توقف أخي أرجوك .. هذا ليس حلاً ، أشعر بما تشعر به ، هل تعتقد بأن أبي سيسر برؤيتك تحاول الانتحار ؟
ـــــــــــــــــــــــــــ
الخامس من فبراير ـ 2019
أتسائل دوماً بشأن الحزن ..
لماذا نبكي ؟
هل البكاء يغسل مصائبنا ؟
أليس من المفترض أن بكاءنا يزيدنا حزناً ؟
. . .
تال : هل سرحتي آنسة لانا؟ ، إنه دورك ! .
لانا : عذراً .. من أين أبدأ ..
اسمي لانا .. عمري 36 ، و أعمل ممثلة ، سمعت أن مجموعات الدعم النفسي تقام هنا .. فأحببت مشاركتكم بتجربتي
أنا هنا لأروي لكم قصة حدثت لي ..
أبطالها أغلى ما أملك ..
والدي هنري ، وأخي بيتر ، وصديقتي إيما ولا أنسى أيضاً مسرح مدرستي .
هذه القصة حدثت قبل عشرين سنة تقريباً ..
. . .
في ثلاثين ديسمبر ـ 1999
الساعة التاسعة والنصف مساءً
لماذا نمثّل ؟
أعي تماماً أهمية تجنب مواقف محرجة أو مشكلة عن طريق الكذب ..
لكنها ليست سوى مهرب وحيد نسعمله كآخر حل لنا قبل أن نقع في المشاكل ..
شخصين يقفان أمام بعضهما ليسردا سطورا اتفقا عليها سابقاً كتبها شخص آخر !
أليس هذا ضرباً من الجنون ؟
إلى جانب ذلك ما بال ستارة المسرح ؟
إنها مهترئة ، ألا يجب أن يستبدلوها بستارة أفضل ؟
لماذا يتعمدون إعلاء أصواتهم أثناء التمثيل ؟
نعم نعم أعرف ـ إنهم يخشون أن لا يصل الصوت إلى الصفوف المتأخرة من الحضور ..
يا له من أمر يدعو للضحك .
[ كانت الانتقادات والتهكمات تتقافز في ذهني باستمرار ، فأنا لا أحب الأعمال التمثيلية ، ومجبرة على الحضور فوالدي ممن يؤمنون بضرورة الارتباط الأسري في كل مناسبة كانت ]
[ أخي بيتر أحد أبطال هذه التمثيلية ، ولكي أكون صريحة معكم لم أكن نادمة على الحضور بقدر ما أنا نادمة على الجلوس بجانب والدي ، فهو لا يكف عن التصفيق والتصفير كل ما رأى بيتر، لقد
سرق الأضواء بأفعاله ]
لانا : أبي .. متى تحين تلك اللحظة؟
هنري : أتعنين عندما يمسح بيتر على الفانوس ؟
أتوق لرؤية ما سيحدث ..
[ كان يقول ذلك ومعالم وجهه يعلوها الحماس والترقب ، يديه متعرقتان بسبب إمساكه بالكاميرا ، لم يفلتها ولو للحظة .. ، شعرت بالذنب قليلاً .. أتتساءلون لماذا ؟ ستعرفون قريباً ]
[ ما إن مسح بيتر الفانوس حتى خرج فأر منه سقط فزعاً ، لم يسبق لي و أن رأيت بيتر ينتابه فزع كهذا من قبل .. والأجمل من ذلك أن أبي التقط الصورة في الوقت المناسب ..]
إنه بوسو .. ألم أخبركم ..؟ أحب الفئران .. لا أتفهم وجهة النظر التي تقول أن الفئران مقززة .
الممثلون هم المقززون ، الفئران تتعامل مع الحياة بشكل واقعي تؤمّن طعامها وترضى بالقليل لا تخدع ولا تكذب .
أدخلته في الفانوس في الصباح الباكر بعد أن أعطيته منوماً بحيث يستيقظ في ميعاد المسرحية .. ويا له من توقيت مذهل ,
[ صرخت بأعلى صوتي للحضور ]
أتبحثون عن المتعة ؟ أنتم ترونها الآن ..
[هذا صحيح لقد ضحكت حتى سقطت أرضاً في تلك اللحظة .]
[لم يدم الضحك كثيراً ، فكما هي العادة حال ما أصل إلى البيت يكون أبي و أخي مستعدان لتوبيخي ومعاقبتي ..]
صرخ بيتر في وجهي قائلاً : مالذي تجنينه من أفعالك ؟
أيسرك رؤية الجميع وهم في حالة لا يحسدون عليها ، أنا لا أفهمك !
هذه المسرحية مهمة بالنسبة لي ، ألسنا عائلة واحدة ؟
لولا فعلتك لكانت لدي الفرصة في الترشح لجائزة أفضل ممثل في المدرسة ..
ليست المرة الأولى التي تفسدين فيها عملاً مسرحياً ..
ما خطبك ؟
تم رفع الحظر عن حضورك إلى مسرحية المدرسة قبل أيام .. وأول ما خطر في بالك القيام بإفساد مسرحية أخي !
ولم تكتفي بذلك ، لقد قمت بإزعاج الجميع
لقد مزّقت تقرير صديقتك إيما السنة المنصرمة مما اضطرّها إلى الانتظار إلى الغد لاستلام نسخة أخرى ، والداها كانا يظنّان أنها تخفي رسوبها .
[ أضاف أبي في تلك اللحظة ]
يجب أن تعلمي بأننا لسنا فخورين بأفعالك ، يجب أن تعملي جاهدة لتصلحي أخطائك ..
[ ركضت فوراً إلى غرفتي وأقفلت الباب متجاهلة كل ما قيل .. مضمرة في نفسي : لم يضخمون ما حدث ؟ ، لم يكن بالأمر الجلل ، بإمكان بيتر تعويض ذلك في المسرحية القادمة ]
في الواحد والثلاثين من ديسمبر
الساعة السابعة صباحاً
[ استيقظت مبكراً كما هي العادة في أي يوم مدرسي ، هل كنتم تظنونني طالبة سيئة في أدائها ؟
الأمران منفصلان تماماً ، قد يفاجئكم هذا ولكنني أحصد درجات عالية في كثير من الأحيان ..
دائمًا ما كان والدي يضعني مضرب المثل في التفوق عندما يتحدث مع بيتر بخصوص تدني درجاته وضعف تحصيله ..]
أعتقد أن أخي يصب اهتمامه في المسرح .. يال الحماقة .
أن تصب اهتماماتك حول أمر كهذا ، وتجعل حياتك ترتكز عليها ! يا له من أمر مثير للسخف .
[ كنت أسرح شعري أمام المرآة أثناء حديثي مع نفسي ]
[ خرجت من غرفتي مسرعة خشية أن أتأخر ، عادةً ما يرافقني بيتر إلى المدرسة مشياً .. لكنني وجدت غرفته مقفلةً فـفهمت أنه ما زال مستاءً مما حدث البارحة . ]
[ عندما عدت من المدرسة توجهت إلى غرفة أخي لأعتذر منه .. لن يضرّني الاعتذار .. إنه أشبه بممسحة تزيل مساوئ أفعالك ..
أوقفني رنين الهاتف ، في الحقيقة لم يوقفني فحسب .. بل و أفزعني
فـ مع الهدوء المثير للريبة في البيت ، أصبح الرنين كصوت الصاعقة صدقوني .. ]
إلتقطت السماعة فوراً .. فإذا هو بيتر وصوته قد تغير إثر الإجهاش من البكاء ، فزعت سائلة
ما خطبك ؟
هل أنت بخير ؟
بيتر : سقط أبي متعباً ليلة البارحة .. فنقل في سيارة الإسعاف إلى المشفى .
أخبرني الطبيب بأن قلبه متعب ، وربما يضطرون إلى إجراء عملية
زجرته بحدة : لمَ لمْ تخبرني ؟
بيتر : كل ما تقومين عند حدوث هذه المواقف هو الفزع و إرباك الآخرين .
لانا : لا تتحرك سآتي حالاً .. أنت في المشفى صحيح ؟
بيتر : أنا في سطح متجر الألعاب .. المجاور للمشفى تذكرين صحيح؟
لانا : أنا قادمة .
[ نعم ، فقد اعتدنا منذ أن كنا صغاراً أن نتحدث في سطح ذلك المتجر .. هل يسمح لنا صاحب المتجر بذلك ؟
بالتأكيد .. فهو والد صديقتي إيما ، لقد كان لطيفاً حقاً .. ]
[ بعد وفاة والدتي لم يكن لي غير أخي ممن أشاطره الذكريات .. نسيم الرياح من على الأسطح ، كان يشعرنا بتحسن . ]
ركضت حتى وصلت للمكان .. في تلك اللحظة شعرت كما لو أن الوقت قد توقف حقاً .
يقف بيتر متصلباً على حافة السور تعلوه تلك الملامح البائسة ..
لانا : ماذا تفعل ؟ ، انزل بحذر .
بيتر : ما المعنى من هذا كله ؟
أمي تموت جرّاء دهسها من قبل رجل ثمل .. !
أبي متعب جداً وقد يلحق أمي في نهاية المطاف .
لانا : مالذي تقوله .. إنه بحاجة للراحة فقط ، أليس كذلك ..؟
اسمع بيتر .. ربما تكون متعباً قليلاً .
[ أصبح صوته أكثر حدة عندما قال ]
أخبرني الطبيب أن فرصة نجاح العملية ضئيل ، يجب أن نعد أنفسنا للأسوء .
لا يجب أن نفقد الأمل ، أنت من كان يقول لي ذلك .
[ قلتها و دموعي توشك تنهمر ]
توقف أخي أرجوك .. هذا ليس حلاً ، أشعر بما تشعر به ، هل تعتقد بأن أبي سيسر برؤيتك تحاول الانتحار ؟
بيتر : قد لا أكون الأخ الذي كنت تتمنين أن تحظي به ، لكنني مسرور أنك أختي .
قاتلي من أجل حلمك .
[ صرخت بأعلى صوتي مندفعة أحاول إنقاذه قبل السقوط ]
[ لكن لا فائدة .. ]
[ لا أعلم كيف لم أفقد عقلي حينها ، فقد كان جسدي يتصرف بتلقائيه .. ]
[ نزلت مسرعة وأنا أجهش بالبكاء ، صوت الصدأ الناجم من صوتي كان يسبب لي خوفاً مضاعفاً ]
[ فجأةً وبدون مقدمات أمسكتني إيما .. ]
إيما : أنت بحاجة للراحة .
لانا : مالذي تهذين به ؟ ، سقط أخي ، إنه يموت ، اتركيني
ايما : نقله أبي للمشفى إنه قريب جداً من هنا .
لانا : دعيني أذهب ..
إيمي : اهدئي أيتها المزعجة .
[ قالتها بحزم ]
[ غبت عن الوعي بضع ساعات ]
[ لم أتوقف عن لوم نفسي .. نعم ، أنا السبب في كل ما حدث ]
تصرفي بالأمس أثّر سلباً على صحة أبي ، إنه يعاني من قلبه منذ وفاة أمي ، لابد أن بيتر شعر أن لا مآل إلا نجاحه .. كيف لا وأنا أفسد أعماله المسرحية دائماً .
[ استوقفني دخول إيمي ]
إيمي : استعدّي ستذهبين معي .
لانا : أريد أن أعود للبيت فقط .. لم أسبب لك سوى المتاعب .
إيمي : هل أنت مجنونة ، لا بجب أن تبقي لوحدك بعد الآن ، هل تريدين أن ينتهي بك الأمر مثل ما انتهى إليه بيتر .
يجب أن تخرجي من هنا ، ستتحسن حالتك النفسية صدقيني .
[ لم يكن لدي الخيار ، فقد كنت في بيت صديقتي على أية حال ]
[ كنت أمشي معها مطأطأة رأسي ، لا أقوى على المشي بثبات ، أترنح بين الحين والآخر ]
[ كل ما كل أتمناه في تلك اللحظة أن أستيقظ من هذا الكابوس المزعج ]
لانا : هل نحن ذاهبون إلى المشفى لرؤية بيتر ؟
إيما : آسفة عزيزتي لانا ، لكنه ما زال غائباً عن الوعي .
هاقد وصلنا ..
لانا : المدرسة !
إيما : ما أدراك ، لدينا مسرحية بعد دقائق .
لانا : في المساء !
[ هطلت أمطار غزيرة حينها .. ]
هل يجب أن أدخل لأحتمي من المطر ، لماذا ؟
ربما من الأفضل أن أبقى في الخارج لعلّ المطر يغسل همّي
لست قلقة بخصوص مظهري بعد الآن ..
[ كنت أهمس في نفسي محدقة في الغيوم المثقلة بالمطر ]
[ دخلت بعد إلحاح من إيما .. أجلستني إلى جانبها ]
إيما : هذه المسرحية ستعجبك أنا واثقة من ذلك ..
كيف لا تعجبك ، وأنا كاتبة السيناريو ..
[ في تلك اللحظة تحديداً أقسمت أنها لن تعجبني ]
[ هل تريد أن تثير غضبي ؟ ، مسرحية وأنا بهذا الحال! ]
~ فــتحت ستارة المســرح ~
[ لا أستطيع وصف مشاعري في تلك اللحظة .. ]
[أبي .. أخي بيتـر ]
[إنهما في يقفان على عتبة المسرح .]
[أملت برأسي لأرى إيمي ، وإذا بها تنظر إلي ، تتوق لمشاهدة ردة فعلي .
انطلقت متجاوزة صفوف الجمهور إلى المسرح لأضمّهما ، أخبرني أخي بعد ذلك ، أنني كنت كالطفلة الضائعة التي وجدت والدتها للتو ]
[ تلك المسرحية كانت الأفضل حقاً كما قالت إيما ، لقد كان مجهوداً جماعياً لرد الأذى الذي ألحقتهم به ]
[ لم يكن أبي في المشفى ، إنها قصة اختلقها بيتر لكي تنجح تمثيليته ]
[ كانت المزحة متقنةً حقاً .. استعان بيتر بوالد إيما ، مستعملاً النطّاطة التي جعلته يقفز بكل ثقة ولم يلحقه بذلك أذى ]
[ ولذلك أوقفتني إيما في ذلك الوقت ]
ـــــــــــ
قد لا أكون متألّمة الآن ، لكنني حتماً شعرت بالألم الذي يخالجكم ..
مالمعنى من المستقبل ونحن معلقون بالماضي ؟
عندما تخيّب ظنك مسرحية ما ، أغلق الستار وافتح الستار التالي قد يكون هو الملجأ الذي تبحث عنه .
فالحياة رواية جميلة عليك قراءتها حتى النهاية، لا تتوقّف أبداً عند سطر حزين قد تكون النهاية جميلة.
~ أغلق ستـار المسرح ~
تمثيل
لانا بدور ( لانا )
بيتر بدور ( تال )
طلاب المسرح بدور ( مجموعة الدعم النفسي )
كتابة سيناريو وإخراج
إيـما
التعديل الأخير بواسطة المشرف: