الفصل الأربعون : بل هو أنت ..
- سيدي ! إن السيد آليكس وايجينهارد القادم كمبعوث من السيد هنري وايدن قد حضر!
قال لوكاس من خلف باب مكتب إدوارد , فأمره بإدخاله ..
كان هو لا يزال يقوم بطباعة بعض الحروف على رسالة مهمة سيتم إرسالها موقعة للقاعدة العسكرية الرئيسية في الوسط , دخل المبعوث الذي يدعى آليكس و وقف قرب مكتب إدوارد .. كان إدوارد قد قام من مكانه ليستقبله و يسلّم عليه , و بعد ذلك قاده ليجلسا على الأرائك في الغرفة ..
ابتدأ إدوارد الحديث قائلًا : أشكرك على المجيئ يا سيد آليكس و اعذرنا على الاخذ من وقتك في وضعٍ كهذا ..
هزّ آليكس رأسه ثم اجابه بنبرةٍ متفهمة : لا أبدًا , لا بأس .. إن هنري عزيزٌ و ما يهمهُ يهمُّني لذا بالطبع لا يوجد أيُّ قلق ..
- إن الأوضاع متوترةٌ الآن بسبب ما حدث من امور أخيرة .. و قد تم قطع غالبية الاتصالات السلكية و اللاسلكية مع باقي اطراف منظمتنا , لذا نحن في موقفٍ صعبٍ قليلًا و نحتاج وقتًا للتوازن .. الأمور تسير بسرعةٍ أيضًا .. لذا وجب علي الاعتذار حقًا عن إحضارنا لك إلى هنا بهذه الوتيرة الغامضة
- أستطيع رؤية ذلك و لا داعي لأن تقلق بسبب ما حصل أنا لا امانع حقًا , و لكن أثار اهتمامي وجود ذلك الكم من الحراسة في الخارج , هل ربما سيأتي أحدٌ ما إلى هنا ؟
أومأ إدوارد ثم أجابه : أجل , إن زائرًا مهمًا آتٍ إلى هنا ..
- اوه , على كلٍّ يسرني رؤيتك بعد هذا الوقت الطويل , ما الذي ستناقشه معي ؟
جمع إدوارد يديه يشبك أصابعه معًا بينما يركّز النظر في السيد آليكس .. و بابتسامةٍ خافتة ...
- إنَّه يتعلّق بتأمين تواصلنا , لذا نحن نحتاج مساعدتك في توفير بعض المنازل الفارغة , لن يقوم أفرادنا بالعبث , سنستخدم غرفة واحدة فقط من كلِّ منزل ... لن يتم إثارة أي شكوكٍ حولك أبدًا سنسعى لأن يتم الأمر بسريّةٍ تامَّة .. لن نستطيع نشر قواتنا جميعها في أنحاء ملكيات لويان لأننا نتوقع أي حركةٍ مباغتة من الطرف الآخر .. لذا سيكون استخدامنا للعقارات الخاصة بنا شحيحٌ قدر المستطاع , و بسبب ذلك نريد مساعدتكم ... ستتكفلُّ شركة دويكنز بدفع أي تكاليفٍ قد نضطر لدفعها لذا هم من سيقومون بالتواصل معك منذ الآن فصاعدًا .. هل ترى ذلك ملائمًا ؟
- أجل بالطبع .. أنا أثق بكم فهذه ليست أوّل مرة ..
ابتسم إدوارد بارتياح : أشكرك على كرمك ..
----
بعد أن انتهت مقابلة تشارلز مع السيد آليكس قام بإعطاء ورقةٍ مختومة مغلفةٍ بكيسٍ ورقي للوكاس و طلب منه إرسالها بالبريد الخاص إلى موقع القاعدة العسكرية في الوسط .. و شددّ عليهِ باهمية هذه الورقة , لأنها تحمل أمرًا عسكريًا سوف يعكّر عمل غالبية القواعد .. و لكن إنها حالةٌ طارئة !
----
- ماذا سنفعل الآن ؟ لقد وردنا خبرٌ من أن هانسز في حالةِ فوضى ! الكثير من المعلومات تطرق أبوابهم فجأة , منها الزائف و منها الحقيقي و منها المشكوك بأمره ! ... حتى أن رولويد قد تورّطت بالأمر لأجل إرسال صحفييها للتحقق من كل خبرٍ يتم إرساله لهم .. إن بريدنا الخاص في حالة توتر ! الموظفون بالكاد يكفون لأجل التواصل بين منطقتين , فما بالك بتبادل المعلومات بين غالبية أطرافنا ! هذا لا يحتمل ...
- إن أمر ناثانيل واضح , إنه يسعى لأن تتوقف سبل تواصلنا و الأعظم من ذلك .. أنه قد بدأ ينشر قواته بكل وضوحٍ لأجل تقييدنا عن القيام بأعمالنا ! هو يعلم تمام العلم بأننا لسنا ذلك النوع الذي ينخرط بمشكلةٍ كبيرةٍ على العلن ! لذا نحتاج لوسيلة تواصلٍ قادرة على إبقاءنا في أمان !
- أتركوا كلَّ ذلك جانبًا ! ألم تتوصلوا بعد لموقع سموها ؟! إن البحث الغبيَّ هذا الذي لا يسمن و لا يغني من جوع لا يفيد ! علينا بعث فريقٍ متمكنٍّ لأجل الوصول لها ! فقط بماذا كان يفكّر كلاوثيارد عندما قام بإرسالها مع تلك الفتاة ! هذا جنون !!!!!
- صمتًا ...
قوطِع حديث قادة فريق العمليات الخاص برئيس الوزراء , و الذين كانوا متوزعين في الغرفة الخاصة بروبرت الذي قد حان موعد وضع دواءه ..
كان ذلك الطبيب الشاب سام يدهن بتوتر لأنه ليس معتادًا على هذه الاجواء .. خصيصًا بأن هنالك شابّين يقفان خلفه يراقبان كل حركةٍ يقوم بها و نظراتهما تقول "يا ويلك و يا لسواد ليلك إن أبدى مريضك أي علامةِ تألُّم"
- ما الذي تفعلونه عندي ؟ ألم أقل لكم بأنه لا شأن لي بما يحدث هناك ... انا ساتولّى أمر أوليفيا و من معها اما الباقي فأعلموه للفتى .. لقد اوصلتُ لكم معلومةً مهمة و الباقي عليكم .. لذا لا تزعجوني بتذمراتكم ..
خفّ تعبير احدهم , ثم مسح شاربه و قال : و لكن يا سيدي , إن سعادته محاصرٌ في قصر ناثانيل , و هذا لوحده مشكلة .. ولا اظنه سيخرج أبدًا من القصر إلا في تابوت .. في العادة هو من سيتولّى أمر التواصل و الوصول إلى حلولٍ تمكننا من حماية أنفسنا ريثما نجد حلّا شاملًا بقيادته سموه , أجل بالتأكيد نستطيع تدبير أمورنا لسنا بهذا الضعف !! و لكن سعادته فابيان عنصر رئيس في تحركاتنا , كما ان توقيعه مهم للمرور بين أطرافنا ... و هو ليس هنا , نحن نثق بجيمس بالتأكيد فقد واجهنا برفقته صعوبات سابقة .. و لكن هذه المرة ليست كسابقيها , إنه يحاول محاصرتنا من جميع الاتجاهات !! بعضٌ من أطرافنا ليسوا من النوع الذي يقبل فجأة بتغيير مجرى الامور , و سيعترضون بالتاكيد على اوامر جيمس , و نحن لا نريد ذلك ! لذا أرجوك يا سيدي فكر بالامر قليلًا ..أعلم تمامًا بأن انخراطك بالأمر سيورطك مع ناثانيل بشكلٍ مباشر و لكنها ليست المرة الاولى التي نحتاجك بها !
- أجل يا سيادتك ! إذا علمت اطرافنا بأن الاوامر من حضرتك فلن يتهاونوا بالتنفيذ ! فهم يعلمون اخطار ذلك !!
عقد روبرت حاجبيه , ثم قال لهم بنبرةٍ هادئة فيها تهديد واضح : هذا ليس حجّة , أخبرهم بأن جيمس وضع قائدًا بديلًا عن فابيان بأمر مني , و عسى أن يخرج لسانٌ معترض .. فأنا أيضًا لست ألعب هنا .. و هم يعلمون عواقب تحدّي القيادة ..
ابتلعوا ريقهم بارتباك , و تكتف بعضهم يفكّر بعمق .. إنهم يحاولون الحصول على مساعدة روبرت بأي طريقة .. و لكن..
- أيضًا , إن كريستوفر يتولى أمر القواعد العسكرية , و هو يعمل حاليًا بالتزامن مع الفتى , لذا لا تقلقوا .. فعمل الفتى مع ذلك الرجل سيمكنه من التفكير جيدًا بالعواقب , فهو الوحيد الذي يستطيع جعله يكتم غضبه و توتره عندما لا تسير الامور حسب رغبته ... و لا اظنُّ بان الفتى لا يملك خططًا بديلة لأجل مواقف كهذه .. لا تشكّوا بقدراته .. على الرغم من أنني أظن أن كريستوفر الآن يكاد يفقد أعصابه من فرط التوتر .. هو في العادة سيتلقى الاخبار بعفوية و يبتسم بينما يقول :"لا بأس لا بأس " .. لكن الآن ..
تنهد روبرت ثم اكمل : اما بالنسبة لهانسز .. فأنا مدهوش من انعدام ثقتكم المفاجئة هذه .. فهم أكثر أطرافنا بأسًا .. شدّوا ظهوركم ولا تنحنوا لمجرد عقبة .. فهي لا الأولى و لا الأخيرة .. و من العار ان تفقدوا صبركم بينما ناثانيل يضحك عليكم .. كما انني متاكد بأن فابيان يحتسي بعض الشاي برفقته بينما يتبادلان أطراف الحديث و كأنهما صديقان حميمان .. النهاية ستصدمكم جميعًا , لذا تأهبوا لأجل ان تتلقوها ..
همهم بعضهم بإيجاب .. ثم قال احدهم : سنعمل جاهدين لأجل أن نكون أهلًا للعمل تحت إمرتكم .. سوف ابقى أنا لأجل امر عملية إنقاذ سموها .. أما الباقي فسيذهبون لإكمال اعمالهم ..
نظر حوله لباقي الرجال , فأومؤوا له باحترام ثم انصرفوا على عجل .. و بقي قائد العمليات الخاصة لأجل أن يعلم ما في خاطر روبرت ...
انتهى الطبيب الشاب من عمله , استأذن من روبرت ثم انصرف بهدوء يغلق الباب وراءه , و بقي أربعة أشخاص بالغرفة . كان هنالك سؤال يراود هذا القائد الذي ما زال جالسًا , منذ لحظة دخوله .. فذلكما الاثنان الذي يقف احدهما بتأهب و الآخر يجلس بأريحية قرب سرير روبرت يجعلانه يتسائل بلما هما هناك ؟ حسنًا إنه معتادٌ على كون آرثر يرافق فابيان عادةً في الاجتماعات المهمة .. و لكن ذلك الشاب ..
- جون بما ان هارلين متورطةٌ بالأمر فدعني أذهب مع فريقي .. لا أظن بانه سيكون خطأ إرسالنا لأجل مهمةٍ كهذه .. كما انكم تبدون محتارين بالوسيلة ..
كان روبرت قد جلس أخيرًا براحة , رتب الغطاء الذي كان فوقه , ثم التفت لجين ينظر له بتعبيرٍ غير مفهوم على وجهه ... حدّق به قليلًا ثم قال : أثق بك يا جين , و لكنه ليس أمرًا سهلًا , وليس وقت توريطكم بعد ..
ابتسم جين بسخرية : لقد سمحت لي بالبقاء في الغرفة و الاستماع لمعظم احادثيكم تلك , على الرغم من اعتراض بعضٍ منهم على وجودي في البداية . أنا اكتم نفسي بالكاد يا جون .. أحترم طريقتك في جعلي أرى الامور بنفسي حتى أفهمها , و لكن من غير المعقول أن تستمر في فعل هذا من دون أي توضيح .. لستُ أنا فقط .. بل هذا الرجل المزعج يحتاج للتوضيح أكثر مني .. فلا اظنه معتادًا على وجودك في هذا المكان ابدًا ..
نظر جين لآرثر الذي كان يحدق في أرجل السرير بلا مبالاة او اهتمام لما يتم طرحه من حديث , فابتسم ثم عاود الالتفات لروبرت الذي ما زال يتابعه بنظراته ..
- ساخبركما بما تحتاجان معرفته بعد أن تنتهي الازمة , لقاؤنا سيكون في قصر كريستوفر .. اما الآن فاذهبا معه ..
اتسعت عينا القائد في تفاجؤ : ما الذي تعنيه سيادتك ؟! ألم تقل بأنك من سيتولّى الأمر ؟
ابتسم روبرت ثم قال : العملية ستكون تحت مسؤوليتي هذا ما قصدته ... اذهب قبلهما و هما سيتبعانك
- و لكن-!
- هيا أخرج ..
زم القائد شفتيه يحاول كتم حنقه , ثم وقف و رمق كليهما بانزعاج : اتبعاني إلى غرفة القيادة .. سأذهب أولًا ..
خرج و أغلق الباب وراءه بينما يتمتم بامور لم يسمعها احد
- لم يتغير أبدًا ..
قال روبرت بينما يتنهد .. ثم نظر للشابان اللذان ينظران له بتعابير باردة
- ماذا؟
- ماذا انت , أتحاول التملص من كونك صاحب قرارٍ هنا ؟
- لا تلعب معنا , فنحن لسنا أغبياء .. ما الذي تريد قوله ؟
- صبَّ لي كأس ماءٍ يا جين ..
قلّب جين عينيه بينما يمشي نحو الطاولة على الجهة الأخرى من السرير ..
- إن ناثانيل بالتأكيد قد علم بكون أوليفيا قد هربت .. و بسبب ذلك قام بعمل بلبلةٍ حول أراضي كلاوثيارد .. لذا لا بد أنها في خطرٍ الآن .. فلم يكن معها إلا حارستها و مربيتها بالإضافة إلى سميث.
عقد آرثر حاجبيه ثم نظر لروبرت : أليست أديل إلينيور هي حارستها ؟
ابتسم روبرت : أجل هي كذلك ..
- لقد سمعتُ الاسم على لسانِ فابيان من قبل و كان اسمها مرتبطًا بكلمة حراسة... كنتُ أفكر بما قد تكون علاقة أديل إلينيور بتلك المكالمة.. و في النهاية فهمت ..
- إن فابيان حولك بلا حذر.. من المفترض أن يعلم باسمها أربعة أشخاص فقط ... فابيان , الفتى , كلاوثيارد .. و ..
- أنت ؟
- أجل ..
ضحك جين بخفوت و هو يناول روبرت كأس الماء , ثم جلس قرب قدميه على السرير و قال : أنت مزعج أيها العجوز..
رمقه روبرت بفتور ثم ضرب ورك جين بقدمه , تفاجأ الآخر من الضربة المفاجئة فوضع يده مكان الضربة و قال بحنق : عجوز ..
- سأضربك مرة أخرى
- لا لا أمزح ..
زفر روبرت بثقة ثم أتبع :
- لأجل عملية إنقاذ أوليفيا نحتاج فقط لعدد قليلٍ من الأفراد .. كثرة المتورطين سيجعل الوصول إليها صعبًا .. كما أن القواعد العسكرية الآن في حالة ضجّة .. ولا أريد إرباك أحدها بمهمةٍ إضافية فوق تمكين الاتصالات ..
- لذا ؟ ماذا ستفعل ؟ هل ستجعلنا نذهب ؟
- لا ليس جميعكم ... أريد من الأخوان فينسنت و الشقي ذاك البقاء معي عند ذهابي لقصر كريستوفر , لا أريد إبقاءهم هنا .. فذلك الفتى فينسنت سريع الملاحظة .. لقد انتبه لوجود الكثير من الجنود العسكريين السابقين عندنا و المسجلين في لوائح الاختفاء التابعة للجيش .. و لا أريده أن ينغمس كثيرًا في المكان فيتورط .. اكتفينا من عائلة فينتسنت ...
عقد جين حاجبيه بعدم فهم بسبب آخر جملة , و لكنه لم يسعه أن يقول شيئًا أو أن يرفض ذلك , فهو يرى فعلًا بأن الأفضل لهم الذهاب لمكانٍ أأمن ..
- أما الفتى القناص , فسيكون مساعدًا جيدًا في العملية ..
ابتسم جين : جوزيف لن يكون سعيدًا بهذا .. فهو منذ البداية منزعج من تواجده هنا بحالٍ متخبطة .. يحب ان تكون الأمور واضحة ..
صمت الاثنان قليلًا .. ثم فجأة قال روبرت يستدعي انتباه كلًّ من جين و آرثر : لما برأيكما قام ناثانيل بتضييق الوثاق حول كلاوثيارد و لم يقم بعمل حملةِ بحثٍ كبيرة في كافة البلاد ...إن ستَّ ساعاتٍ كفيلة بإيصال أوليفيا إلى هذا القصر من كلاوثيارد و زيادة ..
لم يأخذ كلاهما وقتًا طويلًا حتى أجاباه : إنهن مراقبات ...
رمق كلاهما الآخر بحدة .. فقال روبرت : صحيح .. لقد علم كلاوثيارد بأن المكان كان مراقبًا اصلًا قبل أن يقوم بإرسالهن .. و لهذا خاطر بفعل ذلك .. لأنه إن أخرج سميث بشكلٍّ عرضيٍّ غير مخططٍ له لن يشعروا بشيءٍ غريب .. لذا سيرسلون وراءهم المراقبة و بالمقابل ستتصرف سميث و كأنهم يعيشون يومهم بشكلٍ عادي كباقي الأيام ... و لن يدرك الطرف الآخر الامر حتى يقتحموا القصر و تنتهي بهم السبل لعدم إيجاد ضالّتهم ..
- إذن كانت هارلين تقوم بالتجول حول كلاوثيارد منذ خروجهم بشكلٍّ عشوائي ...؟
- أجل ...
أجاب روبرت ثم قال لهما : لذا إن كنا نريد معرفة سير طريق سميث .. يجب علينا تقفي أماكن توقفها ..
- لن يكون صعبًا الوصول إلى تلك المعلومات ... أظن أن القيادة بدأت بالفعل بجمعها
قال آرثر ثم وقف و نظر لجين : اتبعني ...
اومأ له جين ثم نظر في عينيّ روبرت بثبات يحدق بتعابير وجهه و يتمعن في خضرة عينيه .. ابتسم ابتسامةً متسعة : سنقوم بالمساعدة بقدر الاستطاعة ... اعتني بنفسك يا جون .. لقد أخذ رافاييل وقتًا طويلًا و هو يشكو من فرط حركتك الذي لا داعي له ..
- أجل لا تتحرك هنا و هناك و كأنك امرأة حامل لا تطيق الجلوس ..
أضاف آرثر .. فارتسمت ابتسامة على ثغر روبرت يرفع رأسه ينظر لظهر آرثر ثم يلتفت يردُّ تلك النظرة لجين : خذا وقتكما للعودة ..
كانت نظرة روبرت في عينيّ جين هادئة تقول شيئًا ربما لن يفهمه إلا جين لحظتها .. زفر جين بسخرية : علامات كبر السن بدأت تظهر عليك يا عزيزي ...
ثم وقف يتبع آرثر حتى وصل إلى جانبه , أخبره آرثر ألا يلتصق به ... فغضب جين و قام بركل ساقه و أخذ طريقه للخارج ... تنهد آرثر بانزعاج .. ثم التفت ينظر لروبرت قبل أن يخرج ...
- إنه يأخذ راحته كثيرًا ..
رفع روبرت حاجبيه ثم قال : لماذا برأيك ؟
صمت آرثر قليلًا و حدق به بعناية حتى تلفظ بالآتي : لقد ارتبطتُ بمبدأ ما في بداية انخراطي بهذا العالم .. عدم الوثوق بأي شخص خارج الدائرة ... لقد حصل و أن حدثت طفرة أدت إلى اختلال توازن هذا المبدأ .. و لكن من بعدها كان الجدار بيني و بين من امامي عالٍ للغاية .. لن أغير من هذا المبدأ أبدًا , لست هاويًا في التعامل مع المبادئ .. و لكنني قررتُ إخفاض الجدار أمامكما .. حتى أرى إلي أين سيقودني ذلك .. أكان خيرًا أم شرًا .. لأنه وعدٌ قطعته لنفسي أمام شخص ما .. أنني حين أقابل يومًا أحدًا من دمي .. سأخفض من طول جداري حتى أصل لما أريده .. أتمنى أن تتفهم هذا ..
*****
- لما تُسمعني عهدك ؟
- حتى تكوني شاهدةً عليه في حالِ نسياني ..
ابتسمتْ باتساعٍ تظهر غمازتينِ خفيفتين على خديها ..
تتلألأ عيناها ببريق أمل : ألا إنك تخادع نفسك يا آرثر فإن نسيته و كأنك تنساني !!
*****
تابع روبرت خطوات آرثر خارج الغرفة بعد أن أسمعه كلماته ... أسند روبرت رأسه على ظهر السرير و حدّق في السقف قليلًا بينما يفكر .. انزل رأسه ينظر لكأس الماء بين يديه ...
- أتمنى أن تسير الأمور بخير .. فما يجعلني لا أفقد رباطة جأشي يا كاميليا هو أنكِ و فتايَ جين ما زلتما تنظران في عينيّ حتى بعد كلِّ ذلك .. بقيَ آرثر يابس الرأس .. هل يحق لي حتى قول ذلك عنه ؟ إنه مثلكِ عندما تغضبين بشدة .. و جين مثلك عندما تلينين بسرعة .. كلاهما يحملان من صفاتكِ ..
صمت قليلًا ثم أتبع ينظر خارج النافئة إلى سماء الليل الحالكة : ما أريده هو ألا ألقاكِ و في قلبِ أحدهما ما زال هناك ألم .. فإنني لن أرتاح في قبري أبدًا من التفكير بأنه سيظل عالقًا بدوامة " لو أنني " .. كما فعلتُ أنا .. فإنها تؤرق القلب و تحطمه مع الوقت يا عزيزتي ..
اتسعت عيناه عندما باغتته سعلةٌ مفاجئة .. ثم نظر للغطاء الذي يغطي قدميه حتى بطنه و حدّق به قليلًا : أليس من المفترض أن أكون دراميًا عندما اكبر في السن هكذا ؟ هل أبدأ خطة سأموت قريبًا ؟ يجب علي جمع الاثنان في أقرب وقت
ضحكة خفيفة صدرت منه : على الرغم من أنها ستكون نافعة على آرثر قليلًا فهو يقع بالمصيدة بسهولة على غفلة .. و لكنها ستكون ذات تأثير عكسي على جين .. فأنا لا أريده أن يلتصق بي كالصمغ و وراءه أمور أهم مني .. كالاعتناء بأخيه
...
- أرجو أن يعودا سالمين ..
-----
فتح جين الباب على الغرفة التي كان كلٌّ من رفاقه الأربعة يجلسون فيها .. نظر ديفيد له بهدوء .. أما رافاييل فقد سأله : هل حدث شيءٌ ما ؟
ابتسم جين لهم و قال : لا لا شيء لا تقلقوا .. و لكنها أوامر من العقيد ..
التفت جين ينظر لآرثر الذي كان خلفه , فأومأ له آرثر مشيرًا بأنه سينتظر بالخارج ريثما ينتهي ... شكره جين ثم دخل و أغلق الباب وراءه .. أعطى نظرةً سريعةً لهم .. ثم قال : ديفيد , كيت .. و رافاييل .. ستذهبون مع العقيد إلى أين هو ذاهب .. و هو سيعطيكم باقي الأوامر بما أنكم ستكونون معه .. أما جوزيف فسيبقى معي لأجل مهمةٍ سريعة .. و سنلحق بكم بعدها ..
عقد جوزيف حاجبيه و شبك يديه معًا ينظر له : هل أنت متأكد بأن لا شيء قد حدث ؟
اخذ جين نفسًا ثم أجابه : سأجيبك لاحقًا ..
كانت كيت على وشك قول شيءٍ ما و لكن نظرة جين لديفيد و التي تعني ستكون الامور تحت عهدتك , جعلتها تصمت .. أومأ ديفيد له ثم نظر لكلًا من رافاييل و كيت : أظن بأننا سنجلس معًا الليلة ..
نظر كلاهما له بانزعاج
- أرجوك اصمت ..
- تبًا يا جين ما أمر الأحوال كثيرة التقلب هاته ..
ابتسم جين لهما بقلة حيلة , ثم رمق جوزيف باهتمام و اومأ له بروية .. فوقف جوزيف يهم بالتوجه نحو الباب لكنه قبل أن يخرج التفت لرافاييل و كيت و ابتسم لهما ابتسامة طفيفة .. ليتبع جين الذي قد خرج بالفعل بعد أن لوّح لهم ..
ثم خرج و أغلق الباب وراءه .. نظر الثلاثة للباب : تلك الابتسامة كانت مخيفة ..
قالوا في الآن ذاته ..
- لا أشعر بأن هنالك خيرًا قادمًا من الذي يحدث ..
قالت كيت بينما تتكتف و تنظر بانزعاج للأرضية .. اما رافاييل فقد نظر لها و ابتسم و ربّت على ظهرها محاولًا التخفيف عنها .. فمطلب جين لجوزيف يعني أنه يحتاجه .. و إن احتاج احدهم جوزيف .. فهذا معناه أن هنالك دماء ستراق ..
------
وقف الثلاثة في غرفة العمليات التابعة لقصر رئيس الوزراء .. و كانت هنالك حركة مكتظة و ضغط هائل منتشرٌ في جو الغرفة .. في زاوية ما من تلك الأجواء نجد آرثر يقف براحة مستندًا على الحائط يضع يدًا في جيبه و يراقب الوضع بفتور و كأنه معتاد على ذلك .. أما جين فعيناه تتقلب بين كل زاوية يرى و يحلل ما يجري في الغرفة ..
نظر آرثر لجين .. ثم قلّب عينيه يلمح جوزيف الذي كان يحدق بتركيز في شاشات أجهزة الرصد المتواجدة في الغرفة ..
أتى رجلٌ نحو آرثر يقول له : برنت إن القائد يطلبكم ..
أومأ آرثر ثم أشار للاثنان بجانبه : تعاليا ..
و أخذ طريقه يعبر ممرًا كان مفتوحًا مع تلك الغرفة الحيوية , تبعه كلٌّ من جين و جوزيف .. حتى وصلوا أمام بابٍ قام آرثر بالطرق عليه قبل فتحه ليدخل .. نظر إلى يساره ليلمح تلك الطاولة التي يجتمع عليها ثلاثة من القادة يفرشون بضعة أوراق عليها يتحاورون في أمر ما .. وقف آرثر أمامهم ثم نظر لهم يستفهم منهم سبب تضييع كل هذا الوقت الذي يمر بلا نتيجة واضحة ..
- لقد أخذنا وقتًا حتى نحصل على خط سير سيارة الفتاة سميث .. لقد أردنا الاعتماد على مصدر خارجي .. و لكن لحسن حظنا قد حصلنا على البيانات من فريق البحث الذي يتواجد في محيط كلاوثيارد ..
- إذًا أعلمتم سير خطها بالكامل ؟
- تقريبًا .. لكن كان هنالك فجوة غريبة في الطريق الذي سلكته سميث و لم نفهم أمره تمامًا .. الفريق يبحث هناك ..
- و ما هي ؟
سأل جين .. بينما يقف قريبًا من الطاولة ينظر إليهم بتعبيرٍ هادئ ..
استغرب أحدهم ينظر للقائد الذي كان يحادث آرثر : من هذا يا لويس ؟
تنهد لويس القائد الذي قد تلقى أمر مشاركة جين و آرثر بالعملية من روبرت مباشرة .. ثم أجابه : إنهم يشاركون بأمر من سيادته ..
تنهد الآخر و كأنه فهم الأمر ثم عاود النظر للأوراق , أما لويس فقد رفع ناظريه لجين و بدأ يسرد عليه الأمر : الفجوة تكون هنا ...
-----
- كما ترى فإن اللون الأزرق الفاتح هذا الذي أمامك هو مواقع تمركز قوات ناثانيل في أراضي كلاوثيارد , و هذا لا يغير حقيقة وجود قوات متفرقة منتشرة .. أما اللون النيلي فهي حركة سميث بطريقة غير منتظمة حول الاماكن الموجودة في مركز المدينة .. الفجوة قد حدثت بين النقطتين الاولى ما قبل الخط البرتقالي .. و الثانية ما بعد الخط البرتقالي .. فكما نلاحظ هنالك تمركز شديد لقوات العسكر ... لذا من غير المعقول مرور سيارتها عبر كل تلك المسافة الهائلة المحاطة بشكل شبه كامل و ألا يتم إمساكها ! لقد شككنا بكونها قد مرت من مركز المدينة لكنها لم تتوقف عند أي نقطة هناك ..
- ألم يخطر على بالكم مرورها من إحدى الطرق السرية ؟
سأل جين بنبرة مستغربة .. مستغربة من عدم طرحهم لهذه الفكرة
- طرق سريّة ؟
أومأ جين و عقد حاجبيه : هنالك طرق سريّة في كلاوثيارد توازي طرق البنية التحتية .. الطرق ليست طويلة متصلة بل متقطعة .. اعذرني
قال ثم تناول قلمًا من على الطاولة
- أتقصد ممرات واليفر السرية ؟
سأل القائد الذي كان يجلس بجانب لويس , فأومأ له جين و بدأ يكتب على الورقة .. فاقترب ذلك القائد ينظر للخطوط التي يرسمها
- هاته هي ممرات واليفر السرية .. و هي ممرات واسعة أنشئت أيام الاحتلال من قبل فئات المعارضة لتكون حصنًا لهم أثناء اشتباكاتهم مع جيش العدو و لتكون وسيلة تنقل سهلة.. بعضها قد تهالك بالفعل .. سيكون خطرًا للغاية المرور منها .. و لكن منهن ما زالت قادرة على احتمال عمليات النقل .. الخفيفة ... و ذلك بسبب الأرض الصلبة هناك و بسبب توسيع البنية التحتية .. حيث أن الأرض قد أصبحت أكثر استقرارًا ... و بالتالي تلك الطرق المتمركزة داخل دائرة المدينة هي طرق آمنة .. أظن بأن الآنسة سميث قد مرّت عبرها .. ولا أشك أبدًا بأنها أخذت الإذن من كلاوثيارد ... فالكونت مايكل كلاوثيارد يعلم بتواجد تلك الطرق ..
- إنه من الواضح بأن القوات منتشرة في المحيط بالتالي لن تستطيع هي الهرب إلا تحت أبصارهم .. تلك الطرق الرئيسية هي الوحيدة التي تسمح بالمرور , أما الحواف فهي غير ممهدة و من المستحيل المرور عبرها .... هذه حركة خطيرة .. فلو كانوا يتوقعون استخدامها للممرات لكانت و من معها في خبر كان .. هذا أسلوبٌ أحمق لكان من الأأمن لها أن تعبر المركز..ألم يخطر ببالها أنهم قد يكونون على علم بوجود تلك الطرق لذا يتركون فريستهم تمشي بخطًى مبعثرة ..
قال آرثر مخاطبًا جين .. فرفع جين ظهره ينظر إليه بينما ينقر بإصبعه على الورقة : تلك الفتاة ليست غبية يا آرثر .. و لكنها ربما قد وجدت استخدام الطرق السرية حلًا يسيرًا .. إنها شبكة كبيرة إن لم تكن تعرفها مسبقًا فلن تستطيع المشي فيها .. أظن بأن مايكل كلاوثيارد قد أخذها إلى هناك من قبل .. أنا أتفق على كونها خطوة خطيرة .. لكنها تعلم بالتأكيد كيف هو الوضع حولها .. لذا ربما رأت بأنهم غير متمركزين حول أماكن الطرق السرية لذا قررت خوض المخاطرة و لكن ... ما الذي قد دفعك للذهاب إلى هناك يا هارلين ؟
أنهى جملته بينما ينظر للورقة .. و كذا القادة الذين كانوا يفكرون بعمق بينما ينظرون لآخر الإضافات على بياناتهم .. دخل رجل ينده على احدهم فاستعذر وخرج .. و بقي لويس و قائد آخر كان يهاتف شخصًا من هاتف المكتب الذي هم فيه ..
رفع آرثر ناظريه للسقف .. و حدّق بالإضاءة المعلقة .. اتسعت عيناه فجأة و كأنه أدرك شيئًا .. ثم قال بينما يشير لنقطة الوسط عند الطريق السري على شكل حرف T ..
- على ما أذكر فإن هذه نقطة هاتفٍ تابعة لهانسز ..
قال بينما ينظر في عيني لويس .. الذي فهم مقصده تمامًا .. فقفز من مقعده يمسك بسماعة هاتفٍ آخر و يدخل أرقامًا معينة ..
- هانسز؟
سأل جين ..
- هواتف هانسز لجمع المعلومات ..
- آه ..
ابتسم باتساع و كأنه فهم اللعبة ..
هواتف هانسز لجمع المعلومات :
الماركيز توماس هانسز .. صاحب أكبر سلسلة مطاعم و فنادق في القارة .. التي امتدت لتحصل على أفرع خارج البلاد .. و تلك السلسلة تدعى "كاميليا آل هانسز" إشارة للزهرة التي ترمز للبلاد ( الكاميليا الزرقاء اللازوردية ) .. من الخارج يرى الناس واجهة المطاعم و الفنادق الفخمة .. التي عادة ما تقسم إلى فئتين : طبقة النبلاء و الطبقة العامة .. لذا هي تراعي جميع الفئات تقريبا .. فطبقة النبلاء تحوي النبلاء و طبقة التجار و رجال الأعمال و السياسيين الخ .. أما طبقة العامة فهي تجمع بين الطبقة الفقيرة و المتوسطة ذاتا القدرة على دفع تكاليف الغرف و الخدمات .. و لكن من بين تلك الغرف .. توجد غرفة معروفة بين الأشخاص الذين يملكون علاقةً بها .. لأنها تحوي هاتفًا يصل بشكلٍ مباشر إلى بؤرة عمل هانسز الحقيقية و هي نقابةٌ عملاقةٌ لجمع المعلومات و من أقوى شبكات تناقل المعلومات غير الرسمية .. التي تقوم ببيع و شراء المعلومات بشكل قانوني تحت إطار معرفة الدولة .. و لكن من دون وجود منفذ لأي تدخل خارجي .. حيث أن لهانسز السلطة المطلقة على جميع البيانات التي ترد إليها ..
- لقد ذكر روبرت اسم هانسز .. و قد قال بانها أقوى أطرافهم .. بالتالي .. نفوذ هانسز بالكامل تحت سلطة هذه المنظمة ..
- لقد حصلت هانسز على اتصال فعلًا من الهاتف المتواجد في منتصف كلاوثيارد .. و قد كان قبل نصف ساعةٍ من الآن .. كان محوى الاتصال تحذيرًا.. بكون سميث و من معها في خطر .. لقد طلبت إرسال الدعم و قالت بانها ستحاول الخروج من الطريق الغربي حيث أنه أكثر الطرق اكتظاظًا فقد تستطيع الهروب عبره ..
قال لويس الذي عاد بعد إكماله للاتصال
- اتصالات هانسز محمية صحيح ؟
سأل جين لويس .. فأجابه
- أجل فأسلاك الهواتف الخاصة مربوطة بشركة هانسز بشكلٍ رئيسي و لا علاقة لشركة الاتصال السلكية بهذا ..
- و لكن بسبب هجمة العدوعلى غالبية الهواتف فهم لن يستطيعوا تحمل عبئ التواصل الخاص بكم ؟
- أجل , هذا صحيح ..
أجابه بينما يعاود الجلوس على مقعده..
- سيكون ذلك جنونًا .. هل حددت وجهة لتذهب إليها ؟ .. من المستحيل عليها التوجه للطريق الغربي و أخذ طريق الوسط بعد قطعها لكل تلك المسافات .. نصف ساعة من وقت اتصالها تكفي لأن تصل للواجهة الشرقية للمدينة في أقل من عشر دقائق إذا كان ما قاله الشاب صحيح عن الطرق السريّة .. بالتالي هي كانت في المنتصف بالفعل وقت اتصالها ..
قال القائد الآخر الذي على الهاتف قبل قليل ..
- و يعني بأنه لم يبقَ سوا ساعتين أو أقل فقط حتى تكون داخل الطريق الغربي من آخر نقطة تواجدت بها ...
قال لويس ..
- إن كانت تريد تسليم نفسها و الأميرة على طبق من ذهب فلتحاول الخروج من الطرق الرئيسية ..
قال آرثر و على وجهه تعابير انزعاج واضحة .. التفت لجين ثم أتبع : جهز نفسك أنت و الشاب القناص ذاك سنذهب للحاق بها ..
- اللحاق بها ؟
- أجل هنالك طريق جبلية مهجورة بجانب الطريق الرئيسية الجنوبية .. سنستطيع التوصل لمكانها قبل أن تخاطر بالذهاب بكل حماقة للطريق الغربية ..
- لحظة أتقصد تلك الطريق الجنوبية عزيزي ؟ أتريد الموت و أنت في ريعان شبابك ؟ أنت حتى لم تجعل لأمك احفادًا بعد ..
- أمي ستكون سعيدة بلا أحفاد
قال آرثر بينما يلتفت نحو الباب .. أما جين فقد عقد حاجبيه بانزعاج : فقط بحق خالق هذه الأرض ..إنها طريقٌ وعرة للغاية ! و هناك حقل ألغام فيها ! لا أحد يستخدم تلك الطريق , إنها طريق محظورة و ليست فقط مهجورة ..!
لحقه جين بينما يعارضه .. نظر كل من لويس و رفيقه لجوزيف الذي كان لا يزال واقفًا أمامهم عند الجدار .. فرفعا حاجبيهما باستغراب .. حدّق الآخر قليلًا بهما .. ثم دفع ظهره من الجدار ليلحق بالاثنان اللذان كانا يتجادلان و هما يخرجان من الغرفة ..
-----
ربّت آرثر على كتف جيمس و قال له : عزيزي أعدك هذه المرة أن تعود السيارة سالمة ...
- في أحلامك ..
إجابة صارمة للغاية صدرت من جيمس , طقطق آرثر بلسانه منزعجًا .. ثم شد أصابعه على كتف جيمس : إن فابيان لا يسمح لي بأخذ سيارته .. هل تريدني أن أقوم بالمهمة مع سائق تاكسي ؟
- أليست فكرة سليمة ؟
- هذا ليس وقتك أتعلم ..
- و أنا لا أثق بك .. في المرة السابقة لقد أعدت لي السيارة مع أضرار ..
- لقد كانت مجرد خدوش بسيطة تخفى بالدهان ..
حدق كلٌّ منهما بالآخر و الشرر يتطاير من أعينهما .. بينما كان جوزيف يختارُ بندقية قنصٍ من مخزن الأسلحة التابع لقصر فابيان .. لقد كان منهمكًا بالبحث و قد لمعت عيناه بشغفٍ لرؤية كل تلك الانواع على مرأى عينيه .. إن أحلامه قد تحققت ..
- الجنة ..
- جنة أحدهم هنا .. ما رأيكما ان تكملا نقاشكما المهم في الخارج ؟
قال جين و هو يتكتف يراقب الوضع بصمت ..
تنهد آرثر بانزعاج بسبب حصانة ردود جيمس هذه المرة على غرار المرة السابقة عندما أخذ سيارته قبل تسعة أشهر ..
- إذن أعطني مفتاح سيارة فابيان الاحتياطية ...
عقد جيمس حاجبيه و كان على وشك الرد و لكن آرثر أصمته : أنت لا تظن بأنني سأذهب لسؤال القيادة بالسماح لي بأخذ إحدى سياراتهم صحيح ؟ فليس لدينا وقت هنا .. و انت يا هذا اختر سلاحًا سريعًأ ..
قال مشيرا لجوزيف السعيد فقد كانت تعابيره منشرحة للغاية
التفت آرثر لجين بعدها ثم أشار له : و انت خذ لك واحدًا أيضًا .. مسدس ..
- حسنًا سأذهب لأحضر المفاتيح ..
قال جيمس بعد ان اخذ وقتًا بالتفكير بعمق
- كنت تستطيع جلبه منذ البداية ...
-----
جلس آرثر في مقعد السائق جهة اليسار , و تفقد كل الأمور أمامه نظر لجيمس من واجهة الزجاج الأمامية يومئ له بأن كلَّ شيءٍ على ما يرام عنده , فأغلق جيمس غطاء المحرك ثم اقترب و اتكئ على نافذة باب السائق يقول لآرثر : إنها جيدة ما زالت تعمل .. لقد كانت مركونة هنا منذ ثلاث سنوات و لم تستخدم قط لذا ..
- كان يتم تفقدها أسبوعيًا حتى تكون موجودة وقت الطوارئ.. لا تقلق ستكون جيدة
- لن تكون جيدة أبدًا مع قيادتك
تنهد جيمس ثم رفع ظهره بعدما ربت على ظهر السيارة و بدأ يخطو بعيدًا ..
وضع آرثر يديه على عجلة القيادة ..و تشكلت ابتسامة طفيفة على ثغره تعكس استذكاره لشيءٍ ما : مركونة منذ ثلاث سنوات هنا ..
التفت ينظر لمقعد الراكب .. و شعر و كأنه رأى خيالًا ما .. قبل أن يتلاشى كالسراب بسبب فتح أحدهم للباب .. نظر آرثر للرجل الذي يقف في الخارج .. و الذي يحادث شابًّا آخرًا بجانبه ..
- اركب في الخلف يا جوزيف .. سيكون مريحًا أكثر لك في حال حاجتنا لإطلاق الرصاص ..
أومأ جوزيف و فتح الباب الخلفي يدخل حقيبة البندقية .. أما جين فقد ركب بجانب آرثر و أغلق الباب .. تابع آرثر حركة جين و هو يدخل و حدّق به قليلًا .. ثم التفت و نظر للامام ..
"لا تتشتت بسبب العاطفة .. "
بادل آرثر نفسه الحديث بينما يستذكر تلك الليلة .. التي حاول بها الهروب من المشفى .. لأنه كان يعلم بأنهم سيأتون إليه ليقتلوه ..
" تلك الحادثة لم تكن هيّنةً أبدًا .. فرجال تلك العصابة الذليلة .. لا يتركون وراءهم رائحة .. إن أرادوا إكمال مهمةٍ فمن المستحيل إبقاء أيِّ خطر .. و أنا كنتُ خطرًا بالتأكيد .. فموقعي فيها كان " زفر بانزعاج
".. ولا استغراب من إرسالهم لمغتالٍ كذلك الوغد .. "
رفع آرثر يده اليمنى عن عجلة القيادة .. و تحسس جانبه الأيسر الذي ما زال يزعجه عند الحركة ..
*** آرثر .. آرثر ... !! ***
*** أرجوك كفَّ عن العودة إليّ مصابًا ! ***
*** لا تذهب أنت أيضًا ! ***
*** اتركني يا فتى و احمل ذلك الرجل ...***
*** أنا .. سأنتظرك .. مجددًا .. حتى يأتي اليوم الذي ستفرد به ذراعيك لأجلي .. آرثر***
*** أرجوك ارأف بقلبي يا آرثر .. ما الذي سأقوله لخالتي ماري عندما تعلم بحالك ؟ .. ***
*** آرثر ... ؟ ***
- آرثر ؟ ...
أتى صوتُ جين على غفلة .. فالتفت آرثر ينظر إلى تعابيره القلقة .. و لحظ عيناه التي تنظر إلى أين يضع يده ..
"قلق .."
- أنا على ما يرام ..
- إن كانت تزعجك دعني أقود ..
- لا ... سأحتاجك فيما بعد وفّر طاقتك ..
زم جين شفتيه و عقد حاجبيه بعدم رضًا .. ثم قال : لا تضغط على نفسك كثيرًا ..
أركى جين ظهره على المقعد و بعدها سمع صوت إغلاق الباب الخلفي بعدما ركب جوزيف ...
ابتلع الأشقر ريقه , ثم هزَّ رأسه يحاول تشتيت تلك الذكرياتِ الغريبة التي بدأت تصدح في رأسه .. و بعدها شغّل المحرك و انطلق ...
-----
تتكئ على ذراعها تجلس على أريكة أسفل النافذة الواسعة نظرت الفتاة ذات العينان العسليتان من الزجاج .. تراقب الإضاءة الخافتة من الخارج .. و كيف يحرك النسيم اوراق الشجر المحيطة بالقصر .. .. شعرتْ فجأة بالثقل الذي يتواجد حول رقبتها .. فابتسمت و أمسكت بما يتدلى .. و تذكرتْ تلك اللحظة التي تبادلت بها الوعود .. وعود الانتظار و الصبر و وعود العودة .. لم يمضي على ذلك الكثير .. تلك النظرة التي رأتها في عينيه كانت تشابه نظرةً رأتها في عيني شخصٍ آخر ..
- إن ظهر أمامي فجأة .. كيف سأستقبله ؟
حادثت نفسها .. ثم فكّرت قليلًا ..بأنها قد سامحت والدها بالفعل .. في قلبها توجد غصّة .. أجل غصّة أنه قد تأخر كثيرًا ليعود .. و لكن تحاربه فرحة عودته .. هل ستشعر بذات المشاعر عندما ترى من بقي الآن؟ شخص واحد فقط .. مشاعرها متناقضة نحوه ..
- هل ساكون سعيدة أم حزينةً عند رؤيته ؟
لقد بكت هي عندما سمعتْ بأنه على قيد الحياة .. لا تستطيع نسيان المشاعر التي راودتها عندما علمتْ بأن الأنفاس ما زالت ترافق روحه .. و دقات قلبه ما زالت تنبض .. هل هو سيكون هو سعيدًا أيضًا برؤيتها ؟ تلك الرسالة التي تركها تبرز مشاعر للحنين .. تستطيع أن تراها تتطاير من الحروف .. لذا من المستحيل بأنه لن يكون سعيدًا ..
- ماذا عنّي ؟ ما التعبير الذي سأظهره ؟
ابتسمت و شعرت بالدفء من مجرد تخيل رؤيتها لخصل شعره الشقراء تلمع أمامها ...
- آه أنا أعرف نفسي تمامًا .. فآرثر ليس والدًا كنتُ أتوق لرائحته ..
آرثر بالنسبة لمارغريت .. كان شخصًا هربت من قسوة الوحدة لأحضانه .. لذا شعور ترك الأحضان لها بنفسها موليّةً عنها .. كان شعورًا و كأن قطعة من القلب قد فقدت .. مارغريت لن تنظر في عينيّ آرثر بابتسامة .. بل ..
- ربما سأضطر للنظر لتلك النظرة .. نظرة الندم .. التي لن أكون سعيدةً أبدًا برؤيتها...
اتسعت عيناها فجأة عندما أدركت شيئًا ما لم يخطر على بالها من قبل : و لكن آرثر .. قد قضى ثمانية سنوات بعيدًا .. فأنا لا أعلم ما الذي فعله بهن .. و لا بطبائع شخصيته التي قد كوّنها في تلك الفترة ..
صمتت قليلًا تغمض عيناها و شعورٌ بالضيق بدأ يلتهم قلبها ..
- ربما سيجيبني إجابة لن أتوقعها أبدًا ...
------
رفع الشابُّ ذو العيونِ الزرقاء الجميلة عينيه ينظر للرجل الذي يجلس أمامه براحة ..
شبك يديه معًا .. ثم التفت للنافذة التي عكست قليلًا من هيئته حتى يراها .. فكان ذلك الشعر الأبيض الأنيق معكوسًا في عينيه .. ينظر للصفاتِ التي اكتسبها من الدم الذي تحمله عائلته .. تعابيره الصارمة المناقضة لملامحه الملكية الرقيقة .. و تلك البشرة الشاحبة ..
التفت يعاود النظر للشخص الذي يشاركه هواء الغرفة ..
- ماذا كان محوى تلك المهاتفة ؟
سأل الرجل الذي يناقضه في الصفات .. فبشرته التي هي أقرب للسمرة و شعره الأسود الذي يخالطه بعض من الشيب .. و تلكما العينان الخضراوان الباهتتان .. اللتان لا تعكسان بريقا كما تعكس عيناه هو الزرقة .. كانت تشعره بالاختلاف .. مع ان هذا الرجل .. هو رجلٌ اعتبر من عائلته .. بل هو يحمل دمًا .. لا يختلف عن الدم الذي يحمله هو بنفسه ..
فكلا دمائهما ملكية .. ملكيةٌ حد النخاع ..
- اقرأ الورقة التي وضعها جيمس على مكتبك قبل لحظات .. و أنا سأترجم لك كل جملة
نظر ذو الزرقة لتلك الورقة بنفور .. ثم تناولها .. يتابع الأحرف المكتوبة ..
- بداية , ما أمر عرضك لاسم تلك المرأة بإهمال .. لقد علمتَ بأنه كان محاصرًا ..
- حتى لو وصل اسمها لناثانيل لم يكن ليعلم من هي و لو قلب الأرض بحثًا عن أصلها .. ثم إنها وسيلةٌ جيدةٌ لجعل مايكل يعلم ما هو سير المحادثة
رفع الشاب حاجبيه و كأنه فهم مقصده ..
- إذًا "الكاميليا الصاعدة " هي أوليفيا ..
صمت قليلًا .. ثم قال : و ما أمر " أأنت مشغول ؟ " و جملة " أعمال كثيرة " تلك ..
- كانت تسأله إذا كان محاصرًا و عن عدد من يحاصره أهم كثرٌ أم قلّة ..
- و عندما سألته عن كم من الوقت يمكنه ان يقضي معهم ؟
- هي نفسها الفترة التي كانت بها أوليفيا خارج قصر كلاوثيارد .. أي أنها قد هربت قبل ست ساعات من موعد المكالمة ..
شد الشاب أصابعه على الورقة و قد بان الحنق و القلق على تعابيره .. كان يكبتُ نفسه للغاية عن قول أي شيء بحق مايكل كلاوثيارد .. و عن أن هذه الخطوة كانت مخاطرةً كبيرةً بحياة الأميرة .. لكنه يعلم .. بأنه إن فتحه فاهه لأجل كلمة واحدة فقط .. فإن الطاولة ستضرب رأسه و لن تنقلب أمامه فقط ..
- و ماذا عن الآنسة سميث تلك ؟
سأل و في نبرته ثقل كبته ..
حدّق الآخر به بتمعن ثم أجابه : سألته إن كانت سميث معها ..
- أي أنها هي من هرّبتها ؟
أومأ الآخر ..
وضع الشاب الورقة على الطاولة يفرد أطرافها التي جعدتها أصابعه .. ثم قال بنبرةٍ هادئة : من سيتولّى أمر أوليفيا ؟
- لقد أرسلتُ ثلاثًا لأخذها ..
اتسعت عينا الشاب و امتعض من ما سمعه : ثلاثًا فقط ؟!
أراد أن يعبر أكثر عن استيائه .. و لكنه أدرك بأن هذه الخطوة حسنة , فإذا أثاروا انتباههم بفِرَقٍ بحالها لأجل جلب أوليفيا فذلك لن يكون خيرًا أبدًا .. فابتلع ريقه .. و كأنه يجبر فاهه على الصمت ..
- ثلاثةٌ يكفون صحيح ؟ ثم إنهم موثوقون .. فأنا من أرسلتهم .. أتشك بقراري شيئًا يا فتى ؟
هزّ الشاب رأسه ثم ابتسم ابتسامةً طفيفة و أجابه : و كأنني أجرؤ ..
- أنت تجرؤ .. و لكنك لا تريد أن تسمع ما لا يعجبك .. فقد اغتريت بنفسك كثيرا حتى آل بك المآل إلى هنا ..
عاود الشاب شبك أصابعه يضغط على يده , ثم قال له بنبرته الثقيلة المعتادة : أنا اعترف بخطأي .. و لكنني لا أقوم بشيءٍ إلا و بما اكتسبته من خبرة .. أدرك بأنني ما زلت أتعلم .. و بأن الخطأ غير مقبولٍ في أمورٍ كهذه .. و لكن الورقة الرابحة ما زالت في يدي .. حتى لو انقلبت الأرض علينا .. فأعرف كيف أحفر صدعًا فيها لنخرج منها ..
اومأ الآخر و تبسّم .. و كأنه يعجبه ما سمع منه ..
- إذًا يا إليوس .. لا تنسى من تكون .. و ما هدفك .. و لا تنسى بأنك لست وحدك .. فالاستماع لغيركَ اولى .. و الاغترار بقرارٍ قد يكسره القدر بأحداثه .. فلا تعجل و تأنّى .. و اعلم بأن الذكاء ليس وحده ما يصنع خطّة بل الحكمة لها من ذلك الكثير .. فاسمع ممن لديهم الحكمة .. و انظر للخيوط كيف تتشابك .. أفهمت ؟
وقف إليوس من مجلسه .. ينظر لسماء الليل .. لكي يستحضر الآتي : إن مشواري طويل .. أعلم .. لكنني أعمل جاهدًا لأن أضع قدمي أين يجب أن توضع .. و أنا أخاف على غيري أكثر من نفسي .. فكنتُ أسعى فيما أضعه من قرار .. ألا أسمع خبر خسرانِ أحد .. أدرك بأنها محض أحلام .. و بأن التضحيات وجبت حتى تتحقق القضايا التي نسعى لها .. و فهمتُ بأن المثالية في القرار .. تجعله محلًا للشك .. و قد يقال عنه مثاليٌّ لكنه مليئٌ بالثغرات ..
ابتسم ثم التفت لمن كان يراقبه و يسمع كلامه : أقسم لك .. و قسمي لن يكسر إلا بقهر .. بأنني سأسعى كما لم أسعى من قبل .. و سأضع هدفي نصب عينيّ و لن أكِلَّ عنه .. و بأنني سأتخذ قراراتي بدأ من هذه اللحظة .. بعد المشورة .. أتمنى أن تثق بي مجددًا سيد روبرت.
أومأ روبرت .. ثم قال بنبرةٍ هادئة : أنا أثق بك .. فأنا أعلم ما مكنونك .. و أعرف ما غرس فيك .. و أنت تعلم بأنني لا أسكت عن خطأٍ منك أو من غيرك لأجلكم .. و لأجل ما تصنعون .. أرجو أن تكون ورقتك الرابحة سبيلًا .. فالخطر قادم لا محالة .. فهذه المرة ناثانيل لا يلعب كما قبل .. فها هو قد بدأ يبرز عضلاته و عضلات دماغه أمامنا .. أو أمامك .. فالتحدي لك ..
أومأ إليوس و هو يتابع خطوات روبرت لخارج الغرفة .. و استمع لآخر الطرقات على الأرض قبل أن يحلَّ الصمت ..
" أتمنى لو تنظُر أمامك فعلًا حتى تفهم اكثر ما يحصل "
خفَّت تعابير إليوس لتبديَ رقيًّا هادئًا .. فأبدت زرقة عيناه حكمةً عندما تفوّه بكلماتٍ يعبّر فيها عما يرغب في قوله فعلًا لنفسه :
- الفِكر سبيلُ الوصول للهدَف ؟ كلّا .. أليسَ كذلكَ ؟... بلِ القوَّة .. و كسرُ أطرافهم حتى الشلَل هي ما ستوقفهُم عند حدودِهم .. آه لو تكونُ بينَ يديَّ يا خصيمي .. سترجو النجاة الذي لن يلتفتَ لك حتى .. و إنّي على وعدِي لقائمْ !
رأبكم في الفصل ؟
التعديل الأخير: