غزوة العشيرة :
بعدَ هجرة النبيّ -عليه الصلاة والسلام- إلى المدينة المنورة مع المهاجرين من المسلمين،
كان لا بدّ من البَدء بتأسيس الدولة الإسلاميّة وإرساء دعائمها السياسية والاقتصادية
لتكون المدينة مكان انطلاق للدعوة الإسلامية، وغير ذلك الكثير مما يتطلبه تحقيق وجود الدولة الإسلامية،
وهذا كان ضروريًا لنشر الدعوة الإسلامية إلى جميع المناطق وتحقيق الاستقرار
بعيدًا عن جو مكة المشحون بمكائد كفار قريش، خصوصًا أن كفار قريش كانوا يترصدون للمسلمين
ويمنعونهم من نشر الدعوة الإسلامية، ولتحقيق هذا كان لا بدّ من القيام بغزوات ضروريّة،
ومنها غزوة العشيرة أو غزوة ذي العشيرة، وفي هذا المقال سيتم ذكر أحداث غزوة العشيرة
أسباب غزوة العشيرة :
حدثتْ غزوة العشيرة بعدَ غزوة سفوان، وهي الغزوة الثانية في التاريخ الإسلامي،
وكان سبب هذه الغزوة سببًا اقتصاديًا بالدرجة الأولى،
خصوصًا أن كفار قريش استولوا على أموال المهاجرين من المسلمين بعد أن تركوها في مكة وهاجروا إلى المدينة،
ولذلك كان لا بدّ من اعتراض قوافل قريش التي تمرّ ما بين مكّة والشام،
وتمر بالقرب من المدينة لاسترداد جزء من أموال المسلمين،
لذلك كان السبب المباشرة لهذه الغزوة هو لاعتراض عير لقريش كانت ذاهبة إلى الشام بغرض التجارة
أهداف غزوة العشيرة :
كان الهدفُ من غزوة العشيرة هو الوصول إلى قافلة قريش واعتراض طريقها والظفر بها،
وذلك لاسترداد جزء من أموال المسلمين التي استولى عليها كفار قريش عندما ترك المهاجرون مكة،
وكان هذا هو الهدف المباشر من الغزوة، أما الهدف غير المباشر
فكان لتخويف قريش وإربكاها وإدخال القلق إلى نفوس كفار قريش
ليعلموا أن المسلمين أصبحوا يُشكلون قوة في المدينة المنورة،
كما كان الهدف من غزوة العشيرة أيضًا أن تكون ممهدة لغزوات أخرى أكبر في المستقبل،
وهذا ما حدث تمامًا، إذ حدثت على إثرها غزوة بدر الكبرى في العام نفسه،
والتي قامت على نفس القافلة أيضًا، ولكن في طريقة عودتها من الشام إلى مكة
موقع غزوة العشيرة وتاريخها :
وقعتْ غزوة العشيرة في منطقة العشيرة، وهي منطقة موجودة قرب ينبع حاليًا،
وتبعد مسافة اثنين كيلو مترًا عن قرية المبارك باتجاه الشرق، وكان ذلك في أواخر شهر جمادى الأولى
وأوائل جمادى الآخرة من العام الثاني للهجرة، إذ انّ الرسول -عليه الصلاة والسلام-
وصل إلى موقع ذي العشيرة في أواخر جمادى الأولى وأقام فيه عدّة أيام من جمادى الآخرة
قبل أن يعود إلى المدينة ومن معه من صحابته الكرام.
قوات المسلمين وقريش :
خرج الرسول -عليه الصلاة والسلام- بنفسه في هذه الغزوة،
وكان قائدًا للمسلمين، وكان معه مئة وخمسين مهاجرًا، يركبون ثلاثين بعيرًا،
وكان حمزة بن عبد المطلب -رضي الله عنه- حامل لواء المسلمين، وقد كان الخروج في هذه الغزوة اختياريًّا،
من شاء منهم خرج ومن شاء بقي، ولم يُكره الرسول -عليه السلام- أحدًا من المسلمين على الخروج في هذه الغزوة،
وقد استخلف الرسول -عليه الصلاة والسلام- أبا سلمة بن عبد الأسد المخزومي -رضي الله عنه- على المدينة.
أما قوات قريش فكانت قافلة متوجهة إلى الشام بعيرها ورجالها بقيادة أبي سفيان،
بالإضافة إلى بعض الحلفاء وهم بني مدلج وبني النضير الذين كانوا حلفاء لقريش،
وعندما بلغ المسلمون موقع ذي العشيرة وجدوا أن العير قد فاتتهم وسبقتهم بأيام ولم يجدوها،
فعاد الرسول -عليه الصلاة والسلام- إلى المدينة، وخرج مرة ثانية في طلب القافلة في رحلة عودتها من الشام،
ونجت القافلة مرة أخرى، واستطاع أبو سفيان تغيير مسارها، فكان هذا سببًا مباشرًا لخوض غزوة بدر الكبرى.
أحداث غزوة العشيرة :
لم تحدث أيُّ مواجهة بين المسلمين وكفار قريش في هذه الغزوة،
وعند وصول الرسول -عليه السلام- إلى موقع ذي العشيرة،
علم أبو سفيان أنّ المسلمين قد خرجوا لمواجهتهم، فغيّر مسير القافلة وسلك طريقًا آخر غير الطريق المعتاد،
ووصلت القافلة إلى مكة سالمة، وحافظ عليها، ولم يستطع المسلمون الظفر بالقافلة وإدراكها،
وقد بقي الرسول -عليه الصلاة والسلام- في موقع ذي العشيرة
عدّة أيام هو ومن معه من المسلمين، ثمّ عادوا إلى المدينة.
نتائج غزوة العشيرة :
تمخّضتْ عن غزوة العشيرة عدّة نتائج مهمّة، أهمّها عقد معاهدة مع بني مدلج وحلفائهم من بني النضير،
وأصبحوا في صف المسلمين وتخلّوْا عن حلفهم مع كفار قريش،
كما استطاع المسلمون إدخال الخوف إلى نفوس كفار قريش
وإيصال رسالة لهم بأنّ الدعوة الإسلامية ورسالة الإسلام باقية،
كما بدأت القبائل العربية بالتحالف مع المسلمين، مما زاد في إضعاف معنويات قريش وإرباكهم،
وهذا سبب ضرب النشاط التجاري لقريش، وزيادة الثقة في نفوس المسلمين،
خصوصًا أن الرسول -عليه الصلاة والسلام- كان في كلّ غزوة يستخلف أحد الصحابة على المدينة المنورة،
فيدعم فيهم روح القيادة والقدرة على تحمل المسؤولية، وهذا منهاج رائع للرسول -عليه الصلاة والسلام-،
الذي استطاع أن يُربي جيلًا من القادة، كما مهّدت هذه الغزوة لغزوات أكبر
جاءت بعدها وتحقق فيها النصر للمسلمين، وأبرزها غزوة بدر الكبرى
التعديل الأخير بواسطة المشرف: