K a s u m e 07/07/2023
في الأزمان الغابرة تزوج رجلٌ بامرأة وعاشا حياة سعيدة. وفي أحد الأيام قالت الزوجة لزوجها: أ حبيبي – أنا حُبْلى وأريد فاكهة الكُمَّثْرَى، فهَلْ إِلَيْكَ سبيلٌ فتجلبها لي.
- مَطْلبك مُجاب يا محبوبتي
ذهب الرجل إلى رَوْضَة تملكها ساحرة مغمورة بالشر والأنانية. وقف أمام شجرة مُحمَلة بالثمرات الناضجة التي تنتظر من يقطفها من الغصن ويقبلها.
قطف الرجل ثمرات الكُمَّثْرَى ووضعها في كيس جلدي. ولقد جَرَّ على نفسه بهذا الفعل مضرَّة؛ إذ تم ضبطه متلبساً بالجرم المشهود من قبل الساحرة الهَرِمَة: كيف تجرؤ على قطف الثمرات من حديقتي أيها النشَّال؟
- عفوك سيدتي، في رقبتي، لم يكن مقصدي السرقة، إنما زوجتي لديها وحام الكُمَّثْرَى.
- إن كانت هذه هي القصة فلا بأس. سأدعك ترجع إلى زوجتك سالماً،- قالت الساحرة،- على شرط أن آخذ الطفل منكما وأربيه. لا تقلق! سوف أربي الطفل وأرعاه.
وافق الرجل خوفاً من بطش الساحرة به. وحين عاد إلى زوجته أخبرها بما جرى فإِسْتَعْبَرَت وقالت: إنك يا زمان لذو صُروف.
*********************************************************
جاء اليوم الذي أراد فيه الطفل القدوم لهذا العالم. أتت القابلة تساعد المرأة المنهكة. ولم تنس الساحرة اللئيمة حضور مشهد الولادة. فقال الرجل في نفسه: لعنكِ الله يا شمطاء!.
تغمد الله برحمته الأم ويَسَرَ لها حالة الوَضْع.
واهاً لها مِنْ طفلة جميلة،- قالت القابلة وهي تهم بوضع الطفلة عند رأس الأم التي كانت تعاني من الخَوِر والفَتُور. بينما ظهرت على وجه الأب علائم الحُنُو وعاطفة الأبوة.
- أنتِ هيه! يا غبية!،- خاطبت الساحرة القابلة بوقاحة،- هذه الرضيعة من حقي أنا. أعطني إياها.
لم يكن الأب قادراً على التفوه بكلمة وهو يرى الساحرة تحمل الطفلة إلى بيتها. وقد اختارت اسماً لها، تيلا.
*********************************************************
كان الأب والأم ينظران إلى طفلتهما، في كل يوم، وهي تلعب في حديقة الساحرة. فتقول الأم: يا حَسْرَة على أُمٍ محرومة من قُرَّة عَيْنها، ويا حَسْرَة على طفلة محرومة من أحضان ومناغاة أمها الحقيقية.
تَبَرْعمت (تيلا) في النمو كما الشجر. وفاقت بنات جيلها في الحسن والدلال، وبرزت عليهن بالذكاء. كان شعر (تيلا) ينمو لأن المقص لم يقترب من رأسها قط. ولقد ضفرت الساحرة كل خصلة من شعر الفتاة على حِدَة. وعندما أصبح عمرها اثني عشر عاماً أَوْجَبَت الساحرة على (تيلا) الانتقال للعيش في برج عالٍ.
استولت الكآبة على (تيلا)؛ لأنها كانت معتادة على رؤية جاريّها الطيبين، الرجل وزوجته، التي أحبتهما دون أن تعلم أنهما والداها الحقيقيان؛ ذلك أن الساحرة قد هددتهما بالنفي إلى صحراء رملية لا ينبت فيها شيء إن عرفت الطفلة منهما برابطة الدم التي تجمعها بهما.
بعد عام من سُكْنَى الفتاة البرج، أدرك العَفْاءُ أَبا (تيلا) وأخنى عليه الدهر. كذلك لحقت به رفيقة عمره.
مرت ست سنوات على مُكُوث (تيلا) في المكان المرتفع، نمى شعرها بغزارة لدرجة أنها كانت ترمي ضفيرتها للساحرة الهرمة فتتسلقها. كان ابن الملك، وهو شاب غض الإهاب بطولي السمات، قليلاً ما يلبث في القصر ويفضل التجول على حصانه إلى أقصى حدود مملكة أبيه الملك. فرأى الساحرة تقف أسفل البرج وتنادي على التي تسكنه:
أنزلي ضفيرة شعرك يا تيلا
رأى ابن الملك ضفيرة شعر تتدلى من الأعلى إلى الأسفل كأنها حبل.
قال الشاب الذي كان مشدوهاً: "يا إلهي! هذا أمرٌ عجب."
استمر ابن الملك يراقب المشهد نفسه كل يوم. ولاحظ أن الساحرة تأتي إلى البرج أول النهار وتغادر في آخره. فقرر أن يقوم بالمحاولة في يوم الغد بعد ذهاب الساحرة، ويصعد إلى الأعلى.
في اليوم التالي وبعدما هبطت الساحرة من البرج وذهبت لشأنها، تقدم الشاب نحو البرج ونادى قائلاً:
أنزلي ضفيرة شعرك يا تيلا
رمت له الفتاة ضفيرة شعرها.
عندما وصل الشاب إلى نافذة البرج رأى وجه الفتاة فتعجب أشد العجب وقال: يا خفي الألطاف! هل من خالقٍ غير الله يخلق هذا الجمال؟
إِرْتَعَبَت الفتاة وخافت منه؛ لأنها حسبت أنه جني. قرأ الشاب أفكارها وعمد إلى تهدئتها قائلاً: هوْنك! هوْنك يا فتاة! لا تخافي مني.
مسحت تلك الكلمات اللطيفة الخوف من قلبها، ورأت أن وجود الشاب واقع لا خيال.
بادرها بأول سؤال من سلسلة أسئلته: ما هو اسمك؟
- اسمي تيلا
- منذ متى وأنتِ تعيشين هنا؟
- عشت كذا سنة في البرج. ولا أذكر كم سنة سلختها هنا على وجه الضبط؟
- هل أفهم أنكِ معزولة في هذا المكان؟
- بلى يا سيدي
- ولكنكِ تبدين لي عاقلة. نظراتك ذات وعي، كذلك أنتِ متنطقة بكلمات بليغة
- أمي زودتني بخزانة ملآنة بكتب القصائد والأشعار، وهي موضوعة هناك على الرف كما ترى. لقد قرأت في هذه السنوات خمسين قصة ونيفاً.
- هل تقصدين بأمك تلك المرأة التي تصعد وتنزل بواسطة ضفيرة شعرك؟
- هي عينها
فأخبرته الفتاة بقصتها كاملة، مُنْذُ نُعُومة أظْفَارها حتى انتقالها هنا. أصبح الأمير يَوَدُها ويحبها إلى درجة العشق.
لم تنسّ (تيلا) أن تكرم ضيافة الشاب. فأشعلت الحطب بين الأثافي؛ لكي تغلي إبريق الشاي. وأضافت له بعد ذلك الزَعْفَران لتَطْيِيب طعمه.
***********************************************************
ذات ليلة قال الشاب ل(تيلا): أريدك زوجة لي لتعيشي معي في البلاط الملكي؟
- هل أنت ملك؟
- أنا ابن الملك
- وتريدني أنا؟ زوجةً لك!
- مَنْ مِثْلُكِ بين الصبايا الحِسان؟ مَنْ مِثْلُكِ متألقة في الجمال؟ مَنْ مِثْلُكِ حادة الذكاء؟.
- موافقة.
فرح الشاب لسماعه الاجابة المُنتظرَة، وأخذ يحدثها عن قصره الذي تقبع أمامه فِرْدَوس حيث الثَّيل فيها يمتد على الأرض بعيداً والعصافير المغردة فوق أفنان الأشجار.
اِرْتَأَت (تيلا) الاعتراف للساحرة بكل شيء. ولأنها كانت حسنة الضمير نقية السريرة كانت تتوقع أن تسمع من الساحرة هذا القول: لله درك يا تيلا! كم أنتِ محظوظة! يأتي إليكِ ابن الملك ويطلبكِ للزواج وأنتِ ساكنة هذا البرج المعتم لمدة سنوات. اذهبي يا بنتي حيثما تشائين. وأتمنى لكِ التوفيق.
لكن بدلاً من ذلك زمجرت الساحرة بغيظ: " سوّد الله وجهكِ! وأنا التي كنتُ أقول لنفسي: تيلا زاهدة في الحياة ولا يمكن أن تتزوج"
لم تستطع (تيلا) فكاكاً من الساحرة وصرخت: "كُفّي عني أذاكِ!."
بالرغم من تَضَرُع (تيلا) وإِسْتَرْحامها، لكن ذلك لم يُحنن قلب الساحرة الأسود، وقامت بقص ضفائر شعرها. فنَحَبَت (تيلا):
آهٍ منكِ كم أنتِ ظالمة،
وآهْ من ظلمكِ لي.
لكن الساحرة لم يرق قلبها وقالت ببرود: بحسبكِ الشعر الذي على رأسكِ.
ثم طردتها إلى الأمداء الموحشة.
ومع ذلك لم يشفِ غليلها؛ لأنها أرادت معاقبة الشاب.
قطفت من أَوْرَاق شجرة الخِرْوَع قَبْصَة ثم سحقتها في وعاء نحاسي مُجوَّف. وانتظرت مجيء الشاب. وعندما رأت الشاب مقبلاً إلى البرج هرعت إليه وقالت: تتشرف المرأة المسكينة الجاهلة التي تقف أمام ابن الملك الآن بإِلْقَاء تحية الاحترام. أنا مربية الفتاة وأعرف أنك تريد الزواج بها. وهذا من حسن حظها. لكن وراء ظهري هديتي البسيطة وأتمنى من أعماق قلبي أن تقبلها مني.
- صدقاً!،- قال الشاب وقد توسعت عيناه أوسع ما يكون وابتسم ببراءة.
- أجل.
ثم نثرت الخبيثة مسحوق الخِرْوَع في عينيه اللتين التهبتا من الألم وفقد على إثر ذلك نعمة الإبْصار.
**************************************************************
حَلَّ الليل وكانت (تيلا) تسير، بغير دليل، مَغْمُومَة فرنمت ترنيمة حزينة:
كنت سعيدة يا مَرحْى، وها أنا الآن مغمورة بالحزن يا بَرْحى،
صُرُوفُ الدَّهْر قضت عليّ بأن لا أرى وَلِيْفي
رأت (تيلا) بعد ذلك وَهْج مُسْتَنْقعي فوق المستنقع. فاتبعته وكلما اقتربت منه رأته يبتعد. ومشت في المستنقع كثيراً وكاد اليأس يتملكها لولا أن رأت في الجانب البعيد رجلاً يجلس عند ضفته.
سارت (تيلا) بقلب رَقْراق صوب الرجل. وحينما اقتربت منه عرفت فيه صديقها الأمير. لكنها وجدته أعمى لا يُبصر. إِسْتَدْمَعَت الفتاة فطَيَّبْت دموعها الصادقة عيناه فعاد مُبصِراً من جديد. يا لها من لحظات مؤثرة تُبكي من كان قلبه من لحم لا من كان قلبه قد قُدَّ من صخر.
ذهبت تيلا مع ابن الملك إلى حيث ذهب. وعرف أبوه الملك بما حدث له فأثنى على طيبة وشجاعة الفتاة وأمر بارسال كتيبة من الجنود لمعاقبة الساحرة. وافق الملك على زواج ابنه من (تيلا). وبذلك أصبحت كَنَّة الملك والملكة.
اصطفت الطاهيات أمام الأفْران والقدور والصواني وصنعن مَأْدُبة فاخرة بمناسبة حفل الزفاف الملكي.
أصبحت (تيلا) والأمير يعيشان معاً طوال النهار وكل اللَّيْل. وعاشا بسعادة لفترة طويلة حتى جاءهم هادم اللذات.
التعديل الأخير بواسطة المشرف: