- إنضم
- 4 مايو 2013
- رقم العضوية
- 199
- المشاركات
- 2,186
- مستوى التفاعل
- 7,974
- النقاط
- 1,295
- أوسمتــي
- 16
- الإقامة
- Underworld
- توناتي
- 2,194
- الجنس
- أنثى
جذوري تضرب في الأرض وتمدد أطرافها ببطئ كالأخطبوط تحت التراب ، لهذا أنا
لطالما كانت جدران الطوب وأسطح القرميد والنوافذ الخشبية أكثر إغراءً من الخيم التي ننصبها قرب الأنهار،
لطالما بدت تلك الألبسة الأنيقة والقبعات أجمل من التنورة المزركشة وغطاء الرأس خاصتي ..
ولطالما كانت حمرة وجهي وسمة عاري التي لن أقدر على مواراتها في المدينة ..
تكون الحياة بسيطة حين نراها بأعيننا الطفولية ويكون الخير بالنسبة لنا في كل ثنية من هذا الكون دون استثناء ،
لكننا نكبر ونُجبل بالشمس والحقيقة، ونكتشف أنه يوجد بهذا العالم أسوار تفصل الكثير من الأشياء وتشير بكل وقاحة
لأحد الطرفين أن هذا قذر وذليل وأن هذا العكس ... للاسف كنت أقف في الجهة التي كُتب عليها البؤس والشقاء والتيه.
ولدت في مكان مجهول من الأرض ، مثلي مثل كل قبيلتي التائهة كمخلوق خرافي في أرض متعددة الأبعاد والأزمان ..
قد أكون ولدت عند قارعة المدينة، أو قرب النهر، أو تحت ظل شجرة، او عند جرف ما أو عند باب كهف ..
لا أحد يدري ولا أحد يهتم لان الأماكن لا تعنينا ولا يجب ان تعلق أرواحنا بين جدران اسمنتية
لاننا ان متنا فلن تتحرر لتطير بين الغيوم بل ستبقى عالقة تحت سقف كئيب ..
لهذا نحن في ترحال أبدي إلى نقطة اللانهاية من هذه الأرض الممتدة لبعيد..
وكانت حياتي كالنحلة التي لاتثبت على زهرة واحدة ولا تمل الطيران والطنين، تفعل ما تحب وتحب ما تفعل ..
مزينة بألوان الطبيعة كلها من الداخل والخارج، تفوح بعطر الأرض والمطر، ملون وجهها بلون التراب الدافئ، ولا تبغي شيئًا غير السلام والحب ..
قبل أن تتفتح عيني على أصناف أخرى من بشر مثلي لكنهم ليسوا مثلي مطلقا .. لم يكن الاختلاف مشكلتي مع أحد، لكن الرفض والنفور والاحتقار هو ما كان يجعلني أتساءل باشمئزاز من أنا ؟ من أين أتيت ؟ ولما أبدو هكذا؟
العالم جعلني أحتقر نفسي، كأني خطيئة آدم ، كأني اختزل لعنة آدم كلها فيّ واحتكرها عن بقية البشر ..
???????
زيارتنا للمدن كانت قليلة، لم نكن ندخلها الا حين تنفذ مؤونتنا من الأكل في الشتاء،
فنحن تقريبا نصنع كل مانحتاجه ونستمده من الطبيعة التي سنعود إليها يوما فتستعيد ما أخذناه منها ..
لكن المدينة كانت جنتي الموعودة التي لم ادركها يوما .. كل تلك الاضواء المعلقة على الجدران لا تساوي شيئًا أمام سماء الليل حين تفرش نجومها ، لكنها كانت كل ما رٍأته عيني منذ ولدت وها أنا قد اكتفيت منها ..
في كل مرة نذهب فيها لمدينة ما يَخْطِفُ بصري وقلبي كل شيء، كل تلك النساء المزينات بأبهى الفساتين المنسقة والحلي الجميلة، قبعاتهن التي تعلو شعرهن المصفف بشكل مهذب وسيرهن بتلك الطريقة الانيقة، يأسرن روحي فتعلق هناك خلفي .. هذا ما أريد ان أكونه، امرأة مثلهن، وهذه هي الحياة التي أريد ان اعيشها ..
أنا ازميرالدلا، فتاة غجرية ترتدي حذاء التيه مثلما فعل أسلافها، لكني أود خلعه وتركه بلطف جنبا لأنعم بأرض أغرس نفسي فيها، مكان سيتذكر ملامحي للأبد .. والدي يعزف في فرقة صغيرة غجرية متنقلة بين البلدات وأمي تمتهن التبصير، هذا ما يمكن أن يمتهنه شعبي ليسدوا رمقهم لأنهم ما أمكنهم يوما الاندماج مع المجتمعات الجديدة ، ولكني كنت أريد حياة جديدة وأن أكون جزءًا من العالم .. لم أقدر على طمس سمرتي لكني حتما سأعرف كيف سأكون سيدة نبيلة حتى لو كان ذلك مجرد تقمص لدور مسرحي..
أمي تنهرني دوما عن هذا الحلم المستحيل، وترجني لأعود للواقع وأكف عن هته التخيلات التي لم تكتبها الطبيعة لنا، لكني لم أستسلم وأرضخ لهذا التيه الذي يلازمنا كأحماضنا النووية ... لقد كنت دوما أفكر في الهرب لكني لم أجد الفرصة المناسبة لذلك فقط ، لكن كيف ستعيش طفلة غجرية وسط بشرلا رحمة في قلوبهم لأمثالي ؟ لم أفكر مطلقا بالأمر لأن كل ما كان يشغلني هو تلك الحياة المملوءة بالأضواء التي لا تنطفئ مع انطفاء الشمس ..
???????
كانت والدتي كعادتها تنصب طاولتها في أحد الشوارع لتجلس وتنتظر زبائنها الذين يتوقون للحديث للأموت أو قراءة أبراجهم أو التكهن بالمستقبل .. كان ذلك اليوم ماطرًا وقد تبللت معظم ممتلكاتنا، فوضبنا أشياءنا حين اشدت وقررنا العودة لعربتنا خاصة وأن ما من أحد توقف عندنا بسبب المطر الذي كانت يتهاطل ، إلى أن جاءت الينا سيدة تبدو من ملامحها ولباسها أنها ذات مكانة عالية، كانت ترتدي ثوبا بنفسجي اللون حول كتفيها وشاح طويل من الصوف، تحمل بيدها التي كانت ترتدي قفازا أسود حقيبة صغيرة بذات اللون، بينما يدها الأخرى تحمل مظلتها التي كانت تحميها من زخات المطر، كان شعرها الذهبي ينسدل الجزء الأمامي منه تحت قبعتها الصغيرة بينما أمسكت ما تبقى للخلف بدبوس عاجي ، عيناها التي ترتدي زرقة البحر لونا كانت تبدو كأنها من زجاجٍ تلمع تحت ذلك الظل التي تصنعه المظلة ووجهها الأبيض يضيء كالبلور، تطبع على شفتيها الورديتين ابتسامة تجمع كل الكلمات المتضادة .. هذا ما شعرت به .. لقد كانت ابتسامة تشبه حملا وديعا يحمل فأسا لكنه لازال وديعا رغم كل شيء ..وضعت أمي ما كان بيدها وأعادت الخرقة التي تعلونا وطاولتنا كانها خيمة صغيرة جدا تتسع لشخص واحد ..
أمي: مرحبا بك ايتها السيدة النبيلة .. بماذا أخدمك ؟
السيدة: في الواقع .. انا لست هنا لشيء ، لكني بحاجة لخادمات في منزلي.
علت نظرة الاستغراب وجه امي ثم قالت : آسفة هذا ليس من خدماتنا
السيدة: سأدفع مبلغا سخيا لذلك ( وأظهرت كيسا من العملات الذهبية الذي بحقيبتها)
ذهلت أمي بكمية المال الذي كانت تحمله السيدة فقالت بصوت متردد: حسنا لكن .. لن يكون الأمر لفترة طويلة لن يمكنني المكو ..
قاطعتها السيدة بصوت ناهر: لا ليس أنت ، أنا أريد الصبية.
شهقت من الفرحة والصدمة معها، كنت اريد الذهاب بشدة و أومأت برأسي أن نعم ببلاهة حين أدارت السيدة وجهها لي، أمسكتني أمي بقوة من يدي واعتلت ملامحها الفزع والحيرة وترددت في اتخاذ قرار حاسم ، فالمبلغ باهظ ونحن بحاجة للمال من أجل تغيير العربة أو على الأقل إصلاحها بعد أن تآكلت تماما ، بالإضافة لحاجتنا لحصان جديد والأدهى أن شقيقتي الصغرى ولدت بمرض مزمن ولم تنجح معها كل تلك الأعشاب والأدوية الطبيعية التي نحشرها في جسدها الصغيرفهي بحاجة لمشفى وطبيب ..
قاطعت السيدة تفكير أمي منادية : هل سأقف هنا أنتظر جوابك؟
غممت أمي : حسنا حسنا يمكنك أخذها ولكن الدفع يكون مسبقا .. كم ستدوم مدة خدمتها؟
وضعت السيدة الكيس في راحة يد أمي ثم ابتسمت ابتسامتها تلك قائلة : للأبد... هيا أيتها الصبية اركبي في المقعد الجانبي الخلفي للعربة ..
فتحت أمي عيناها لآخرها من الفزع ثم أمسكتني بقوة وجذبتني إليها بينما أنا أسرع الخطى بكل فرح خلف السيدة
نظرت المرأة باستغراب لأمي وقالت : ما الأمر مابك ؟ .. (ثم صرخت ) هل تحاولين سرقة النقود والفرار !!!
نادت أمي مدافعة عن نفسها : لا مطلقًا .. فقط أنا أريد توديع ابنتي اذا سمحتي لي ..
أومأت السيدة برأسها وهي تنظر إلينا باستحقار، ثم قالت بصوت بارد : أسرعي ليس لدي وقت لهذا.
أمسكت أمي رأسي والدموع تملأ عينها ثم همست لي بلغتنا الغجرية : أعدك أننا حالما نعالج أختك سنأتي لأخذك معنا ..
أنا أعدك بذلك ( قبلت جبيني ثم نزعت قلادتها التي لم تفارق رقبتها يوما ووضعتها على نحري) سيحميك اييوس دوما...
كنت أراقب دموع أمي التي سقطت سوداء بفعل كحل عينيها في مشاعر مختلطة ومتضاربة جدا ، كانت تحاول مواراة وجهها عن المارة وعني كي لا يلاحظ أحد بكاءها ... العربة تبتعد شيئًا فشيئًا وملامح أمي تتقلص عن ناظري إلى أن اختفت تمامًا ..
وصلنا أخيرا لمنزل هته السيدة ، لقد كان قصرا مترامي الأطراف يقع في مخرج المدينة، تتوسط حديقته الأمامية الكبيرة نافورة عملاقة من الرخام لعدة بجعات يجلسن في وداعة في تلك البركة .. فُتحت البوابة الداخلية للقصر وأمكنني من مكاني أن أرى تلك الثُّرَيَّة العملاقة للبهو من بعيد معلقة في السقف ، كنت أتشوق للدخول لرؤيتها عن قرب لكن ما ان نزلنا حتى نادت الخادمات لأخذي للجزء الخلفي من القصر وترتيب المهام التي ستوكل لي .. انصعت لهن وتركتهن يقدنني بينما قلبي معلق بذلك الجو الدافئ للقصر ..
كان وراء القصر مساحة أكثر شساعة لم أقدر على تبين حدودها ، كان بها اسطبلات كثيرة، على مايبدو ان هته السيدة تربي الكثير من الخيول
قطعت تفكيري احدى الخادمات : يا صبية اليك الرفش وما ستحتاجينه من أدوات عليك ان تنظفي هته الاسطبلات جميعها اليوم .
كان السماء لازالت تمطر والجو بارد، حاولت أن أسألها ان امكنني البدء حين يتحسن الجو لكنها غادرت دون أن تعيرني أي اهتمام .
كان المكان نظيفا نوعا ما كل ما قمت به هو تنظيف مخلفات الاحصنة لقد استغرقني الأمر ما تبقى من اليوم الى ان غابت الشمس وخارت كل قواي .. حاولت الدخول للقصر من أحد تلك الأبواب العديدة التي كانت أمامي لكن لم يفتح أي منها فذهبت صوب البوابة الأمامية لأدخل عبرها .. كانت سيدة القصر تهم في الركوب لعربتها وهي في ابهى حلتها، يبدو أنها متجهة لحفل لما ... كم أتمنى أن تصطحبني معها لكنها غادرت دون أن تلحظ أني أقف في هته الحديقة المترامية ..
اتجهت للسلالم اركض لأدخل أخيرا هذا البهو العملاق وأنعم بكل تلك الأضواء والجو الدافئ .. لم أكد أقرب حتى أمسكني شخص ما من الخلف ..
لقد كانت احدى الخادمات : ما الذي تعتقدين نفسك فاعلة ؟ إلى أين أنت ذاهبة ؟
ازميرالدا: أنا .. أنا .. لقد انهيت مهامي واشعر بالعطش والتعب ألن أدخل وارتاح.
الخادمة : ماذا ؟؟ ! وهل سترتاحين هنا ؟ عودي للخلف مكانك هناك.
ثم سحبتني للباحة الخلفية للقصر .. كانت قبضتها مؤلمة على معصمي وهي تجرني بقوة
ادخلتني لمكان اشبه بمستودع قذر
ثم قالت : نامي هنا واشربي الماء من حيث تشرب الخيول .. لقد وضعنا لك قطعة خبز هنا ..
هاهو عشاءك .. نامي الآن لأنك ستفيقين في وقت مبكر غدا.
لقد كان على ارضية المستودع كومة من القش لا غير ،
سألت بكل براءة : أين سأنام ؟
أجابت الخادمة باستهتار : و اين كنت معتادة على النوم ايتها المدللة ؟ لقد كنت تعيشين في العراء لابد أنك ترين سقفا لأول مرة في حياتك .. حسنا ان لم يرحك الوضع هنا يمكنك النوم خارجا مثلما أنتم معتادون على ذلك.
غادرت تجر خلفها ضحكاتها المقززة وصفقت الباب الخشبي بقوة .. لقد شعرت بالغثيان لهذا التصرف الكريه ..
أم أنه الحزن الذي يحاول طرد روحي عبر بلعومي ..
???????
لقد مرّ شهرين وأنا هنا، لقد تحسنت بعض الأمور قليلا، بعض الخادمات يعاملني بلطف وأخريات يرونني مجرد حيوان .. حصلت أخيرا على ملابس جديدة، كانت ملكا لبنت احد الخادمات في القصر ، ثوب قديم نوعا ما لكنه جميل وقد أحببته جدا .. أصبحت أنام في مطبخ جانبي حيث الدفء أكثر ما لم تطردني احد الخادمات سيئات الطبع .. أحيانا آكل أكلا طيبا ان اشفقت عليّ احداهن و أحيانا أبقى دون أكل اليوم بطوله .. لكني اعتدت على الأمر وأقدر على تحمله، أنا لا أقوم بأي مشكل و واثقة ان الأوضاع ستتحسن للأفضل لو التزمت بسلوك جيد ..
لم أصادف السيدة صاحبة القصر مرة أخرى منذ آخر مرة تقابلنا .. كنت دوما أحاول أن أجد الطريق للداخل عبر المطبخ لكن ما أمكنني تجاوز كل أولائك الخدم .. لكني لم أستسلم مطلقا .. يوما ما سأجلس في أحد غرف هذا القصر وسأرتدي أبهى الثياب والحلي، وستفوح مني رائحة الورد وأتناول الشاي من فنجان من الكرستال ..
???????
في أحد الأيام التي بدت فيها الشمس في خجل خلف الغيوم منذ أيام طوال من الرعد والمطر، كانت تقف هناك فتاة في مثل سني قرب أحد الخيول تداعبه، لقد كانت صبية جميلة جدا بشعر برتقالي اللون تمسح بلطف رأس الحصان ..
اقتربت منها شيئًا فشيئًا فلمحتني أقف خلفها في استحياء ،
نظرت إليّ نظرة شزرة و قالت : يا الهي لقد أفزعتني ... من انت ؟
رددت بصوت خافتٍ خجلٍ : أ .. أنا ازميرالدا
قالت : ماذا ؟ !!.. بل أقصد ما الذي تفعلينه هنا ؟
كنت سأهم لأنطق
حتى نادى صوت خلفي : هااااي انت عودي لعملك
التفت، انها صاحبة المنزل ..
واتجهت نحو الصبية تتفقدها : عزيزتي هل ازعجتك ؟
أجابت : لا لكنها افزعتني .. لقد كانت تقف خلفي من دون أن تنبس ببنت شفى
صحت قائلة : لا أنا لم أقصد ذلك لقد كنت فقط أقف هنا أنا آسفـ ...
قاطعتني السيدة : ألم تسمعي أيتها الغجرية قلت لك عودي لعملك
كانت الدموع مستعدة للانسياب لكن كبحتها ثم رددت : طبعا سأعود لكني بحاجة للحديث إليك أيتها السيدة
انفجرتْ ضاحكة : ماذا قلت !!! (باستخفاف) طبعا دعينا ندخل اولا لقاعة الاستقبال وسأحسن استضافتك .. ماذا تودين هل ستشتكين من الأكل أم مكان نومك ؟
قلت بثبات : أريد أن أتعلم القراءة والكتابة .. أنا أريد أن أصبح سيدة نبيلة و واثقة اني سأقدر على ذلك .. سيدتي انت تملكين ثروة طائلة فقط لو ساعد..
تعالت قهقهتها وابنتها واحمر وجهيهما حتى كاد أن يغشى عليهما من الضحك : هل أنت في كامل قواك العقلية ؟ هل سقطت على رأسك أو شيء من هذا القبيل ! .. أنت غجرية أنتم مجرد حثالة ، مجرد حيوانات قدرت على اتخاذ أشكال بشر .. انظري لنفسك، انظري لشكل الذي ي دعو للاشمئزاز ، كيف لك أن تتجرأي وتتخيلي نفسك كامرأة نبيلة وأنت دمك ملوث بأنجس دم على الأرض .. هذا لن يحدث ولو في أحلامك، لن يحدث حتى لو قدرتي على تقمص جسد سيدة من الطبقة الارستقراطية ... (عادت للقهقهة من جديد ثم أردفت) تتعلمين القراءة ؟ هل أنت جادة !! حتى الكلاب تقدر على التعلم لكن أنت لا ، فمكانك في البراري لتأكلي اوراق الاشجار.
لقد كان كلامها صفعة قوية على وجهي ، حطمت فيّ كل مشاعري وأفكاري وآخر ما تبقى من كرامتي المهدورة ... راقبتها برؤية ضبابية بسبب الدموع وهي تغادر مع ابنتها، كانت تترنح من الضحك ولم تقدر على تمالك نفسها وهي تعود لقصرها .. لقد شعرت بحنق كبير لم أقدر على تحمل كل ذلك الاذلال، دموعي كانت شلالا اختصر كل مشاعري وكبتي طوال الشهرين الماضيين .. أنا أريد العودة لأهلي وقبيلتي الآن .. أنا لا أنتمي لمثل هؤلاء البشر .. مسحت عيناي من الدموع التي غطتها فلمحت امامي حجرا معتبر الحجم ، حملته وكلي غضب ورميته بكل ما أوتيت من قوة نحوها، فأصبتها مباشرة في رأسها وسقطت على الأرض بعد قُطعت قهقهتها المزعجة .. ثم هربت نحو نهاية السور بكل ما أتيت من سرعة لأقفز منه ..
لقد كانت ابنتها تصرخ بقوة : النجدة النجدة أمميي !!
لكن ما من أحد بالجوار كان كل العاملين في اسطبلات بعيدة .. نجحت في تسلق السور والقفز بصعوبة وآذيت ركبتي لكني رغم الألم ركضت بكل قوتي لأفر بعيدا .. لقد كانت طريقا طويلة جدا من الاشجار المتتالية ، تتبعتها لعلها تقودني نحو المدينة .. في ذلك الدرب الذي بدى من دون نهاية قدرت على أن المح عربة قادمة من بعيد، توقفت التقط أنفاسي و انا اشعر بالفزع الى اين اذهب ومن هؤلاء .. لا أقدر على المضي ولا أقدر على الرجوع .. التففت خلفي، كانت عربة اخرى متجهة نحوي .. ياالهي انها نهايتي الى اين سأفر ؟؟
قررت أن أمضي في سبيلي نحو الأمام، فالغجري لا يرجع من الطريق التي أتى منها ..
أنا الغجرية ملوثة الدم التي لا تهاب مصيرها ولا تهاب المواجهة ،
أنا لست سيدة نبيلة ومترفة تموت من قلة الحيلة إن تغيّر محيطها .. أنا أعظم من ذلك، أنا غجرية.
لقد كنت أركض بقوتي وتلك العربة الغريبة تقترب... يا الهي أنا أعرف هته العربة جيدة، أعرف هته الألوان .. انها عربتنا !!
سقطت ابكي بصوت مرتفع إلى أن وصل والدي بالعربة إليّ ..
نزلت أمي تركض نحوي وعيناها غارقة في الدموع: يااا الهي ازميرلدا حبيبتي ؟؟ ماذا فعلوا بك ما الأمر ؟؟
لم أقدر على الكلام فقد كان صوتي يختنق وأن ألتصق بثياب أمي أنتحب كالرضيعة
حملتني بسرعة لما لمحت تلك العربة التي كانت تجري خلفي وصعدت صارخة في وجه أبي : أسرع دعنا نعود أدراجنا .. اسرع !!
لقد كنت ارتجف في حضن أمي بينما هي تهدئ من روعي باكية : آسفة يا صغيرتي آسفة .. ما كان يجب أن اتركك تذهبين معها ، لقد كانت مجرد مراة مخادعة ونحن كنا بحاجة لكم هائل من النقود لن يوفره لنا عملنا الذي نتقاضى منه ثمنا بخص .. لقد كانت مجرد نذلة كاذبة تلك العملات لم تكن حقيقية لقد كانت مزيفة .. لقد قضينا هذين الشهرين نبحث عن مكان اقامة السيدة ولم نجده حتى الآن .. لقد كنت اخشى أن افقدك الى الأبد ، لكن اييوس رعاك كل هته المدة.
أمضينا الليل بطوله هاربين بعربتنا التي شارفت على السقوط، وابتعدنا بقدر ما نستطيع عن تلك المدينة ..
???????
لقد مرّ شهر على تلك الحادثة، لم أعد أفارق امي مطلقا وألتصق بها حتى ونحن مع أفراد قبيلتي .. لم أعد أحب المدن ولا أريد أي شيء يتعلق بها ، كنت ارفض الدخول إلى أي مدينة مهما كانت ، لكن كان يجب أن ألازم أمي لأتعلم منها المهنة التي توارثتها عائلتنا ..
كنا كعادتنا نقف في أحد الأسواق تحت طاولة أمي لبيع الخلطات السحرية وقراءة الطالع ، حين وقف ضابط قربنا وبدأ ينظر إلينا بنظرات مريبة .. شعرت أمي بخطر محدق بنا، رمقتني بنظرة ذات مغزى وقامت على عجالة لتجمع أشياءنا لنغادر ..
لم نكد نقف حتى صرخ الضابط : انهما السارقتان أمسكوا بهما . لا تدعوهما تفرااااان !
رمت أمي كل شيء من يدها وأمسكت كفي ورحنا نركض بين طاولات ذلك السوق ، لكن كان المكان مكتظا اعتقدنا اننا لو ضعنا وسط الجموع لن يقدروا على امساكنا ، ولكن هيهات لباسنا يكشفنا والناس حولنا بمجرد أن يلمحونا يبتعدوا عنا فيصبح مكاننا مكشوفا تماما .. حاولنا الركض خارج السوق لكن الضُّباط حاصرونا وأمسكوا بنا ..
لقد تضرعت لهم والدتي بشدة لكنهم لم يشفعوا لدموعنا وحملونا بعنف نحو المخفر ...
كانت أمي تصرخ بشدة والبكاء يقطع كلامها بينما الضابط يدفعنا نحو الزنزانة: لكننا لم نفعل شيئًا ، أقسم أننا لم نفعل شيئا ..
الضابط ببرود : أخبري الحاكم غدا بهذا ( ثم أتى بورقة بالية الينا عليها رسمات تقريبة لي ولأمي ) أنت وابنتك مطلوبتان للعدالة منذ 3 أشهر بتهمة التحايل والتعدي على نبيل وسرقة ممتلكاته .. هته الطفلة قاتلة وستنالان عقابكما غدا ..
لقد التصقت بثوب أمي التي كانت تصرخ بقوة تحاول الخروج من الزنزانة، لا أبتغي شيئًا غير فناء هذا العالم الكريه.
#ملهم_3
التعديل الأخير: