في كل حرب عدةُ حروب اخرى ..
لم تكن يوماً المعارك مقتصرةً على السلاح لطالما كان لها أوجه مختلفة أقل عنفاً و أعمق تأثيراً ..
عشرة أشهر من القتل و التعذيب و التجويع و اللآلام الغير منتهية ..
كم شهيداً ارتقى و كم جريحاً !
كم حياة هدمت ؟
كم أم كُلمت بأطفالها ؟
كم طفل يُتم ؟
كم لحظة رعب و خوف عاشوها صغاراً و كباراً
كم لحظة قهرٍ
برد قارس .. حرٌ قاتل
جوعٌ مرير و ظمأ غير منتهي
معاناةٌ لا توصف ولا توفيها كلماتنا
كل هذا وسط قبول عالمي ..
لا بل و دعم مستمر دولي و فردي صريح وعلني
و وسط عجز مرير
عجز عن مد يد العون
أو المساهمة في رفع هذا الظلم !
وسط كل هذه الأحداث .. ظهرت الدعوات إلى
المقاطعة ..
لربما تكرر مصطلح المقاطعة ملايين المرات في الآونة الأخيرة ..
فقد انطلقت حملاتٌ ضخمة عبر وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة
تدعو لمقاطعة كل من يرتبط مع الكيان الاسرائيلي بأي شكل
سواء بتقديم الدعم المادي أو الترويج لفكره و حتى تبني ألوان علمه المزعوم
كأضعف الإيمان ، وأقل ما يمكننا تقديمه على المستوى الفردي لاخواننا المستضعفين
و لاقت هذه الحملات رواجاً كبيراً
لكنها حملت أيضاً اراءً منقسمة
فهناك من يحث عليها و يرى فيها وسيلة ذات فاعلية و تأثير قوي ..
و هناك من يظن أن الامر لا قيمة له ولا يعدوا كونه مزايداتٍ فارغة لن ترفع الظلم عن المظلومين ولن تؤذي عدواً شرساً ..
في الحقيقة ظهر هذا المقطع امامي بالصدفة قبل ان أرى المواضيع المطروحة واتوجه لهذا الخيار ..
المقاطعة بمعناها اللغوية هي الترك و الابتعاد طواعيةً ..
أي ان تختار ذلك بنفسك
و تشمل المقاطعة بمفهومها العام الابتعاد عن
استخدام أو شراء شي ما
أو التوقف عن التعامل مع شخص ما أو حتى
دولاً و سياسات
فهي مفهوم واسع كبير يشمل جوانب عديدة
كما أن دوافعها أيضا مختلفة فأحياناً قد تكون المقاطعة لاسباب اخلاقية وفي حالات اخرى تكون اسباباً اجتماعية أو ربما سياسية و ايضاً من الممكن أن تشمل الاسباب البيئية و الدينية
يمكننا تقسيم انواع المقاطعة بطريقتين رئيسيتن
إما ان نقسمها تبعاً للقطاعات او المجالات التي تشملها المقاطعة
أو نقسمها اعتماداً على الجهات المتبنية لعملية المقاطعة
و ذلك بالشكل التالي
انواع المقاطعة بحسب القطاع او المجال تصنف لـ
مقاطعة اقتصادية
مقاطعة سياسية
مقاطعة ثقافية
مقاطعة إعلامية
أما انواع المقاطعة تبعاً للجهات المنفذة تصنف لـ
المقاطعة الحكومية وهي المقاطعة التي تكون صادرة من جهات حكومية رسمية
المقاطعة الأممية ويقصد بها المقاطعة التي تكون بقيادة مؤسسات دولية
المقاطعة الشعبية و هي التي تنطلق من القيادات الشعبية ومؤسسات المجتمع المدني حتى تشمل معظم شرائح الشعب
المقاطعة المتكاملة ويقصد بها تلك التي تجمع بين الجهات الحكومية و الشعبية
المقاطعة الاقتصادية ليست بالشيء الجديد
فمنذ القدم تم اتباع اسلوب المقاطعة كنوع من انواع الضغط بين الاطراف المتنازعة
و في التاريخ الكثير من الحالة التي تشهد على هذا الاسلوب ففي زمن الرسول صلى الله عليه وسلم لجأت قريش لمقاطعة بني هاشم و بني عبد المطلب و كانت تلك المقاطعة تشمل جوانب متعددة و من ضمنها مقاطعتهم اقتصادياً بمنع البيع و الشراء منهم
والامر نفسه تكرر بصورة مختلفة في الوقت الذي كانت حركة التحرير في ايرلندا قائمة ضد السيطرة الانجليزية
حيث امتنع الفلاحون حينها عن التعامل مع أصحاب الاقطاعات الزراعية الانجليز المسيطرين في ايرلندا كنوع من الضغط عليهم
و في أيام مناضلة المصريين ضد الاحتلال الانجليزي و اعتقال سعد زغلول قاد حزب الوفد المصري مقاطعة شاملة ضد الانجليز والتي من ضمنها توقف التجار المصريين عن شحن بضائعهم بالسفن الانجليزية اضافة لمقاطعة التجار الانجليز بشكل كامل
وحتى في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية عمد الكثير من الاوروبين لمقاطعة البضائع الألمانية بسبب الاحتلال الالماني لتلك البلدان
أما في التاريخ المعاصر فقد تكررت حالات المقاطعة الاقتصادية عدة مرات
كما في مقاطعة البضائع الدنماركية و الفرنسية بسبب الاساءات المستمرة للدين الاسلامي و رموزه من قِبلهم
وايضا ما حدث من مقاطعة لقطر من قبل الدول الخليجية بسب الخلافات السياسية والتي تضمنت المقاطعة الاقتصادية
وحتى مقاطعة المنتجات الداعمة للكيان الاسرائلي لم تكن هذه المرة الاول فقد سبق و تمت مقاطعة هذه الشركات والمنتجات الداعمة لفترة من الزمن
كثرت الأصوات التي تشكك في الفائدة التي قد تعود علينا من المقاطعة
بل و طغت عليها تلك الأصوات التي جعلت دعوات المقاطعة دعوات فتنة تهدف لانهيار اقتصاد البلدان
ومنهم من حاول التأثير عاطفياً بزعم أن آثار المقاطعة ستمتد للاضرار بالموظفين من أبناء البلد في تلك القطاعات و تتسبب بزيادة في أزمة البطالة ..
فبين تشيكك بفاعلية سلاح المقاطعة و بين اثارة الفتن حول نوايا الداعين اليها بدأت حرب من نوع آخر ..
ولكن .. هل تكمن الخطورة الحقيقة بالمقاطعة وآثارها حتى لو وصلت للحدود التي زعمها المحاربون لها ؟
أما أن الخطورة الحقيقية في السيطرة على اقتصاد الدول و على ما يرد اليها ؟
من الحكم القديمة التي تعلمناها منذ الصغر مقولة ( ويل لامة تأكل مما لا تزرع وتلبس مما لا تصنع )
فعن أي قوة اقتصادية نتحدث ان كان هناك من يتحكم بمواردنا و يملك القرار فيما يدخل الى بلادنا ؟
واي آمان زائف ندافع عنه في ظل هذا النمط الاستهلاكي الاتكالي الذي نحيا عليه ؟
سؤالٌ يفرض نفسه بقوة !
فنجاح المقاطعة الفعلي يكمن بخروجها عن الحدود الوقتية
وانتقالها لمرحلة تصبح فيها نمط حياة معتاد
لذا راهن الكثيرون و على رأسهم أصحاب وكالات الاستثمارات المقاطعة و منذ بدأ حملات المقاطعة لكل تلك الشركات الداعمة للكيان الاسرائيلي على الذاكرة الوقتية لفشل هذه الحملات !
وذلك قياساً على حالات المقاطعة السابقة سواء لهم أو لغيرهم
و التي بدأت قوية و فاعلة ثم خفتت تدريجياً حتى أختفت
كلنا لاحظنا الانتشار و التوعية المستمرة بأهمية وأهداف المقاطعة في هذه المرة
الأمر الذي لمسنا أثاره على الجميع حتى على الأطفال الصغار
و جميعنا قد رأينا ولو مقطعاً واحداً على الأقل لهؤلاء الصغار وهم يمتنعون عن شراء مفضلاتهم من تلك المنتجات و يبحثون بجد عن بدائل لها
فهل ستكون هذه المرة كسابقاتها ؟
أما أننا وصلنا لمرحلة من الوعي تؤهلنا للوصول لمرحلة الاستغناء التام ؟
أم أن الأمر لا يتجاوز كونه "ترند" رائج نتبّعه ثم يعود كل شيء كما كان ؟
تساؤلات بدأت مع بدء هذه الحملات
و عادت لتُطرح بقوة بعد مرور هذا الوقت الطويل
و تراجع الاهتمام العام بالقضية بشكل ملحوظ
تحت نوعٍ من الاعتياد و الالتفات لاكمال حياتنا و الانغماس بتفاصيلها السابقة
ولكن رغم وجود الفئة الأولى لا يمكن انكار وصول الكثيرين من المقاطعين لمرحلة الاستغناء
والذي نلمس آثاره بتأثر الكثير من الشركات و الماركات المقاطعة
في ظل حملات المقاطعة التي راجت منذ بداية الاحداث حتى يومنا هذا
برز الكثير من الناشطين في مجال التوعية بأهمية و فعالية سلاح المقاومة والحث المستمر عليها
و كذلك الارشاد لما يندرج تحت الشركات الداعمة من منتجات تحتها
منهم من المشاهير الذين شاركوا تلك المعلومات مع متابعيهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة و من أمثالهم
Amin Chaar الحربوء
حسابه الأنستغرام
Majd zboon
حسابها الانستغرام
و منهم الخبراء في المجال التقني الذين قاموا بانشاء مواقع وتطبيقات خاصة لمعرفة المنتجات المقاطعة
كما عمد بعضهم لطرح بدائل عديدة لتلك المنتجات في البلدان المختلفة
من أشهر هذه المواقع
Free Palestine
هذا الموقع يوضّح المنتجات الداعمة للاحتلال مع الدليل على ذلك
كما يطرح بعض البدائل لبعض المنتجات
Israel Boycott Guide | BDS | by The Witness
يوضح هذا الموقع المنتج المقاطع مع الدليل على دعمه للاحتلال
اضافة لطرح البدائل لتلك المنتجات ( معظم المنتجات لها بدائل بهذا الموقع )
أما عن التطبيقات فأشهرها
تطبيق قضيتي
من اهم و افضل التطبيقات المتاحة لمعرفة المنتجات المقاطعة
ويمتاز بسهولة الاستخدام
رابط التطبيق
تطبيق انا مقاطع
ايضاً تطبيق ممتاز لمعرفة المنتجات المقاطعة إضافة لاعطاء منتجات بديلة لها
دقيق و سهل الاستخدام
رابط التطبيق
وكان لجهودهم تلك أثر كبير لا يمكن أنكاره
فقد سهلّوا على المقاطعين الاستمراية بسهولة توفير المعلومة و البديل
كما فتحوا أعين العديد ممن لم يكن قد قاطع بعد
وضعت لكم هنا عدة مقاطع تتحدث عن المقاطعة
و تعرض بعض الآراء من جوانب مختلفة
بعضها تتناول الموضوع بطريقة تحليل اقتصادية
وبعضها من تتحدث من جانب انساني وديني و أخلاقي
بعد كل هذا الذي رأيناه من دعم تلك الشركات و الماركات الكبرى للاحتلال وجيشه بشتى الطرق و الوسائل المتاحة
وبعد كل القتل الوحشي و الدمار الذي تسبب ويتسبب به ، هل ترى أن المقاطعة
واجب أم خيار ؟
هل ترى أن المقاطعة واجبٌ تقدمه لنفسك قبل أخوانك المستضعفين كأقل القليل لمحاولة تخفيف حدة وحشية هذا العدو أو على الأقل أن لا تكون شريكاً مساهماً بمالك لدعم من يدعمهم ؟
أم ترى أنه خيار يمكن أن تأخذ به حيناً و تتركه حيناً آخر أو قد لا تفعله أبداً ؟
هل تجد بها سلاحاً فعالاً بوجه عدوك و عدو أمتك ؟
أم لا تراه سوى ضررٍ تجلبه لنفسك و بلادك ؟
لن أنسى أيضاً الحديث عن جزء من الدعوات المضادة لحملات المقاطعة
تلك التي تدعوك لترك كل ما يأتي من الغرب كالاجهزة الالكترونية والمستلزمات والمعدات الواردة لنا منهم و حتى وسائل التواصل الاجتماعي و غيرها ؟
فهل ترون أن هذه الدعوات منطقية ؟
ألا ترون أن هناك فرق بين متطلبات اجبارية و بين منتجات هامشية ؟
أليس من السذاجة الخوض في مقارنة مستهلكات يومية لن يؤثر اختلافها بشيء
بمعدات طبية مثلاً ؟
بجميع الأحوال ..
و سواء اتفقنا أم أختلفنا حول جدوى و أهمية المقاطعة
فهي لا تتجاوز كونها خطوة في طريق طويل علينا أن نسلكه لنتخلص من سيطرة الغرب على عالمنا العربي و الاسلامي
فمن دون استقلالنا الاقتصادي
لن نصل لـ استقلالنا الفعلي
و تحريرنا الحقيقي .
━─━────༺༻────━─━
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إلى هنا نكون قد وصلنا لنهاية موضوعنا
أول موضوع اعمله بالقسم العام
هالمسابقة خلتني أعمل مواضيع ما خطرلي ممكن أعملها
بصراحة كان بودي أطرح الموضوع بطريقة مختلفة لكن ضيق وقت المسابقة و ضيق وقتي الشخصي لم يسمح ..
بانتظار سماع اراءكم حول الموضوع
في أمان الله
التعديل الأخير بواسطة المشرف: