- إنضم
- 20 يونيو 2014
- رقم العضوية
- 2274
- المشاركات
- 1,220
- مستوى التفاعل
- 251
- النقاط
- 1
- العمر
- 31
- الإقامة
- Piltover
- توناتي
- 0
- الجنس
- ذكر
LV
0
[TBL="http://im78.gulfup.com/5pumh3.png"]
الباب الأول : ذاكرة الضوء
- الطبيب ياسر -
الثاني من يوليو لعام 2011 ، شاهدتُ واحدة من أغرب تلك الحالات التي يمكنني مشاهدتها على الإطلاق
لأنّني طبيبٌ نفسيّ فهناك العديد من الحالات الغريبة التي وجدتها في حياتي ..
لكنّ تلك الحالة كانت مختلفة منذ الوهلة الأولى .. حتى الآن لا أصدّق أنّي وقفتُ أمام الحالة لم أتحرك ساكناً
بقيتً صامتاً اراقب تلك الأجواء المشحونة ، ثمّ عدتُ إلى مكتبي وأضأتُ الضوء الأحمر مانعاً احد من الدخول
وجلستُ على مكتبي شارد الذهن في وضعي الحالي هذا !
أي ملابساتٍ تحويها تلك الحادثة ؟؟ سمعتُ منذ اسبوع عند وصول هذا الفتى إلى المشفى أنّ حالته خطرة وربّما يفارق الحياة
وأنّه تعرّض لحادث قد تم التكتّم عنه لدواعٍ أمنية وقد أودى بحياة صديقيه ..
ثمّ قرأتُ في تقرير المشفى أنّ حالته تحوي كدمات وكسر ضلع فقط .. أي كدمات تلك التي تجعل حالته خطرة ؟
وعندما دخلتً غرفته وجدتُ شاباً قد خطّ الشيب في عقله قبل أن يخطّ في شعر رأسه
وقد جعّدت المآسي بسمته قبل أن تجعّد بشرته !
لقد كان أصمّاً أبكماً .. وقد شـُلّ شللاً نصفيّ .. وأثبتت التحاليل أنّ نسبة السيروتونين منخفضة في جسده بالكامل
ممّا يجعله معرضاً لنوبة اكتئاب حادة ، وأخشى ما أخشاه ان يؤّثر الأمر على أحد السيالات العصبية الأخرى
فبمثل تلك الحالات الحرجة المرض العصبي الواحد يسحب أشقاءه وراءه ..
أعرف الآن سبب قدوم طبيب نفسيّ إلى مثل تلك الحالة ، لكن لمَ التضارب بين الواقع والإعلام والتقرير الطبيّ ؟
أهذا هو مالك الشاب الطائش اللعوب الذي يحكي عنه الجميع ؟ هل هو نفسه حقاً ذاك الذي كان يرقد على السرير ؟
أين السيّد نور والسيّدة أطياف ؟ كيف يتركون ابنهم في هذه الحالة ؟
ومن هذان الشابان الباقيان معه بالمشفى ؟ سمعتُ أنّ الشاب أخيه الأكبر وأنّ الفتاة صديقته
لكن كان هناك شيء لا أفهمه في الأجواء !
فقد كان كلّ واحد من الثلاثة في مشاعر مختلفة .. خبرتي في علم النفس تمنحني القدرة على القول أنّ الفتاة تتصنّع شيئاً ما
لا أعرف لماذا لكن لم أشعر بالصدق في ملامحها الحزينة ولا في هرولتها السريعة ذهاباً وإياباً حول مالك
عيناها الضيقتان تنّمان عن ريب وشكّ قويّ لم أفهم سبب وجوده في صغيرة لم تبلغ الثامنة عشر من عمرها بعد !
في حين أنّي رأيت أساً في عينيّ الشاب الذي معها لم ألحظه في عينيّ مالك الزرقاوتين التائهتين نفسيهما
كان هذا الشاب هادئ هدوء شيخ قد لطمته الحياة بكل تجاربها القاسية وعلّمته أقسى دروسها
لم أفهم سرّ بقاء عينيه في الأرض طوال الوقت واختطافها نظرات سريعة تجاه مالك الذي كان يتضرع لها محاولاً سؤاله سؤالاً يبدو عليه أنّه لا يريد أن يجيبه عنه
والأغرب من ذلك كان انسحابه السريع من الغرفة بمجرّد وصول السيّد نور زكريا أخيراً للاطمئنان على ابنه
فبعد وصوله مباشرة قد أعرض هذا الشاب ظهره ورمق السيّد نور بنظرة فهد ثاقبة جعلت عينيّ السيّد نور تسقط أرضاً من هول حدّتها ، ثمّ رحل سريعاً عن الغرفة
ولم يـُترك لي وقتُ طويل لأفكر ، فسرعان ما استأذن منّي السيّد نور أن يقابلني بشأن ابنه في مكتبي ، حتّى قبل أن يطمئن على ابنه
وها أنا جالسٌ هنا انتظره وكل أفكار ذلك اليوم تتخبّط في بالي ..
لكنّ المصيبة الأكبر هي أنّني المسئول نفسياً عن صحّة مالك ، ربّما تكون أهمّ حالة في تاريخي المهنيّ كله
أعرف ما سيكون ملكي من نعيم السيّد نور إن تمكّنت من معالجة ابنه
لكنّني سمعتُ كثيراً عن جحيم السيّدة أطياف وحقيقة لا أريد تجربته بأي شكل من الأشكال ، ولذلك عليّ ان اتمّ علاجي بنجاح
وكانت المشكلة الأكبر لي هي أنّني لم أتعامل مع مريض نفسيّ أصمّ وأبكم من قبل !
رنّ الهاتف الداخلي وأخرجني من ويلات تفكيري تلك ، استشطتُ غضباً من ازعاج تلك الممرضة وقررتُ أن أفرغ غضبي عليها
ففتحتُ الخط صارخاً .. " ماذا تريدين يا سوزان ؟ طلبتُ ألا يزعجني أحدهم إلا عندما يصل السيّد نور "
- أعتذر يا دكتور ، لكنّ الأمر طارئ ، هل يمكنك فتح التلفاز ؟
- ماذا هناك ؟
- شاهد الأخبار من فضلك يا سيّدي اعتقد أنّ الأمر يهمّك
اغلقتُ الخطّ سريعاً وفتحتُ التلفاز متوعّداً لها إن كان الأمر تافها سأزيد من جرعة غضبي لهذا اليوم
لكنّي صـُعقت بما شاهدت وسمعت !
" تمّ انتشال جثّة كمال حامد زكريّا من أحد المزارع النائية وتمّ العثور على ساندرا علي العاكف حيّة في كوخ وسط تلك المزرعة مكبّلة الأيدي والأرجل وفاقدة للوعي ، وقد تمّ ذلك بعد تعاون رجال الشرطة مع عائلة زكريا بعد تلقيها اخطار من العائلة بمكالمة استفزازية لدفع فدية مقابل المخطوفين ، وقد أثبتت التحاليل
أنّ كمال قد فارق الحياة منذ ثلاثة أيام قبل وصول رجال الشرطة لموقع الحادث وقد فرّ المجرمين قبل وصول أيدي العدالة إليهم ، ولا تزال التحريّات جارية "
- أيمن -
لقد اشتهر أطفال عائلاتنا بالعناد وبصوتهم العالي دائما ، يصرخون ويتصارخون بالبكاء على كل شيء يريدونه أو لا يريدونه
لا يصمتون سريعاً ولا يتنازلون عمّا يريدون ، لكنّني كنتُ على النقيض تماماً
فقد سمعتُ أنّي كنتُ الأهدى على الاطلاق ، لم أكن أبكي سوى نحيب بسيط لا يشعر به سوى السيّدة إنصاف ، المربيّة الخاصة بي وبمالك
فطبعاً لم تسمح رشاقة وجمال السيّدة أطياف أن تضحي بلقب حسناء سيدات مصر من أجل رضاعة أو الاعتناء بولديها
فكانت السيّدة إنصاف أمنا الفعلية ، يقولون أنّني على عكس مالك لم أتعبها يوم فطامي على الإطلاق
وفيما بعد ، كنتُ دائماً الأفضل في اطاعة الأوامر ، كنتُ دائماً ما انهي طبق طعامي بأكمله ، وأرتب سريري ، كنتُ في السادسة من عمري
لكنّني تمكّنت من الاعتناء بمالك الرضيع عند انشغال السيّدة إنصاف بأمور أخرى
ولأنّه كان طفلٌ عنيد مثل بقيّة أطفال العائلة ، لم يكن من الغريب ألا يصمت أبداً مع أي أحد ، لكنّه كان يصمت معي أنا الطفل وقتها بكل سهولة
كبرتُ وقد كبر بجانبي ، كنتُ ارعاه في كل خطوة يخطوها .. ولأنّ عقلي الرزين كان يفوق عمري فقد كنتُ أرعاه أكثر من أي أحد في البيت
أعتقد أنّهم كانوا ينسون مسئوليته تماماً عندما أكون بجواره
أتذكّر ذلك اليوم الذي طلبتُ فيه طلبي الأول في حياتي ، " أمّي ، أريد أن أتدرّب كرة اليد ، أنا أحب هذه اللعبة وأريد أن أكون ماهراً فيها "
لا أنسى هول تلك اللطمة التي لطمتها السيّدة أطياف بكفّها الأيمن على خدّي الأيسر ، وهي تقول أتريد أن يكون ابن نسل زكريا والبشري لاعب كرة يد ؟
ما المشكلة في كرة اليد ؟ هل الرياضة وضيعة ؟ أم أنهم يكرهونها لأنّها تساوي بين البشر أجمعين ؟ ولا يفرّق فيها سوى موهبة الفرد وكيانه بغض النظر عن أي عامل آخر ؟
هل يرون أنّ الرياضة وضيعة أم تشعرهم قواعد الرياضة بوضاعتهم هم ؟
ذهبتُ إلى والدي وسألته عن سبب رفضها ، وعندما عرف أنّي أريد لعب كرة اليد قال كلماتٍ جعلته بعدها السيّد النور ، وليس والدي !
" يا أيمن ، لن أعارضك إن لعبت كرة القدم ، فستجعل منك مشهوراً ، ابن نور زكريا لا يكون وسط المهمّشين مثل لاعبي كرة اليد "
- " لكنّني لا أحب كرة القدم يا أبتي "
- " لا يهم أن تحبها ، المهم أن تكون الأول مثل أباك وأباه من قبله "
حقاً ؟ أتعيشون جلّ حياتكم في مثل تلك المقارنات السخيفة لا أكثر .. قررتُ يومها أن أتدرّب كرة اليد ، وكانت المرة الأولى التي اعصى فيها أمراً في حياتي
ومنذ ذلك اليوم تعلّمت شيئاً جديداً لن أنساه أبداً
وهو خبث عائلتنا ، لكنّني قررتُ استخدامه عليهم وليس على الآخرين ، فمنذ ذلك اليوم وأنا أنفذ ما يحلو لي ..
لكنّني بقيتُ في مكانتي أمام الجميع ، الابن البار الرزين الذي يحسد السيّد نور الكثيرون على وجودي بجانبه
صحيحٌ أنّني خسرتُ الكثير في رحلة صراعي الباطن مع والداي تلك ، فقد تخليت عن حلمي بأن أصبح لاعب كرة يد محترف والتحقت بجامعة إدارة الأعمال وتخرجتُ منها بامتياز
كي أكون اليد اليمنى للسيد نور وحتى أهيئ مالك لرئاسة الشركة من بعده ، فلم تسمح لي السيّدة أطياف بأن أكون صاحب الشركة
لأنّني رفضتُ طرد السيّدة إنصاف .. أمّي إنصاف من المنزل بعدما كبرنا وانتهى دورها في حياتنا
وقد قالتها صريحة ، بقاؤها يعني تنازلاً منك في ميراثك للشركة ، وقد قبلتُ ذلك بصدر رحب ، فأنا لا اريد شيئاً من كل ذلك
كل تلك الوضاعة والزيف والرشاوى والفساد ، كل شيء عرفته عن تلك العائلة جعلها في أحقر زاوية في تقديري ..
وكلّ ما جعلني أبقى فرداً في هذا المنزل الفخم هو وجود مالك فيه ، الذي جعلته الأيام في مثابة ابني وليس أخي الصغير ، رغم فارق الست سنوات فقط بيننا.
بقيتُ حتى أجعل منه رجل أعمال شريف يصلّح من كلّ ما أفسده روّاد هذه الشركة من قبله
بقيتُ لأمنع المكيدات الكثيرة التي تنصب حوله من العائلات
اللائي يردن الثروة من تقربهم منه لا أكثر !
كانت الأخطر هي هيام ، فهي الوحيدة التي تعلم بأمر حرماني من ميراثي
وأن الأمر برمّته عائدٌ إلى مالك ، ممّا زاد من التفافها حول عنق مالك
ولأنّ الحل الوحيد كان في يد ساندرا ، الوحيدة التي خفق قلب أخي لأجلها
كان يجب أن تكون من نصيبه ، لأنّها نقيّة صافية .. ربّما الوحيدة الموجودة وسط جماعة مالك
والتي تصلح لأن تكون زوجته المستقبلية .. لذلك كان عليّ أن أنسى تلك المشاعر التي نمت في قلبي تجاهها
فقد نمت مثلها في قلب أخي ، وهو الأجدر بها !
وحمداً لله أنّها لم تمت في تلك الحادثة التي لازلتُ أؤمن بأنّ السبب فيها أحد أقرب الأقربين لنا .
- يـُتبع -
منتظر رأيكم على أحر من جمر ^^"
[/TBL]
الباب الأول : ذاكرة الضوء
- الطبيب ياسر -
الثاني من يوليو لعام 2011 ، شاهدتُ واحدة من أغرب تلك الحالات التي يمكنني مشاهدتها على الإطلاق
لأنّني طبيبٌ نفسيّ فهناك العديد من الحالات الغريبة التي وجدتها في حياتي ..
لكنّ تلك الحالة كانت مختلفة منذ الوهلة الأولى .. حتى الآن لا أصدّق أنّي وقفتُ أمام الحالة لم أتحرك ساكناً
بقيتً صامتاً اراقب تلك الأجواء المشحونة ، ثمّ عدتُ إلى مكتبي وأضأتُ الضوء الأحمر مانعاً احد من الدخول
وجلستُ على مكتبي شارد الذهن في وضعي الحالي هذا !
أي ملابساتٍ تحويها تلك الحادثة ؟؟ سمعتُ منذ اسبوع عند وصول هذا الفتى إلى المشفى أنّ حالته خطرة وربّما يفارق الحياة
وأنّه تعرّض لحادث قد تم التكتّم عنه لدواعٍ أمنية وقد أودى بحياة صديقيه ..
ثمّ قرأتُ في تقرير المشفى أنّ حالته تحوي كدمات وكسر ضلع فقط .. أي كدمات تلك التي تجعل حالته خطرة ؟
وعندما دخلتً غرفته وجدتُ شاباً قد خطّ الشيب في عقله قبل أن يخطّ في شعر رأسه
وقد جعّدت المآسي بسمته قبل أن تجعّد بشرته !
لقد كان أصمّاً أبكماً .. وقد شـُلّ شللاً نصفيّ .. وأثبتت التحاليل أنّ نسبة السيروتونين منخفضة في جسده بالكامل
ممّا يجعله معرضاً لنوبة اكتئاب حادة ، وأخشى ما أخشاه ان يؤّثر الأمر على أحد السيالات العصبية الأخرى
فبمثل تلك الحالات الحرجة المرض العصبي الواحد يسحب أشقاءه وراءه ..
أعرف الآن سبب قدوم طبيب نفسيّ إلى مثل تلك الحالة ، لكن لمَ التضارب بين الواقع والإعلام والتقرير الطبيّ ؟
أهذا هو مالك الشاب الطائش اللعوب الذي يحكي عنه الجميع ؟ هل هو نفسه حقاً ذاك الذي كان يرقد على السرير ؟
أين السيّد نور والسيّدة أطياف ؟ كيف يتركون ابنهم في هذه الحالة ؟
ومن هذان الشابان الباقيان معه بالمشفى ؟ سمعتُ أنّ الشاب أخيه الأكبر وأنّ الفتاة صديقته
لكن كان هناك شيء لا أفهمه في الأجواء !
فقد كان كلّ واحد من الثلاثة في مشاعر مختلفة .. خبرتي في علم النفس تمنحني القدرة على القول أنّ الفتاة تتصنّع شيئاً ما
لا أعرف لماذا لكن لم أشعر بالصدق في ملامحها الحزينة ولا في هرولتها السريعة ذهاباً وإياباً حول مالك
عيناها الضيقتان تنّمان عن ريب وشكّ قويّ لم أفهم سبب وجوده في صغيرة لم تبلغ الثامنة عشر من عمرها بعد !
في حين أنّي رأيت أساً في عينيّ الشاب الذي معها لم ألحظه في عينيّ مالك الزرقاوتين التائهتين نفسيهما
كان هذا الشاب هادئ هدوء شيخ قد لطمته الحياة بكل تجاربها القاسية وعلّمته أقسى دروسها
لم أفهم سرّ بقاء عينيه في الأرض طوال الوقت واختطافها نظرات سريعة تجاه مالك الذي كان يتضرع لها محاولاً سؤاله سؤالاً يبدو عليه أنّه لا يريد أن يجيبه عنه
والأغرب من ذلك كان انسحابه السريع من الغرفة بمجرّد وصول السيّد نور زكريا أخيراً للاطمئنان على ابنه
فبعد وصوله مباشرة قد أعرض هذا الشاب ظهره ورمق السيّد نور بنظرة فهد ثاقبة جعلت عينيّ السيّد نور تسقط أرضاً من هول حدّتها ، ثمّ رحل سريعاً عن الغرفة
ولم يـُترك لي وقتُ طويل لأفكر ، فسرعان ما استأذن منّي السيّد نور أن يقابلني بشأن ابنه في مكتبي ، حتّى قبل أن يطمئن على ابنه
وها أنا جالسٌ هنا انتظره وكل أفكار ذلك اليوم تتخبّط في بالي ..
لكنّ المصيبة الأكبر هي أنّني المسئول نفسياً عن صحّة مالك ، ربّما تكون أهمّ حالة في تاريخي المهنيّ كله
أعرف ما سيكون ملكي من نعيم السيّد نور إن تمكّنت من معالجة ابنه
لكنّني سمعتُ كثيراً عن جحيم السيّدة أطياف وحقيقة لا أريد تجربته بأي شكل من الأشكال ، ولذلك عليّ ان اتمّ علاجي بنجاح
وكانت المشكلة الأكبر لي هي أنّني لم أتعامل مع مريض نفسيّ أصمّ وأبكم من قبل !
رنّ الهاتف الداخلي وأخرجني من ويلات تفكيري تلك ، استشطتُ غضباً من ازعاج تلك الممرضة وقررتُ أن أفرغ غضبي عليها
ففتحتُ الخط صارخاً .. " ماذا تريدين يا سوزان ؟ طلبتُ ألا يزعجني أحدهم إلا عندما يصل السيّد نور "
- أعتذر يا دكتور ، لكنّ الأمر طارئ ، هل يمكنك فتح التلفاز ؟
- ماذا هناك ؟
- شاهد الأخبار من فضلك يا سيّدي اعتقد أنّ الأمر يهمّك
اغلقتُ الخطّ سريعاً وفتحتُ التلفاز متوعّداً لها إن كان الأمر تافها سأزيد من جرعة غضبي لهذا اليوم
لكنّي صـُعقت بما شاهدت وسمعت !
" تمّ انتشال جثّة كمال حامد زكريّا من أحد المزارع النائية وتمّ العثور على ساندرا علي العاكف حيّة في كوخ وسط تلك المزرعة مكبّلة الأيدي والأرجل وفاقدة للوعي ، وقد تمّ ذلك بعد تعاون رجال الشرطة مع عائلة زكريا بعد تلقيها اخطار من العائلة بمكالمة استفزازية لدفع فدية مقابل المخطوفين ، وقد أثبتت التحاليل
أنّ كمال قد فارق الحياة منذ ثلاثة أيام قبل وصول رجال الشرطة لموقع الحادث وقد فرّ المجرمين قبل وصول أيدي العدالة إليهم ، ولا تزال التحريّات جارية "
- أيمن -
لقد اشتهر أطفال عائلاتنا بالعناد وبصوتهم العالي دائما ، يصرخون ويتصارخون بالبكاء على كل شيء يريدونه أو لا يريدونه
لا يصمتون سريعاً ولا يتنازلون عمّا يريدون ، لكنّني كنتُ على النقيض تماماً
فقد سمعتُ أنّي كنتُ الأهدى على الاطلاق ، لم أكن أبكي سوى نحيب بسيط لا يشعر به سوى السيّدة إنصاف ، المربيّة الخاصة بي وبمالك
فطبعاً لم تسمح رشاقة وجمال السيّدة أطياف أن تضحي بلقب حسناء سيدات مصر من أجل رضاعة أو الاعتناء بولديها
فكانت السيّدة إنصاف أمنا الفعلية ، يقولون أنّني على عكس مالك لم أتعبها يوم فطامي على الإطلاق
وفيما بعد ، كنتُ دائماً الأفضل في اطاعة الأوامر ، كنتُ دائماً ما انهي طبق طعامي بأكمله ، وأرتب سريري ، كنتُ في السادسة من عمري
لكنّني تمكّنت من الاعتناء بمالك الرضيع عند انشغال السيّدة إنصاف بأمور أخرى
ولأنّه كان طفلٌ عنيد مثل بقيّة أطفال العائلة ، لم يكن من الغريب ألا يصمت أبداً مع أي أحد ، لكنّه كان يصمت معي أنا الطفل وقتها بكل سهولة
كبرتُ وقد كبر بجانبي ، كنتُ ارعاه في كل خطوة يخطوها .. ولأنّ عقلي الرزين كان يفوق عمري فقد كنتُ أرعاه أكثر من أي أحد في البيت
أعتقد أنّهم كانوا ينسون مسئوليته تماماً عندما أكون بجواره
أتذكّر ذلك اليوم الذي طلبتُ فيه طلبي الأول في حياتي ، " أمّي ، أريد أن أتدرّب كرة اليد ، أنا أحب هذه اللعبة وأريد أن أكون ماهراً فيها "
لا أنسى هول تلك اللطمة التي لطمتها السيّدة أطياف بكفّها الأيمن على خدّي الأيسر ، وهي تقول أتريد أن يكون ابن نسل زكريا والبشري لاعب كرة يد ؟
ما المشكلة في كرة اليد ؟ هل الرياضة وضيعة ؟ أم أنهم يكرهونها لأنّها تساوي بين البشر أجمعين ؟ ولا يفرّق فيها سوى موهبة الفرد وكيانه بغض النظر عن أي عامل آخر ؟
هل يرون أنّ الرياضة وضيعة أم تشعرهم قواعد الرياضة بوضاعتهم هم ؟
ذهبتُ إلى والدي وسألته عن سبب رفضها ، وعندما عرف أنّي أريد لعب كرة اليد قال كلماتٍ جعلته بعدها السيّد النور ، وليس والدي !
" يا أيمن ، لن أعارضك إن لعبت كرة القدم ، فستجعل منك مشهوراً ، ابن نور زكريا لا يكون وسط المهمّشين مثل لاعبي كرة اليد "
- " لكنّني لا أحب كرة القدم يا أبتي "
- " لا يهم أن تحبها ، المهم أن تكون الأول مثل أباك وأباه من قبله "
حقاً ؟ أتعيشون جلّ حياتكم في مثل تلك المقارنات السخيفة لا أكثر .. قررتُ يومها أن أتدرّب كرة اليد ، وكانت المرة الأولى التي اعصى فيها أمراً في حياتي
ومنذ ذلك اليوم تعلّمت شيئاً جديداً لن أنساه أبداً
وهو خبث عائلتنا ، لكنّني قررتُ استخدامه عليهم وليس على الآخرين ، فمنذ ذلك اليوم وأنا أنفذ ما يحلو لي ..
لكنّني بقيتُ في مكانتي أمام الجميع ، الابن البار الرزين الذي يحسد السيّد نور الكثيرون على وجودي بجانبه
صحيحٌ أنّني خسرتُ الكثير في رحلة صراعي الباطن مع والداي تلك ، فقد تخليت عن حلمي بأن أصبح لاعب كرة يد محترف والتحقت بجامعة إدارة الأعمال وتخرجتُ منها بامتياز
كي أكون اليد اليمنى للسيد نور وحتى أهيئ مالك لرئاسة الشركة من بعده ، فلم تسمح لي السيّدة أطياف بأن أكون صاحب الشركة
لأنّني رفضتُ طرد السيّدة إنصاف .. أمّي إنصاف من المنزل بعدما كبرنا وانتهى دورها في حياتنا
وقد قالتها صريحة ، بقاؤها يعني تنازلاً منك في ميراثك للشركة ، وقد قبلتُ ذلك بصدر رحب ، فأنا لا اريد شيئاً من كل ذلك
كل تلك الوضاعة والزيف والرشاوى والفساد ، كل شيء عرفته عن تلك العائلة جعلها في أحقر زاوية في تقديري ..
وكلّ ما جعلني أبقى فرداً في هذا المنزل الفخم هو وجود مالك فيه ، الذي جعلته الأيام في مثابة ابني وليس أخي الصغير ، رغم فارق الست سنوات فقط بيننا.
بقيتُ حتى أجعل منه رجل أعمال شريف يصلّح من كلّ ما أفسده روّاد هذه الشركة من قبله
بقيتُ لأمنع المكيدات الكثيرة التي تنصب حوله من العائلات
اللائي يردن الثروة من تقربهم منه لا أكثر !
كانت الأخطر هي هيام ، فهي الوحيدة التي تعلم بأمر حرماني من ميراثي
وأن الأمر برمّته عائدٌ إلى مالك ، ممّا زاد من التفافها حول عنق مالك
ولأنّ الحل الوحيد كان في يد ساندرا ، الوحيدة التي خفق قلب أخي لأجلها
كان يجب أن تكون من نصيبه ، لأنّها نقيّة صافية .. ربّما الوحيدة الموجودة وسط جماعة مالك
والتي تصلح لأن تكون زوجته المستقبلية .. لذلك كان عليّ أن أنسى تلك المشاعر التي نمت في قلبي تجاهها
فقد نمت مثلها في قلب أخي ، وهو الأجدر بها !
وحمداً لله أنّها لم تمت في تلك الحادثة التي لازلتُ أؤمن بأنّ السبب فيها أحد أقرب الأقربين لنا .
- يـُتبع -
منتظر رأيكم على أحر من جمر ^^"
[/TBL]
التعديل الأخير بواسطة المشرف: