- إنضم
- 20 يونيو 2014
- رقم العضوية
- 2274
- المشاركات
- 1,220
- مستوى التفاعل
- 251
- النقاط
- 1
- العمر
- 31
- الإقامة
- Piltover
- توناتي
- 0
- الجنس
- ذكر
LV
0
[TBL="http://im78.gulfup.com/5pumh3.png"]
[/TBL]
الباب الثاني : رهبة الظلمة
- ياسر -
في طريق عودتي إلى القاهرة ، شيءٌ ما كان ينسيني كل همومي ، لم يكن النّسيم العليل
الذي داعب وجهي في ذاك الصباح الصّيفي من يوليو ، الشّهر الأكثر لهيباً !
وليس لأنّني أعشق السّفر البرّي ، وليس لأنّني بعيدٌ عن كلّ ما حدث مؤخراً .
كان ذلك فقط لأنّي قابلتُها ! لا أصدّق أنّي وجدتُها ،
حينما قالوا لي أن منجدة مالك من حالته موجودة في أحد مستشفيات بور سعيد ، لم أصدّق نفسي
هلعتُ إلى هنا وكلّي يأس بأنّ حالته لا شفاء منها ، وأنّ إعاقاته الجديد تحيل بينه وبيني ..
لا يمكنني الدخول إلى عقله بسببها ، تمنعني من ذلك !
لا يتملّك عقله سوى عتمته ، تبتلعه أمرّ ابتلاع .. وقد كنتُ يائس أنّ أحدهم يمكنه أن يهزم عتمته
لكنّ حياة أحبّائي على المحك هـُنا ، حاولتُ كثيراً طمأنة حالي بأنّ كلام نور زكريا لم يكن تهديداً
لكنّ نفسي كانت أذكى من أن ترضى بمثل تلك الأكاذيب ،
ذهبتُ إلى الهوّاري وعندما رأى علامات الفزع على وجهي وأنا أنطق باسم زكريا
لم ينطق سوى بـ " أنا مشغول الآن يا ياسر ، اذهب إلى حالاتك وتقاريرك الخاصة ، لا مزيد من الوقت لديَ
لأقضيه في الحديث عن هؤلاء الملاعين "
ربّما كان في كلامه قوّة ، لكن كلّ ما رأيته في عينيه هو الضّعف !
علمتُ أنّها لم تكن أكاذيب ، وأنّني لستُ وحدي تحت أنياب هذه العائلة أحاولاً بكل استماتتي
أن أتجنّب الطّرف المدّبب في كل مرة يقررون فيها إطباق فكّهم والقضاء على أحدهم بالداخل
منعتُ نفسي من زيارة صديقي الأقرب ، رغم أنّني كنتُ معتاداً على البقاء عنده
ومكوثي لم يكن يـُحصى بما هو أقل من ساعات ! ، واعتكفتُ على هذه الحالة دون غيرها هذا الصيف
وعندما علمتُ بأمر هذا الأمل ، لم أتردد لحظة في محاولة نيله حتى وإن كان أملاً ضعيفاً
ففيه أماناً لي ، وشفاءاً لأكثر الحالات التي جذبتني على مسار تاريخي الطّبي بأكمله.
عندما وصلتُ إلى بور سعيد ، وسألت أحد زملائي عنها هناك ، أخبرني بأنّها قد غادرت بور سعيد ،
وأنّها في الزقازيق في مشفى صيدناوي ، شعرتُ بيأس قد دبّ في أعماقي
أنّني قطعت ضعف المسافة من القاهرة للزقازيق للاشيء ، لكنّ الأمل عاد بل وكان أكبر بكثير
من السّمعة الطّيبة التي حظت بها تلك الفتاة في المشفى هناك ،،
كان عليّ العودة إلى الزقازيق ، فعلتُها دون راحة !
عدتُ إلى هناك وذهبتُ إلى مشفى صيدناوي ، إنّها مشفاً عام ،
لم أكن لأصدّق أنّها بعد كلّ ما سمعته من إنجازات عنها ، تواصل التواجد في مثل تلك المستشفيات العامة
عندما قابلتُها ، جعلتني أبتهج ، شعرتُ وقتها بأنّني المريض وهي المعالجة
شعرتُ وكأنّني أنا من كنتُ في رهبة الظلمة ! وقد انتشلتني هي منها.
صدقاً في بعض الأوقات أشعر فعلاً أنّني في رهبة الظلمة ، ولستُ أنا فقط !
بل كل المحيطين بمالك ، وقد استنتجتُ أنّ هذا هو السبب في انجذابي لتلك الحالة دون غيرها.
هناك العديد من النظريّات الطّبية التي تثبت قوى العدوى النّفسيَة
فإن أتيت برجلٍ مكتئب وأجبرته على الجلوس مع رجل مليء بالبهجة ، وأبقيتهما مع بعضهما
دون أي مؤثرات خارجية ، سيطغي في النّهاية أحدهم على الآخر !
فإن كانت بهجة الرّجل الثاني أعمق من كآبة الرّجل الأول ، ستقضي البهجة على كآبتهما معاً
والعكس صحيح كذلك !
وقد كنتُ أحاول تطبيق ذلك مؤخراً على نظرية العتمة خاصتي ، بعض الأحيان تكون العتمة أقوى بكثير من كل ما يحيط بها
أقوى لدرجة تجعلها عتمة لا تسكن قلب واحدٍ فقط ، وإنّما تنتشر وتعدي كل المحيطين به
والموجودين في حالته ،، فتصبح العتمة عتمةً عامة
ربّما تنتقل في مراحلها بين الجميع ، دون أدنى تمييز بأي شخص ستنزل مرحلة بعينها
ساورتني الشّكوك حول ذلك عندما شعرتُ بأنّنا كلّنا مررنا بذاكرة الضوء.
من تعاملي البسيط مع من حول مالك علمتُ أنّ كلاً منهم كان يفكّر في الذكرى الأكثر بياضاً من ماضيه
فلم تكن هيام تنفك عن الحديث عن ثروة والدها قبل الأزمة الاقتصادية العالمية ، ودائماً ما كان يذكر أيمن طفولته هو ومالك
حتى ساندرا التي نـُقلت إلى المشفى للعلاج ، عندما باشرتُ معها في جلساتها العلاجية
للتحسين من أوضاعها النّفسية بعد حادثة الاختطاف ، لم يكن يرسم البسمة على وجهها
سوى حديثها عن كمال ، ليس عن موته وإنّما عن ابتسامته !
حتى أنّني قبيل دخولي للمشفى ورؤيتي لمالك أوّل مرة ..
كان كلّ ما يشغل بالي نجاح تقاريري ورسالتي ،
ورغبتي في نقل نجاحاتي هنا إلى المجتمع العالميّ في الخارج
وكلّ ذلك توقف فجأة عندما بدأت رهبة الظلمة عند مالك ، كلّنا انتابتنا الظلمة نفسها !!
لا ينفك تهديد نور إليّ يساورني ويخطفني من سعادتي برؤية أملي في علاج مالك
تارة أفرح وتارة أحزن ، يا إلهي هذا في حد ذاته يشعرني أنّي بين مخالب الظلمة ..
الرهبة السابعة في ترتيب رهبات المرحلة الثانية من العتمة !
هل حقاً عتمتنا جماعية ؟ هل وصلنا بسرعة إلى المرحلة السابعة ؟
لم أغب عنهم الكثير ليحدث كلّ ذلك !!
أتمنّى فقط أن تكون مجرّد شكوك ، أخشى كلّ ما أخشاه أن أعود لمالك وأراه قد دخل في النّصف الثاني من رهبة الظلمة
الأمر سيكون أصعب بكثير ، فلا يقارن هذا النّصف بنصفه الأول على الإطلاق
خاصة المرحلة الأولى منه والسّادسة بشكل عام !
وصلتُ أخيراً إلى المشفى ، صعدتُ الدرجات الأولى وكلّي رهبة ، لم أتأمّل المبنى من خارجه كالمعتاد
أريد الاطمئنان على مالك ، هذا كلّ ما أريده ، أعلم أنّي مطلوبٌ في حالتيّ كشف في السّجن
وأنّ الأمر هناك له أولويّته ، لكنّني لا أنفك عن القلق حوله أكثر من أي شيء آخر !
لم أعرج على منزلي لأستريح قليلاً ، اكتفيتُ بالاطمئنان عليهم هاتفياً فقط
يجب أن يكون مالك بخير ، ليس بعد كلّ ما وصلتُ إليه
وبين حيرتي وقلقي إذا بأحدهم يمسك بقبضته القويّة معصمي الأيمن فيسحب جسدي بأكمله للوراء
ذلك الجسد الذي وصل به الجموح أعلى درجات الجنون في رغبته للاستمرار في طريقه
لكنّ القبضة كانت عتيّة ، أرغمت جسدي المنهك على الانصياع لها
التفتُ ورائي لأجد أيمن أمام ناظريّ ، حاولتُ التحرّر من قبضته فإذا به ينطق
- " مالك بخير ، أحتاج للحديث معك "
- " مرحباً يا أيمن ، سأوافيك في لحظات .. "
- " الآن يا دكتور " وقد قالها بصوتِ أجش افاقني من حالة جموحي
معّنتُ النظر حينها قليلاً في وجهه فلم أره أيمن الذي عهدتّه الفترة سابقاً ، أطلنا النّظر ثمّ التفت وراءه قائلاً
- " اتبعني رجاءاً "
وكأنّه أفلت يدي ليترك لي الخيار في اتّباعه أم لا !!!
- الرّهبة السابعة : مخالب الظلمة -
خرجتُ معه بينما كان يصبّ كل غضبه في قبضته عليّ ، شعرتُ للحظة أنّهم استشعروا شيئاً منّي وأرادوا قتلي
هل علموا أنّني نقّبتُ عن القضية وعرفتُ المتّهم فيها ؟ هل هذا يكفي لقتلي ؟!
لكنّني استرجعتُ عقلي من شروده حينها فأنا أعلم أن أيمن مختلف عنهم ، لا أعرف ماذا أصابني من تردد هذا اليوم !
لا أفهم لمَ أشعر بأنّني مشتت ؟ وأنّ كل ما تبيّنته من حقائق واستنتاجات عادت محلّ الشّك من جديد !
تركني أيمن بعد خروجنا من المشفى ، وطلب منّي الذهاب معه للغداء ، لا أعرف أي غداءِ هذا الذي يجرّني إليه بهذا الشكل !
لكنّني علمتُ أنّ هناك خطبٌ ما ، بمقدار قلقي ممّا يخفي كنتُ قلقاً على ما ورائي من واجباتٍ كذلك .
ذهبنا إلى مطعم وقـُدّمت لنا المقبّلات ، فإذا به ينظر إليّ نظرة امتلأت رهبةً وقلقاً
- " لقد مات لوكا " قالها أيمن
استشطتُ غضباً ونهضتُ من مقعدي قائلاً " هل تظنّني لا أعلم ما حلّ بلوكا ؟ "
- " لم ينتحر ! " قالها بكلّ هدوء .
استوعبتُ الكلمة ببطء شديد سقطتُ بعدها على مقعدي .. " ماذا تقصد ؟ "
- " لقد قـُتل "
- " من فعلها ؟ "
صمتَ حينها أيمن طويلاً وقد كانت عينيه قابعة في طبقه ، ثمّ نظر إليّ قائلاً
" يا دكتور ، أشعر فيك بالطيبة وسمعتكَ دائماً ما تسبقك ، ولقد انتهى بي المطاف لاجئاً إليك
لا أعرف لمَ أثق فيك ، لكنّني أشعر بأنّك أملي الوحيد في مستقبل مالك " قالها أيمن وقد بدأت عيناه تتلألأ دموعاً
- " هدّئ من روعك يا أيمن ، أمل مالك في يد الله وليس في يدي ، ماذا هناك يا بنيّ ؟ "
هدأ البكاء فجأة ، وعندما سقطت آخر دمعة من خدّه وتناثرت إلى لاشيء ، تحوّل وجهه إلى برودٍ تام ،
حينها شعرتُ بأنّني لا أجلس أمام أيمن ، لقد شعرتُ أنّني أجلس أمام أطياف
لم ألحظ يوماً ذلك الشّبه بينهما ، دائماً ما كنتُ أرى ملامحها في وجه مالك ، كانت المرّة الأولى التي أراها في أيمن
" إن كنتَ مستعدّا لسماع ما سأقول ، فاعلم أنّ حياتك أصبحت على المحك منذ هذه اللحظة ، ولتعلم أنّها لم تكون
يوماً آمنة منذ أن اختاروك طبيباً لأحد أفراد عائلتنا "
شعرتُ برعشة انتابت عنقي وخوفٌ يدبّ في عروقي ، وكأنّني في مجابهة وحشٍ داخل قفصه منذ سنين
وقد حانت لحظة تحريره الآن ! ، أومأتُ برأسي أن يكمل دون أن أنبس بكلمة
- " لقد قـُتل لوكا على يد عائلتنا ، لأنّه علم بأكثر ممّا ينبغي ، لا أعرف ما علمه لوكا لكنّني علمتُ بأنّنا قاتليه "
لم أشعر بمفاجأتي كثيراً ، فقد كنتُ استنجتُ مسبقاً ما سيقوله ، لكن فاجأني ما قاله بعدها بلحظات ..
" لا يقف الأمر عند ذلك الحد ، إن أطياف قاتلة كمال ، والسّبب في شلل مالك "
حينها تملّكني شعورٌ لم أتمكّن من وصفه مطلقاً ، ولا أعرف ما هو .. شعورٍ كذلك الذي ينتابني من تفكيري بالمرحلة
الأخيرة من العتمة ، فكليهما لا أدرك تفسيراً له !
لكنّني ووسط مفاجأتي ، ترددتُ في تصديق كلمة ممّا يقولها ،
أبت نفسي تصديق أمٍ تحاول قتل ابنها ، عائلة كبيرة تفكّر في القتل كخطّة أولى
" وكيف لي أن أصدّقك ؟ "
اقترب أيمن حينها منّي وأمسك بطرفيّ منضدة المطعم " هي من أخبرتني بذلك ! "
- " من هي ؟ "
- " أطياف "
- " أمّك ؟ "
- " أطياف !! "
- " أتحاول إخباري انّها اعترفت بالجريمة ؟ "
- " هيهات يا دكتور ، أي جريمة تلك التي ستعترف بها أطياف ؟ لقد أخبرتني لأنّها تحاول ترويضي
ترى نفسها داخلي ، فتحاول أن تعلّمني أصول ألعابها "
- " لم تكذب ! "
- " ماذا تقصد ؟ "
- " أقصد أنّك تشبهها فعلاً ، ألم تنظر إلى مرآة وأنت على حالتك تلك ؟
وها أنت الآن تدّعي الأكاذيب والاتهامات حول عائلتك لأنّك تكره أمّك ! "
- " ماذا بك يا دكتور ؟ لم تكن تلك ردّة الفعل التي كنتُ أنتظرها منك "
- " وهل تعرفني لتتوقّع ردود أفعالي ؟ اعذرني لا وقت لديّ لكل تلك التفاهات ! "
..... صدقاً ماذا بي ؟ لستُ أنا من يتخذ قراراً سريعاً بالانسحاب هكذا ؟ شيء ما يشتت تفكيري !
لكنّي لا زلتُ منصاعاً له !! لقد نهضتُ من المنضدة وهممتُ بالرحيل .. تاركاً أيمن وحده ..
خرجتُ من المطعم فإذا به يلحق بي ..
- " لديّ الدّليل "
لم ألتفت لكلامه كثيراً ، عليّ الذهاب لإتمام ما أمرتُ به !
- " أنا أعرف العتمة "
التفتُ سريعاً له وقد انفعلت كلّ ذرة في جسدي مع كلّ حرف نطق به ..
- " ماذا تقول ؟ "
- " أعرف العتمة ، أعرف نظريّتك ، لستُ وحدي من يعرفها ، أطياف ووسام يعلمان بأمرها كذلك ! "
- " كيف ذلك ؟ ، ومن وسام ؟ "
- " وسام محامي العائلة وعمّي الأصغر ، لقد حصلا على كلّ شيء من مكتبك ، لا أعرف كيف ولكن تمكّنا من فعلها ؟! "
- " نظريّتي ليست في مكتبي بالمشفى ، إنّها .. "
- " في خزينة مكتبك بالجامعة ، أعلم ذلك .. صدّقني إنّها معهم "
- " لماذا نقّبوا في حاجيّاتي ؟ "
- " كان لا بدّ من معرفة نهجك في علاج مالك ، إنّهم يريدون لعلاجك أن يفشل ، يريدون موت مالك !! "
- " هل جننتُ ، أي أمّ ستود .. "
قاطعني أيمن صارخاً ، " لا تكرّر لفظ أمِ كثيراً فهي وحشٌ لا أكثر ، نعم ، ستقتل ابنها إن رأت في ذلك مصلحةً لها !
وأنا لم آتي بك هنا لطرح الأكاذيب ، نعلم عتمتك .. نعلم ذاكرة الضوء ، نعلم رهبة الظلمة ومراحلها العشر
نعلم بأمر الغريزتين ، وأنّك نفسك لا زلتَ عاجزاً عن تفسير المرحلة الأخيرة "
.. يا إلهي .. إنّه يعلم كلّ شيء فعلاً !!
- " لماذا تخبرني بكلّ ذلك الآن ؟ "
اقترب حينها أيمن منّي ، قائلاً ..
- " جئتُك أرجوك يا دكتور ، جد طريقة لعلاجه ، أعرف انّهم سيحاولون ابطال اسلوبك التقليديّ
لكن عليك استخدام اسلوبٍ آخر ، كل ما أريده أن تتمكّن من علاج مالك ، أكمل مهمتك فقط ..
واترك الباقي لي "
- " لا أظنّك قادراً على مواجهتهم ! "
- " لا تستهن بي ، في رأيك كيف حصلتُ على كل تلك المعلومات ؟ كيف عرفتُ أنّهم نقّبوا وراءك ؟
لديّ عيون وسطهم يا دكتور ، ليسوا وحدهم من يخطط لينل ما يريد ! "
صمتَ حينها برهة ثمّ نظر إليّ مجدداً وقال
- " حالتيّ السّجن اللتان ستفحصهما هما المتهّمان في مقتل كمال ،
أولهما سيّد وهو رجلٌ طيب لا علاقة له بكل ما يجري ، وثانيهم عمّي حامد ..
لقد اتهّموه بالذهان ، وبأنّه من قتل ابنه ولوكا أثناء غياب عقله .. أعلم أن الرجلين بريئين من التهمة
وأنّ الجريمتين من تدبير أطياف ووسام ، فافحصهما وبرءهما رجاءاً "
صمت حينها وكأنّ تفكيره ذهب به لبعيد ، ولم أكن أفضل حالاً منه ، فقد تملّكني تفكيري أنا الآخر
بعدها ظهر غضباً عليه وتلألأت عيناه مرة أخرى ،
ثمّ نطق قائلاً " يا إلهي لا أعلم متى سأخرج من هذه الدوّامة ؟ "
.. لا أعلم حينها مقدار ما انتابني من شعورٍ بالمفاجأة عندما سمعتُ تلك الكلمة .. نقطتُ قائلاً
- " دوّامة !! لا !! لا تقلها رجاءاً "
ركضتُ مسرعاً نحو سيّارتي وسط دهشة أيمن من ردّة فعلي ..
نظرتُ إليه مجدّداً وقلتُ " لا تقلق ، لديّ الحل لشفاء أخيك "
ركبتُ السيّارة وانطلقتُ بها مسرعاً نحو السّجن ، لقد اتّضح كلّ شيء الآن ، علمتُ لمَ أنا متردّد
إنّها مخالب الظلمة ، الرهبة السابعة .. حيث تتمثّل الظلمة في صورة وحش في عقل الإنسان
تجعله مشتت الذهن والانتباه ، جرّاء ما تصيبه من خوف !
ربّاه ما هذا الأسلوب الركيك الذي وصفتُ به تلك المرحلة ! كان لا بد أن أكون أكثر قوّة في وصفي فهي واحدةٌ من أشرس المراحل ، لما تسبّبه من خوف في قلب من تصيبه !
لكنّي لا أكتبُ تقريري الطّبي الآن ، ولا وقت للتفكير في الكثير من المرادفات اللغوية المناسبة في كلامي.
لم أتيقّن أنّ العتمة عامة علينا وحسب ، بل علمتُ أنّ رهبة الظلمة قد تخطّت نصفها الأوّل كذلك
ونحن في النّصف الآخر ! نحن جميعنا الآن !
أعلم كيف أنهي الأمر ، عليّ أن أقتل تلك الرّهبة ، يجب أن أصل بها إلى المرحلة الأخيرة قبل أن تتمّ مراحلها كلّها
يجب أن انتقل بمالك إلى غريزة عقله ، حينها ، وحينها فقط .. سأتمكّن من السيطرة على الوضع برمّته
يجب أن تصلي من الزقازيق سريعاً إلى هنا .. لا وقت لتتأخري الآن !!
كلّ ما يقلقني أنّي لا أعرف من مرّ بكل مرحلة من مراحل الرهبة السابقة ..
لا أعلم من تملّكت منه الرهبة السادسة .. الرهبة الأخطر .. الرهبة التي بدأت جحيم النّصف الآخر
من تملّكت منه رهبة الاستسلام ؟!
- يـُتبع -
* عارف انه اللي ظهرت الرهبة السابعة وكان مفروض السادسة ، بس اعتقد انتوا فهمتم من آخر الفصل هي مظهرتش ليه
- ياسر -
في طريق عودتي إلى القاهرة ، شيءٌ ما كان ينسيني كل همومي ، لم يكن النّسيم العليل
الذي داعب وجهي في ذاك الصباح الصّيفي من يوليو ، الشّهر الأكثر لهيباً !
وليس لأنّني أعشق السّفر البرّي ، وليس لأنّني بعيدٌ عن كلّ ما حدث مؤخراً .
كان ذلك فقط لأنّي قابلتُها ! لا أصدّق أنّي وجدتُها ،
حينما قالوا لي أن منجدة مالك من حالته موجودة في أحد مستشفيات بور سعيد ، لم أصدّق نفسي
هلعتُ إلى هنا وكلّي يأس بأنّ حالته لا شفاء منها ، وأنّ إعاقاته الجديد تحيل بينه وبيني ..
لا يمكنني الدخول إلى عقله بسببها ، تمنعني من ذلك !
لا يتملّك عقله سوى عتمته ، تبتلعه أمرّ ابتلاع .. وقد كنتُ يائس أنّ أحدهم يمكنه أن يهزم عتمته
لكنّ حياة أحبّائي على المحك هـُنا ، حاولتُ كثيراً طمأنة حالي بأنّ كلام نور زكريا لم يكن تهديداً
لكنّ نفسي كانت أذكى من أن ترضى بمثل تلك الأكاذيب ،
ذهبتُ إلى الهوّاري وعندما رأى علامات الفزع على وجهي وأنا أنطق باسم زكريا
لم ينطق سوى بـ " أنا مشغول الآن يا ياسر ، اذهب إلى حالاتك وتقاريرك الخاصة ، لا مزيد من الوقت لديَ
لأقضيه في الحديث عن هؤلاء الملاعين "
ربّما كان في كلامه قوّة ، لكن كلّ ما رأيته في عينيه هو الضّعف !
علمتُ أنّها لم تكن أكاذيب ، وأنّني لستُ وحدي تحت أنياب هذه العائلة أحاولاً بكل استماتتي
أن أتجنّب الطّرف المدّبب في كل مرة يقررون فيها إطباق فكّهم والقضاء على أحدهم بالداخل
منعتُ نفسي من زيارة صديقي الأقرب ، رغم أنّني كنتُ معتاداً على البقاء عنده
ومكوثي لم يكن يـُحصى بما هو أقل من ساعات ! ، واعتكفتُ على هذه الحالة دون غيرها هذا الصيف
وعندما علمتُ بأمر هذا الأمل ، لم أتردد لحظة في محاولة نيله حتى وإن كان أملاً ضعيفاً
ففيه أماناً لي ، وشفاءاً لأكثر الحالات التي جذبتني على مسار تاريخي الطّبي بأكمله.
عندما وصلتُ إلى بور سعيد ، وسألت أحد زملائي عنها هناك ، أخبرني بأنّها قد غادرت بور سعيد ،
وأنّها في الزقازيق في مشفى صيدناوي ، شعرتُ بيأس قد دبّ في أعماقي
أنّني قطعت ضعف المسافة من القاهرة للزقازيق للاشيء ، لكنّ الأمل عاد بل وكان أكبر بكثير
من السّمعة الطّيبة التي حظت بها تلك الفتاة في المشفى هناك ،،
كان عليّ العودة إلى الزقازيق ، فعلتُها دون راحة !
عدتُ إلى هناك وذهبتُ إلى مشفى صيدناوي ، إنّها مشفاً عام ،
لم أكن لأصدّق أنّها بعد كلّ ما سمعته من إنجازات عنها ، تواصل التواجد في مثل تلك المستشفيات العامة
عندما قابلتُها ، جعلتني أبتهج ، شعرتُ وقتها بأنّني المريض وهي المعالجة
شعرتُ وكأنّني أنا من كنتُ في رهبة الظلمة ! وقد انتشلتني هي منها.
صدقاً في بعض الأوقات أشعر فعلاً أنّني في رهبة الظلمة ، ولستُ أنا فقط !
بل كل المحيطين بمالك ، وقد استنتجتُ أنّ هذا هو السبب في انجذابي لتلك الحالة دون غيرها.
هناك العديد من النظريّات الطّبية التي تثبت قوى العدوى النّفسيَة
فإن أتيت برجلٍ مكتئب وأجبرته على الجلوس مع رجل مليء بالبهجة ، وأبقيتهما مع بعضهما
دون أي مؤثرات خارجية ، سيطغي في النّهاية أحدهم على الآخر !
فإن كانت بهجة الرّجل الثاني أعمق من كآبة الرّجل الأول ، ستقضي البهجة على كآبتهما معاً
والعكس صحيح كذلك !
وقد كنتُ أحاول تطبيق ذلك مؤخراً على نظرية العتمة خاصتي ، بعض الأحيان تكون العتمة أقوى بكثير من كل ما يحيط بها
أقوى لدرجة تجعلها عتمة لا تسكن قلب واحدٍ فقط ، وإنّما تنتشر وتعدي كل المحيطين به
والموجودين في حالته ،، فتصبح العتمة عتمةً عامة
ربّما تنتقل في مراحلها بين الجميع ، دون أدنى تمييز بأي شخص ستنزل مرحلة بعينها
ساورتني الشّكوك حول ذلك عندما شعرتُ بأنّنا كلّنا مررنا بذاكرة الضوء.
من تعاملي البسيط مع من حول مالك علمتُ أنّ كلاً منهم كان يفكّر في الذكرى الأكثر بياضاً من ماضيه
فلم تكن هيام تنفك عن الحديث عن ثروة والدها قبل الأزمة الاقتصادية العالمية ، ودائماً ما كان يذكر أيمن طفولته هو ومالك
حتى ساندرا التي نـُقلت إلى المشفى للعلاج ، عندما باشرتُ معها في جلساتها العلاجية
للتحسين من أوضاعها النّفسية بعد حادثة الاختطاف ، لم يكن يرسم البسمة على وجهها
سوى حديثها عن كمال ، ليس عن موته وإنّما عن ابتسامته !
حتى أنّني قبيل دخولي للمشفى ورؤيتي لمالك أوّل مرة ..
كان كلّ ما يشغل بالي نجاح تقاريري ورسالتي ،
ورغبتي في نقل نجاحاتي هنا إلى المجتمع العالميّ في الخارج
وكلّ ذلك توقف فجأة عندما بدأت رهبة الظلمة عند مالك ، كلّنا انتابتنا الظلمة نفسها !!
لا ينفك تهديد نور إليّ يساورني ويخطفني من سعادتي برؤية أملي في علاج مالك
تارة أفرح وتارة أحزن ، يا إلهي هذا في حد ذاته يشعرني أنّي بين مخالب الظلمة ..
الرهبة السابعة في ترتيب رهبات المرحلة الثانية من العتمة !
هل حقاً عتمتنا جماعية ؟ هل وصلنا بسرعة إلى المرحلة السابعة ؟
لم أغب عنهم الكثير ليحدث كلّ ذلك !!
أتمنّى فقط أن تكون مجرّد شكوك ، أخشى كلّ ما أخشاه أن أعود لمالك وأراه قد دخل في النّصف الثاني من رهبة الظلمة
الأمر سيكون أصعب بكثير ، فلا يقارن هذا النّصف بنصفه الأول على الإطلاق
خاصة المرحلة الأولى منه والسّادسة بشكل عام !
وصلتُ أخيراً إلى المشفى ، صعدتُ الدرجات الأولى وكلّي رهبة ، لم أتأمّل المبنى من خارجه كالمعتاد
أريد الاطمئنان على مالك ، هذا كلّ ما أريده ، أعلم أنّي مطلوبٌ في حالتيّ كشف في السّجن
وأنّ الأمر هناك له أولويّته ، لكنّني لا أنفك عن القلق حوله أكثر من أي شيء آخر !
لم أعرج على منزلي لأستريح قليلاً ، اكتفيتُ بالاطمئنان عليهم هاتفياً فقط
يجب أن يكون مالك بخير ، ليس بعد كلّ ما وصلتُ إليه
وبين حيرتي وقلقي إذا بأحدهم يمسك بقبضته القويّة معصمي الأيمن فيسحب جسدي بأكمله للوراء
ذلك الجسد الذي وصل به الجموح أعلى درجات الجنون في رغبته للاستمرار في طريقه
لكنّ القبضة كانت عتيّة ، أرغمت جسدي المنهك على الانصياع لها
التفتُ ورائي لأجد أيمن أمام ناظريّ ، حاولتُ التحرّر من قبضته فإذا به ينطق
- " مالك بخير ، أحتاج للحديث معك "
- " مرحباً يا أيمن ، سأوافيك في لحظات .. "
- " الآن يا دكتور " وقد قالها بصوتِ أجش افاقني من حالة جموحي
معّنتُ النظر حينها قليلاً في وجهه فلم أره أيمن الذي عهدتّه الفترة سابقاً ، أطلنا النّظر ثمّ التفت وراءه قائلاً
- " اتبعني رجاءاً "
وكأنّه أفلت يدي ليترك لي الخيار في اتّباعه أم لا !!!
- الرّهبة السابعة : مخالب الظلمة -
خرجتُ معه بينما كان يصبّ كل غضبه في قبضته عليّ ، شعرتُ للحظة أنّهم استشعروا شيئاً منّي وأرادوا قتلي
هل علموا أنّني نقّبتُ عن القضية وعرفتُ المتّهم فيها ؟ هل هذا يكفي لقتلي ؟!
لكنّني استرجعتُ عقلي من شروده حينها فأنا أعلم أن أيمن مختلف عنهم ، لا أعرف ماذا أصابني من تردد هذا اليوم !
لا أفهم لمَ أشعر بأنّني مشتت ؟ وأنّ كل ما تبيّنته من حقائق واستنتاجات عادت محلّ الشّك من جديد !
تركني أيمن بعد خروجنا من المشفى ، وطلب منّي الذهاب معه للغداء ، لا أعرف أي غداءِ هذا الذي يجرّني إليه بهذا الشكل !
لكنّني علمتُ أنّ هناك خطبٌ ما ، بمقدار قلقي ممّا يخفي كنتُ قلقاً على ما ورائي من واجباتٍ كذلك .
ذهبنا إلى مطعم وقـُدّمت لنا المقبّلات ، فإذا به ينظر إليّ نظرة امتلأت رهبةً وقلقاً
- " لقد مات لوكا " قالها أيمن
استشطتُ غضباً ونهضتُ من مقعدي قائلاً " هل تظنّني لا أعلم ما حلّ بلوكا ؟ "
- " لم ينتحر ! " قالها بكلّ هدوء .
استوعبتُ الكلمة ببطء شديد سقطتُ بعدها على مقعدي .. " ماذا تقصد ؟ "
- " لقد قـُتل "
- " من فعلها ؟ "
صمتَ حينها أيمن طويلاً وقد كانت عينيه قابعة في طبقه ، ثمّ نظر إليّ قائلاً
" يا دكتور ، أشعر فيك بالطيبة وسمعتكَ دائماً ما تسبقك ، ولقد انتهى بي المطاف لاجئاً إليك
لا أعرف لمَ أثق فيك ، لكنّني أشعر بأنّك أملي الوحيد في مستقبل مالك " قالها أيمن وقد بدأت عيناه تتلألأ دموعاً
- " هدّئ من روعك يا أيمن ، أمل مالك في يد الله وليس في يدي ، ماذا هناك يا بنيّ ؟ "
هدأ البكاء فجأة ، وعندما سقطت آخر دمعة من خدّه وتناثرت إلى لاشيء ، تحوّل وجهه إلى برودٍ تام ،
حينها شعرتُ بأنّني لا أجلس أمام أيمن ، لقد شعرتُ أنّني أجلس أمام أطياف
لم ألحظ يوماً ذلك الشّبه بينهما ، دائماً ما كنتُ أرى ملامحها في وجه مالك ، كانت المرّة الأولى التي أراها في أيمن
" إن كنتَ مستعدّا لسماع ما سأقول ، فاعلم أنّ حياتك أصبحت على المحك منذ هذه اللحظة ، ولتعلم أنّها لم تكون
يوماً آمنة منذ أن اختاروك طبيباً لأحد أفراد عائلتنا "
شعرتُ برعشة انتابت عنقي وخوفٌ يدبّ في عروقي ، وكأنّني في مجابهة وحشٍ داخل قفصه منذ سنين
وقد حانت لحظة تحريره الآن ! ، أومأتُ برأسي أن يكمل دون أن أنبس بكلمة
- " لقد قـُتل لوكا على يد عائلتنا ، لأنّه علم بأكثر ممّا ينبغي ، لا أعرف ما علمه لوكا لكنّني علمتُ بأنّنا قاتليه "
لم أشعر بمفاجأتي كثيراً ، فقد كنتُ استنجتُ مسبقاً ما سيقوله ، لكن فاجأني ما قاله بعدها بلحظات ..
" لا يقف الأمر عند ذلك الحد ، إن أطياف قاتلة كمال ، والسّبب في شلل مالك "
حينها تملّكني شعورٌ لم أتمكّن من وصفه مطلقاً ، ولا أعرف ما هو .. شعورٍ كذلك الذي ينتابني من تفكيري بالمرحلة
الأخيرة من العتمة ، فكليهما لا أدرك تفسيراً له !
لكنّني ووسط مفاجأتي ، ترددتُ في تصديق كلمة ممّا يقولها ،
أبت نفسي تصديق أمٍ تحاول قتل ابنها ، عائلة كبيرة تفكّر في القتل كخطّة أولى
" وكيف لي أن أصدّقك ؟ "
اقترب أيمن حينها منّي وأمسك بطرفيّ منضدة المطعم " هي من أخبرتني بذلك ! "
- " من هي ؟ "
- " أطياف "
- " أمّك ؟ "
- " أطياف !! "
- " أتحاول إخباري انّها اعترفت بالجريمة ؟ "
- " هيهات يا دكتور ، أي جريمة تلك التي ستعترف بها أطياف ؟ لقد أخبرتني لأنّها تحاول ترويضي
ترى نفسها داخلي ، فتحاول أن تعلّمني أصول ألعابها "
- " لم تكذب ! "
- " ماذا تقصد ؟ "
- " أقصد أنّك تشبهها فعلاً ، ألم تنظر إلى مرآة وأنت على حالتك تلك ؟
وها أنت الآن تدّعي الأكاذيب والاتهامات حول عائلتك لأنّك تكره أمّك ! "
- " ماذا بك يا دكتور ؟ لم تكن تلك ردّة الفعل التي كنتُ أنتظرها منك "
- " وهل تعرفني لتتوقّع ردود أفعالي ؟ اعذرني لا وقت لديّ لكل تلك التفاهات ! "
..... صدقاً ماذا بي ؟ لستُ أنا من يتخذ قراراً سريعاً بالانسحاب هكذا ؟ شيء ما يشتت تفكيري !
لكنّي لا زلتُ منصاعاً له !! لقد نهضتُ من المنضدة وهممتُ بالرحيل .. تاركاً أيمن وحده ..
خرجتُ من المطعم فإذا به يلحق بي ..
- " لديّ الدّليل "
لم ألتفت لكلامه كثيراً ، عليّ الذهاب لإتمام ما أمرتُ به !
- " أنا أعرف العتمة "
التفتُ سريعاً له وقد انفعلت كلّ ذرة في جسدي مع كلّ حرف نطق به ..
- " ماذا تقول ؟ "
- " أعرف العتمة ، أعرف نظريّتك ، لستُ وحدي من يعرفها ، أطياف ووسام يعلمان بأمرها كذلك ! "
- " كيف ذلك ؟ ، ومن وسام ؟ "
- " وسام محامي العائلة وعمّي الأصغر ، لقد حصلا على كلّ شيء من مكتبك ، لا أعرف كيف ولكن تمكّنا من فعلها ؟! "
- " نظريّتي ليست في مكتبي بالمشفى ، إنّها .. "
- " في خزينة مكتبك بالجامعة ، أعلم ذلك .. صدّقني إنّها معهم "
- " لماذا نقّبوا في حاجيّاتي ؟ "
- " كان لا بدّ من معرفة نهجك في علاج مالك ، إنّهم يريدون لعلاجك أن يفشل ، يريدون موت مالك !! "
- " هل جننتُ ، أي أمّ ستود .. "
قاطعني أيمن صارخاً ، " لا تكرّر لفظ أمِ كثيراً فهي وحشٌ لا أكثر ، نعم ، ستقتل ابنها إن رأت في ذلك مصلحةً لها !
وأنا لم آتي بك هنا لطرح الأكاذيب ، نعلم عتمتك .. نعلم ذاكرة الضوء ، نعلم رهبة الظلمة ومراحلها العشر
نعلم بأمر الغريزتين ، وأنّك نفسك لا زلتَ عاجزاً عن تفسير المرحلة الأخيرة "
.. يا إلهي .. إنّه يعلم كلّ شيء فعلاً !!
- " لماذا تخبرني بكلّ ذلك الآن ؟ "
اقترب حينها أيمن منّي ، قائلاً ..
- " جئتُك أرجوك يا دكتور ، جد طريقة لعلاجه ، أعرف انّهم سيحاولون ابطال اسلوبك التقليديّ
لكن عليك استخدام اسلوبٍ آخر ، كل ما أريده أن تتمكّن من علاج مالك ، أكمل مهمتك فقط ..
واترك الباقي لي "
- " لا أظنّك قادراً على مواجهتهم ! "
- " لا تستهن بي ، في رأيك كيف حصلتُ على كل تلك المعلومات ؟ كيف عرفتُ أنّهم نقّبوا وراءك ؟
لديّ عيون وسطهم يا دكتور ، ليسوا وحدهم من يخطط لينل ما يريد ! "
صمتَ حينها برهة ثمّ نظر إليّ مجدداً وقال
- " حالتيّ السّجن اللتان ستفحصهما هما المتهّمان في مقتل كمال ،
أولهما سيّد وهو رجلٌ طيب لا علاقة له بكل ما يجري ، وثانيهم عمّي حامد ..
لقد اتهّموه بالذهان ، وبأنّه من قتل ابنه ولوكا أثناء غياب عقله .. أعلم أن الرجلين بريئين من التهمة
وأنّ الجريمتين من تدبير أطياف ووسام ، فافحصهما وبرءهما رجاءاً "
صمت حينها وكأنّ تفكيره ذهب به لبعيد ، ولم أكن أفضل حالاً منه ، فقد تملّكني تفكيري أنا الآخر
بعدها ظهر غضباً عليه وتلألأت عيناه مرة أخرى ،
ثمّ نطق قائلاً " يا إلهي لا أعلم متى سأخرج من هذه الدوّامة ؟ "
.. لا أعلم حينها مقدار ما انتابني من شعورٍ بالمفاجأة عندما سمعتُ تلك الكلمة .. نقطتُ قائلاً
- " دوّامة !! لا !! لا تقلها رجاءاً "
ركضتُ مسرعاً نحو سيّارتي وسط دهشة أيمن من ردّة فعلي ..
نظرتُ إليه مجدّداً وقلتُ " لا تقلق ، لديّ الحل لشفاء أخيك "
ركبتُ السيّارة وانطلقتُ بها مسرعاً نحو السّجن ، لقد اتّضح كلّ شيء الآن ، علمتُ لمَ أنا متردّد
إنّها مخالب الظلمة ، الرهبة السابعة .. حيث تتمثّل الظلمة في صورة وحش في عقل الإنسان
تجعله مشتت الذهن والانتباه ، جرّاء ما تصيبه من خوف !
ربّاه ما هذا الأسلوب الركيك الذي وصفتُ به تلك المرحلة ! كان لا بد أن أكون أكثر قوّة في وصفي فهي واحدةٌ من أشرس المراحل ، لما تسبّبه من خوف في قلب من تصيبه !
لكنّي لا أكتبُ تقريري الطّبي الآن ، ولا وقت للتفكير في الكثير من المرادفات اللغوية المناسبة في كلامي.
لم أتيقّن أنّ العتمة عامة علينا وحسب ، بل علمتُ أنّ رهبة الظلمة قد تخطّت نصفها الأوّل كذلك
ونحن في النّصف الآخر ! نحن جميعنا الآن !
أعلم كيف أنهي الأمر ، عليّ أن أقتل تلك الرّهبة ، يجب أن أصل بها إلى المرحلة الأخيرة قبل أن تتمّ مراحلها كلّها
يجب أن انتقل بمالك إلى غريزة عقله ، حينها ، وحينها فقط .. سأتمكّن من السيطرة على الوضع برمّته
يجب أن تصلي من الزقازيق سريعاً إلى هنا .. لا وقت لتتأخري الآن !!
كلّ ما يقلقني أنّي لا أعرف من مرّ بكل مرحلة من مراحل الرهبة السابقة ..
لا أعلم من تملّكت منه الرهبة السادسة .. الرهبة الأخطر .. الرهبة التي بدأت جحيم النّصف الآخر
من تملّكت منه رهبة الاستسلام ؟!
- يـُتبع -
* عارف انه اللي ظهرت الرهبة السابعة وكان مفروض السادسة ، بس اعتقد انتوا فهمتم من آخر الفصل هي مظهرتش ليه
[/TBL]
التعديل الأخير: