس الحقيقية. أعجب هذا الاقتراح الأمير وأمر بتنفيذه. وبالفعل نُفذ الأمر، ومرّ الموظفون الحكوميون على كل بيوت المملكة غير بيت واحد، وهو بيت والد (ديزي).
قال الجندي لزوجة الأب: "يا سيدتي الكريمة، لا بد وأن العروس الحقيقية تقطن هذا البيت؛ ذلك أن جميع الآنسات فشلن في لبس فردة الحذاء. فهلا تكرمتِ يا سيدتي وناديتِ على الآنسات في هذا البيت؟"
فرحت زوجة الأب، ونادت بنتيها من غرفتيهما للمثول بين يدي الجندي، وأغلقت باب المطبخ على (ديزي)؛ كي لا يراها الرجل ويطلب منها تجربة الحذاء.
اقتعدت إيفلين على الكرسي بكل ثقة، وكانت أمها تقف فوق رأسها. سحبت الفتاة قدمها من حذائها لتدخلها في فردة الحذاء الزجاجي، لكن الحذاء لم يكن ملائما لقدمها.
- انهضي من الكرسي أيتها الآنسة.. تقدمي أنتِ أيتها الآنسة واجلسي.
لم تنجح أريونا في الأمر الذي فشلت فيه شقيقتها. وفشلت في اقحام قدمها في فردة الحذاء.
تكدرت أمهما وطلبت من الجندي أن يسمح لابنتيها بإعادة المحاولة. لكنه رفض رفضاً قاطعاً. وفي تلك اللحظة بالذات، نفذت الفأرة من أسفل باب المطبخ لتخبط بأقدامها الصغيرة أرضية غرفة الجلوس.
- أوه! هذه الفأرة مملوكة لديزي،- قال الأب.
- من ديزي؟ - سأل الجندي.
- هي بنتي يا سيدي، وتجلس الآن في المطبخ.
- استدعها حالاً لتَمْثُلَ أمامي وتجرب فردة الحذاء.
أقحمت زوجة الأب نفسها في الحديث وقالت: "لا. هي لا تستطيع المثول بين يديك يا سيدي، لأنها غير كفؤة لمقابلة سيدٍ ماجدٍ مثلك، ولأنها لم تأتِ إلى الحفلة من الأصل."
إلا أن الجندي أصر على رؤية (ديزي) قائلاً: "الأوامر هي الأوامر."
فتحت زوجة الأب مُكرهَة باب المطبخ لتخرج (ديزي) إلى غرفة الجلوس وتقعد على الكرسي. خلعت الحذاء القديم المهترئ؛ لترتدي الحذاء الزجاجي. لقد لاءم الحذاء قدمها.
- هذه هي العروس! - قال الجندي في بِشْر وحُبُور.
أخذت زوجة الأب غاشية من الحنق. وناحت وولْولت البنتان. قالت الجنية التي كانت تراقب المشهد من المطبخ: يفوز الخير لا الشر.
غادرت (ديزي) البيت إلى القلعة، رفقة الفأرة الحاضرة في القفص، وتزوجت الأمير. ومن فناء القلعة هناك غرست الأميرة (ديزي) فسيلة، وسيكون مقدراً لها، في يوم من الأيام، أن تصبح نَخْلة تمْر سامقة كالتي كانت في فناء بيتها القديم ذات يوم.
التعديل الأخير: