الختم الذهبي لوحةٌ عبر محطةِ الماضي | رواية قصيرة ✰ (3 زائر)


Y U K I

أحـب هذه الحيـاة... بقدر عدد الـمـرات التي قلت فيها بأنني أكـرهـهـا
إنضم
29 ديسمبر 2021
رقم العضوية
12528
المشاركات
719
مستوى التفاعل
2,148
النقاط
360
أوسمتــي
5
العمر
17
الإقامة
غرفتي
توناتي
2,805
الجنس
أنثى
LV
1
 
at_171603461922141.gif


MR.HERO : 05 - 06 - 2024


السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته
مرحبا سازار كيف حالك ؟ اتمنى ان تكون في تمام الصحة و العافية
يبدو انك لم تعد خالي الوفاض
بل عدت مع رواية مميزة اخرى

بداية اسلوب الرواية هادئ و ربما هو يعكس جزءا من شخصيتك الهادئة
لاكون صريحة بطريقة او باخرى شعرت ان البطل يمثلك بالاخص في بداية الرواية

مجرد وصفك لمعانات احمد مع الامتحانات
جعلني اخد لمحة عما ينتظرني السنة المقبلة كما تذكرت معاناتي مع الامتحانات منذ دخولي الثانوية
ايضا لا بد من الاشارة الى ان اسلوبك في الوصف رائع و يتميز بالدقة خاصة التفاصيل المعنوية اقصد ان اسلوبك قادر على ايصال المشاعر بطريقة ممتازة
خلال قراءتي كنت اتوقف من حين لاخر و اذهب للعم جوجل كي اتاكد من معاني الكلمات مثل:​
KIA optima
"الدوبامين"
"الأوكسيتوسين"
( و طبعا استفدت من ذلك )
بالنسبة للشخصيات فقد احببت شخصية البطلة رنا كثيرا
الروح الطفولية اظافة لكبرياء الفتياة يعجبني ذلك فيها
اما بالنسبة لشخصية البطل فهي لست متاكدة كيف لي ان اصفها
اسلوبه اللطيف في الحديث و طريقته في اخفاء ما يجول بداخله من الم و حزن او حتى حماسة
شعرت انه يحاول دائما ان يحافظ على هياته الهادئة ...احلامه الكبيرة و تمسكه بها نظرته القاتمة للحياة ذلك يضيف لمسة من الغموض على شخصيته (فيما يتعلق بحلمه الجديد و اسلوبه في التلميح ذكرني ذلك بشيء ما و اظنه غالبا كان يقصد رنا )
و بالنسبة للشخصيات الثانوية احببت شخصية ريم
و بالاخص في هذا الموقف​
-حسناً حسناً آسفة "قالتها وهي تضحك بخبث" لِما لا أُخبرُ أحمد عن هوسكِ بذلك الأمير الذي تدور حوله كُلُّ كِتاباتكِ ..
اما عن نهاية الفصل الثالث​
تفتت تلك اللوحة بعد أنْ سُحِقَ قلبي بينَ يديكِ ومُزِقَتْ أجنحتي وتناثرت أشلائُها على الأرض حتى سقطتُ فوقها مُتألماً من لظى الغيرة وآثار الصدمة التي شلّتني عندما دخلتُ الى حساب رنا بالإنستغرام ورايتُ تلك الصورة التي تبتسم فيها بجانبِ شابٍ غريبٍ كان يحمل الكاميرا ويقفُ بِقُربِها!
فغالبا ستنتهي الامور على خير (اتمنى ذلك )
اقصد لعله يكون مجرد قريب او شيء من هذا القبيل
و طبعا اتمنى ان لا يتسرع احمد و يبدا في محاولة تجنب رنا

على كل ساكون في انتظار الفصول القادمة لاعرف ما سيحصل
اتساءل كيف ستكون النهاية
و الى اين ستصل الحداث

و في امان اللهجوجو1
 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:

N A Y

لا أنتِ أنتِ ولا الدِيارُ دِيار
إنضم
7 مارس 2022
رقم العضوية
12642
المشاركات
2,522
الحلول
1
مستوى التفاعل
5,702
النقاط
640
أوسمتــي
4
العمر
24
الإقامة
فِلسطين
توناتي
2,317
الجنس
أنثى
LV
1
 
at_171603461922141.gif


MR.HERO : 05 - 06 - 2024


السلام عليكم ورحمة الله
كيف الحال سازار عساك بخير جوجو1
عُدنا لقراءة الفصل الثاني اليوم دولور2 ، واضح انه الفصل الثاني
كمان قصير وطبعاً ما عندي مشكلة بالموضوع :$
الفقرة الاولى يلي توصف فيها المكان كأنه ع طرف غابة ذكرني
برواية قرأتها مؤخراً وكان فيه مكان مشابه بالوصف للبطل ش2
واضح ان صداقة رنا واحمد بالطفولة كانت جميلة ومميزة
ومليانة ذكريات اشتاق لها ، مقطعك الثاني يلي وصفت فيه مشيها
بعدين انه تلاشت كمان ذكرني بالمقاطع يلي كنت اشوفها بالانميات
ويكون البطل يحلم او يتخيّل ،احس في شي ورا تحديدك للون الزهرة
انه يكون احمر ، في الانميات الوردة الحمرا ما أتذكر اسمها بس شكلها في بالي هاي ترمز للموت < تحمست في تحليلاتي غالباً
قصدك الحياة مو الموت او لانه لون مميز كذا xd
مشهد نزول النتيجة عشته وشهدته كثير مرات وقت نتيجتي ونتائج
اقاربي ، والله يرزق الجمبع فرحة النجاح هايق1
كانت صدفة جميلة ومتوقعة نوعاً من بعد ما قلت انهم جيران
انهم يكونوا بنفس الجامعة ودام اعترفوا قبل بأنهم ما زالوا ع الوعد
القديم اذا بعدهم ع نفس الكلام ونفس الحلم ، اظن رنا صاحبة المركز الثاني كمانضض1 ، حبيت الوصف والتشبيهات يلي ذكرتها بهاي الفقرات عن المجتمع المتصنع المثالي والناس المنافقة
يلي تتصل للتهنئة هذا واقع فعلاً ويلي بصير بهيك مناسبات
حتى ذكرك لهرمون الدوبامين عجبني ، كنت سمعت مقاطع عن هذا الهرمون قبل وهو مثير للاهتمام فعلاً ، كمان لفتة جميلة
ذكرك لاية ان بعد العسر يسرا ، احس يلي حيقرأ هذا الفصل وهو
بمرحلته الدراسية هاي او ع أبواب امتحانات رح يتشجع ليقدم افضل ما عنده ويعيش نفس الشعور يلي وصفته ويخلي اهله فخورين فيه
حتى وصفك للحظة التقاء عيونهم في الجامعة تعجبني الثقافة يلي عندك عن امور عامة وطريقة كتابتك وإدخالك هالتفاصيل بالفصل
كلمة دافئً تكتب دافئاً ، جملة في الحياء ارتمي والخجل اذوب والجملة اللي بعدها كمان سمعتها في اغنية قبل اظن مقتبسها منها،
اسلوبك جميل بأمانة انه التركيز ع الاثنين بس دون الباقين واختصار
الاحداث مع انه في تفاصيل لسا مو واضحة ، توقعاتي للفصل الجاي احس ما عندي توقع معيّن نقرأ ونشوف
لي عودة بقراءة الفصل يعطيك العافية
في امان الله​
 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:

N A Y

لا أنتِ أنتِ ولا الدِيارُ دِيار
إنضم
7 مارس 2022
رقم العضوية
12642
المشاركات
2,522
الحلول
1
مستوى التفاعل
5,702
النقاط
640
أوسمتــي
4
العمر
24
الإقامة
فِلسطين
توناتي
2,317
الجنس
أنثى
LV
1
 
at_171603461922141.gif


MR.HERO : 05 - 06 - 2024


السلام عليكم ورحمة الله
من رجع بعد عشر دقايق؟ دولور2 ، تحمست لقراءة الفصل
الثالث بأمانة لانه البارت مختوم ناري اذاً بانتظارنا هنا حاجة
فخمة جوجو1 ، بداية رهيبة فعلاً وصفك للجو يلي هو الجو المفضل
عندي كمان ، اوه الاسوارة الوردية يلي تكلمت عنها بأول فصل
أتذكرها ، اتخيل انها من خرز وشكلها هيك لطيف ، كمان مشهد
تذكرهم للماضي والطفولة جميل ش2 ، بس المقطع يلي بعده يتكلم
عن انه والده ما وافق وما شابه احس ما فهمت الفكرة والنقاش كله
، اوك بعد ما قرأت الجملة كمان مرة فهمت قصدها عن انهم سافروا
وانه كان بدها تروح معهم ، البنت تحمست بهذا الطلب عندها حياة
وعائلة وصغيرة شو بدها تروح تسافر مع عائلة الجيران ، فعلاً من
الحب ما عمى xd ، حبيت انك ادخلت عنوان الرواية بهذا النص
عن اكتمال لوحة الماضي ووصف مشاعرهم وأنه اخيراً تحقق حلمه
ورجع للوعد القديم ، كأنه وصل للحلقة الأخيرة المُنتظرة من سنين
كأن مشاعرهم أكبر من اعمارهم شكلهم لطيف :$
وشغلة انهم رجعوا يكلموا بعض بشكل عفوي بدون لوم وعتاب ومشاكل ، نقاء قلوبهم جميل جوجو1
للتو انتبهت انه هالفصل طالع بشكل ارتب لأنه الكلمات عليها حركات
في المشهد اللي بعده احس ضعت شوي هو كان تخيّل وكل هذا صار وهم واقفين في مرر الجامعة يتكلموا او انهم ما تكلموا اصلاً
بس تخيّل كل هذا وهو يشوفها واقفة من بعيد ، لكن طريقة
ايصالك لمشاعره جميلة ابدعت فعلاً ، في كلمة كتبتها خطأ
واعداً إياها* ، وصلتني بهذا المقطع فكرة اكبر عن شخصية رنا
لان كل الكلام بالفصول الماضي يشرح شخصية أحمد اللي احسه
هادئ ومنعزل وما احس شخصيته قوية بأمانة ، جذبتني شخصية رنا أكثر ، واحمد هنا ضحكني كيف اخذ الامور بشخصية وغيرة
انه بده ياها تثق فيه اكثر من صديقاتها البنات،
طبعاً البنات غير دولور2 ، واللي يضحك اكثر لما قال عنها حالتها صعبة
كأنه نسي حاله هذا البني آدم، وقت سألت بدور عن طبيعة العلاقة
بينهم وقالت له كيف كانت رنا تتكلم عنه ، كان مشهد غريب ما فهمته
من ناحية لما قالت متأكدة انه حيرجع يوماً ما ، هو كان راجع من وقت
وهي كانت عارفته ف ليه ما بادرت بمقابلته وانتظرت صدفة مثل اللي صارت بأول فصل ، الفقرة الختامية بالفصل واضح وراها شي
حيغيّر مسار الفصول الجاية ، ممكن صديق او ممكن اكثر
ما عندي توقع صراحة بس عندي فضول لاشوف شو حيصير
الفصول الجاية وبحاول ان شاء الله اتماشى مع وقت تنزيلك واقرأ وارد اول بأول ، كان فصل رهيب فعلاً وغني بالتشبيهات المبهرة
يعطيك العافية ، في امان الله.​
 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:

إنضم
7 مايو 2019
رقم العضوية
9955
المشاركات
3,893
مستوى التفاعل
4,217
النقاط
494
أوسمتــي
2
الإقامة
كوكب بلوتو ♇
توناتي
1,355
الجنس
ذكر
LV
0
 



5DViJsx.png

@Fear

- لَوحَة -
الفَصلُ الرابع


وسط هذا الظلام والهدوئ المعتاد كانَ هُنالكَ صوتٌ بعيدٌ إشتاقتْ أُذنايَ لِسماعهِ .. تملّكني الفضولُ لِأعرِفَ مصدر هذا الصوت المألوف ..

فتحتُ عينايَ ببطئٍ مقاوماً ثُقلَ جفناي لأراهُ واقفاً على صدري وهوَ يتأملُ وجهي منتظراً إستيقاظي كالمعتاد .. إنّه ببغائي الصغير "نَغم"!
نسيتُ بأنني أعدتُه الى غرفتي البارحة .. كنتُ مضطراً لتركه في المطبخ بعد أن كان يُزعجُني بغنائهِ ورقصه فترة الإمتحانات ..
فلذلك أسميته "نغم" .. كان دائماً ما يقف قُرب أُذني صباحاً وهو يُرنّم أنغامه ويهز برأسه متفاعلاً من إيقاع سيمفونيته ليوقِظَني .. إذ كان يكره أن يُتركَ وحيداً ..
كم إشتقتُ له ولإزعاجاته ولتلك الريشة على رأسه والتي تُميّز ببغائات "الكوكتيل" عن غيرها من الطيور ..
ترتفع هذه الريشة عندما يشعر هذا الببغاء بالتوتر أو الخوف أو الحزن .. يالها من طيور نقية لا تملك ما تخفيه بتلك الريشة التي تفضح ما في داخلها ..

بسطتُ له كفّي ليقف عليه ثُمَّ وضعتهُ على الحامل الخشبي القديم .. مسحتُ على رأسه بهدوئ مبتسماً ثم إتجهتُ الى المطبخ لِأُحَضِّرَ الفُطورَ لي ..
لم أُكمل نزولَ الدرج حتى أوقَفَني حضورُ طيف تلكَ الصورة لتتحول بسمتي الى عُبُوسٍ وتَجَهُّمٍ ..
دخلتُ المطبخ وجلستُ على كرسي الطاولة والتوترِ يُسيطِرُ على نفسي وفي كُلِّ نبضةٍ أشعرُ بأطرافي تُؤلِمُني ..
لا أملكُ من القوةِ لِأفتحَ حِسابها وأرى الصورةَ مرةً أُخرى .. فحقاً أكاد أنهارُ في كل مرةٍ تزور فيها مُخيلَتي .. ويلتهب قلبي وأضلاعي بتلكَ الفكرةِ المؤلمة ..
لا أحتملُ تخيلها مع أحدٍ غيري .. إنها ملكي! .. لي وحدي مُذ كُنّا صغاراً .. فَلِما الآن أراها مبتسمةٌ مع ذلك الدخيل الغريب؟..
ربما تعتبرني شخصاً عادياً بعد كُلِّ تلك السنوات!.. أمعقولٌ أنّها نستني؟! اوه بالطبع ستنساكَ أيُها الأحمق وسيسكنُ قلبها مَنْ هوَ أجدرُ بهِ مِنّكَ ..
فعندما تَهمِلُ زهرَتَكَ الصغيرة سيأتي من يرويها حتى تُزهِرَ لهُ ..
كيف تجرأتُ بأن أظنَّ أنّها لاتزالُ تُحِبُني!.. رُبما كانتْ تقصد فارساً آخر بتلك الأشعار التي تكتُبها .. فحتى صديقاتها لا يعرفنَ ماهية ذلك الفارس ..
أو رُبما كانتْ خطةً من صديقاتها ليدعنني أظنُّ بأنّها لا زالتْ تُحبني!.. لكن ما هدفها من ذلك إنْ كانت تملك شخصاً آخر؟! لِما لا تكتفي به؟..
أشعر بالخجلِ من نفسي حقاً لأنني قلتُ لها "انا معكِ .. ولن اترككِ ثانيةً" ..

قاطع تفكيري صوت طرقٍ على الباب الخارجي .. نهظتُ من الكرسي متجهاً نحوه فرأيتُ أبي يسبقني لفتحه .. تذكرتُ بأنَّ اليومّ هو يومُ إجازته .. عُدتُ الى مكاني بهدوئ وكأنني جسدٌ بِلا روح ..
مهلاً لحظة .. لِما كُلُّ هذا التفكير؟! لمْ أصل لهذهِ المرحلةِ من قبل .. يجب أن أجد حلّاً لهذه العادة السيئة .. التقكير المفرط .. فربما يكون سوءُ فهمٍ ..
من الممكن أن يكون أحد أقاربها أو ما شابه .. وهي لا تزالُ ترتدي تلك الإسوارة .. سأسألها .. نعم سأسألُها في لقائنا القادم ..

أخبرني ابي بأنّ الطارق إبنُ الجيران وهو يريدني في أمرٍ مهم .. من قدْ يأتي في هذا الصباح الباكر ليتحدث معي؟
لم أسأله عن هوية هذا الجار كوني كنتُ مشغول البال .. ذهبتُ وأنا أتمشى ببطئٍ غارقاً بهذا البحر العميق من التفكير ..
عندما وصلتُ الى الباب رأيتُ ذلك الرجل الطويل ذو اللحية الكثيفة وهو يتأمل في حديقتنا الخارجية ..
ادار رأسه نحوي ليستقبلني بأبتسامته المعتادة .. إنه زيد أخو رنا!:

-أهلا!.. كيف حالُك .. أحمد
-أهلاً وسهلاً بكَ! .. أنا بخيرٍ الحمد لله ..
-مبروكٌ تحقيقُكَ لحلمك .. أعرف بأنها تهنئةٌ مُتأخِرة لكن وجبَ قولُها ..
-أشكُرُكَ على ذلك .. فلا مُشكلة إن كانت مُتأخِرة المهم إنكَ ذَكَرتَني ..
-أعتقد إنها تهنئةٌ باكرةٌ جداً لأنها وصلتكَ في هذا الصباح الباكر "أكملَ قائلاً وهو يضحك" أعتذرُ عن ذلكَ ..

بادلتهُ الإبتسامة وقلتُ مُهوِّناً:
-لا بأس .. فقد كنتُ مُستيقظاً لإذهبَ الى الجامعة ..

نظرَ إليَّ لِعدةِ ثوانٍ وقالَ بتلك الإبتسامة:
-إنَّ الوقتَ لسريعٌ حقاً! فكأنّها البارحة عندما كنتَ تعودُ منَ المدرسةِ ليلاً لنسمع صوت والديك وهما يُوبِخانكَ على تأخُرِكَ ..

ضحكتُ لتذكره ذلك الموقف:
-نعم لقد مرّ الوقتُ سريعاً حتى إنني لمْ أشعر به "قلتُ ضاحكاً" وكان والِدُاكَ دائماً ما يُخَبِئُاني في بيتكم عندما أهربُ من والدي بعد كلِّ مُصيبةٍ أقعُ فيها .. رحِمَهُما الله كم كانا طيبين ..

قال بنبرةٍ هادئة بحزنٍ خالطَ بسمته:
-نعم .. رغم عملي الآن في شركة مبيعات مرموقة لكنّي أشتاقُ لتلك الأيام .. كانتْ كأنّها حلمٌ لطيفٌ لا ينبغي له أنْ ينتهي .. أتمنى لو كان بأمكاني العودةُ بالزمن لِأعيشَ فيه بقيةَ حياتي ..
-وأنا أيضاً! لقد كبرنا بسرعة .. دخلنا الأعدادية وإنشغلنا بصروف الدهر حتى مرَّت فترةُ الإمتحاناتِ الوزارية .. حمداً لله أنّها مرّتْ على خيرٍ..
-لقد علمتُ بأنَّ اسئلةَ هذا العام كانت صعبة!
-صحيح .. كانت على غير العادة .. لا أعلم كيف حصلتُ على هذا المعدل ..
-أنت فعلاً مُذهل لتحقيقك هذه النتيجة بعد كل ذلك!

قلتُ بتواضع:
-حقاً لمْ أقمْ بشيءٍ يُذكر! لكن أشكُرُكَ على إيصالك لي يوم إمتحان الرياضيات!
-لا داعي للشُكر! فَلَمْ أكنْ لِألحظكَ لو لم تُخبرني رنا بأن أتوقف ..
-ماذا؟ "إتسعَ بؤبؤي وقلتُ مُستغرِباً" رنا أخبرتكَ بذلك؟!
-أجل .. كنتُ أقود مسرعاً حتى أفزعني صوتها وهي تطلب مني التوقف فوراً ..
-.......
-أستطيع تفّهُّمَ ذلك .. فأنتما كنتما أقرب للأخوين من الصديقين .. كنتما دائماً معاً حتى أصبح من غير المألوف أنْ نرى أحدكما يلعب دون الآخر ..
-ذكرياتٌ رائعة .. أنا ممتنٌ لأنها قضتْ ذلك الوقتَ معي ..
-أذكرُ يومَ كنتَ تحاول حمايتها من ذلك الكلب الأسود ذو الرقعة البيضاء الذي كان يُرعبُ كلَّ أطفالِ المِنطقةِ .. كنتَ ممسكً بغُصنِ شجرةٍ محاولاً إبعاد الكلب والخوف ظاهرٌ على وجهك الغارق بالدموع .. هرعتُ لإنقاذكما بعد أنْ كاد يهاجمكما ..
-أوه كم كان يوماً مرعباً! "قلتُ شاكراً" لولا حمايَتُكَ لنا يومها لما عُدنا سالميّن ..

إبتَسَمَ بهدوئ ثمَّ إختفت تلكَ الإبتسامةُ من على وجهه لِيقولَ بنبرتٍ أكثر جدية:
-لكن .. ليس كلُ شيئٍ سيستمر الى الأبد .. أتتفق معي في ذلك؟

نظرتُ له بإستغراب بعد أن ساد الصمتُ لِعِدةِ ثوانٍ ثُمَّ قلت:
-لمْ تأتي الى هنا اليوم لتُهَنئني فقط .. أليسَ كذلك ؟!
-حسناً .. لقد وصلتني أخبارٌ بأنّكَ ورنا تلتقيان كثيراً في الجامعة وتقضيان الكثيرَ مِنَ الوقت معاً .. أليس كذلك؟!
-من أخبركَ بذلك؟
-ليس مهماً من أخبرني .. أُريد أن أعرف إن كان ذلكَ صحيحاً أم لا..

أنزلتُ رأسي وثَنَيتُ شَفَتاي وقلتُ معترفاً:
-لا أعرفُ ماذا أقول .. لكن لا أستطيعُ أن أُنكِرَ ذلك ..

نظرَ اليّ بهدوئٍ مريب لعدةِ ثوانٍ ثم قال:
-أستطيعُ تفهّم بأنّكما أصدقاءُ طفولةٍ ولديكما الكثيرُ من الذكريات المشتركة .. لكن رنا لم تعد تلك الطفلة الصغيرة التي يُمكنك التكلم معها والتجول بحريةٍ كما السابق .. فهي الأن في الجامعة وما تفعله قد يضرُّ بسمعتها ..
-لكنني لمْ أفعل شيئاً خاطئاً!

نظرَ أليّ بجديةٍ أكثر وقال بنبرةٍ خالطها الغضب:
-التسكع مع فتاةٍ لا تقربُ منكَ شيئاً والتحدث معها في مواضيعٍ لا ربطَ لها في الدراسة أمام الناس سيكون أكبر مُفسدٍ لها ولسمعتها .. وخصوصاً بأن تلك الفتاة هي أُختي ..
-........
-لستَ وحدكَ .. فحتى رنا تتحمس عِندَ ذِكر إسمك .. أتعرف بأنني الآن يجب أن الكُمكَ بقوةٍ لذلك!

شعرتُ بأنزعاج ٍمن طريقةِ كلامه لكن لم أجد ما أقوله .. فهي شقيقته في النهاية .. خالط الإرباكُ تفكيري وقلت:
-حسناً يا زيد .. لا تُسئ فهمي .. فأنا لا أنوي شراً برنا .. تعرفُ جيداً بأنني أعتبرها مثل أختي ول....
-إسمع يا أحمد .. إنْ سمعتُ بأنّكَ إقتربتَ من رنا مرةً أُخرى أُقسِمُ بأنني سأفعلُ شيئاً لن يُعجِبك .. إعتبرهُ تحذيراً أخيراً ..

أنهى الكلام وإنصرفَ بسرعةٍ ولم يترك لي فرصةً للتوضيح .. أغلقتُ البابَ بهدوئٍ لأفتحَ بابً آخر من الأفكارُ في رأسي حتى إزدادتْ زحمةً وثقلاً ..
لِمَ حدّثني بتلك النبرةِ الصارمة؟! كانت شخصيته في الماضي تتميزُ بالحُلُم والهدوئ .. فماذا جرى الآن؟!
ومن أخبرهُ بموضوع حديثنا أنا ورنا؟! فزيد ظنّ بأننا نتكلم كثيراً في الجامعة .. لكنني تكلمتُ معها البارحةَ فقط! بغض النظر عن هوية من أخبره فلا شكَ بأنّهُ ينوي شرّاً ..
بالأضافةِ أنَّ لِقائنا أنا ورنا لم يَكُنْ صُدفة! فزيد قالَ بأنَّ رنا هي من أخبرته بالتوقف ليوصلني .. أذلكَ يعني بأنّها كانت دائماً ما تراني فترة الإمتحانات؟
إذاً هي لمْ تنسني! بل لازالت تتذَكَرُني وإلا لَما طلبتْ من أخيها التوقف! خصوصاً بعد ما قاله زيد عن تحمسها عند ذكر إسمي ..
لكن مهلاً لحظة .. لو كان لقائنا من صُنع رنا .. فربما تعمدتْ أنْ ترتدي تلك الإسوارة لجعلي أظنُّ بأنّي لا أزالُ موجوداً في ذاكرتها! لكن لو كانَ ذلكَ صحيحاً فما مصلحتها من ذلك؟
بعد التفكير في الأمر .. لمْ تُخبِرني أبداً بأنها تُحِبُني منذ لقائنا .. بل لمْ تَقُل أي شيءٍ يدلُّ على حُبِها لي! حتى أنا لمْ أخبرها بأنني أُحِبُها .. فربما تعتبرني شخصاً عادياً لا أكثر .. مجردُ شخصٍ شاركها يوماً طفولتها ثُمَّ إختفى فجأة ..
لا أعرف إن كان ذلكَ صواباً لكن أعتقدُ بأنَّهُ يجبُ عليَّ الإبتعاد عنها بما أننا لمْ نصلْ لتلكَ المرحلة .. وأتمنى أن تتقبل رنا ذلك .. بل أتمنى أنْ تتقبل نفسي ذلك ..

إنتبهتُ للساعة وقد كنتُ مُتأخراً .. بدّلتُ ملابسي بسرعة وذهبتُ الى الجامعة غارقاً في أعماقِ تلكَ الأفكار .. بعدَ أنْ وصلتُ دخلتُ مُسرِعاً الى المحاضرة ولِحُسنِ الحظ لمْ يكُنْ الدكتورُ موجوداً ..
حَضِرتُ مُحاضرتين ولمْ أشعر بالوقت حتى سمعتُ الدكتور يودّع الطلاب بعد نهاية المحاضرة الثانية .. سألني صديقي آدم عن سبب شرودي فأجبته مُطمئِناً:
-أنا بخير شكراً لسؤالك ..
-لا تُخفِ عنّي شيئاً .. قد أستطيع مساعدتك .. أو أقلّها قد يخفف ذلك عنك ..

سكتتُ لِعِدةِ ثوانٍ وأنا أنظر لعينيّه بتلك الإبتسامة المُصطنعة لِأُبيّنَ له بأنني لا أستطيعُ قولَ شيئٍ الآن .. فَهِمَ مَقصدي وقال:
-لنْ أضغطَ عليك فأنتَ دائماً ما كنتَ تُحِبُ الكِتمان .. لكن إن أحببتَ أن تبوح ما في داخلكَ فأنا موجود .. فللكتمان حُدود ..
-حسناً .. شكراً لكلامك "قلتُ ضاحِكاً" لمْ أعهدكَ لطيفاً هكذا ..

بانتْ ملامحُ الخَجَلِ على وجهه ثمَّ ضرب كتفي وقال:
-هذهِ هي شخصيتي مع من يُهِمُني أمرهُ.. ويا أيها الأحمق لا تَقُل "شُكراً" مرّةً أُخرى وإلا حَطَّمتُ كتفك! .. فلا شُكرَ بين الأصحاب ..

نظرتُ إليه شزراً ثُمَّ قُلتُ مُتحدياً:
-هذهِ هي طريقتي في الشُكر وسأبقى أستعمِلُها الى الأبد ومع الكُل ..
-إستعملها معي وستفقدُ كَتِفَكَ ..
-ما بالُكَ مع كتفي!


بعدَ مرورِ عِدةِ دقائق نهظتُ من مكاني وإتجهتُ الى المجموعة الأُخرى .. لا أعلمُ لِما ساقتني قدمايَ لها ..
فهُنالِكَ إرادةٌ طغتْ على إرادتي حتى باتت هي المُتحكم في جسدي .. كان قلبي يبحثُ عن ظالته .. على أملِ لِقائها رغم محاولة عقلي منعي من الذهاب ..
كانتْ عينايَّ تتجاهل كُلَّ من سواها باحثةً عنها .. كنتُ أريدُ رؤيتها فقط .. لِمَ لمْ تكنْ موجودة؟! ألمْ تأتي اليوم؟ أشعرُ بأنّ زيد فعل شيئاً لها ..
أتمنى أنْ تكونَ بخير .. لا أُريدُ أنْ أكونَ سبباً في أذيّتها ..

بعد عودتي الى القاعة أوقفتني "سارة" البنتُ المتميزة في مجموعتنا .. المعروفةُ بحبها للدراسة وشغفها الشديد بتخصصها إذ كان هو حُلمُ طفولتها .. صِفَتُها البارزة إبتسامتها المتميزة وإيجابيتها الفريدة .. بعد تبادل أطراف الحديث قالتْ:
-لديّ طلبٌ بسيط ..
-لا مشكلة!.. أُطلُبي ..
-قبلَ قليلٍ كَتَبَ الدكتور مجموعةً مِن الأمثِلة ثمَّ مَسَحها بسرعة .. لمْ يستطعْ أحدٌ كتابتها بسبب .. لكنني رأيتُكَ وأنتَ قد كتبتها قبل أن يمسها الدكتور .. أيمكنُكَ أن تُعيرني إياها وسأُعِيدُها لكَ غداً!

تعجبتُ مِنْ كلامها فأنا لا أذكرُ بأنني كتبتُ شيئاً .. بل لا أذكرُ ما كتبه الدكتور أصلاً فقد كان عقلي وروحي في مكانٍ آخرَ تماماً .. قلتُ مُستغرباً:
-أنا؟ كتبتُ الأمثلة؟

رفعتْ أحد حاجبيها مٌستغرِبةً وقالتْ ضاحِكةً:
-أجل! لقد رأيتُكَ وأنتَ تَكتُبها .. هل فقدتْ الذاكرة بهذه السرعة؟!

أمعقولٌ بأنني كنتُ أكتب دون وعي! بعد التفكير في الأمر .. أذكرُ بأنّ يدي كانتْ مشغولة بشيءٍ أثناء غرقي في ذلكَ المحيط .. فتحتُ الدفتر الذي في يدي لأرى كُلَّ تِلكَ الأمثِلةِ التي تكلمتْ سارة عنها موجودة! قلتُ مُتفاجئاً:
-هذه هي! لقد كَتبتُها حقاً!

نظرتْ سارة اليّ بإبتسامتها المعتادة التي خالطها الإستغراب ثمَّ ضَحِكَتْ بشدة وقالتْ:
-لقد نسيتَ نفسكَ حقاً!.. "أكملتْ بنفس النبرة" نظراتُكَ مُضحِكةٌ ومليئة بالظرافة ..

ضكتُ أنا أيضاً من هذا الموقف ثُمَّ أعطيتُها الدفتر .. شكرتني وهي تُحاولُ إخفاء ضكتها بصعوبة ثمَّ وَدّعتني .. رُغمَ ظرافة الموقف لكن ذلك الإحساسُ هَيمنَ عليَّ لِيُعيدَني الى واقعي .. مُتألِماً مِنَ النَظَرِ في لوحَتِنا التي إزدادتْ بُهتاناً وسواداً لِتعودَ كما كانتْ مِنْ قبل .. عادَ إحساسُ الضياعِ إليّ بعدَ تلاشي تِلكَ القطعة التي ظننتُ بأنني وَجَدتُها أخيراً .. كم أشتاقُ لها الآن ..

تسارعتْ دقاتُ قلبي وإنقطعتْ أنفاسي لوهلةٍ بعد أن وَجَدَتْ عينايَ مُبتغاها ليتسع بؤبؤي مُتأملاً في عينيها الغاضبتين .. مُتَناقِلاً بينَ الفرح للقائها والإستغراب من نظراتها الغاضبة التي توجهها نحوي ..
ما الأمر؟ لِما تلكَ النظراتْ؟ إبتسمتُ عِندَ رؤيتها ثُمَّ إتجهتُ نحوها .. أدارتْ وجهها عنّي ثمَّ خَرَجَتْ مِنَ القاعةِ مُسرعةً دونَ أنْ تَنطقَ بحرفٍ .. مالذي يجري؟ لماذا ذهبتْ رنا؟
ركضتُ لِألحقَ بها .. لا اريدُ أنْ أفقِدهُا مرّةً أخرى .. لكنها كانتْ قد إختفتْ سلفاً .. بقيتُ واقفاً لِعدةِ لحظاتٍ بعد أنْ تلاشى هذا الأمل ومرّةً أُخرى كنتُ غبياً وخسرته ..
لِما كانت تنظر اليّ بتلك النظرات الغاضبة؟ أفعلتُ شيئاً خاطئاً؟ أمعقولٌ أنَّ زيد قال لها شيئاً عنّي؟ لابُدَّ لي أن أعرفَ السبب .. لكنْ الحمدُ لله أنّها بخيرٍ ..
عُدتُ الى البيتِ ثُمَّ جلستُ على سريري أُفَكِرُ بكُلِّ ما حَدث .. بعدَ أنْ عِشتُ في حُلمٍ لطيفٍ لفترة قصيرة .. خِفتُ أنْ أستيقظَ منهُ فَزِعاً باحثاً عنكِ .. لكنّهُ كان أقربَ الى الواقع ليكون حلماً .. سَعِدتُ لذلكَ وكنتُ مُستعداً لتحدي العالم بأسره لأحصلَ عليكِ .. ثمَّ صَدَمَني القدر ليوقِعَني من أعلى طموحي فأستيقظُ باحثاً عنكِ كما السابق .. وكأنّه يتلاعبُ بِنا ..


بعدَ مرور إسبوعٍ من هذا الموقف لمْ أرها أبداً .. لمْ تكنْ تأتي الى الجامعة .. كان ذلكَ آخِرُ لقاءٍ بيننا .. كم إنَّ ذلك مُحبط .. أُريدُ رؤيتكِ مرّةً أُخرى .. لديَّ الكثيرُ لأسألكِ بشأنه .. من ذلكَ الغبي الذي تقفينَ بقربه .. ولماذا كُنتِ غاضبةً مني اليوم؟ لِما حالَ كلُّ شيءٍ دون لقائنا .. لِما يُصرّ القدر على فِراقنا فأنا حقاً لا أحتملُ خسارتكِ مرةً أُخرى ..
مهلاً لحظة .. رُبما هذا أفضل لها .. لديها منْ تُحِبهُ أساساً .. سعيدةٌ في حياتها وقد دخلتْ حياتها الجامعية لتبدأَ حياةً جديدة بعيداً عن الماضي .. لِما لا أزالُ أنا متمسكاً بهِ؟ فهي قد تخطته وأكملتْ حياتها .. يجبُ عليَّ الإبتعادُ عنها كما قال زيد .. فذلكَ أفضلُ لها .. نعم سأفعلُ ذلك .. أشعرُ وكأنّي أُخادعُ نفسي بتلك الفكرة .. أمعقولٌ بأنني ورنا لنْ نلتقي مرةً أُخرى؟! عادت المتاهةُ لِتُجَسِدَ جُدرانها وتُثبتْ أبوابها لِتكون أعمق من السابق وأكثرَ ظُلمةً ووحشة ..

نمتُ بعمقٍ دون أن أشعر لأستيقظَ الساعة الثالثة صباحاً مِنَ اليوم التالي وقد زاد التفكير ثُقلَ جسدي أثناء محاولتي الوقوف .. لمْ آكل أو أشرب شيئاً منذ البارحة .. أشعرُ بتعبٍ وخمولٍ شديدين ..
غسلتُ وجهي وصلّيتُ الفجر طالباً مِنَ الله أنْ يُقوي قلبي لينطق لساني بما لمْ يجرؤ قلبي على نطقه بأن يكتبها الله من نصيبي فهو الذي إذا أرادَ شيئاً أنْ يقولَ لهُ كُنْ فيكون ..
وقعتْ عيني على قُصاصةٍ قد علّقتُها في فترة السادس الإعدادي على باب غرفتي مضمونها "إنَّ ما تُعَدونَ لآتٍ" لِأنهارَ بعد قراءتها باكياً سائلاً الله عن ذلك الوعد الذي تأخر ..

أشرقتْ الشمسُ وأنارتْ قلبَ السماء ونشرتْ جدائِلها الذهبية لتمرَّ خلال زجاج النافذة .. عادَ الصباحُ مُعلِناً بدايةَ يومٍ جديدٍ .. بدَّلتُ ملابسي ثُمَّ ذهبتُ الى الجامعة مُسايراً هذا الروتين الرهيب .. أسيرُ قُربَ مبنى الجامعة المركزي وأنا أُتأملُ السماء التي غطتها الغيوم الرمادية حتى أخفتْ زُرقتها لِتُضيفَ تلكَ اللمسة الباهتة الى الأبنيةِ وصوت مرور الرياح خلال أوراق الأشجار لِتُحرِكها ..
ناداني صوتٌ مألوفٌ من الخلف .. عندما إستدرتُ رأيتُ بدور التي كانتْ واقفةً بثبات وهي تنظرُ اليَّ بنظراتٍ حزينة قائِلة:
-رنا .. إنَّ رنا تحتاجك!

تفاجئتُ من كلامها ومن تلك النظرات الحزينة التي على وجهها .. إزدادتْ حيرتي من غرابة الموقف .. كيف تحتاجُني رنا وهي التي ذهبتْ وتركتني؟ كيف تحتاجُني وهي تملك ما هو أثمنُ منّي؟ كيف تحتاجُني وهي بحالٍ أفضل من حالي؟
كبحتُ كُلَّ ما مرَّ بخاطري مقاوماً عدم طرح هذه الأسئلة للمحافظة على صورتي الهادئة .. قلتُ مُستغرباً:
-لماذا تحتاجُني؟

نظرتْ بدور اليَّ مقاومةً دموعها وهي تقطب حاجبيها بحزن قائلةً:
-كم أنتَ أحمق .. أحقاً لا تعرف ماذا يحدث معها؟
-لا .. لا أعرفُ شيئاً .. فَلمْ أرها منذُ فترة ..
-إنّها تعيشُ الجحيم يومياً "قالتْ والدموعُ تسيلُ على خديها" كيف تتركها بهذه الحالة؟

مالذي تقوله هذه الفتاة؟ ماذا تقصد بأنها تعيشُ الجحيم؟ مالذي يحدث؟.. لا أُريدُ أنْ أُظهِرَ قلقي لها الآن .. رغم توتري في هذه اللحظة قلتُ بكبرياءٍ ركيك:
-لمْ أتركها .. بل هي من تركتني .. ذهبتْ مُسرِعة ولم تُحدِّثني من يومها ..

ظهرتْ معالم الغضب على وجهها ثُمَّ قالتْ وهي تمسح دموعها:
-لا يا أيها الغبي ..ألمْ تسألها عن سبب غضبها؟ غضِبَتْ مِنكَ لِأنّها رأتك تُكلم تلكَ التافهة ..
-من تقصدين؟ سارة؟
-نعم تلك المقززة .. غضبتْ عِندما رأتكَ تضحك وأنتَ تُحدِثُها ..
-........
-كانتْ تهذي بأسمك طوال هذا الإسبوع وهي تنتظرُ قدومك ..
-لا أستطيع ..
-ماذا؟

صرختُ قائلاً:
-لا أستطيعُ رُؤيتها!
-لماذا؟
-لنفس سببها ..
-عن ماذا تتحدث؟..

سكتتُ لِعدةِ ثوانٍ وأنا أنظرُ لها بهدوئ .. لا أُريدها أنْ تعلم بأنني منزعج من موضوع الصورة .. وبأنّ زيد مُنزعج من كلامي معها .. وأنني لا أُريدُ أن أتعلق برنا أكثر .. أكملتْ بدور قائلة:
-إنها تحتاجك ..
-........
-أرجوك "إنهمرت دموعها بغزارةٍ" إفعل شيئاً .. يجب أن تذهبْ لتراها!


بعد أنْ رأيتُ النظرات الجدية على وجه بدور وحزنها الشديد إزداد الفضولُ بداخلي لِأعلم سبب بكائها .. هل حدثَ شيئٌ لرنا؟ لماذا تحتاجني أنا بالذات؟
لا أُنكِرُ شعورَ السعادةِ الطفيف الذي حاولتُ مقاومته .. فقد علمتُ سببَ غضبها! بالإضافةِ أنّها تحتاجني .. لا أعلم لماذا لكن المهم إنّها تذكُرُني!..
بعد أنْ أنهيتُ كلَّ مُحاضرات اليوم عُدتُ الى البيت .. وقفتُ بباب بيتنا لعدةِ دقائق وأنا أنظرُ لبيت رنا بإرتباكٍ وتردد بين الذهاب أم العودة .. كيف سألقاها بعدَ كُلِّ هذه المدة .. هل ستستقبلُني؟
لقد التقينا بعد 10 سنوات من الفراق .. إسبوعٌ واحد ليسَ شيئا يُذكر! .. لكن اللقاء بعد مرور هذا الإسبوع أصعب من ذلك .. فهنالك الكثير الذي يجب توضيحه!..

مشيتُ حتى وصلتُ الى باب بيتها .. أأطرقُ الباب أم أذهب؟ كيفَ ستستقبِلُني؟ ماذا ستفعل حين تراني؟
هل ستفرح حقاً؟ هل حقاً هي تحتاجني أصلاً؟ أم ستغضب وتغلق الباب في وجهي؟ لا أعرف ..
ماذا عن زيد؟ سيغضب كثيراً عندما يراني هنا؟ ماذا سأفعل إنْ هوَ فتحَ الباب؟
مهلاً! قالَ بأنّهُ يعمل في شركةِ مبيعات .. ينتهي عمل مُعظم الشركات في الساعة 2 ظهراً ..
نظرتُ الى الساعة التي في هاتفي وقد كانتْ 12:34 .. لا بُدَّ بأنّهُ لا يزالُ في العمل .. إستجمعتُ قوايَ وطرقتُ الباب بقوةٍ أكثر من اللازم بسبب توتري المفرط ..
لقد طرقتهُ حقاً .. يجب أنْ أستعدَ الآن لكُلِّ ما سيحدُث .. إنتظرتُ لِعدةِ دقائق لكن لمْ يأتِ أحد .. أمعقولٌ بأن رنا ليستْ موجودة؟
بعد التفكير في الأمر فأنا لم أسأل بدور عن مكانها .. رُبما قد ذهبتْ عند أحد أقاربها أو أي مكانٍ آخر ..

تدفق الإحباطُ الى قلبي وأدرتُ ظهري لِأعودَ الى البيت .. سمعتُ أصواتْ خطواتٍ ثقيلة تقتربُ مِنَ الباب ببطئٍ شديد ..
عُدتُ الى الباب مع تسارُعِ دقات قلبي والتوتر شوش نظري لحظتها .. لا أعلم ماذا سأفعل إن كان صاحب هذه الخطوات هو زيد ..
حتى وإن كانت رنا .. فماذا سأقولُ لها .. لا يُهم .. أُريدُ رؤيتها فقط .. إشتقتُ لتلك العينين البُنيتين وهما يتأملاني بشغف ..
إشتقتُ لتلك الإبتسامة التي كنتُ أعيشُ يومي كاملاً على أملِ صُنعها لِأتأملَ تلكَ الغمازة على خدكِ .. طموحي الآن باتَ رؤيتكِ فقط ..

فُتِحَ الباب لِأراكِ أنتِ .. نعم إنها أنتِ .. لكنْ .. صُعِقتُ عندما رأيتُ تلك العينين التي عشقتهما وقد كانتا على غير عادتهما ..
لماذا توجد تلك الكدمة الزرقاء حول عينكِ؟ لِما تلك الشفتين مجروحتين؟ ما بالُ هذا الوجه الذي ألفته مملوئٌ بكُلِّ تلك الكدمات والجروح؟!



.. يتبع ..

 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:

إنضم
7 مايو 2019
رقم العضوية
9955
المشاركات
3,893
مستوى التفاعل
4,217
النقاط
494
أوسمتــي
2
الإقامة
كوكب بلوتو ♇
توناتي
1,355
الجنس
ذكر
LV
0
 

- لَوحَة -
الفَصلُ الخامس


فُتِحَ الباب لِأراكِ أنتِ .. نعم إنها أنتِ .. لكنْ .. صُعِقتُ عندما رأيتُ تلك العينين التي عشقتهما وقد كانتا على غير عادتهما ..

لماذا توجد تلك الكدمة الزرقاء حول عينكِ؟ لِما تلك الشفتين مجروحتين؟ ما بالُ هذا الوجه الذي ألفته مملوئٌ بكُلِّ تلك الكدمات والجروح؟!

فزِعتْ رنا عندما رأتني ثمَّ إختبأتْ خلفَ الباب وكادتْ تُغلقه .. هرعتُ لِأمنعها فقلتُ بصوتٍ عالٍ:
-لحظة! لا تُغلقي الباب ..
-لماذا أتيت؟
-مَنْ فعلَ بكِ هذا؟!
-..........
-لا تختبئي منّي!..
-أحمد .. إذهب من هنا .. لا أُريدكَ أن تراني بهذه الحال ..
-أُحِبُ أن أراكِ بِكُلِّ حالاتك .. فأنتِ أجملُ ما رأته عيناي ..
-لا تُجاملني ..
-هذهِ ليستْ بمجاملة .. بل هي الحقيقة ..
-..........
-أينَ كُنتِ طوال هذهِ المُدّة؟ .. لماذا لمْ تأتِ الى الجامعة؟ .. لِما تُشغلين قلبي وتُقلقينني هكذا؟ .. أخبريني مالذي يحدثُ معكِ!

بعد لحظاتٍ سادَ فيها الصمت على الموقف خرجتْ رنا من خلف الباب بخطواتها البطيئة ثُمَّ نظرتْ في عَينايَ بتلك النظرات الباهتة التي فقدتْ بريقها ..
شعرتُ بحُزنٍ عميقٍ يكادُ يُكسِّرُ أضلاعَ صدري عِندما نظرتُ في وجهها .. لمْ أكنْ أتخيل! بل كانتْ تلك الكدمات حقيقية!



في حديقة بيتِ رنا .. جلسنا على تلك الأرجوحة البيضاء الكبيرة .. أتاملُ شفتاكِ المجروحتين وهما تُحدثانني بنبرةٍ مُتعبة وهادئة:
-لا أستطيعُ نسيان ذلكَ الكابوس .. تلكَ الذكرى المشؤومة .. عِندما عادَ زيد الى البيت لوحدهِ مُلطّخ بالدماء .. لا أعرفُ إنْ كانَ قد حدثَ ذلكَ فعلاً أم كانَ مجرد حُلُمٍ سَيئ ..
-ماذا تقولين؟! رنا .. لا تتكلمي بالألغاز!

سكتتْ قليلاً ثُمَّ قالتْ:
-حسناً .. قبل 8 سنوات .. كنتُ أعيشُ أسعد أيامي مع والداي .. فقد كانا يُحبانني كثيراً .. نأكلُ معاً ونخرجُ معاً .. لمْ يُسيئا إليّ مُطلقاً .. ورغمَ ذلك كنتُ أتلقى جُلَّ الحقد والكره من أخي الأكبر .. زيد .. رغم أنّه كان يكبرني بكثير .. لكنّه لمْ يَكُنْ يُخفي كرههُ لي أبداً بل كان يتفننُ بإظهارهِ ..
-لكن لماذا؟! لماذا يكرَهُكِ زيد؟
-يعتبرني السبب الذي حرمه من حُب وحنان والداي ..
-ماذا؟ لكنّه كان في العشرين من عمره! لماذا قد يتأثر بذلك؟
-كان والدايَ عاجزيّنِ عن الإنجاب لعدة سنوات حتى رُزِقا بذلك المولود الذي أنار حياتهما .. كان مُتفرداً بوالداي قبل أنْ أُولد .. تلقى من الحنان والحب ما لمْ يحظى به أي طفلٍ بعمره .. حتى ولِدتُ أنا وسلبتُ منه كُلَّ أضواء الإهتمام والدلال عندما كان في الثانية عشر من عمره .. أعتقدُ بأنّهُ حَقِدَ عليّ من يومها .. فهذا الحرقُ الطفيف في يدي كانَ بسببه .. عندما إقتربتُ من إنبوب الماء الساخن في صِغري لكِنّه لمْ يمنعني ..
-لمْ أكنْ أعلم بذلك! فقد كان الحرقُ موجوداً عندما التقيتكِ في صِغَرِنا وظننته شيئاً طبيعياً!..

سكتتْ للحظات وهي تنظرُ اليَّ بنظراتِ حسرةٍ ثُمَّ أكملتْ:
-كان كُلّ شيئٍ بخير حتى جاء ذلك اليوم المشؤوم .. قبل 8 سنوات .. كنتُ مريضةً يومها .. رأيتُ زيد ووالدايَ يتجهزان للخروج .. سألتُ أبي عن مكان ذهابهم لكنّه لمْ يُجبني .. حضنني ثُمَّ قالَ بأنّها ستكون مُفاجئة وسيُخبِرُوني بها حالما يعودون .. قررنا إلتقاطَ صورةٍ جماعيةٍ للعائلةِ .. ثبَّتَ أبي الكامرة على الكرسي ثُمَّ إبتسمنا جميعاً .. كنتُ مُتعبةً جداً بسبب المرض حتى غفيتُ على كتف أبي .. حملني ووضعني على سريري .. لمحتهم وهم يخرجون برفقةِ زيد .. ثُمَّ غرقتُ بنومٍ عميق حتى إستيقظتُ ليلاً على صوتِ فتح الباب الخارجي .. فرحتُ كثيراً ثُمَّ نزلتُ بصعوبةٍ من الدرج مقاومةً آثار النوم وثُقل المرض وظُلمةَ البيت لِأركض بأتجاه أبي وأسأله عن المفاجئة .. لكنّه .. لمْ يكُنْ أبي! ..

تحولتْ نبرتها الى خوف وفزع حتى تسارعتْ أنفاسها .. نظرات الصدمة في وجهها واضحة .. لمْ يصعب عليَّ ملاحظة الخوف في عينيها وهي تقول قاطبةً شفتيها:
-كان .. كان زيد! يتمشى ببطئ وهو ينظر الى الأرض وملابسه مُلطخة بالدماء! "قالتْ وهي ترتجف" لمْ .. لمْ تُصدق عيناي ما تراه .. أينَ أبي؟ أينَ أُمي؟

إزدادتْ ذُعراً ثُمّ بدأتْ بالصراخ وهي تقول: "أبي .. اين أنت؟ ما هي المفاجئة؟ لماذا زيد عادَ وحده؟" .. شعرتُ بخوفها وفزعها الشديد وهي تُحدثني .. أمسكتُ بيدها مُحاولاً تهدأتها حتى تباطأتْ أنفاسُها لِتعود طبيعيةً .. لا أُصدقُ ذلكَ! .. إنْ كان ما سمعتهُ صحيحاً فذلكَ يعني .....

قاطعتْ تفكيري وهي تقول بعد أنْ عادتْ نبرَتُها هادئة:
-إتجه زيد الى المطبخ وجلس لوحده في عتمة الظلام .. وبعدها بقليل سمعتُ صوت بُكاءٍ شديد تلاه صوت صراخٍ هستيري وضربٍ قوي على الطاولة .. إقتربتُ منه ببطئ حتى لَمِحَني بتلك العينين الحمراوين .. بمجرد أنْ رآني حتى إزداد صوتُ بكائه وعويله .. حضنني بقوةٍ وهو يُردد في أُذني بصوتٍ خافتٍ مُرتجف: (لمْ تري شيء .. لمْ تسمعي شيء .. لا تقلقي .. أنا معك .. ولنْ أترُكَكِ أبداً .. سأحميك مِنْ هذا العالم .. أنتِ عائلتي الوحيدة) لمْ أكُنْ واعيةً لِما يحدث بسبب آثار المرض والنعاس الشديدين حتى إعتقدتُ بأنّهُ كابوس .. فأخي مِنَ المستحيلِ أن يحضنني .. مِنَ مُستحيلِ أنْ يقولَ هذا الكلام لي .. لا يجبُ أنْ يعودَ لوحدهِ دون والداي .. مُتأكدةٌ بأنني سأصحى قريباً وأجدهما بقربي .. قادني زيد الى السرير مرةً أُخرى لِأُكمِلَ نومي .. وبعدها بدقائق سمعتُ أصواتَ حفرٍ بالحديقة .. إستيقظتُ في صباح اليوم التالي على أصوات صراخ .. رأيتُ جميع أقاربي متجمعين في بيتنا وأصواتُ البُكاءِ والنحيب منتشرة في أرجاء البيت ومعهم رجالُ الشرطة الذين كانوا يحوطون البيت ليمنعوا الجيران والفضوليين من الدخول .. لقد وجدوا جُثَثَ والداي وهي مشوهةٌ بأداتٍ حادة والكدمات تغطي جسديهما المرميين في حاوية القمامة العامة التي في حيّنا ..

إتسعتْ عيني من أثر الصدمة وشعرتُ بحرارةٍ في رأسي وعنقي من الرهبة .. وضعتُ يدي على رأسي محاولاً إستيعابَ ما سمعته للتو .. قلتُ بإرتباك محاولاً السيطرة على فَزَعي:
-رنا! مالذي تقولينه؟!

قالتْ وهي تبكي بحرقة:
-لمْ أصدق ذلك! فوالدي واعدني بمفاجئة .. لِما الآن أراى الناس يُخرجونهما من تلك الحاوية؟.. هذا ليس عدلاً! أريدُ .. أريدُ أن أحضنهما مرةً أُخرى ..
-لحظة لحظة .. هذا يعني .. بأنَّ زيد .....
-لا! لا تقل ذلك! مستحيل .. مِنَ المستحيلِ أنْ يفعلها زيد "قالتْ والهلعُ لا يزالُ مسيطراً عليها" صحيحٌ أنّهُ يكرهني لكنّه لنْ يقتُلَ والدايَ أبداً فهو يحبهما .. نعم يحبهما وقد كان دائماً يُطيعهما ويُقدم الهدايا لهما .. حتى .. حتى إنهُ لمْ ينسهما حتى بعد وفاتهما .. ظلَّ يُداومُ على الذهاب لزيارة قبرهما .. نعم .. إنَّ زيد يُحِبُ أُمي وأبي ..

لمْ أنطق بكلمةٍ بعد ما سمعته .. واضحٌ بأنّها لا زالتْ مصدومة من ذلك اليوم .. وتحت أثر الصدمة نثر زيد كلماته التي جعلتها تتوه في صحة ذلكَ الموقف حتى إختلط عليها التصديق من عدمه .. فهي لا تزالُ تعتقدُ بأنّه لمْ يفعل شيء .. وكسائر الأقارب والجيران تعتقدُ بأنَّ القاتل مجهول .. لا تُريد تصديق تلك الحقيقة .. وخصوصاً فكرة أنّه فعل ذلك بسبب غيرته وحقده تجاهها .. لا تُريد أن تُفكر بأنّها هي السبب في موت والديها .. لا ألومها فما عاشته محزن .. بل مرعب .. لماذا لم أسمع بهذه الحادثة من قبل؟ لم يُخبرني أحدٌ من أهل الحي بها! وما قصة ذلك الحفر الذي سَمِعَتهُ رنا في الحديقة .. هل هذه الحديقة تُخفي شيئاً!

قالتْ رنا بعد أنْ هدأتْ:
-منذ ذلك الوقت وزيد يحاول أنْ يُعوضني عن والداي .. أصبحَ لي ذراعاً وسنداً حتى إنّه ترك عمله ليوصلني خلال فترة الإمتحانات .. لكنّه ولوهلةٍ يتذكر حقده تجاهي فيضربني بشدة حتى يهدئ .. صارَ يضربني لأتفه الأسباب .. فبعد أنْ عُدت الى المنزل قبل إسبوع كنتُ منزعجةً مِنْ موضوعٍ ما .. سألني زيد عن سبب هدوئي لكنّي لمْ أرغب بالحديث .. فبدأ يضربني بوحشية .. ومنعني من الذهاب الى الجامعة بدون سبب ..

لمْ أُكُنْ أعلمُ بأنَّ زيدٌ مُختل لهذه الدرجة .. ضربها ومنعها من الدراسة فقط لأنّها لم تخبرهُ بسبب إنزعاجها .. أمعقول بأن السبب .... لحظة! لا يمكن! يا إلهي .. يالي من أحمق ..
-رنا .. أنا .. أنا أسف .. لم أُدرك بأنّ كلامي مع سارة سيؤدي لهذا .. حقاً آسف ..
-لا تعتذر فأنا قد تسرعتُ بالتصرف .. كان يجب أن أختلق أي سبب لأقوله لزيد ..
-لمْ أُصدق بأنَّ والداكِ ماتا بتلك الطريقة الوحشية .. أنا المذنب لأنني ذَكّرتُكِ بهذا الموضوع .. أعتذر ..
-هممم .. لا .. بل أنا من يجب أنْ يعتذر لهما "قالتْ وهي تبكي بحرقة مُغطيةً وجهها بيدها" كم أنا حمقاء ..
-لماذا تقولين ذلك؟ ما هو ذنبُك؟
-..........

حلَّ الهدوئ بعد هذا الحوار العجيب .. كلامها الغريب المُختبئ خلف قناع الغموض جعل الفضول يتسللُ الى قلبي من كلامها .. لماذا هي من يجب أن يعتذر .. أليسَ زيد هو من كان المجرم؟ أمعقولٌ بأنّهُ جعلها تُصدِقُ بأنّها هي السبب وراء مقتلِ والديها؟ كيف لهُ أنْ يفعلَ ذلِكَ بأخته الوحيدة! كيفَ لإنسان أن يستطيع أذيةَ من هو أضعفُ منه بهذه الوحشية؟ ضربَ أُختهُ الصُغرى بينما يجب أنْ يكونَ هو سندها الوحيد بعد أنْ كانَ سبباً بفقدانها لوالديها .. ياله من وغدٍ حقير .. سأُعاقبه .. سأجعله يندم .. لنْ أُسامحه أبداً ..

عُدتُ الى البيت وأنا لا أزالُ تحت تأثير الصدمة .. هنالك شيٌ ما خاطئ .. لو كان زيد حقاً يُريدُ أذيةَ رنا إذاً لماذا ساعدنا عندما هاجمنا ذلكَ الكلب الأسود ذو الرقعة البيضاء يومها؟ وما سبب قوله ذلك الكلام لرنا بأنّه سيحميها؟ لا أعتَقِدُ بأنَّ أخاً يكرهُ أُخته سيقولُ ذلك .. عرفتُ سبب تكلّمه معي بذلك الأسلوب الهجومي قبل إسبوع .. لكنّهُ أوصلني الى البيت بعدَ إمتحان الرياضيات! المْ يكنْ سيتركني لو كان حقاً مُختلّاً! بالإضافةِ الى أنَّ رنا هي من طلبتْ منهُ التوقف لإيصالي .. أعتقدُ بأنّه سببٌ كافٍ لكي يُعاقبها إذا ما قارنّاه ببقية الأسباب .. لكنّه لمْ يفعل شيئاً لها! ما الخطب؟ هل زيد سيئٌ حقاً أم لا؟ لا يوجد دليلٌ بأنُّه قتل والديه .. فرنا هي الشاهدة الوحيدة .. رُبما كانتْ تتوهم ذلكَ بسبب تأثير النعاس والمرض؟ لا أعلم .. لكنْ إن كان كلامُها صحيحاً .. فالجواب سيكون بمعرفة ما تُخبِئُهُ حديقةُ بيتُهم .. أشعرُ بالأسى تجاهها .. كم هو شعورٌ مؤلم أن ترى إنسانكَ المُفضل يُعاني ولا تستطيعُ فعلَ شيء ..

بعدَ عِدةِ أيام عادتْ رنا الى الجامعة والحمد لله إختفتْ آثارُ الكدمات من وجهها .. كانتْ سعيدةً وبشوشة ولمْ تتحدث بالموضوع قط .. سايرتُ رغبتها وتجاهلته أيضاً .. لمْ نكنْ نلتقي كثيراً .. فنحنُ في مجموعتين مُختلِفتَين .. وأيضاً بعد عِلمِنا بموضوع الجاسوس الذي يخبر زيد بكل تحركاتنا أصبحنا حذرين من كثرة الإلتقاء .. فعوّضنا ذلكَ بالحديث على الإنستغرام .. بدأنا نُحادثُ بعضنا لساعاتٍ طويلة حتى صرنا لا نشعرُ بالوقت .. فذلك الشغف الذي في داخلنا يُوقِدُ نارَ الحماس ليمنعَ الملل من التسلل الى عقولنا .. كنا نستمتعُ بالحديث فقط .. بالرسائل الصوتية المملوئةِ بالمواقف الطريفة والمُضحكة .. بالصور التي نتشاركها وبالمنشورات التي ننشرها .. وأيضاً عِندما أُصَوِرُ ببغائي "نغم" كانتْ تقفزُ فرحاً عِندما تراه وتتمنى لقائه .. الوقتُ الوحيد الذي لا نتحدثُ فيه هو عندما ننامُ ليلاً ..

لاحظتُ أنّ هوسي برنا قد زاد .. كُنتُ أراقبُ حِسابها .. منشوراتها .. حتى أنني كنتُ أراقِبُ كُلَّ من تُتابِعهم وكُلّ من يُتابعوها .. حفظتهم لدرجة أنّي كنتُ أُلاحظُ عددهم عندما يقلُّ أو يزداد .. عندما يزداد عدد الذين تتابعهم رنا أشعر بقلبي ينبضُ بسرعةٍ ووالإرتباكُ يُسيطرُ علي .. أُريدها لي وحدي .. لا أُريد أنْ يُشاركني أحدٌ فيها .. كان هُنالك بعض التفاصيل التي تؤلِمُني .. فأحياناً أُرسِلُ لها رسالة لكنّها لا تَرُد .. وبعدها بقليل أراها وقد نشرت منشوراً جديداً مُتجاهلةً رسالتي .. أو أنَّها كانتْ تُتابِعُ بعضَ الأشخاص الغرباء الذين كانوا يُتابعونها أيضاً .. فكانتْ تُشِيرُ لهم في بعض منشوراتِها .. تضغط إعجاب على صورهم ومن بينهم حسابٌ لشاب كانتْ رنا كثيراً ما تتفاعل معه ومع منشوراته وهو يفعل المثل .. نعم .. هذه ليست تصرفات شخص بالغ بل هي تصرفات طفل غير ناضج..
لكن كان ذلكَ يؤلِمُني كثيراً .. أشعرُ بالغيرة الشديدة عندما أرى تلك التفاصيل حتى يكادُ عقلي ينفجر من التفكير .. تتبعثر اللوحة وتتشتتُ أجزائُها عِندما أرى غريباً يقترب من أملاكي .. ثُمَّ تعودُ لتتشكل عِندما تُحادِثُني بذلك الشغف المؤقت .. ورُغمَ ذلك .. لا أزالُ أشعرُ بشيئٍ غريبٍ تجاهَ هذه اللوحة .. هُنالِكَ شيئٌ خاطئ ..
سُلِبَتْ الراحةُ منّي حتى صار مُعظم وقتي يملؤهُ التفكير في تلك التفاصيل بسبب عادة التفكير المفرط التي عجزتُ عن تركها .. كما إنَّ تلكَ الصورة التي كانت فيها رنا تقف مع ذلكَ الشاب قد حُذِفتْ حتى إنني قد نسيتُ ملامحه .. لكن ما علاقتهُ برنا؟ أخافُ أنْ أسألها عن كُلِّ ذلكَ .. لا أُريدُ أن أُزعِجها أكثر بعد كُلِّ ما تعرضتْ لهُ مِنْ متاعب .. لا أُريدها أنْ تنزعج منّي ومِنْ تدقيقي .. لا أريدُ أنْ أخسرها ..

بعد 4 أشهر من هذا الحال وفي نهايةِ يومٍ جامعي إجتمعتْ شِلَّتُنا مَعاً .. أنا ورنا وصديقي المُقرّب آدم وريم وبدور .. كُنّأ نتمشى حتى باب الجامعة عائِدينَ الى البيت .. نُحادِثُ بعضنا ونضحك لتذكر بعض المواقف الكوميدية التي حدثتْ مع الدكاترة .. كُنّا مُستمتعين معاً حتى خرجنا من الجامعة وبقينا نتمشى ببطئ متوجهين الى موقف السيارات ..

توقفتْ بقربنا سيارة KIA optima مألوفة .. مهلاً لحظة .. إنّهُ زيد! ماذا يفعلُ هُنا الآن؟ مِنْ بَينِ جميع الأوقاتْ!
نظرتْ رنا إليَّ بأعينٍ مُرتَعِبة وهي تُغطي فمها بيدها من هول الصدمة ..

نزلَ مِنَ السيارةِ وهو ينظرُ الينا بنظراتٍ ملؤها الغضب والبأس .. كان بجانبه شابٌ غريب يجلس بهدوئٍ وهو ينظر الينا
.. توجّه زيد نحونا مُندفعاً كأنهُ يريدُ الهجوم عليَّ!..


... يتبع ...
__________

السلام عليكم

أعرف أنو الرواية بدأت تاخذ مجرى جديد بالأحداث رغم أنها رواية رومانسية لكن هو هذا هدف الرواية اصلاً ..
بالحقيقة تصنيف الرواية هو غموض أكثر من كونه رومانسي..
لهذا كان في كثير اشياء مجهولة بهذا البارت والبارتات الي قبله والي راح نعرف حقيقتها بالفصول الجاية ..

وشكراً لوقتكم ♡

 
التعديل الأخير:

المتواجدون في هذا الموضوع

  • MEG
أعلى أسفل