~
- مرحباً بكم في منزل اللورد " ماكينزي " ، تفضلوا رجاءاً .
كانت إمرأة كبيرة في السن بدت أنيقة و لطيفة ، أدخلتنا لغرفة الضيوف ثم قالت بهدوء :
- ماذا تشربون يا سادة ؟
أجبتها بأدب:
- قهوة سودآء خالية من السكر و شاي اللوتس البري للسيد إدوارد ، من فضلك .
ثم إلتفتت للمفتش جايب منتظرة جوابه :
- أريد كوباً من الماء .
عندها رسمت إبتسامة لطيفة على وجهها و إنحنت بكل إحترام و مضت .
جلسنا بصمت ، كان المفتش جايب يجلس بهدوء و إستكنان على مقعده و يحدق في الفرآغ ، بينما إدوارد فقد إنشغل بالساعة الرملية الموضوعة على المنضدة ، كان يقلبها رأساً على عقب في كل مرة ، إدوارد عندما يتوقف عن الكلام ، لا يستطيع إيقاف حركة جسده ، حتى عندما يفكر أو يقرأ فهو يحرك قدميه ، فتارة يضع ساقه اليمنى فوق اليسرى و تارة يعكسها ، أو يفرقع أصابع يديه أو يلهو بقداحته الفضية .
جلست بملل ، لما السيدة " ماكينزي " تأخرت هكذا ؟
قاطع صمتنا صوت طرقات حذاء السيدة " ماكينزي " وهي تنزل من على السلالم ، إبتسمت إبتسامة لطيفة و ساحرة ، لقد كان جمالها أخاذاً و يأسر القلوب ، عندما وصلت إلى مكان جلوسنا ، نهضت أنا و إدوارد من مقاعدنا و قمنا بتحيتها تحية لائقة بسيدة نبيلة ، أما جايب فقد واجه صعوبة بالنهوض لذا إكتفى بخلع قبعته و وضعها على صدره كتحية .
- رجاءاً تفضلوا بالجلوس .
قالتها مع إبتسامة رائعة ، هذه المرأة ساحرة حقاً ، عندها جلس إدوارد على مقعده و قال :
- لا شك إن هذا الأمر كان صعباً عليكِ .
فجأة إختفى ذلك الوجه البشوش ليحل محله وجه حزين و كئيب :
- نعم لقد كان صعباً جداً ، أنا قلقة جداً بأن لا أراهم مجدداً .
- لا تقلقي ، سأعيدهم لأحضانكِ سالمين .
ثم عادت إبتسامتها مجدداً :
- نعم ، أنا واثقةٌ تماماً بقدرآتك يا سيد إدوارد .
فتحدث جايب مقاطعاً هذا الحوار العاطفي :
- فريق البحث في طريقهم إلى هنا , لذا يجب أن نبدأ بالإستجواب .
إلتفت له السيدة ماكينزي :
- بالتأكيد يمكنك ، تفضل بالسؤال .
صمت عندها جايب و قال بصوت منخفض بعض الشيء :
- أسألكِ أنتي ؟
أجابته السيدة ماكينزي مع وجه خالي من التعابير :
- إذا أردت ذلك .
هناك أمرٌ لا أفهمه ، بالتأكيد يجب إستجوابها هي ، فهي المشتبه به الأول !
لما جايب متردد هكذا ؟ .
كنت على وشك التحدث و لكن لا أستطيع ، إدوارد قال لي مرة ، بأن النبلاء يضحون بأي شيء من أجل السمعة و حتى لو أشرت لها أصابع الإتهام ، فهي لن تنسى هذا و قد تجعل حياتي جحيماً ، فحتى إن لم يعلم أحد عن هذا ، يكفي أنها تعلم أنه قد تم إتهامها من قبل صحفي غبي و عديم القيمة مثلي ، أنا لا يمكنني فعل شيء بعكس إدوارد ، هو يتعارض مع عالم النبلاء بكل أريحية ، يصادقهم يحادثهم و هو مرحب به في أي مكان ، أنا محظوظ لكوني يقربه ، فقد إستطعت دخول أماكن كثيرة لم أحلم يوماً بدخولها ، ذهبت لحفلات كثيرة و إستطعت الكتابة عنها بصحيفتي ، كنت بالسابق أبقى خارج أسوار القصور أحاول إلتقاط أي خبر يجلب القراء ، كنت أطرد العديد من المرات بواسطة الحراس ، عند مراسم الجنائز و حفلات التبرعات الخيرية ، هذه المناسبات التي تعكس إنطباع جيد عنهم ، هي الوحيدة التي يخصصون فيها كرسي لي ، أنا أشعر بأني كرآمتي أغتيلت العديد و العديد من المرات ، لم تعد لي أي ثقة بنفسي ، خصوصاً بعد أن تركتني خطيبتي " ستيلا " لتتزوج من شخصِ آخر قدم لها الأزهار ، لكن ماذا ؟ أنا قدمت لها قصيدة رومانسية بصحيفتي و زوايتي الخاصة ، لما قالت أنه شيءٌ سخيف ؟ ، كل م أتمناه أن أصبح مثل إدوارد ، أريد أن أختلط بعالم النبلاء
[ أريد أن أصبح نبيلاً ، أريد أن أري تلك الحمقاء ستيلا من أكون ، أريد أن أثبت للجميع من هو ويليام رونوس ]
قال إدوارد بهدوء :
- لما أرى خادمة وآحدة لديكِ ، أين البقية ؟
إبتسمت السيدة ماكينزي و أجابت :
- زوجي قرر التخلي عنهم و لكني طلبت منه إبقاء [ إيميليا ] ، زوجي ماكينزي يعتبرهم تبذير لأمواله على حد قوله .
مهلاً ، هل إدوارد أتى إلى هنا مسبقاً ؟ كيف يعرف بخصوص الخدم ؟
أعتدل إدوارد في جلسته :
- هل يمكنكِ نداء تلك الخادمة العجوز ؟
- بالتأكيد .
نهضت السيدة ماكينزي و مضت لتلبية طلب إدوارد ، عندها عاد الصمت فإلتفت لجآيب ، لقد عاد لوضعيته السابقة و تحديقه في الفراغ ، جايب ليس بخير ، إنه يسرح بالفرآغ كل لحظة ، يبدو أنه أيضاً قابل السيدة ماكينزي مسبقاً ، بدآ واثقاً عندما قابلناه كم عهدناه تماماً ، و لكن عندما جلسنا ، تغير كلياً ، يبدو مرتبك و متوتر في كل مرة تتحدث معه السيدة ماكينزي ، مالذي يحدث بالضبط بين هؤلاء ، لما أنا الوحيد الذي يبدو كالتائهه هنا ؟ لست غبياً أنا موقن تماماً أن هناك أمراً مخفي هنا .
عادت السيدة ماكينزي و خلفها تلك الخادمة التي طلب إدوارد إستدعائها ، جلست الخادمة على أطراف الكرسي و بدآ عليها الإرتباك و التوتر ، نظرت لإدوارد الذي حدق بها و أسند رأسه على أحد يديه ، صمت الجميع ، الكل كان هادئ إلا إيميليا التي تطأطأ برأسها ، تنظر تارة لعيني إدوارد و نظراته و تارة لموضع أقدامها ، عندها أخيراً تحدث إدوارد بنبرة هادئة :
- لما أنتي خائفة ؟
أجابته بتردد :
- لـ..لست خائفـة سيدي .
- حسناً ، أخبريني عن سبب إختفاء مارشا ؟
- لا .. لا أعلم سيدي !
إبتسم إدوارد و قال :
- أنا أعرف تماماً ما حدث .
عندها بدأ عليها الذهول و قالت :
- حسـ..ناً ، لما تستجوبني بما أنك تعرف ؟!
أسند إدوارد ظهره على المقعد و أجابها :
- الجواب سهل ، لأن يجب علي كتابة تقرير بإعتراف المتهم و أقواله ،
كما أن تكوني أحد الأسباب لإختفاء إبنة عائلة نبيلة ، ستدر عليكِ الكثير و الكثير من المتاعب
لذا كوني متعاونة و سأعدكِ بأنكِ لن تتضرري .
عندها إنهارت تلك المسكينة إيميليا ، حتى و إن لم تعترف أي شخص سيرآها بهذي الحالة من الإرتباك سيعلم أنها قامت بأمرِ ما .
- لقد ساعدتها للهرب ، مع إبني [ هوفمان ] .
عندها صرخت السيدة ماكينزي :
- كنت متأكدة أن الحقير [ هوفمان ] سيفعل هذا يوماً ما ، لما قمتي بمساعدته ؟ هاه ؟ سأريكِ أنتي و إبنكِ عذاب الجحيم !
طلب إدوارد من السيدة ماكينزي أن تهدأ و قال مخاطب إيميليا التي أجهشت بالبكآء :
- هل مارشا كانت متعلقة بإبنك هوفمان ؟
- بكل تأكيد ، لذلك أردت أن أساعدهم ، أردت للآنسة مارشا أن تعيش مع من تحب !
- أعتقد إنه لكِ يد أيضاً بقضية إختطاف سيدك .
إتسعت عيناها و قالت بكل إنكار :
- أنا أقسم ، أنني لم أفعل أي شيء لسيدي !
- بلى ، الكل يعلم أن السيد ماكينزي أمّن ثلاثة أرباع ثروته لإبنته مارشا بحالة وفاته ،
و أن السيدة ماكينزي لا تملك أي أحقية في أخذها من إبنتها ،
و هذا يعني بأن المستفيد هنا هو إبنك هوفمان و الآنسة مارشا .
و على حسب ظني أن السيد الآن ميت و قد باتت جثته رماداً في تلك الساعة الرملية هناك !
و أشار نحو الساعة التي كان يلهو بها منذ دقائق !
مالذي يقوله إدوارد ، يستحيل لسيدة عجوز أن تفعل هذا !! ، هي إعترفت بسهولة كما أن هدفها كان فقط سعادة إبنها و الآنسة مارشا ، كيف أن تختطف السيد ماكينزي ، و تقتله أيضاً ، هل جن جنونه ؟ مستحييل كلامه غير منطقي !
عندها أستأنف إدوارد حديثه :
- لقد أخبرتني السيدة ماكينزي إنكِ تلقيتي رسالة في صباح اليوم التالي من إختفاء الآنسة مارشا ، و قد كانت من إبنك هوفمان
و قد كان يطلب منكِ بعض النقود من أجل أن يعيش مع مارشا بكل سهولة .
فصرخت ماكينزي بغضب :
- كان من الخطأ أن أجعل هوفمان يعمل في الحديقة ،
أردت أن أساعدكِ و طلبت من زوجي إبقائك و توظيف إبنك من أجل حالتكم المادية ،
و لكن حقاً أن الكلاب تعض أسيادها !
نهضت إيميليا من مقعدها و جثت على ركبتيها أمام إدوارد و قالت :
- أقسم أنني لم أفعل شيء للسيد ، لم أفكر أبداً هذا التفكير !
تجاهل إدوارد كلامها و إلتفت للسيدة ماكينزي و قال :
- يا سيدة ، إبنتك في المنزل الريفي التي كانت تعيش فيه ، فأكيد أن هوفمان ذهب إلى هناك فلا مكان غيره .
و إلتفت مجدداً لإيميليا و نظر في عينيها الدامعتين و قال :
- عندكِ شهود ؟
- لا ، أنا وحيدة و لا أعرف أحد خارج حدود القصر !
- حسناً أنا لدي شهود ضدكِ .
- شهود ؟! في شيء لم أفعله ؟ إنهم شهود زور !
إبتسم إدوارد و قال :
- هل هناك أحد يثبت هذا الكلام ؟ هل عندك إثبات مقنع بأن هؤلاء الشهود كاذبين ؟
- لا يمكنك فعل هذا ، أنت رديء ، ستلقى عقابك يوماً ما ، ستموت من الألم و العار الذي سليحق بك !
إبتسم إدوارد و تجاهل كلامها و تهديدها المثير للشفقة ، وقال مخاطباً جايب :
- يمكنك التكفل بالباقي .
أومأ المفتش جايب برأسه ، بينما إدوارد أمسك بذرآعي و خاطبني :
- لنرحل ، ويل .
و سبقني ببضع خطوات ، و عندما سعيت للخروج خلفه سمعت صوت يناديني بهمس :
- ويليام .
أدرت ظهري لأرى المفتش جايب يشير بيده ، لكي أقترب منه ، وعندما إقتربت قال :
- ساعدني على النهوض فأنا أواجهه صعوبة كما تعلم .
فوضع أحد ذرآعيه خلف رقبتي و أنا أمسكت بذرآعه الأخرى و إجتذبته نحوي بلطف ، و هممت بالرحيل بعدها لكنه سحبني بقوة و قال :
- كل الذي قاله إدوارد غير منطقي ، هناك الكثير من الحقائق التي لم يغفل عنها إدوارد لكنه لم يظهرها ، كما أنه لم يشرح كيف حدثت الجريمة بالتفصيل ، ألم يثر هذا الأمر فضولك ؟
أجبته بلهفة :
- بلى بلى ، أنا أتسائل عن ذلك .
- إدوارد قام بتنظيف سمعة أحدهم للتو ، لقد ألصق التهمة بشخص بريء ، الأمر أكبر بكثير ، هذه القضية خلفها العديد و العديد من الأمور التي في طي الكتمآن .
أجبته مستغرباً :
- لما تخبرني ذلك ؟
لم يجبني و لكنه إكتفى بهذه العبارة التي حيرتني و خرجت بعدها و أنا أتسائل عما يقصده :
[إذا شككت و علمت بأمر ما ، فلا تخبر إدوارد أو تتصرف بشجاعة ، فعندها سترى شيئاً لم تره في سنوات حياتك كلها ، الشيء الذي كنت تطمح له ستحصل عليه و لكن سعادتك فيه مسلوبة ، لن تصبح هانئاً ]
~
- نهاية البارت الرآبع -
هذا أطول شيء عندي ، لحد يطلب بارت أطول منه
~
لكل القرآء ~ و0و0و0و0و0
~