- إنضم
- 14 يوليو 2018
- رقم العضوية
- 9244
- المشاركات
- 30
- مستوى التفاعل
- 109
- النقاط
- 145
- توناتي
- 0
- الجنس
- أنثى
LV
0
Alma
الفصل الخامس: المَملكة ~
♦
بدأَ الوعي يعود إليها رويداً رويداً، ثُم تحررت حواسها دفعةً واحدة .. شَعرت بالعربة ترتجُ من تحتها بعد أَن التفت نحو طريقٍ وعِرة، وسمعت صوتَ صهيل أحصنة آتٍ مِن الخارج، لَم تُصدق أُذنيها ورفعت رأسها مِن حيثُ كان متكئاً على كتِف هنتر.
انتبه الجميع عِندها أنها استيقظت، وسأَلتها ماري باهتمامِ بادٍ:
" هل أنتِ بخير؟ "
كانت لا تزال تشعر ببعض الدوار والغثيان إن صدُقت معهم، لكنها لم تُرد أن تقلقلهم فأجابت:
" نَعم، أنا بخير "
رفعت بعدها سِتار نافذة العربة التي كانوا فيها كي تُلقي نظرةً إلى الخارج، وما رأته لم يكُن في الحُسبان .. رأت حقلاً زراعياً كبيراً، بِه كمٌ هائل من المُزارعين بقبعات قشٍ صغيرة على رؤوسهم لتحميهم من شمسِ الظهيرة ..
" ما هذا؟ هل أتينا إلى الريف؟ "
ردَّ عليها لوكـآ مُبتسماً:
" الريف ؟ لا آنسة آبي، نحنُ في طريقنا إلى القصرِ الملكي "
زادَ ذلك مِن حيرتها، وعادت للسؤال مُجدداً:
" ماذا تقصد ؟ عن أي قصرٍ تتحدث ؟ أيٌ ملكٍ وأيُ مملكةٍ هذه ؟ "
تدخل هنتر حينها وبدأ بتهدِأتها قائلاً:
" أَعلم أنَ ما سأقولُه غريبٌ جِداً، لكِنها الحقيقة .. نحنُ لسنا في عالمكم، لَقد أتينا بكِ إلى عالمِنا نحن .. هذه مملكتُنا، مملكة ليريـآ، وملِكُنا يُدعى الملك كريستوف الثاني "
حاولَ عقلَها أن يتشَرب ما قاله لها، لَكن لم تجِد أي منطقٍ على الإطلاق في كلامِه، فقررت أن تلزَم الصَمت حتى يصلوا إلى وُجهتهم، وترى بأُم عينيها إن كان ما يقوله صحيحاً أم لا .. استمرَ سكوتهم حتى أشار لها لوكـآ بإصبعه إلى شيءٍ في الخارج ..
" انظُري، آنسة آبي "
عاوَدت النظر مِن النافذة مُجدداً، وهذه المرة المفاجأة كانت أكبرَ من التي قبلها .. فلا يوجدُ وصفٌ كافِ للجمال المعماري الخلاب لمملكة ليريـآ، بدَت المملكة بأكملِها كأنها تتوهج تحتَ خيوطِ الشمس .. أنواعٌ مختلفة من الرُخام قد استخدمت في البنيان وبعضٌ من الأحجار الرملية الحمراء .. بالإضافةِ إلى أن بعض المباني قد رُصعت بالأحجار الكريمة مما زادَ من جمالها.
بعدَ أن اجتازوا الجدران العالية التي تُحيط بقلبِ المملكة واجتازوا البوابةَ الرئيسية، بدأت آبي ترى أُناساً مِن جميع الطبقات .. رأت رجالاً مُتسولين يجلسون على جوانِب الطُرق، ورأت تُجاراً يبيعون قطعاً من الأقمشة ذات الألوان الزاهية، ورأت نساءً في فساتين فاخرة يشترين الحِلي وسلاسل مِن لؤلؤٍ وزُمرد .. بدى الأمرُ كُله وكأن الدهرقد عاد بها إلى الوراء، إلى العصور الوسطى أو شيءٍ مِن هذا القبيل ..وصلوا أخيراً إلى بوابةِ القصر، وهُناك وجدوا خمسةً مِن الحرس الملكي .. أطل لوكـآ برأسه من العربة، وما أن رأوه سمحوا لَهم بالدخول على الفور.
القصرُ مِن الداخل لَم يكن أقل فخامةً مِن خارجه، حيث لَم تر آبي شيئاً مُماثلاً له من قبل، فالجمالُ الساحر والإبداع المكنون في كُل زاوية من زوايا القصر ليس له مثيل .. نسيت آبي نفسها وهي تتأمل في ما حولها، حتى أوقفها هنتر، وانتبهت إلى ملامح وجهه الجادة، بثَّ ذلك القليل من الذُعر في قلبها، وعاد بالها إلى الواقع الذي هي فيه .. قال لها بجدية تامة على غير عادته:
" علينا أَن نُقابل جلالة الملك الآن، ونفسر له ما حدث أثناءَ غيابنا .. لكن لا تقلقي، لا أَظُن أنكِ في ورطة على الإطلاق، لقد أنقذتي حياتنا، والملك سيكون مُمتناً لذلك "
ثم التفت إلى رفيقيه وأردف ..
" أما نحن .. ففي ورطةٍ كبيرةٍ جداً "
♦
في القاعةِ الكبرى للقصر وجدوا الملِك كريستوف الثاني يجلسُ على عرشه المطلي بالذهبِ الخالص، والملئ بالمخدات والأقمشة المخملية ، وعلى جوانب كُل من الدرجات المؤدية إلى العرش وقف حارسان ملكيان لحمايته .. لم تَجد آبي أيَ داعٍ لكل هؤلاء الحُراس لكنها تركت أفكارها لنفسِها فالشخصُ الذي أمامها لا يزالُ ملكاً في نهاية المطاف وأيُ كلمةٍ خاطئة قد تودي بحياتها .. بعد أن اقتربوا بعضَ الشئ انتبهت آبي أن تاجه أيضاً مصنوعٌ من الذهب الخالص، لكن على الرغم من كُل هذا الذهب والثراء، لم تستطع أن تأخذه بجدية فهو مِن وجهة نظرها لا يبدو كملك على الإطلاق .. فجسدُه الهزيل يبدو أنه على وشك أن يختفي بين ملابسه الزاهية، وبشرتهُ وعيناه الذابلتان بالإضافة إلى لحيته البيضاء الطويلة جعلوه يبدو كإحدى الرجال المتسولين الذين رأتهم في طريقها إلى القصر.
ما أن وقفوا أمام العرش مباشرةً، رأت آبي من طرفِ عينها أن هنتر بدأ يحول وزنه من قدم إلى الأخرى دليلاً على توتُره الشديد .. أرادت أن تُربت على كتِف الفتى لتطمئنه قليلاً لكن قبل أن ترفع يدها ارتدَ صوتُ الملك في أرجاء القاعة ..
" في أي جُحرٍ اختفيتُم طوال هذه المُدة؟ "
عمَّ الصمتُ لبعض الوقت وأخذ ثلاثيُ الزودياك يُلقون بأنظارهم بينهم ، حتى بدأَ لوكـآ يتحدث بصوتٍ غلب عليه القلق:
" جلالة الملِك .. لقد كنا نؤدي مهامنا المُعتادة التي أُمرنا بها، ولحِقنا باثنين مِن الهمج الذين تسللوا إلى المملكة كي نمسك بهم قبل أن يعبروا إلى العالمِ المُتحضر، لكنهم نجحوا في المرور مِن خلال إحدى البوابات قبل أن نستطيع القبض عليهم "
بدأت آبي تُقلب ما سمعته في رأسها ’ همَج؟ العالم المُتحضر؟ بوابات؟ ما هذا الهُراء! ‘ .. ثُم التفتت إلى لوكاس الذي ابتلع ريقه قبل أن يُكمل:
" فعبرنا نحنُ أيضاً من البوابة كي نلحقَ بهم ونوقفهم، وانتهى بنا المطاف في العالم المُتحضرفي غابةٍ ما بالتحديد، وللأسف لم نجد أي أثر لهُم .. وكي يزداد الوضعُ سوءاً، قبضت علينا مُنظمة تُدعى ريكس أو شيئاً من هذا القبيل ... "
" إكـس " صححت لهُ آبي بصوت خافت، فألقى إليها نظرة امتنان وأردف:
" أجل إكـس، كانوا على ما يبدوا يتفقدون المنطِقة وقبضوا علينا بعد أن قاموا بإطلاقِ النارعلى هنتر "
ثم أشار إليها مُبتسماً ..
" لكن الآنسة آبي أنقذتنا، ونحن نقف الآن أمامك سالمين بفضل مُساعدتها لنا "
ابتسم الاثنان الآخران حينها واومأوا برؤوسِهم مُوافقين، بادلتهم آبي الابتسامة ثُم وجهت بصرها نحو الملِك، فوجدته ينظُر إليها بحاجبين مقترنين مُفكراً، ثُم لانت ملامح وجهه بعد بُرهة وقال:
" أيتُها الآنسة، أنا في أشد الشكر والامتنان لكِ على المساعدة التي قدمتِها لهؤلاء الثلاثة .. واسمحي لي أن أدعوَك لأن تبقي في ضيافتِنا إلى حينِ شئتي، وأن تطلبي ما تُريده نفسكِ دون أي تردد، وستُلبى طلباتُك على أتم وجه .. الزودياك مهمون بالنسبة لنا، لذلك لقد قدمت لنا معروفاً كبيراً جداً "
ثُم التفت إلى هنتر، لوكـآ، وماري والغضبُ قد اعتلى وجهه، قائلاً:
" أما أنتم فستعرضون إلى عقوبةٍ تُناسب الخطأَ الفادح الذي ارتكبتموه، كيف لكم أن تسمحوا للهمجِ بالفرار، واجبكم هو أن تقوموا بمنعهم مِن العبور إلى العالم المتحضر .. لقد فشلتم في مهمتكم تلك، وفوق هذا كُله كنا على وشك أن نُكشف بسببِكُم إن لم تقم هذه الآنسة بإنقاذكم "
بدت وجوه الثلاثةِ شاحِبة وكأن اللون قد فارقها، وشعرت آبي بالحزن عليهم .. لم تدري أيُ عقوبةِ هذه التي تنتظِرُهم، ولكن من كلام الملك لا بُد من أنها عقوبةٌ شديدة .. فتحت فمها لكي تبدأ بالدفاع عنهم، لكنها فوجئت بباب القاعة يُفتح على مِصراعيه قبل أن تقول شيئاً.
♦
دخلَ شخصان في تلك اللحظة، رجلٌ وامرأة .. هيئةُ الرجل هو أول ما لفتَ انتباه آبي، كيف لَه أن لا يلفت انتباهها بشعره الأبيض، والرموز والخطوطِ التي رُسمت على وجهه باللونين الأَسود والفضي؟ .. والمرأة فقد كانت جميلةٌ جداً، ببشرتها السمراء، وشعرها الأسود الذي لملمته على شكل جدائل متعددة .. كِلاهما كانا يرتديان ملابس فاخرة طُرزت بتطاريز غريبة لم ترى آبي مثلها مِن قبل.
أخذت تتبعُهم ببصرها حتى وقفوا أمام العرش وأحنوا رؤوسهم قليلاً تعبيراً عن احترامهم للملك، عندما رآهم الملك شقَت وجهه ابتسامةٌ عريضة فوجئت آبي لما رأتها ..
" إليـوت .. زويـآ، لقد جئتما في الوقت المناسب، كنت على وشكِ أن أقرر عقوبة مناسبة لهؤلاء الثلاثة "
قالها مُشيراً إلى لوكـآ، هنتر، وماري الذين كانوا ينظرون إلى الرجل ذي الشعر الأبيض أو إليوت كما ناداه الملك وكأن مُنقذهم قد أتى .. فتح الرجُل فمه قائلاً:
" جلالة الملك، أرجو أن تسمحَ لي بأن أتولى شأن عقوبتهم بنفسي .. إنَهم لا يزالون صِغاراً وليسَت لديهم الخبرة الكافية كي يُأدوا هذه المهام بمفردهم على الرغم مِن القوى التي يمتلكونها "
ثم ألقى نظرةً حادة وصارمة نحو الثلاثة وأردف:
" لَقد تولوا هذه المهمة بدونِ إذن مني، أنا .. قائدهم، لَقد عصوا أوامري ولذلك سوف أحرص تمام الحِرص على أن أُهذبهم هذه المرة"
أزاحوا ببَصرهم خجلين، وصَمت الملك قليلاً قبل أن يومئ برأَسه موافقاً ..
" حسناً إذاً، سأتركُ لك شأن عقوبتهم .. لطالما كُنت محلاً للثقة ولَم تخذلني مِن قبلُ قط، لذا كُن حريصاً على أن لا يتكرر هذا الأمر مُجدداً "
أحنا إليوت رأسه مرةً أخرى قائلاً:
" أعدكَ بأنه لن يتكرر جلالة المَلك، أرجو أن تَسمح لنا بالذهاب الآن "
بعد أن تلقى إذناً مِن الملك، اتجهَ خارجاً مِن الباب الذي أتى منه ولحِق به الأربعة الآخرون .. لكِن زويـآ توقفت قليلاً ثُم التفتت إلى آبي مُبتسمة ..
" سوف أراكِ قريباً أيتها الآنسة، لا بُد أن أفكاركِ مُضطربةٌ الآن .. لا تقلقي ستفهمين كُل شيءٍ في القريب العاجل "
وبذلك اتجهت هي الأخرى نحو الباب لاحِقة برفاقها، وأمر الملك اثنين مِن الحراس بأن يُرافقوا آبي إلى جناحِ خاصٍ بها .. حاولت أن تُفسر ما حدث لها في رأسها لِكن دون جدوى، وشعرت بأنها بحاجةِ ماسة إلى حمام دافئ وبعضِ الطعام، بالإضافة إلى القليل مِن النوم قبل أن يستطيع عَقلُها إستيعابَ ما حدث لها من غرائب.
♦
اسئلة الفصل:
اممم .. مافي اسئلة
برأيي بعد قراءة الفصل سيكون لديكم الكثيير من التساؤلات
يعني الزبدة ما في داعي اسأل بس أكيد بانتظار آراءكم وانتقاداتكم كالعادة ح8
♦
بدأَ الوعي يعود إليها رويداً رويداً، ثُم تحررت حواسها دفعةً واحدة .. شَعرت بالعربة ترتجُ من تحتها بعد أَن التفت نحو طريقٍ وعِرة، وسمعت صوتَ صهيل أحصنة آتٍ مِن الخارج، لَم تُصدق أُذنيها ورفعت رأسها مِن حيثُ كان متكئاً على كتِف هنتر.
انتبه الجميع عِندها أنها استيقظت، وسأَلتها ماري باهتمامِ بادٍ:
" هل أنتِ بخير؟ "
كانت لا تزال تشعر ببعض الدوار والغثيان إن صدُقت معهم، لكنها لم تُرد أن تقلقلهم فأجابت:
" نَعم، أنا بخير "
رفعت بعدها سِتار نافذة العربة التي كانوا فيها كي تُلقي نظرةً إلى الخارج، وما رأته لم يكُن في الحُسبان .. رأت حقلاً زراعياً كبيراً، بِه كمٌ هائل من المُزارعين بقبعات قشٍ صغيرة على رؤوسهم لتحميهم من شمسِ الظهيرة ..
" ما هذا؟ هل أتينا إلى الريف؟ "
ردَّ عليها لوكـآ مُبتسماً:
" الريف ؟ لا آنسة آبي، نحنُ في طريقنا إلى القصرِ الملكي "
زادَ ذلك مِن حيرتها، وعادت للسؤال مُجدداً:
" ماذا تقصد ؟ عن أي قصرٍ تتحدث ؟ أيٌ ملكٍ وأيُ مملكةٍ هذه ؟ "
تدخل هنتر حينها وبدأ بتهدِأتها قائلاً:
" أَعلم أنَ ما سأقولُه غريبٌ جِداً، لكِنها الحقيقة .. نحنُ لسنا في عالمكم، لَقد أتينا بكِ إلى عالمِنا نحن .. هذه مملكتُنا، مملكة ليريـآ، وملِكُنا يُدعى الملك كريستوف الثاني "
حاولَ عقلَها أن يتشَرب ما قاله لها، لَكن لم تجِد أي منطقٍ على الإطلاق في كلامِه، فقررت أن تلزَم الصَمت حتى يصلوا إلى وُجهتهم، وترى بأُم عينيها إن كان ما يقوله صحيحاً أم لا .. استمرَ سكوتهم حتى أشار لها لوكـآ بإصبعه إلى شيءٍ في الخارج ..
" انظُري، آنسة آبي "
عاوَدت النظر مِن النافذة مُجدداً، وهذه المرة المفاجأة كانت أكبرَ من التي قبلها .. فلا يوجدُ وصفٌ كافِ للجمال المعماري الخلاب لمملكة ليريـآ، بدَت المملكة بأكملِها كأنها تتوهج تحتَ خيوطِ الشمس .. أنواعٌ مختلفة من الرُخام قد استخدمت في البنيان وبعضٌ من الأحجار الرملية الحمراء .. بالإضافةِ إلى أن بعض المباني قد رُصعت بالأحجار الكريمة مما زادَ من جمالها.
بعدَ أن اجتازوا الجدران العالية التي تُحيط بقلبِ المملكة واجتازوا البوابةَ الرئيسية، بدأت آبي ترى أُناساً مِن جميع الطبقات .. رأت رجالاً مُتسولين يجلسون على جوانِب الطُرق، ورأت تُجاراً يبيعون قطعاً من الأقمشة ذات الألوان الزاهية، ورأت نساءً في فساتين فاخرة يشترين الحِلي وسلاسل مِن لؤلؤٍ وزُمرد .. بدى الأمرُ كُله وكأن الدهرقد عاد بها إلى الوراء، إلى العصور الوسطى أو شيءٍ مِن هذا القبيل ..وصلوا أخيراً إلى بوابةِ القصر، وهُناك وجدوا خمسةً مِن الحرس الملكي .. أطل لوكـآ برأسه من العربة، وما أن رأوه سمحوا لَهم بالدخول على الفور.
القصرُ مِن الداخل لَم يكن أقل فخامةً مِن خارجه، حيث لَم تر آبي شيئاً مُماثلاً له من قبل، فالجمالُ الساحر والإبداع المكنون في كُل زاوية من زوايا القصر ليس له مثيل .. نسيت آبي نفسها وهي تتأمل في ما حولها، حتى أوقفها هنتر، وانتبهت إلى ملامح وجهه الجادة، بثَّ ذلك القليل من الذُعر في قلبها، وعاد بالها إلى الواقع الذي هي فيه .. قال لها بجدية تامة على غير عادته:
" علينا أَن نُقابل جلالة الملك الآن، ونفسر له ما حدث أثناءَ غيابنا .. لكن لا تقلقي، لا أَظُن أنكِ في ورطة على الإطلاق، لقد أنقذتي حياتنا، والملك سيكون مُمتناً لذلك "
ثم التفت إلى رفيقيه وأردف ..
" أما نحن .. ففي ورطةٍ كبيرةٍ جداً "
♦
في القاعةِ الكبرى للقصر وجدوا الملِك كريستوف الثاني يجلسُ على عرشه المطلي بالذهبِ الخالص، والملئ بالمخدات والأقمشة المخملية ، وعلى جوانب كُل من الدرجات المؤدية إلى العرش وقف حارسان ملكيان لحمايته .. لم تَجد آبي أيَ داعٍ لكل هؤلاء الحُراس لكنها تركت أفكارها لنفسِها فالشخصُ الذي أمامها لا يزالُ ملكاً في نهاية المطاف وأيُ كلمةٍ خاطئة قد تودي بحياتها .. بعد أن اقتربوا بعضَ الشئ انتبهت آبي أن تاجه أيضاً مصنوعٌ من الذهب الخالص، لكن على الرغم من كُل هذا الذهب والثراء، لم تستطع أن تأخذه بجدية فهو مِن وجهة نظرها لا يبدو كملك على الإطلاق .. فجسدُه الهزيل يبدو أنه على وشك أن يختفي بين ملابسه الزاهية، وبشرتهُ وعيناه الذابلتان بالإضافة إلى لحيته البيضاء الطويلة جعلوه يبدو كإحدى الرجال المتسولين الذين رأتهم في طريقها إلى القصر.
ما أن وقفوا أمام العرش مباشرةً، رأت آبي من طرفِ عينها أن هنتر بدأ يحول وزنه من قدم إلى الأخرى دليلاً على توتُره الشديد .. أرادت أن تُربت على كتِف الفتى لتطمئنه قليلاً لكن قبل أن ترفع يدها ارتدَ صوتُ الملك في أرجاء القاعة ..
" في أي جُحرٍ اختفيتُم طوال هذه المُدة؟ "
عمَّ الصمتُ لبعض الوقت وأخذ ثلاثيُ الزودياك يُلقون بأنظارهم بينهم ، حتى بدأَ لوكـآ يتحدث بصوتٍ غلب عليه القلق:
" جلالة الملِك .. لقد كنا نؤدي مهامنا المُعتادة التي أُمرنا بها، ولحِقنا باثنين مِن الهمج الذين تسللوا إلى المملكة كي نمسك بهم قبل أن يعبروا إلى العالمِ المُتحضر، لكنهم نجحوا في المرور مِن خلال إحدى البوابات قبل أن نستطيع القبض عليهم "
بدأت آبي تُقلب ما سمعته في رأسها ’ همَج؟ العالم المُتحضر؟ بوابات؟ ما هذا الهُراء! ‘ .. ثُم التفتت إلى لوكاس الذي ابتلع ريقه قبل أن يُكمل:
" فعبرنا نحنُ أيضاً من البوابة كي نلحقَ بهم ونوقفهم، وانتهى بنا المطاف في العالم المُتحضرفي غابةٍ ما بالتحديد، وللأسف لم نجد أي أثر لهُم .. وكي يزداد الوضعُ سوءاً، قبضت علينا مُنظمة تُدعى ريكس أو شيئاً من هذا القبيل ... "
" إكـس " صححت لهُ آبي بصوت خافت، فألقى إليها نظرة امتنان وأردف:
" أجل إكـس، كانوا على ما يبدوا يتفقدون المنطِقة وقبضوا علينا بعد أن قاموا بإطلاقِ النارعلى هنتر "
ثم أشار إليها مُبتسماً ..
" لكن الآنسة آبي أنقذتنا، ونحن نقف الآن أمامك سالمين بفضل مُساعدتها لنا "
ابتسم الاثنان الآخران حينها واومأوا برؤوسِهم مُوافقين، بادلتهم آبي الابتسامة ثُم وجهت بصرها نحو الملِك، فوجدته ينظُر إليها بحاجبين مقترنين مُفكراً، ثُم لانت ملامح وجهه بعد بُرهة وقال:
" أيتُها الآنسة، أنا في أشد الشكر والامتنان لكِ على المساعدة التي قدمتِها لهؤلاء الثلاثة .. واسمحي لي أن أدعوَك لأن تبقي في ضيافتِنا إلى حينِ شئتي، وأن تطلبي ما تُريده نفسكِ دون أي تردد، وستُلبى طلباتُك على أتم وجه .. الزودياك مهمون بالنسبة لنا، لذلك لقد قدمت لنا معروفاً كبيراً جداً "
ثُم التفت إلى هنتر، لوكـآ، وماري والغضبُ قد اعتلى وجهه، قائلاً:
" أما أنتم فستعرضون إلى عقوبةٍ تُناسب الخطأَ الفادح الذي ارتكبتموه، كيف لكم أن تسمحوا للهمجِ بالفرار، واجبكم هو أن تقوموا بمنعهم مِن العبور إلى العالم المتحضر .. لقد فشلتم في مهمتكم تلك، وفوق هذا كُله كنا على وشك أن نُكشف بسببِكُم إن لم تقم هذه الآنسة بإنقاذكم "
بدت وجوه الثلاثةِ شاحِبة وكأن اللون قد فارقها، وشعرت آبي بالحزن عليهم .. لم تدري أيُ عقوبةِ هذه التي تنتظِرُهم، ولكن من كلام الملك لا بُد من أنها عقوبةٌ شديدة .. فتحت فمها لكي تبدأ بالدفاع عنهم، لكنها فوجئت بباب القاعة يُفتح على مِصراعيه قبل أن تقول شيئاً.
♦
دخلَ شخصان في تلك اللحظة، رجلٌ وامرأة .. هيئةُ الرجل هو أول ما لفتَ انتباه آبي، كيف لَه أن لا يلفت انتباهها بشعره الأبيض، والرموز والخطوطِ التي رُسمت على وجهه باللونين الأَسود والفضي؟ .. والمرأة فقد كانت جميلةٌ جداً، ببشرتها السمراء، وشعرها الأسود الذي لملمته على شكل جدائل متعددة .. كِلاهما كانا يرتديان ملابس فاخرة طُرزت بتطاريز غريبة لم ترى آبي مثلها مِن قبل.
أخذت تتبعُهم ببصرها حتى وقفوا أمام العرش وأحنوا رؤوسهم قليلاً تعبيراً عن احترامهم للملك، عندما رآهم الملك شقَت وجهه ابتسامةٌ عريضة فوجئت آبي لما رأتها ..
" إليـوت .. زويـآ، لقد جئتما في الوقت المناسب، كنت على وشكِ أن أقرر عقوبة مناسبة لهؤلاء الثلاثة "
قالها مُشيراً إلى لوكـآ، هنتر، وماري الذين كانوا ينظرون إلى الرجل ذي الشعر الأبيض أو إليوت كما ناداه الملك وكأن مُنقذهم قد أتى .. فتح الرجُل فمه قائلاً:
" جلالة الملك، أرجو أن تسمحَ لي بأن أتولى شأن عقوبتهم بنفسي .. إنَهم لا يزالون صِغاراً وليسَت لديهم الخبرة الكافية كي يُأدوا هذه المهام بمفردهم على الرغم مِن القوى التي يمتلكونها "
ثم ألقى نظرةً حادة وصارمة نحو الثلاثة وأردف:
" لَقد تولوا هذه المهمة بدونِ إذن مني، أنا .. قائدهم، لَقد عصوا أوامري ولذلك سوف أحرص تمام الحِرص على أن أُهذبهم هذه المرة"
أزاحوا ببَصرهم خجلين، وصَمت الملك قليلاً قبل أن يومئ برأَسه موافقاً ..
" حسناً إذاً، سأتركُ لك شأن عقوبتهم .. لطالما كُنت محلاً للثقة ولَم تخذلني مِن قبلُ قط، لذا كُن حريصاً على أن لا يتكرر هذا الأمر مُجدداً "
أحنا إليوت رأسه مرةً أخرى قائلاً:
" أعدكَ بأنه لن يتكرر جلالة المَلك، أرجو أن تَسمح لنا بالذهاب الآن "
بعد أن تلقى إذناً مِن الملك، اتجهَ خارجاً مِن الباب الذي أتى منه ولحِق به الأربعة الآخرون .. لكِن زويـآ توقفت قليلاً ثُم التفتت إلى آبي مُبتسمة ..
" سوف أراكِ قريباً أيتها الآنسة، لا بُد أن أفكاركِ مُضطربةٌ الآن .. لا تقلقي ستفهمين كُل شيءٍ في القريب العاجل "
وبذلك اتجهت هي الأخرى نحو الباب لاحِقة برفاقها، وأمر الملك اثنين مِن الحراس بأن يُرافقوا آبي إلى جناحِ خاصٍ بها .. حاولت أن تُفسر ما حدث لها في رأسها لِكن دون جدوى، وشعرت بأنها بحاجةِ ماسة إلى حمام دافئ وبعضِ الطعام، بالإضافة إلى القليل مِن النوم قبل أن يستطيع عَقلُها إستيعابَ ما حدث لها من غرائب.
♦
اسئلة الفصل:
اممم .. مافي اسئلة
برأيي بعد قراءة الفصل سيكون لديكم الكثيير من التساؤلات
يعني الزبدة ما في داعي اسأل بس أكيد بانتظار آراءكم وانتقاداتكم كالعادة ح8
التعديل الأخير: