أطلال كانت صرحاً يقصده الإنسان في ما مضى، أما الآن فهي خرابة مَحوطة من نواحيها بالرقع الخضراوات التي تُجملها الورود. بجانب الخرابة أيضاً شجرة تتهدّل منها خلية نحل، وهذه الخلية تعيش فيها النحلة مايا.
استمرت النحلة مايا في إعطاء الحصص الدراسية لصغار النحل، وفي إحدى الحصص الدراسية التي كان مضمونها (التعرف على بعض الحشرات)، قالت:
- الذبابة تتغذى على كل شيء بخلافنا نحن النحل، فنحن نتغذى على الرحيق فقط. والآن يا أطفال انظروا إلى صورة الذبابة واحصوا كم عدد الأرجل التي تمتلكها.
- للذبابة ستة أرجل يا معلمة،- هتف صغار النحل.
- أحسنتم،- قالت النحلة مايا وهي تعرض صورة جديدة،- هذه الدعسوقة.. لقد رأيتموها في في الحقل. ما هي أفضل وجبة للدعسوقة؟
أجاب الصغار بصوت واحد: "قملة النبات".
- حُيِيتم أيها الأطفال،- قالت مايا راضية،- انتهى الدرس النظري، هيا لنطير إلى الورود التي منبتها الحقول حيث يمكنكم جمع الرحيق ولكن حاذروا من الاقتراب من شبكة السيدة عنكبوت.
واصلت مايا تعليم النحل في الحقل وأخبرتهم عن الدبابير وقالت مُسهِبة: "إن الدبابير عصابة من قاطعي الطريق على الحشرات الآمنة، إنهم لصوص وسُرَّاق. هم مكروهون من قبل جميع الحشرات وبخاصة نحل العسل.
- هَأْهَأْ.. مايا المعلمة، كيف حالك؟،- فاجئها الجرادة فليب ناظراً إليها بتقدير وهو متعلق على ساق نبتة.
أجابت مايا فَرِحة بلقاء صديقها القديم الحكيم: أهلاً وسهلاً، أنا بأحسن حال.
- أنتِ معلمة جيدة يا مايا، وأعطيكِ عشرة من عشرة في تعليم الصغار،- أشاد الجرادة فليب.
- من دواعي سروري سماع مثل هذا الاطراء فليب
ضحك فليب وقال: أها صحيح، انظري إلى تلك الوردة الحمراء، بداخلها ويلي. آهٍ منه كم يحب بطنه!.
قالت مايا: "سأذهب إليه لأعرض عليه مرافقتي إلى مغامرة جديدة"
- مغامرة جديدة،- ردد فليب تعلو وجهه الدهشة.
قالت مايا: "بلى، مغامرة جديدة تعني مرادفاً للحصول على طبق عسل من مذاق آخر."
قال فليب وهو يعالج قبعته الأنيقة: إن في كلامك تورية، فهلا وضحتِ؟ لطفاً"
- أريد السفر بغية البحث عن زهرة لم يسبق لي أن تذوقت من رحيقها.
قال فليب: "إني لأبصم لك بأرجلي الستة: ما في مجتمع النحل أشجع منكِ. تريدين السفر والمخاطرة من أجل تذوق نوع جديد من الأزهار مع أن الرحيق هنا مالئ المكان"
ضحكت مايا قائلة: "ولكن ألن تذهب معنا؟"
- لا. الحقيقة أشعر أنني بلغت عصر شبابي، وأصبحت أتعشق الهدوء.
- لماذا تتكلم على هذه الشاكلة يا فليب،- اعترضت مايا.- ما زال العهد لم يبعد بك عن آخر مرة خلصتني فيها من شبكة السيدة عنكبوت. أنت شابٌ قويٌ وسوف تبقى.
أجاب فليب: "من أجلك يا مايا عند الضرورة أخاطر. لكني أفضل اليوم الاستلقاء على سيقان النباتات وأوراقها"
- حسناً أنا أحترم رأيك على كل حال. إلى اللقاء فليب- طارت مايا.
الآن النحلة مايا تكلم صديقها ويلي
- ما رأيك بالذهاب معي إلى مكان بعيد.. من أجل البحث عن مكان تجوده الورود
أجاب ويلي وهو يلعق يديه وقرني الاستشعار من الرحيق العالق به: "هذا المكان به الورود. الكثير من الورود. الأقحوان والأقحوان القرمزي، وأقحوان زهرة الذهب.
- اعذر صراحتي يا ويلي، أنت كسول وتحب الاكتفاء بالموجود.. أما أنا فعلى النقيض منك تماماً،- قالت مايا محتدة.
انتصب ويلي في وقفته قائلا: "أنا لست كسولاً مايا"
- أنا لا أعيرك بالكسل يا ويلي، أنا أقول ذلك لأنك لا تريد الذهاب معي.
رد ويلي: "أنا الكسول أم أنتِ التي في المخاطر لستِ بمفكرة"
- أنا باحثة عن كل جديد، وسوف أبقى هكذا. ما قيمة الحياة إن ظلت راكدة، كل يوم نفس الطعام ونفس الرحيق، ونفس الوتيرة في الفعل اليومي.
قال ويلي بعدما أصاب كفايته من الرحيق مطلقاً قريحته الشعرية للكلام: "يقول الشاعر: فما ظنك بوردة هذه صفتها ولا تَذْوى في الوقدة نضرتها قد أمنت أجيج القيظ.
- والمعنى؟
- الشمسُ متوقدةٌ والجوُ حارٌ. أنا لا أحتمل الذهاب إلى البعيد في هذا الحر. آسف مايا.
تنهدت مايا في خيبة أمل واضحة: "إذن هذا هو رأيك النهائي، وهذا يعني الذهاب لوحدي في هذه المغامرة. لا بأس سأذهب لوحدي معتمدة على مواهبي وذهني وملكاتي وتجاربي السابقة .. فقد خبرت الحياة بما يكفي من أجل التصدي لمغامرة كهذه.
في الوقت الذي يستعد فيه النحل للنوم في الغرف داخل الخلية جاءت النحلة مايا إلى الآنسة كساندرا وقالت: معلمتي الحبيبة، هلا أسديتِ لي خدمة؟
- طبعاً يا مايا، سلي تُعطي،- قالت النحلة كساندرا في إجْلال عاطفي.
قالت مايا: " أريد أن أرتشف نوع جديد من الزهور."
- طيب، كيف أساعدك يا حبيبتي مايا؟،- قالت كساندرا التي لم يخف عليها نية مايا بمغامرة مجنونة.. وربما لن تعود منها.
- حسناً، أريد أن أُوْكل لك مسألة تعليم الأطفال ريثما أعود من رحلة البحث عن تلك الزهرة.
- لكِ ذلك مايا. اذهبي أنى شئتِ، وأتمنى لكِ الموفقية في رحلتك.
- شكراً وألف شكر يا معلمتي الغالية،- قالت مايا وهي تطير نحو معلمتها كساندرا لتحتضنها،- سوف أجمع لكِ ولملكة الخلية الرحيق من الزهرة الجديدة.
- متى تذهبين؟
- الآن، سأطير والعصر.
طارت النحلة مايا مسيرة ساعة في الحقول. وعندما كانت الشمس توشك على المغيب رأت وردة فقررت أن تؤوب إليها عند الظلام. لكن لأن الظلام لم يحن بعد، أخذت جولة قصيرة فوق بركة ماؤها مزمن تعلو سطحه الخضرة بسبب الطحلب.
- ما وراءك أيتها النحلة؟ أراكِ مستنفرة،- قالت الحلزونة
أجابت النحلة:" مرحبا، أنا اسمي مايا. من أنتِ"
- تشرفت بكِ مايا، أنا حلزونة الحدائق
- أنتِ إذن تعيشين هنا
- نعم. نحن الحلازين نسكن أينما وجدنا الماء.. لأننا نحب الرطوبة.
- هل تمارسين ملكيتك على هذا الماء؟
- الماء يخص كل الحلازين،- أجابت الحلزونة.
- لكني لا أرى في المكان غيرك
- بعد قليل سيمتلأ المكان بهم. لكن لماذا أنتِ وحدك هنا؟ هل طردوكِ؟
- لا. إنما جئت لأبحث عن زهرة فريدة برحيقها ومذاقها.
- عجباً! يا لكِ من شقية مايا!
- أعرف ها ها ها
- كم أنتِ محظوظة لأنكِ التقيتِني بالمصادفة. توجد على مقربة من هنا زهرة تفاح.
استطارت النحلة من الفرح وقالت في حماسة: "مرْحى! مرْحى ويا للبُشْرَة!. بفضلك يا سيدة حلزونة سآكل من رحيق زهرة التفاح لأول مرة في حياتي. عندما يطلع الصبح سأجمع الرحيق منها. مع السلامة وألف شكر.
طارت مايا وعمدت إلى الوردة مع حمرة الغروب وصيّرت الوردة فراشاً. كانت الوردة تميل بها في الريح. جاء الليل. النجوم نورها أقاح وكتلة القمر نيرة ولماعة رغم أنه في طور التربيع الأول. كانت مايا مأخوذة بهذا الجمال وظلت تتأمله إلا أن نامت.
لَمَعَ الصُّبْح وتفتحت الزهور في أشعة الشمس. طارت النحلة الطنّانة رقراقة مناسبة في الهواء الطلق في البَراح على أمل أن تلتقط حاسة الشم لديها رائحة زهرة التفاح. ووجدتها:
- يا سلام! وجدت شجرة التفاح! وجدتها.
تمرغت النحلة في رحيق زهرة التفاح والتهمت بقدر ما تجيز لها معدتها الالتهام.
يَمْ! يَمْ! يَمْ! طعامٌ لذيذٌ.
أرتعي بعد من الرحيق يا مايا، أرتعي.
جمعت مايا كرات من الرحيق في الطبق الذي أحضرته معها لكي تقدم للنحلة كساندرا وملكة الخلية وصديقها ويلي نصيبهم منه.
- رغم أن ويلي رفض المجيء معي لكني أحببت أن أخصّه بنصيب من الرحيق.
طارت النحلة تريد العودة إلى الخلية، ومن فرط سعادتها لم ترَ شبكة العنكبوت المتوارية. فالتصقت بها:
- لقد علقت بشبكة العنكبوت فلي الويل!،- قالت مايا وهي تحاول تفكيك الخيوط اللزجة،- يسوئني أن أرى نفسي، وأنا التي كنت أُحذِر صغار النحل، أقع في الشبكة بهذه السهولة. يا لحماقتي!.
جاء العنكبوت الجائع وقال: أهلاً أهلاً.
فردت النحلة المرتعبة: لا أهلاً ولا سهلاً.
ارتدى العنكبوت مريلة الأكل ثم تناول الشوكة والسكين استعداداً لافتراس النحلة المسكينة.
- أيا ويلي! أيا فليب! أيا حلزونة، أنقذوني،- نادت مايا نداء اسْتِغاثة.
لكن لا مجيباً لندائها.
شعرت أن النداء العابث لا طائل تحته واستسلمت لقدرها وقالت: صروف الزمان والقدر بمرصاد. أنا انتهيت!.
- مايا!
- مايا!
استيقظت النحلة مايا من سبات تفكيرها المستسلم للنهاية على صوت صديقها ويلي وصديقها الحكيم فليب.
لقد لحقنا بكِ أمسِ تحت أقطاع من الليل،- قال ويلي.- من حين ذهابك عن الخلية لازمني شعور مُلِح وهو ضرورة اللحاق بكِ، والآن عرفت السبب.
قفز الجرادة فليب قفزة بَهْلَوَانية نحو شبكة العنكبوت فتحررت مايا على إثرها وطيرت العنكبوت بعيداً. عندما عادت مايا إلى الأمان وعادت لها مدركاتها العقلية والحسية أمعنت في النظر إلى صديقيها إمعاناً متطاولاً وبعث موقف إنقاذها في اللحظة الأخيرة من أنياب العنكبوت في نفسها وحَى الصداقة الحقة فسفحت ذوارف الدمع وضمت صديقيها العزيزين الوفيين إلى قلبها.
وعلى هذا المشهد المؤثر أُسدل الستار على هذه القصة. من الأكيد أحب أن أقول لكم أن مايا قدمت للنحلة كساندرا وملكة الخلية، وصديقها ويلي رحيق زهرة التفاح وقد لذّ لهم مذاقه الشهي، وسيقوم نحل الخلية بجمع المزيد منه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*هذه القصة مقتبسة من الكتاب الألماني (النحلة مايا ومغامراتها) للمؤلف فالديمار بونسلس. وهذا الكتاب هو أساس الرسوم المتحركة (مايا النحلة العسلية) الذي أنتجته اليابان وتُرجم للغات كثيرة ومن بينها العربية: زينة ونحول.
*اقتبست جملة لأبي العلاء المعري من كتابه الفصول والغايات، جملة: فما ظنك بثمرة هذه صفتها ولا تذوى في الوقدة نظرتها قد أمنت أجيج القيظ.
*مايا هي النحلة زينة، ويلي هو نحول، وفليب هو الجرادة فرفور ^-^ أنا فقط التزمت بأسماء الرواية الأصلية.
استمرت النحلة مايا في إعطاء الحصص الدراسية لصغار النحل، وفي إحدى الحصص الدراسية التي كان مضمونها (التعرف على بعض الحشرات)، قالت:
- الذبابة تتغذى على كل شيء بخلافنا نحن النحل، فنحن نتغذى على الرحيق فقط. والآن يا أطفال انظروا إلى صورة الذبابة واحصوا كم عدد الأرجل التي تمتلكها.
- للذبابة ستة أرجل يا معلمة،- هتف صغار النحل.
- أحسنتم،- قالت النحلة مايا وهي تعرض صورة جديدة،- هذه الدعسوقة.. لقد رأيتموها في في الحقل. ما هي أفضل وجبة للدعسوقة؟
أجاب الصغار بصوت واحد: "قملة النبات".
- حُيِيتم أيها الأطفال،- قالت مايا راضية،- انتهى الدرس النظري، هيا لنطير إلى الورود التي منبتها الحقول حيث يمكنكم جمع الرحيق ولكن حاذروا من الاقتراب من شبكة السيدة عنكبوت.
واصلت مايا تعليم النحل في الحقل وأخبرتهم عن الدبابير وقالت مُسهِبة: "إن الدبابير عصابة من قاطعي الطريق على الحشرات الآمنة، إنهم لصوص وسُرَّاق. هم مكروهون من قبل جميع الحشرات وبخاصة نحل العسل.
- هَأْهَأْ.. مايا المعلمة، كيف حالك؟،- فاجئها الجرادة فليب ناظراً إليها بتقدير وهو متعلق على ساق نبتة.
أجابت مايا فَرِحة بلقاء صديقها القديم الحكيم: أهلاً وسهلاً، أنا بأحسن حال.
- أنتِ معلمة جيدة يا مايا، وأعطيكِ عشرة من عشرة في تعليم الصغار،- أشاد الجرادة فليب.
- من دواعي سروري سماع مثل هذا الاطراء فليب
ضحك فليب وقال: أها صحيح، انظري إلى تلك الوردة الحمراء، بداخلها ويلي. آهٍ منه كم يحب بطنه!.
قالت مايا: "سأذهب إليه لأعرض عليه مرافقتي إلى مغامرة جديدة"
- مغامرة جديدة،- ردد فليب تعلو وجهه الدهشة.
قالت مايا: "بلى، مغامرة جديدة تعني مرادفاً للحصول على طبق عسل من مذاق آخر."
قال فليب وهو يعالج قبعته الأنيقة: إن في كلامك تورية، فهلا وضحتِ؟ لطفاً"
- أريد السفر بغية البحث عن زهرة لم يسبق لي أن تذوقت من رحيقها.
قال فليب: "إني لأبصم لك بأرجلي الستة: ما في مجتمع النحل أشجع منكِ. تريدين السفر والمخاطرة من أجل تذوق نوع جديد من الأزهار مع أن الرحيق هنا مالئ المكان"
ضحكت مايا قائلة: "ولكن ألن تذهب معنا؟"
- لا. الحقيقة أشعر أنني بلغت عصر شبابي، وأصبحت أتعشق الهدوء.
- لماذا تتكلم على هذه الشاكلة يا فليب،- اعترضت مايا.- ما زال العهد لم يبعد بك عن آخر مرة خلصتني فيها من شبكة السيدة عنكبوت. أنت شابٌ قويٌ وسوف تبقى.
أجاب فليب: "من أجلك يا مايا عند الضرورة أخاطر. لكني أفضل اليوم الاستلقاء على سيقان النباتات وأوراقها"
- حسناً أنا أحترم رأيك على كل حال. إلى اللقاء فليب- طارت مايا.
الآن النحلة مايا تكلم صديقها ويلي
- ما رأيك بالذهاب معي إلى مكان بعيد.. من أجل البحث عن مكان تجوده الورود
أجاب ويلي وهو يلعق يديه وقرني الاستشعار من الرحيق العالق به: "هذا المكان به الورود. الكثير من الورود. الأقحوان والأقحوان القرمزي، وأقحوان زهرة الذهب.
- اعذر صراحتي يا ويلي، أنت كسول وتحب الاكتفاء بالموجود.. أما أنا فعلى النقيض منك تماماً،- قالت مايا محتدة.
انتصب ويلي في وقفته قائلا: "أنا لست كسولاً مايا"
- أنا لا أعيرك بالكسل يا ويلي، أنا أقول ذلك لأنك لا تريد الذهاب معي.
رد ويلي: "أنا الكسول أم أنتِ التي في المخاطر لستِ بمفكرة"
- أنا باحثة عن كل جديد، وسوف أبقى هكذا. ما قيمة الحياة إن ظلت راكدة، كل يوم نفس الطعام ونفس الرحيق، ونفس الوتيرة في الفعل اليومي.
قال ويلي بعدما أصاب كفايته من الرحيق مطلقاً قريحته الشعرية للكلام: "يقول الشاعر: فما ظنك بوردة هذه صفتها ولا تَذْوى في الوقدة نضرتها قد أمنت أجيج القيظ.
- والمعنى؟
- الشمسُ متوقدةٌ والجوُ حارٌ. أنا لا أحتمل الذهاب إلى البعيد في هذا الحر. آسف مايا.
تنهدت مايا في خيبة أمل واضحة: "إذن هذا هو رأيك النهائي، وهذا يعني الذهاب لوحدي في هذه المغامرة. لا بأس سأذهب لوحدي معتمدة على مواهبي وذهني وملكاتي وتجاربي السابقة .. فقد خبرت الحياة بما يكفي من أجل التصدي لمغامرة كهذه.
في الوقت الذي يستعد فيه النحل للنوم في الغرف داخل الخلية جاءت النحلة مايا إلى الآنسة كساندرا وقالت: معلمتي الحبيبة، هلا أسديتِ لي خدمة؟
- طبعاً يا مايا، سلي تُعطي،- قالت النحلة كساندرا في إجْلال عاطفي.
قالت مايا: " أريد أن أرتشف نوع جديد من الزهور."
- طيب، كيف أساعدك يا حبيبتي مايا؟،- قالت كساندرا التي لم يخف عليها نية مايا بمغامرة مجنونة.. وربما لن تعود منها.
- حسناً، أريد أن أُوْكل لك مسألة تعليم الأطفال ريثما أعود من رحلة البحث عن تلك الزهرة.
- لكِ ذلك مايا. اذهبي أنى شئتِ، وأتمنى لكِ الموفقية في رحلتك.
- شكراً وألف شكر يا معلمتي الغالية،- قالت مايا وهي تطير نحو معلمتها كساندرا لتحتضنها،- سوف أجمع لكِ ولملكة الخلية الرحيق من الزهرة الجديدة.
- متى تذهبين؟
- الآن، سأطير والعصر.
طارت النحلة مايا مسيرة ساعة في الحقول. وعندما كانت الشمس توشك على المغيب رأت وردة فقررت أن تؤوب إليها عند الظلام. لكن لأن الظلام لم يحن بعد، أخذت جولة قصيرة فوق بركة ماؤها مزمن تعلو سطحه الخضرة بسبب الطحلب.
- ما وراءك أيتها النحلة؟ أراكِ مستنفرة،- قالت الحلزونة
أجابت النحلة:" مرحبا، أنا اسمي مايا. من أنتِ"
- تشرفت بكِ مايا، أنا حلزونة الحدائق
- أنتِ إذن تعيشين هنا
- نعم. نحن الحلازين نسكن أينما وجدنا الماء.. لأننا نحب الرطوبة.
- هل تمارسين ملكيتك على هذا الماء؟
- الماء يخص كل الحلازين،- أجابت الحلزونة.
- لكني لا أرى في المكان غيرك
- بعد قليل سيمتلأ المكان بهم. لكن لماذا أنتِ وحدك هنا؟ هل طردوكِ؟
- لا. إنما جئت لأبحث عن زهرة فريدة برحيقها ومذاقها.
- عجباً! يا لكِ من شقية مايا!
- أعرف ها ها ها
- كم أنتِ محظوظة لأنكِ التقيتِني بالمصادفة. توجد على مقربة من هنا زهرة تفاح.
استطارت النحلة من الفرح وقالت في حماسة: "مرْحى! مرْحى ويا للبُشْرَة!. بفضلك يا سيدة حلزونة سآكل من رحيق زهرة التفاح لأول مرة في حياتي. عندما يطلع الصبح سأجمع الرحيق منها. مع السلامة وألف شكر.
طارت مايا وعمدت إلى الوردة مع حمرة الغروب وصيّرت الوردة فراشاً. كانت الوردة تميل بها في الريح. جاء الليل. النجوم نورها أقاح وكتلة القمر نيرة ولماعة رغم أنه في طور التربيع الأول. كانت مايا مأخوذة بهذا الجمال وظلت تتأمله إلا أن نامت.
لَمَعَ الصُّبْح وتفتحت الزهور في أشعة الشمس. طارت النحلة الطنّانة رقراقة مناسبة في الهواء الطلق في البَراح على أمل أن تلتقط حاسة الشم لديها رائحة زهرة التفاح. ووجدتها:
- يا سلام! وجدت شجرة التفاح! وجدتها.
تمرغت النحلة في رحيق زهرة التفاح والتهمت بقدر ما تجيز لها معدتها الالتهام.
يَمْ! يَمْ! يَمْ! طعامٌ لذيذٌ.
أرتعي بعد من الرحيق يا مايا، أرتعي.
جمعت مايا كرات من الرحيق في الطبق الذي أحضرته معها لكي تقدم للنحلة كساندرا وملكة الخلية وصديقها ويلي نصيبهم منه.
- رغم أن ويلي رفض المجيء معي لكني أحببت أن أخصّه بنصيب من الرحيق.
طارت النحلة تريد العودة إلى الخلية، ومن فرط سعادتها لم ترَ شبكة العنكبوت المتوارية. فالتصقت بها:
- لقد علقت بشبكة العنكبوت فلي الويل!،- قالت مايا وهي تحاول تفكيك الخيوط اللزجة،- يسوئني أن أرى نفسي، وأنا التي كنت أُحذِر صغار النحل، أقع في الشبكة بهذه السهولة. يا لحماقتي!.
جاء العنكبوت الجائع وقال: أهلاً أهلاً.
فردت النحلة المرتعبة: لا أهلاً ولا سهلاً.
ارتدى العنكبوت مريلة الأكل ثم تناول الشوكة والسكين استعداداً لافتراس النحلة المسكينة.
- أيا ويلي! أيا فليب! أيا حلزونة، أنقذوني،- نادت مايا نداء اسْتِغاثة.
لكن لا مجيباً لندائها.
شعرت أن النداء العابث لا طائل تحته واستسلمت لقدرها وقالت: صروف الزمان والقدر بمرصاد. أنا انتهيت!.
- مايا!
- مايا!
استيقظت النحلة مايا من سبات تفكيرها المستسلم للنهاية على صوت صديقها ويلي وصديقها الحكيم فليب.
لقد لحقنا بكِ أمسِ تحت أقطاع من الليل،- قال ويلي.- من حين ذهابك عن الخلية لازمني شعور مُلِح وهو ضرورة اللحاق بكِ، والآن عرفت السبب.
قفز الجرادة فليب قفزة بَهْلَوَانية نحو شبكة العنكبوت فتحررت مايا على إثرها وطيرت العنكبوت بعيداً. عندما عادت مايا إلى الأمان وعادت لها مدركاتها العقلية والحسية أمعنت في النظر إلى صديقيها إمعاناً متطاولاً وبعث موقف إنقاذها في اللحظة الأخيرة من أنياب العنكبوت في نفسها وحَى الصداقة الحقة فسفحت ذوارف الدمع وضمت صديقيها العزيزين الوفيين إلى قلبها.
وعلى هذا المشهد المؤثر أُسدل الستار على هذه القصة. من الأكيد أحب أن أقول لكم أن مايا قدمت للنحلة كساندرا وملكة الخلية، وصديقها ويلي رحيق زهرة التفاح وقد لذّ لهم مذاقه الشهي، وسيقوم نحل الخلية بجمع المزيد منه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*هذه القصة مقتبسة من الكتاب الألماني (النحلة مايا ومغامراتها) للمؤلف فالديمار بونسلس. وهذا الكتاب هو أساس الرسوم المتحركة (مايا النحلة العسلية) الذي أنتجته اليابان وتُرجم للغات كثيرة ومن بينها العربية: زينة ونحول.
*اقتبست جملة لأبي العلاء المعري من كتابه الفصول والغايات، جملة: فما ظنك بثمرة هذه صفتها ولا تذوى في الوقدة نظرتها قد أمنت أجيج القيظ.
*مايا هي النحلة زينة، ويلي هو نحول، وفليب هو الجرادة فرفور ^-^ أنا فقط التزمت بأسماء الرواية الأصلية.
التعديل الأخير: