- إنضم
- 7 مايو 2019
- رقم العضوية
- 9955
- المشاركات
- 3,899
- مستوى التفاعل
- 4,275
- النقاط
- 583
- أوسمتــي
- 3
- الإقامة
- كوكب بلوتو ♇
- توناتي
- 1,715
- الجنس
- ذكر

- لوحةٌ عبر محطةِ الماضي ✰ -
سابقًا
-
☆ الفصل -1-
☆ الفصل -2-
☆ الفصل -3-
☆ الفصل -4-
☆ الفصل -5-
☆ الفصل -6-
☆ الفصل -7-
☆ الفصل -8-
.. السلام عليكم ..
شكراً لإنارتكم روايتي البسيطة بوجودكم المشرّف ..
كان هدفي هو تاليف قصة عاطفية قصيرة ومعبرة بأسلوبي لأعود من خلالها الى عالم التأليف ..
لكن الوصف والتعبير والخيال فاق امكانيتي خلال الكتابة
فقررت تحويلها الى رواية قصيرة بدلاً من قصة طويلة
لكي اذكر بعض التفاصيل التي كنت لإهملها لو لم احولها الى رواية ..
والان لدي كامل المساحة والحرية في التعبير عن احداث هذه الرواية
.. اتمنى ان تنال اعجابكم ..

S A L W A | 27- 5 - 2024
- لَوحَة -
الفَصلُ الأول
"هذا يكفي، لا أستطيع التحمل أكثر!"
صرختُ بأعلى صوتي مردداً ذلك وأنا اركع على ركبتي اسفل اشعة الشمس وسط الحي الفارغ ..
كانت لحظة تفريغ خططتُ لها طويلاً منذ الأمس..
لكن، شعورٌ غريب! ألنْ ادرُسَ الرياضياتَ مُجدداً؟ امْ إنني في حلمٍ آخر؟
لنْ ادرس التكامل ولا التفاضل ولا المعدلات الزمنية؟
اصبحتْ جُزءاً مِنْ يومي وعاداتي .. حقاً إنهُ لأمرٌ رهيب ..
بفرحٍ وتعب يسبقه حزن وندم على بعض الأجوبة .. لازلتُ اشعرُ بذلك الشعور الغريب ..
هنالك شيء ما خاطئ .. شعورٌ لازمني منذ زمن غفلتُ عن مصدره ..
وكأن الحياة على شكل لوحة تفككت اجزائها اقتربتُ من ترتيبها لكنني لا أجدُ القطعة الأخيرة ..
القطعة التي ستنهي كل هذا التفكير والتشتت الذي أبحرتُ فيهِ ..
أذلك بسبب اسئلة هذا العام التي فاقتْ بقية الاعوام صعوبةً؟ ..
كان عليّ أن اؤجلَ بعض الامتحانات الى الدور الثاني ..
لكن لا فائدة من التفكير الأن .. الدفتر متجه الى مركز التصحيح بالتأكيد ..
شمسُ الظهيرة كانت حارقةً بشكلٍ اخرجني من مستنقع التفكير والندم المؤلم هذا لِأعود لِواقعٍ فاقَ الندم الماً ..
وضعت دفتر الرياضيات على رأسي وقايةً من الاشعة المباشرة للشمس ..
لمْ انم منذ يومين والإِرهاقُ سيطر عليَّ سلفاً ..
عليّ ان ارجِعَ سيراً الى البيت الذي يبعد 2000 متر تقريباً عن المركز الامتحاني .. لم يكن هنالك وسيلة نقلٍ غير المشي ..
حسنا .. بضع امتار وسأصل الى فراشي المحاط بالكتب والاوراق من كل الجهات..
كتب؟ آه نسيت! امتحاني القادم هو الكيمياء يجب ان استعد لها ايضاً ..
اوه يا الهي .. اشعر بإرهاقٍ وتعبٍ شديدين .. متى سينتهي كل هذا؟
متى ينتهي هذا الكابوس؟ السادس الإعدادي يلتهم أشهري الأخيرة، والامتحانات الوزارية أصعب مما توقَّعت ..
"لكن، حسناً... ذهب الكثير ولم يبقى إلا القليل"
قاطع تفكيري مرور سيارة من نوع KIA optima من جانبي بسرعة رهيبة بشكل اخرجني من دوامة النقاش الداخلي والافكار اللامتناهية .. نوع عادي من السيارات لدرجة تجعلني اتسائل عن السبب الذي يجعل اصحابها ينفقون مالهم على مثل هذه السيارات العادية وهم يستطيعون شراءَ سياراتٍ افضل بنفس السعر ..
اه كم احسدهم .. لا يشعرون بالحر وهذه السيارة تحميهم من لهيب الشمس وتوصلهم بسرعة الى مبتغاهم ..
اثناء تأملي بظهر السيارة وهي تبتعد .. توقفت السيارة فجأة وسط الشارع، ثم بدأت بالرجوع نحوي!
ظننت انها تريد الإستدارة لتغير اتجاهها فأكملتُ مسيري وسط ادعائي بأنني لا اشاهدهم .. لا اعلم ما سبب قيامي بتلك التصرفات لكن كانتْ تلك عادتي .. فالشارع كان فارغاً منتصف الظهيرة ومن الغريب ان تقف سيارة أمامك ثم بتدأ بالرجوع نحوك فجأة!
لكن ما ان وصلت قربي حتى نزل منها رجل في الثلاثين من عمره
يلقي التحية علي ويبتسم .. اوه لحظة .. انه ابن جيراننا، زيد !
لوح لي ضاحكاً وهو يقول: "تعال، اصعد بسرعة قبل ان تذوب"
ابستمتُ قليلاً ولا انكر مقدار فرحي وامتناني في تلك اللحظة التي صعدت فيها السيارة
والتي كانت باردة من الداخل بفضل نظام التكييف ..
اغلقت الباب بهدوئ ليستقبلني شبح الماضي ويُغرقني ببحرٍ من الذكريات للحظات قليلة لمجرد التافتي لجانبي الأيمن عندما تناثرت نغمات ذلك الصوت المألوف في أذنيّ وهو يُرَنّم:
"كيف حالك, احمد"
أتسع بؤبؤي وسرت القشعريرة في انحاء جسدي وكأن الصورة التي كان ينقصها قطعة اكتملت الأن ..
انها القطعة المفقودة .. انها رنا! صديقة طفولتي!
لم ارها منذ مدة طويلة لدرجة أن الوقت محى ملامحها من ذاكرتي وشبح الحياة كان يطاردني حتى اشغلني وأنساني وجودها ..
قبل 10 او حتى 12 عام .. عندما كنا صغاراً ..
كنت استيقظ بحماس كل يوم انتظر وقت العصر بفارغ الصبر لأخرج واجدها تنتظرني جالسةً على ذلك البرميل الأصفر القديم ..
اجل انها هي! التي شاركتني عالمي الصغير واحلامي الكبيرة ..
كانت النجوم تتراقص فوقنا ونحن نتأملها ونحدّث بعضنا عن احلامنا واهدافنا الخيالية ..
بأبتسامتها الساحرة عندما كانت تفوز علي بلعبة الكرة ..
وخوفها الشديد لمّا تختبئُ خلفي عند ظهور ذلك الكلب الأسود ذو الرقعة البيضاء وهو يحاول مهاجمتنا ..
ولمعان عينيها عندما كنّا نشتري المثلجات من البائع المتجول ..
ووقت انفجارها باكية لحظةَ سقوطي من على الدراجة وجرحي لقدمي .. وكأنها هي التي سقطتْ!
كنتُ مضطراً لمواساتها طول الطريق حتى هدأت ..
"العفريتان" هذا ما كان يطلقه علينا اهل الحي ..
احترقت هذه الذكريات وتحولت الى رماد تناثر مع رياح الماضي لحظة اعلان والدي
انه سيسافر الى بلد اخر ليحصل على شهادة الدكتوراه وكان عليه ان يأخذنا معه ..
خيم الحزنُ على أهل الحي بعد سماعهم بالخبر فلقد كانوا عائلة واحدة، عندما يذهب احد أفرادها يحزن البقية ..
"تنهدتُ بأسى على تلك الأيام، لاحظتُ نظراتك المتكررة إليّ، فتبادلنا النظرات خاطفة بخجل ثُمّ إدعينا إننا لم نقصد ذلك،
لم يتسلل الخجل يوماً على علاقتنا، ربما هذا لأننا أصبحنا كباراً الآن، ولسنا العفريتان .."
وسط توديع أهل الحي لنا وتعالي أصوات بكائهم، كنتِ تقفين أمامي.. خلف والدك الذي يحادثُ والدي بعينيه الحزينتين .. لم نفهم ما سبب نحيبهم ذاك ..
كنّا صغاراً لندركَ بأنّها اخر ايامنا معاً .. أنني لن اراكِ ثانيةً ..
سافرتُ وكنتُ مُفعماً بالحماس لأعيش تجارباً ومغامراتٍ جديدة لِأعودَ واخبركِ عنها وأرى ذلك الحماس يشعُّ من عينيكِ اللامعتين ..
ظننتُ بأنّنا سنعودُ بعد فترةٍ قصيرةٍ .. لا أستطيع أن انسى لحظة سألت والدي
عن موعد عودتنا وأخبرني بأنني يجب ان اعتاد على هذا المكان ..
بكيت طويلاً ليلتها وشعرت بكئابةٍ وحزنٍ عميقين .. اشتقتُ لبيتنا القديم .. لأصدقائي .. اشتقت لها ..
اقنعتُ الجميع بأنني نَسيتُها ثم كان علي اقناع نفسي بذلك حتى توهمته
اهٍ كم إنَّ حبَّ الأطفال عظيم لصدقه ونقاوته .. بعيد عن معالم المثاليات والشهوانيات ..
كنت فقط احب قضاء وقتي معها .. احبها لأنها صديقتي ..
لانها تفهمني وتشاركني اللحظات التي لن تتكرر .. لأنها عالمي!
كلَّ ليلةٍ اتخيل لحظة لقائي بها ..
انها ستركض نحوي وتقفز عليّ وتحضنني ثم نبكي سوياً على ما فاتنا ..
هذا ما ظننته عندما اعطيتها تلك الأسوارة الوردية لحظة الوداع ..
لكن الأن .. تنظر نحوي بهدوئ وهي تبتسم .. لن تتكرر تلك الأيام مرة اخرى ..
لن تركض نحوي ولن نبكي على الم فراقنا عندما نلتقي .. لقد اصبحتْ رنا الان "إمرأة" وليست تلك الطفلة التي سكنتْ مُخيّلتي ..
لم تتغير كثيراً .. انها نفس تلك العينين اللامعتين ذات اللون البني ..
ونفس الأبتسامة الساحرة التي كانت تبرز الغمازة في خدها الأيمن لحظة فوزها علي في لعبة ما ..
وذات الشعر البني الطويل الذي دائماً ما كانت تحب ضَفرهُ لتدعه يميل وينزل أمام كتفها ..
وذلك الحرقُ الصغير على يدها .. لا يزالُ كما هو! لم أسألها يوماً عن سببه ..
إنتزعتني من شرودي وهمستْ:
-واضحٌ بأنّكَ منزعجٌ من الرياضيات، أليس كذلك؟
عُقد لساني، تلاشت كلماتي، احاول جاهدًا الإجابة على ذلك السؤال العادي، حتى نسيتُ كيف كنتُ اتكلم ..
اخذتُ نَفَساً عميقاً ثم اجبت بهدوئٍ مرتبك:
-بصراحةٍ، أجل
لمحَ زيد انعكاس العرق على جبيني عبر المرآة الامامية، ففتح المكيف إلى أقصى درجة فارتعشت على غير قصد عندها تبادلنا نظرات سريعة صامتة، قبل أن يعود السكون يخيم مجددًا .. حتى كسرتْ حاجزه وقالتْ:
-يبدو أنني سأتفوق عليك مرة اخرى
-لا تفرحي! لا زال هنالك ثلاثة امتحانات .. دائماً ما كنت افوز عليك في الفرصة الثالثة
قالت وهي تلوح بشعرها بغرورٍ طفولي:
-ما الفائدة اذا كنت اتفوق بكل الأمتحانات، وانت تتفوق بالأخير فقط!
ابتسمتُ لأنها لم تنسَ عادتي بالفوز في الفرصة الأخيرة في كل مرة ..
بادلتني الإبتسامة وهي تتأمل وجهي لثوانٍ قليلة، ثُمَّ تتنهد بأسف:
-كانت الأسئلة هذا العام صعبة ومعقدة .. لكنني لن اتنازل عن هدفي
-وانا كذلك ..
عاد الصمتُ ليخيم على تلك الأجواء ويفرض سطوته، وكأن القدر بنفسه لم يكن على درايةٍ بهذا اللقاء، اصبحت الكلمات صعبةَ اللفظ..
أنظر من خلال النافذة، كانت الشوارع خاليةً من أُناسها، لم يكن هنالك مجنون يفكر أن يمشي تحت هذه الشمس، سوى الطلاب ..
كان زيد مشغول بمكالمة هاتفية، كنا انا، وأنتِ، فقط هناك ..
بعد ثوانٍ قالت والفضول يُغرقها:
-اتعرف ما هو؟!
-وكيف لا اعرفه! .. لقد تعاهدنا سويةً على تحقيقه
-لقد توقعت بأنّكَ، غيرته ..
-بالفعل! لقد غيرته .. أصبح لدي هدف جديد منذ زمن بعيد .. هدفي الأول كان ان اصبح طبيب اسنان ممتاز عندما فقدتي احد اسنانك أتذركين ذلك!
-حقاً؟! وماهو هدفكَ الجديد؟
بعد لحظات من الصمت تابعتُ الكلام ضاحكاً بهدوئ:
-كيف ابليتي في الامتحانات؟
-احمد! لا تفعل ذلك .. هيا اخبرني ما هو هدفك؟
-لماذا لم يتغير عنادك خلال هذه الفترة؟
- بل زاد اكثر ..
-يا ويلي
-هيا اخبرني .. لا تتهرب
-لا مشكلة .. سأخبرك بتلميحٍ فقط
رمقتني بنظرة جانبية وأدارت وجهها قليلاً، كأنها تتصنع اللامبالاة:
-كم انت لئيم
-حسناً غيرتُ رأيي
-لا لا اسفة اقسم لك اني لن اكررها .. فقط اخبرني ..
-حسنا "قلتُ بغرور" سامحتكِ ..
قهقهتُ ضحكة النصر متأملاً في وجهها المشع بالحماس المعهود:
- كان حلمي بعيداً جداً عن منالي .. ولكن الأن اصبحت اقرب اليه اكثر من اي وقت مضى
سكتتْ قليلاً ولم تتفاعل مع اجابتي حتى لاحظتُ عليها مزيج ساحر من الهدوئ والارتباك
محاولةً الأختباء خلف قناع اللامبالاة والاستهزاء المعتاد حتى تظهر لي انها غير مهتمة بالموضوع
لكنها تتحترق شوقاً لتعرفه .. هه، حقاً انها لم تتغير .. مازالت رنا نفسها التي عهدتها ..
بعد ثوانٍ من الهدوء، همستْ بصوتٍ حزين:
-حتى لو نجحتُ، لا أعتقدُ أنني سأحقق حلمي ..
اربكني ما قالته، أتعني بأنها غيرت حلمنا؟
ام هي تقصد حلماً آخر؟
لاحظتُ نظرات زيد الغريبة لي من المرآة،
"ربما يزعجه كلامي، من الافضل ان انهي الحديث"
لا اريد لهذه اللحظة ان تنتهي .. وكأنني ركبتُ قطار الذكريات الذي نقلني من الحاضر الى ماضٍ بعيد ولا أُريدُ لمحطتهِ الأخيرة أن تأتي ..
ساد الصمتُ لعدة دقائق طويلة هذه المرة .. حقاً ان الصمت لمتعب ..
لكنه يبقى افضل وسيلة للتعبير عن الكلام الذي لا يمكن وصفه ..
كان صمتاً مليئً بالعتاب والبكاء والحزن ومكتظ بالكلام عن احداث حياتنا الماضية ..
كان صمتاً صاخباً حتى قاطعه وقوف السيارة لحظة الوصول ..
شكرتُ زيد على مساعدته "لقد كبرت، أحمد، وأصبحت تعرف متى تشكر"
ضحكتُ من ما قاله، فأنا سابقاً كنت فضاً، كان دائماً يشتري لنا الحلوى، فأخذها واهرب بعيداً دون ان الفظ بكلمة شكرٍ واحدة ..
ودّعنا بعضنا بحسرة .. لا يجب ان يكون لقائنا هكذا .. بل لم يكن يجب ان نلتقي اساساً ..
لم نزلتُ في هذه المحطة؟ .. لم عدتُ الى مدينتي بعد ان غادرتُها؟ ..
قبل ان تنزل من السيارة، لمحتُ شيئً جعلني اتجمد مكاني من اثر رؤيته، ضاق بصري وكأن الزمن توقف لوهلةٍ ..
"تلك الإسوارة الوردية، إنها ترتديها!"
.. يتبع ..
هذا هو البارت الأول من الرواية ويعتبر البداية والتعريف للابطال .. لهذا الاحداث الي فيه بطيئة وقليلة وفيها تفاصيل كثير ..
راح تكون رواية قصيرة لكن غنية بالأحداث خصوصاً في البارتات القليلة المتبقية..
اتمنى يكون هذا البارت نال إعجابكم .. اذا في شي خطأ او ما عجبكم بهذا البارت اتمنى تذكروه
.. ترقبوا البارت القادم عن قريب إن شاء الله ..

التعديل الأخير: