- وسام -
كنتُ جالساً بمكتبي ، ذلك المكتب الفخم الراقي الذي أعتقد أن سنيني الاثنى عشر التي قضيتها فيه لم تسعني حتى الآن أن أعرف كل خباياه
فلستُ مولعاً بالبقاء فيه ، لو كنتُ انبهرتُ بهذا المكتب في صغري ، تفاخرتُ بما صنعته أمواله لي ، كما فعلا هما
جلسا على مكاتبهما ، كأنّهما تربّعا على عرشيّ ملوك الدّنيا ، تفاخرا بما قدّمه لهما من خير ورفاهية
لكان حالي الآن مثلهما ، وربّما أسوأ ، أو عليّ القول .. أتفه !
لم أسعد بما فعله معي .. زكريا باشا ، يا له من لقب تافه هو الآخر ، اعتاد لعق حذاء الملك فمنحه الملك لقب باشا
فتفاخر هو الآخر بما حظى به من شفقة غيره .
لا يسعني سوى أن أمتدح حظي كل يوم ، أنّني لم أورّث شيئاً من جينات أبي العقلية
لكنتُ أبلهاً حينها كما هو الحال مع أخويّ ، لقد ورثتُ كلّ ما ورثت من أمّي ، لعلّ حامد حظى بجمالها
لكنّه لا يعنيني كثيراً ، يعنيني ما هو متوارى بين طيّات قشرتها المخيّة الوعرة ، أعشقها .. أعشق أمّي
أعشق النّساء أجمعين ، لا أعشقهم عشق الرجل الأبله الذي ينجرف وراء مظاهرهن .. أعشق ذكائهنّ
عليّ الاعتراف بأنّ الحماقة عادةً تأتي من الرجال .. ربّما كان ما يحرّك المرأة قلبها
فيجعلها تسقط ، وتسقط ، وتسقط مجدداً .. وفي كلّ سقوط تنهض منه تترك جزءاً من قلبها لا تلتقطه من الأرض
حتى تصل إلى سقوط تنهض منه فيكون قلبها خالٍ من كلّ شيء
لا تجد روحها سوى عقلها تسير به ، فبدلاً من أن تسير به ، يسيّرها ، يأسرها .. حتى تعتاده
تتهاوى شهوانيّتها أمامه ، تصعد وتصعد .. وتنسى السقوط
فتعشقه ، ويصبح قائدها ، وتصبح خادمته ، وعندما تخدم المرأة عقلها .. لن يتمكّن أحد من أن يسيّرها خادمة له مجدداً.
أمّا الرجل ، فيا حسرتاه ، يسيّره عقله وقلبه معاً ، ويكون متفاخراً بذلك التوازن السقيم
لا يعرف أنّ من ادعى أنّه يمكن أن يكون بين العقل والقلب توازن هو أكبر أحمق عرفه التاريخ ، فالعقل يكره القلب
يكرهه لدرجة تجعله يحفّز الضمير أن يكون القلب فريسته الأولى ، فكلّما أراد القلب شهوة ، أوجدها ضميره وكأنّها خطيئة
حتى وإن لم تكن ذلك ، كل هدفه أن يكبت رغبة القلب
والقلب يمقت العقل كذلك ، فكلّما خطرت بالعقل فكرة ، أثار القلب رياح الخوف عاصفة بكل أمان سكن الروح
كل هدفه أن يسكت خطاب العقل هو الآخر
وبين ذلك وذاك ، لا يصل الرجل لأي شيء من توازنه المزعوم ، فيسقط ويسقط .. وكلّ مرة يسقط فيها
ينهض تاركاً شيئاً من قلبه وعقله معاً .. حتى يسقط سقوطاً ينهض بعدها خال الوفاض
وحينما تبحث روحه عن شيء تسير به ، لا تجد شيئاً داخله ، فتبحث فيمن حوله
عندها يأتي من يسيّره ، يأسره ، حتى يعتاده ويتهاوى شخصه أمامه ، يسقط ويسقط .. وينسى النهوض
وبغرابة يعشق من يسيّره ، ويصبح خادمه ، وعندما يعتاد الرجل الركوع ، لا يرفع رأسه بعدها أبداً.
ولهذا أنا أعشق وجودي بجوار أطياف ، ليس كالعشق الذي تملّك أخواي تجاهها
لكنّها امرأة ذات ماضٍ معتم ، عتمة لا يعرف سوادها سواها ، ربّما حاولتُ الاقتراب من عتمتها مرات قليلة
لكنّني لم أتمكّن من التوغل بداخلها ، عندما أحاول أن أتحسس عتمتها يخفق قلبي ، وتنهار قواي
وأشعر بنظرة في عينيها تخبرني أنّني قد تجاوزتُ الحدود
فقررتُ ألا أحاول مجدداً ، أنا رجل بعيد كل البعد عن الفضول ، على عكس معظم الرجال
لذلك لا أريد أن اعرف ماضيها ، يسعدني فقط أنّه قد حدث ، فربّما لا أعرفه ، لكنّي أعرف أنّه أنعم على أطياف بالكثير من السقوط
سقوط جعلها بعدها السيّدة أطياف البشري ، خادمةٌ لعقلها ، سيّدها الأوحد
مكوثي معها علّمني أن أكسر التوازن الذي سلّم به معظم الرجال ، ربّما لم تعرّضني حياتي المترفة إلى سقوط عنيف
لكنّي فعلتُها ، وتخلصتُ من قلبي .. لا رغبة لي فيه سوى أن ينبض فقط ، حركة ميكانيكية تجعل كلينا يعيش.
كثيرون يقولون أنّي أفعى العائلة ، لكنّي أفعى سمّها هو أطياف ، ومن دون سمّي أصبح مخلوقاً لا يفعل شيئاً سوى أنّه يعض
والعضة لا تجعل منّي سوى أبلهاً آخر لأكمل مع إخوتي مثلث العائلة
لا أشعر بالخزي من كوني أحتاج لأطياف في حياتي ، فلحاجتي إليها نهاية .. سأتمّها !
لكنّ الطريق لا يزال طويلاً لذلك ..
آه ، أشعر بخطواته .. تعزف سيمفونية تكسبني ألحانها أجنحة لأحلق بها في سماء نصري
هيا .. اقترب .. اقترب يا من مكثتُ في مكتبي ساعتين حتى أقابله
أشعر بغضبك ، إنّه يزيدني عشقاً لذاتي .. فأزد منه هيّا .. اقترب .. افتح الباب !
افعلها !! أريد أن أرى وجهك .. أريد أن أراه !!
- حامد -
لا أعرف كيف ومتى فعلتُها ، وكأنّ الوقت توقف بي كلّ التوقف ، فقط علمتُ بالأمر فإذا بي هنا
في الشركة .. أركض كشابٍ في مقتبل العمر ، لا أشعر بشيء حولي ..
يتملّكني غضبي ، يهتز بصري ، يرتعش وجهي .. أعرف تلك الحالة ، لقد مررتُ بها من قبل
أكره أن أشعر بها ثانية ، لكنّ ذلك لا يهمّ الآن
ها أنا أمام بابه ، أركله بقوّة فلا أسمع صوت ضربتي .. لا أسمع شيئاً حولي على الإطلاق
ربّما لأنّ كل الدّم السائر في جسدي ذهب إلى أطرافي الآن ، كلّ ما أريده أن أقتل هذا اللعين
لعنة العائلة منذ اليوم الذي أصابتنا مصيبة ولادته فيه
سأقتلك يا وسام ، لا أعرف لمَ تنظر إليّ بكل تلك البسمات التي لم أعتدها منك
هذا الوجه البريء لا يليق بشياطينك .. سأقتلك يا وسام
اندفعتُ نحوه فوقفتُ أمام مكتبه مباشرة ، المكتب الذي وقف هو في الطرف الآخر منه
ما لبثت يدي اليسرى أن تبقى في مكانها حتى اندفعت ناحية رابطة عنقه بقوّة فاجتذبته إليّ
وإذا بي أسدّد بيدي اليمنى لكمة بأقوى ما لديّ إلى وجهه المنافق اللعين ، فاستقبل اللكمة دون أيّ مقاومة
ثمّ نظر إليّ وقد سال الدّم من حاجبه الأيسر ، وقد بدأ يبكي ، هل يبكي لأنّ لكمتي آلمته ؟ هل وسام يبكي كبقية البشر ؟
لم أهتم كثيراً ، صرختُ بصوتي الذي رفضت أذني أن توصل إليّ مدى قوّته
لكنّني أدرك ما قلته حينها رغم عدم سماعي له .. " أتظنّني قاتل ابني يا وسام ؟ "
لم يكن منه سوى أن استمرّ بالبكاء ثمّ مال علي يديّ التي أمسكَتْ برابطة عنقه فقبّلها
قال كلماتٍ لم أسمعها ، هل يعتذر ؟ أنا لا أفهم ما يحدث هنا ..
هدأت كل ثوراتي فجأة فإذا بسمعي يعود من جديد .. لأفهم ما يقوله وسام
" لا يا أخي ، قاوم ! قاوم أرجوك ، لاا نريد أن نخسرك مجدداً ، أتوسّل إليك يا أخي "
أقاوم ماذا ؟ أي شيء يتكلّم عنه وسام ؟!
لكنّني لم أنل الوقت الكافي لأفهم منه ما يقول ، لقد ظهر رجلان من العدم خلفي فأطبقا يديهما حول ساعديّ بقوة
وظهر رجلاً آخر بدا وكيل نيابة أو ماشابه ، قال لي : " حامد زكريا ، صدر أمر بإلقاء القبض عليك بتهمة قتلك لابنك كمال حامد زكريا "
صمتّ حينها ثمّ نظرتُ إلى وسام الذي لا تزال دموعه تملأ وجهه ، وصرختُ منكراً قتلي لابني
لكنّهم ظلوا يجرّوني إلى الخارج .. مهما قاومتُ كانا أقوى منّي .. خاصة بعد كلّ ما خسرته من طاقة في مجيئي بسرعة إلى هنا
منذ أن علمتُ بأمر تلك الأكذوبة التي ذاعها وسام
- الرّهبة الخامسة : انعدام الثقة -
استيقظتُ من نوم لم أعرف متى أصابني وسط كلّ ذلك ، لكن عندما أزاح بصري غشاء النّعاس بعد إفاقتي وجدتُني مكبّلاً على سرير وحولي الرجلان اللذان سبق وقبضا عليّ
ووقف أمامي وكيل النيابة ذلك نفسه ، قائلاً : " أهلاً بعودتك سيّد حامد ، هل تشعر بتحسّن الآن ؟ "
- " أين أنا ؟ ماذا فعلتم بي ؟ "
- " في قسم الشرطة ، ونحن لم نفعل شيئاً بك ، لقد أعطيناك حقنة مهدئة ، نفس المادة الفعالة للأقراص التي تحملها في سترتك "
- " أقراص ؟ أي أقراص ؟ ولمَ المهدئات ؟ "
- " هدئ من روعك سيّدي ، لا نريد أن تنفعل مرة أخرى ! "
- " هل تريد تهدئتي وأنت تربطني في هذا السّرير ؟ "
- " إنّها ليست أوامري ، لقد أتى الأمر من الطبيب الذي استدعيناه لأجلك "
- " أي طبيب ؟ "
- " طبيب نفسيّ "
- " لستُ مجنوناً "
- " نعرف ذلك .. سيّدي "
- " إذاً لمَ الطبيب النّفسي "
اقترب منّي هذا الرّجل قليلاً .. ثمّ قال : " أنت تعاني من حالة متأخرة من الذهان "
- " هل تمازحني ؟ لستُ مجنونا " قلتها صارخاُ بعلو صوتي
فردّ عليّ هذا الرجل بصوتِ غليظ مدوّي
- " قلتُ مرة هدئ من روعك ، وأنا لا أكرر كلامي ، لا تستنفذ صبري فهو سريع النّفاذ "
- علوّ صوته أخافني .. لكنّني لم أتمكّن من منع نفسي من كلامي " لكنّي لستُ مجنوناً "
- " لقد حصلنا على تقريرك الطّبي ، هناك حالة ذهان سيطرت عليك عند بيعك لمعظم نصيبك من أسهم الشركة "
- " هذا صحيح ، لكنّي قد تخطّيتُ الأمر منذ زمنٍ بعيد ، أنا بكامل عقلي الآن "
- " الذهان والأمراض العصبية لا يـُشفى منها يا سيّدي " قالها رجلٌ أقبل علينا مقمحاً نفسه في الحوار
- " ومن أنت الآن ؟ "
- " لا داعي للقلق ، أنا الدكتور فؤاد سميح ، الطبيب النفسي الذي تم استدعائه لأجلك "
فقدتُ أعصابي مرة أخرى صارخاً " أنا لستُ مجنوناً "
فزع صراخي الطبيب ، اقترب مني فأضاء مصباحاً في يده آلم به عيني ، أطفأه وابتعد سريعاً
ليقف بجوار وكيل النيابة قائلاً " حدقة العين ليست ثابتة ، وجسم العين ليس بحجمه الطبيعيّ ، هل قمتم باختار الكحوليات له ؟ "
ردّ عليه وكيل النيابة : " نعم ، ونتيجته كانت سالبة ، فما معنى ذلك "
صمت حينها الطبيب ثمّ اقترب من أذن وكيل النيابة ليهمس بأذنه كلماتٍ كنتُ أتضرع لمعرفتها ، تغيّرت ملامح وكيل النيابة بعدها ،
ونطق بنبرة مغايرة كذلك : " يمكنك الآن الانصراف يا دكتور ، سأتولى الأمر من هنا "
انصرف الطبيب ثمّ نادى الوكيل بصوتِ عالي " رأفت ! "
فحضر شاب حاملاً لقلمٍ وأوراق.
نظر إليّ الوكيل قائلاً : " افتح يا رأفت محضراً بساعته وتاريخه ، الواحدة ظهراً السادس والعشرون من يوليو 2011
حامد زكريا ، أنت متّهم بقتل المجنيّ عليهم ، كمال حامد زكريا ولوكا المرغني ، فما أقوالك ؟ "
صمتُ وقتها أحاول أن اثبت لنفسي أنّني لا أحلم ، هل يصدّق هؤلاء الحمقى أنّي سأقدم على قتل ابني ؟
لكن لحظة .. من لوكا ؟؟
- " من لوكا ؟ أتتهمني بقتل ابني وآخر لم أقابله قط ؟ "
- " حقاً ؟؟ "
- " هل أبدو لك أنّي أكذب ؟ "
- " في الحقيقة يبدو أنّك صادق ، لكن ليتك كنتَ تكذب ! "
- " تفضّل أن أكذب عليك ؟ لم أعتد معرفة وكلاء نيابة يحبون المراوغة "
- " أنا لا أريدك أن تراوغني ، لكن قولك بأنّك لا تعرف لوكا وبكل صدقك هذا يثبت إصابتك بالذهان "
- " لستُ مصاباً به "
- " للذهان اضطرابات عقلية تدفع الفرد للقيام بأشياء ينساها فيما بعد "
- " أعرف الذهان جيداً فقد عانيتُ منه خمسة أعوام "
- " يبدو أنّك لا زلتَ تعاني ، فلوكا هذا هو طبيبٌ نفسيّ تحت التدريب في مشفى الهوّاري التخصصية ،
ذيع ذكاؤه فقمت برشوته ليعالجك دون ن تعلم المشفى بالأمر ، كان يتفحصك دورياً ويحضر لك المهدئات اللازمة مهربة من المشفى
بسبب المبلغ الكبير الذي عرضته عليه ، فقد ذيع أنّه كان استغلاليٌ أيضاً
استمر الحال 3 أسابيع حتى اعترفت للوكا أنّك قتلت ابنك لأنّك توهمته يحاول أن يتركك ويعيش مع اصدقائه
فأردت قتله وقتل أصدقائه ، هدّدت رجلاً مسكينا بأن يضربهم بشاحنته وإلا ستقتله وعائلته
ففعلها لكنّه فشل فحوّلت الأمر من حادثة سير إلى اختطاف وقتلت ابنك ، وقبل أن تقتل صديقته رجع لك عقلك لوهلة جعلتك تهرب من المكان "
قاطعته صارخاً " كذب ! هذا كله كذب .. لم أفعل شيئاً ممّا تقول "
فإذا به يباغتني بصوته الغليظ من جديد " قلتُ لك لا تقاطعني ، كلّ شيء مدوّن بتقاريره الطّبية ،
التي اكتشفها الدكتور الهوّاري بالصدفة وعندما علم بأمر رشوتك للوكا طرده من التدريب وهدّده إن لم يبلغ الشرطة سيقضي على مستقبله تماماً
لكنّك وصلت إليه قبل أن يصل إلينا وقتلته "
- " لم أفعل ، أرجوك صدّقني ! لم أقتل لوكا "
... لحظة ، هل أدافع عن نفسي الآن في جريمة لا أعرف من مرتكبها ولا ضحيّته ؟ هل صدقتُ ما قيل عنّي ؟؟َ!!
- " لقد انكشف كل شيء يا حامد ، عندما اكتشفنا أن لوكا قد قـُتل ولم ينتحر أشاارت اصابع الاتهام إلى اثنين
أطياف زوجة أخيك ، آخر من تحدّث مع لوكا على الهاتف ، والهوّاري آخر من تنازع مع لوكا
عندما تم الضغط على كليهما في استجوابهما اعترفا بكل شيء ،
أعطانا الهوّاري كلّ تقارير لوكا التي كـُتب فيها ما قصصته عليك ،
بينما اعترفت أطياف بأن من اتصل بلوكا هو أنت وليس هي ، لكنّها حصلت على شريحتك وأخفتها في هاتفها حتى تدل الإحداثيات على مكانها هي ولست أنت
لقد علمت بشأن عودة أزمتك العقلية ولم ترد أن تخرج للعامة من أجل سمعة العائلة
- " كاذبة ، كلّهم كاذبون ، لقد تمّ اختراع كل تلك القصة لتوريطي "
- " هل تظنّنا لم نفكّر في هذا الاحتمال ؟ لقد تأكدنا من كل شيء ،
أوراق لتقرير كانت بنفس خط لوكا وفضلات الجلد تم فحصها على الأوراق وقد تطابقت مع حمض لوكا النّووي ،
أما الخط فقد أثبتت شركة الاتصالات أنّ الخط باسمك ، وأن احداثيّاته تغيرت بين ليلة وضحاها ..
كان ينقصنا دليل على عودة الذهان إليك فقط ، وقد أثبت لنا ذلك بأفعالك للتو "
- " لا يمكنك الاعتماد على ردود أفعالي فقط "
وقف الرّجل فجأة أمامي قائلاً " ليست أفعالك فقط ، تشخيص الطبيب أثبت ذلك أيضاً "
-" غير صحيح أنا لا أثق في هذا الطبيب "
تقطّع صوتي فجأة وانهمرت عينيّ بالدّموع .. " أرجوك صدّقني ، لستُ قاتلاً ، لم أفعلها قط ، كيف لي أن اقتل ابني ؟ "
صمتَ حينها وكيل النيابة برهة وكأنّني أثرت شفقته ، ثمّ نطق قائلاً : " حسنٌ ، طبيبنا الخاص الدكتور ياسر قادمٌ الليلة ، سيكشف على الحالة الأخرى التي اتهمت في نفس القضية
ثمّ سأطلب منه تشخيص حالتك ، أنا أثق بهذا الرجل ، كلمته ستكون الفصل في أمرك "
ورحل بعدها مسرعاً هذا الرجل وتبعه ذلك الشاب الذي كان يكتب ، تركاني مع الرجلين الذين قبضا عليّ
لكنّهم ليسا وحدهما هنا ، فمثلهم الآلاف تقف في عقلي ، عقباتٍ في إدراكي لوضعي
هل أنا مظلوم حقاً ؟ أمّ أنّني بالفعل قد جـُنّ جنوني وقتلت ابني ؟؟
لم أصب في حياتي بانعدام لثقتي بنفسي كتلك الحالة ، حتى وأنا مصابٌ فعلاً بالذهان ، وأنا غير قادر على تمييز كل الأشخاص والأشياء والاتجاهات
لم أفقد ثقتي في نفسي .. لم تحصل ولو لمرة واحدة ، فماذا الآن ؟
...... الاتجاهات !! الاتجاهات !! نعم ، لقد وجدتُ ضالتي !
كان ذهاني لا يمكّنني من تمييز الاتجاهات والمتقابلات ! كان يسلب الوعي منّي تماماً
لكنّني هذه المرة لم أفقد شيئاً ، لقد علمتُ أنّ يدي اليسرى هي التي جلبت وسام إليّ من عنقه بينما سدّدتُ لكمتي بيدي اليمنى
وعلمتُ أنّني سدّدتُ اللكمة تجاه حاجب وسام الأيسر ، نعم .. لقد ميّزتُ الأمر .. لستُ مريضاً ، أن معافى !
، وبينما أحاول أن أطمئن نفسي بإعادة ثقتي إليها ، فإذا بالباب يـُفتح من جديد ليدخل وكيل النيابة ووراءه وسام يركض تجاهي ليطمئن عن حالي
أتأمّل وجهه فأرى الضمّادة قد أخفت جرحه ، ملتصقة بحاجبه ....... الأيمن !
- يـُتبع -
* منتظر آرائكم بهذا الفصل النّص فلسفي نص تشويق + مبروك عليّ الرد المية بالرواية
ملحوظة : الذهان هو طور نفسي من أطوار انفصام الشخصية والهلاوس ، معروف علمياً باسم الـ psychosis