الرسول صلى الله عليه و سلم :
﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً ﴾ ... [الأحزاب:21]
نسب النبي صلى الله عليه وسلم وميلاده :
يرجع نسب خاتم الرسل والنبيين محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم
إلى أبي الأنبياء إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما السلام، وقد اشتهر وصفه بالصادق الأمين،
كما عرف نسبه بابن الذبيحين وفي الحديث الذي جاء بالمستدرك على الصحيحين
دلالة على ذلك فقد روى عَبْدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ الصُّنَابِحِيُّ، قَالَ : حَضَرْنَا مَجْلِسَ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ
فَتَذَاكَرَ الْقَوْمُ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ، فَقَالَ بَعْضُهُمُ: الذَّبِيحُ إِسْمَاعِيلُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ إِسْحَاقُ الذَّبِيحُ،
فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: سَقَطْتُمْ عَلَى الْخَبِيرِ، كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ –
فَأَتَاهُ الْأَعْرَابِيُّ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، خَلَّفْتُ الْبِلَادَ يَابِسَةً وَالْمَاءَ يَابِسًا، هَلَكَ الْمَالُ وَضَاعَ الْعِيَالُ،
فَعُدْ عَلَيَّ بِمَا أَفَاءَ اللهُ عَلَيْكَ يَا ابْنَ الذَّبِيحَيْنِ، فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ – وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ،
فَقُلْنَا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، وَمَا الذِّبِيحَانِ؟ قَالَ: إِنَّ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ لَمَّا أَمَرَ بِحَفْرِ زَمْزَمَ نَذَرَ لِلهِ إِنْ سَهَّلَ اللهُ أَمْرَهَا أَنْ يَنْحَرَ بَعْضَ وَلَدِهِ،
فَأَخْرَجَهُمْ فَأَسْهَمَ بَيْنَهُمْ، فَخَرَجَ السَّهْمُ لِعَبْدِ اللهِ فَأَرَادَ ذَبْحَهُ فَمَنَعَهُ أَخْوَالُهُ مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ،
وَقَالُوا: ارْضِ رَبَّكَ وَافْدِ ابْنَكَ. قَالَ: فَفَدَاهُ بِمِائَةِ نَاقَةٍ، قَالَ: فَهُوَ الذَّبِيحُ وَإِسْمَاعِيلُ الثَّانِي.
وقد ذكر القرآن الكريم دعوة أبيه: إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام بقولهما:
{رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ
وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ} سورة البقرة – الآية 129 –
ومعناها بتفسير الجلالين (ربنا وابعث فيهم) أي أهل البيت “الحرام بمكة بمعنى أن البيت هو الكعبة”
(رسولاً منهم) من أنفسهم، وقد أجاب الله دعاءه بمحمد صلى الله عليه وسلم
(يتلو عليهم آياتك) القرآن (ويعلمهم الكتاب) القرآن (والحكمة) أي ما فيه من الأحكام
(ويزكيهم) يطهرهم من الشرك (إنك أنت العزيز) الغالب (الحكيم) في صنعه.
عَنْ عِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
إِنِّي عِنْدَ اللهِ لَخَاتَمُ النَّبِيِّينَ، وَإِنَّ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمُنْجَدِلٌ فِي طِينَتِهِ، وَسَأُنَبِّئُكُمْ بِأَوَّلِ ذَلِكَ دَعْوَةُ أَبِي إِبْرَاهِيمَ ،
وَبِشَارَةُ عِيسَى بِي، وَرُؤْيَا أُمِّي الَّتِي رَأَتْ، وَكَذَلِكَ أُمَّهَاتُ النَّبِيِّينَ تَرَيْنَ،
وقد رأت أم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رؤيا جاء ذكرها في السيرة النبوية لابن هشام:
أن آمنة ابنة وهب أم رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت تحدث
أنها أتيت حبن حملت بروسل الله صلى الله عليه وسلم فقيل لها إنك قد حملت بسيد هذه الأمة
فإذا وقع إلى الأرض فقولي أعيذه بالواحد من شر كل حاسد ثم سميه محمدًا
ورأت حين حملت به أنه خرج منها نور رأت به قصور بصرى من أرض الشام.
وقد ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة المكرمة
كما جاء بالمستدرك على الصحيحين للحاكم عن قباث ابن أشيم لعبد الملك ابن مروان:
ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفيل وتنبأ (أي بعثه الله نبياَ) عند رأس الأربعين من الفيل،
وفي الحديث الصحيح بالسلسلة الصحيحة للألباني عن عبد الله بن عباس وقيس بن مخرمة:
وُلِدَ النَّبيُّ الله صلى الله عليه وسلم عامَ الفيلِ، وعام الفيل شهد هلاك جيش أبرهة الحبشي
الذي جاء لهدم الكعبة فيصرف الناس عن الحج للكعبة ويحول حجاج بيت الله الحرام للحج إلى الكنيسة
التي بناها أبرهة وسماها القليدس ليكون محجا للناس بدلًا عن الكعبة التي بناها أبو الأنبياء إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما السلام
فأهلكه الله بطير أبابيل أصابت أبرهة وجيشه بحجارة من سجيل كانت في منقارها وبين مخالبها
فأهلكتهم جميعاَن وفي ذلك قول الله تعالى في سورة الفيل:
أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (1) أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (2) وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ
(3) تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ (4) فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ (5)،
وكان يوم الميلاد يوم الأثنين 12 (الثاني عشر) من ربيع الأول، لأول عام من حادثة الفيل
والموافق عشرين أو أثنين وعشرين من شهر أبريل من سنة 571 (خمسمائة وإحدى وسبعين) ميلادية.
وفي الحديث الحسن الذي رواه هانئ المخزومي: لمَّا كانتِ اللَّيلةُ الَّتي وُلِدَ فيها رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ
ارتَجسَ إيوانُ كِسرى وسقَطَت منها أربعةُ عشرَ شُرافةَ وخَمدت نارُ فارِسَ ولم تخمَد قبلَ ذلك ألفَ عامٍ،
وغاضَت بُحيرَةُ ساوَةَ فلمَّا أصبحَ كسرى أفزعَهُ ذلِكَ فصبرَ عليهِ تشجُّعًا إليه
وأخبرَهم فلمَّا عيلَ صبرُهُ رأى أن لا يَسترَ ذلِكَ عن وزرائِهِ ومَرازبتِهِ فلبسَ تاجَهُ وقعدَ علَى سريرِهِ
وجمعَهُم إليهِ وأخبرَهُم بما رأى فبَينا هم كذلِكَ إذ وردَ عليهمُ الكتابُ بخُمودِ النَّارِ
فازدادَ غمًّا إلى غمِّهِ فقالَ الموبِذانُ: وأَنا أصلحَ اللَّهُ الملِكَ اللَّهُمَّ قد رأيتُ في هذِهِ اللَّيلةِ إبلًا ضِعافًا
تقودُ خيلًا عِرابًا قد قطَعَت دجلةَ وانتشَرَت في بلادِها فقالَ: أيُّ شيءٍ يكونُ هذا يا موبذانُ وَكانَ أعلَمَهُم في أنفسِهِم
قالَ: حادثٌ يكون في ناحيةِ العَربِ فَكَتبَ عندَ ذلِكَ: مِن كِسرى ملِكِ الملوكِ إلى النُّعمانِ بنِ المنذرِ
أمَّا بعدُ فابعَث إليَّ برجلٍ عالِمٍ بما أريدُ أن أسألَهُ عنهُ فبَعثَ إليهِ بعبدِ المسيحِ بنِ عمرِو بنِ حيَّانَ بنِ بَقلةَ الغسَّانيِّ
فلما قدِمَ عليه قال: أعندَكَ علمٌ بما أريدُ أن أسألَكَ عنهُ ؟ قالَ: لِيُخبِرني الملِكُ فإن كانَ عِندي منهُ علمٌ أخبرتُهُ
وإلَّا دَللتُهُ على مَن يخبرُهُ، فأخبرَهُ بما رأى فقالَ: عِلمُ ذلِكَ عندَ خالٍ لي يسكنُ مشارِفَ الشَّامِ يقالُ له سَطيحٌ
قال: فأتِهِ فاسألهُ عمَّا أخبرتُكَ ثمَّ ائتِني بجوابِهِ فخرجَ عبدُ المسيحِ حتى قدِم سَطيحٍ وقد أشفَى (أوشك)على الموتِ
فسلَّمَ عليهِ وحيَّاهُ فلَم يردَّ فقال سطيح: إذا كثُرتِ التِّلاوةُ وظَهَرَ صاحبُ الهَراوةِ
وخمدت نارُ فارسَ وغاضت بُحَيْرةُ ساوةَ وفاضَ وادي السَّماوةِ فليسَ الشَّامُ
لسَطيحٍ شاما يملِكُ منهم ملوكٌ وملِكاتٍ علَى عددِ الشُّرفاتِ وَكُلُّ ما هوَ آتٍ آتٍ،
فلمَّا قدمَ عبدُ المسيحِ على كِسرى أخبرَهُ بقولِ سَطيحٍ فقالَ كِسرَى:
إلى أن يملِكَ منَّا أربعةَ عشرَ ملكًا قد كانَت أمورٌ قال: فملَكَ منهُم عشرةٌ أربعَ سنينَ وملَكَ الباقونَ
إلى آخرِ خِلافةِ عُثمانَ رضيَ اللَّهُ عنهُ.
أرسله الله رحمة للعالمين
قال الله تعالى في كتابه العزيز: “
وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ًونذيراً ولكن أكثر الناس لا يعلمون” سبأ/28،
“وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ” الأنبياء/107.
وقد أمر الله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بأن يبلغ الناس جميعًا ما ينزل عليه في الوحي،
وقال كذلك بقول الله تعالى: “يا أيها المدثر، قم فأنذر” المدثر/1-2.
1 – البلاغ المبين: إذ إن الرسل سفراء الله إلى عباده، وحملة وحْيه.
ومهمتهم الأولى هي إبلاغ هذه الأمانة التي تحملوها إلى عباد الله:
“يا أيَّها الرَّسول بلغ ما أُنزل إليك من رَّبك وإن لَّم تفعل فما بلَّغت رسالته”
2 – الدّعوة إلى الله: لا تقف مهمّة الرسل عند حدّ بيان الحقّ وإبلاغه،
بل عليهم دعوة الناس إلى الأخذ بدعوتهم، والاستجابة لها، وتحقيقها في أنفسهم اعتقاداً وقولاً وعملاً.
فهم يقولون للناس: أنتم عباد الله، والله ربكم وإلهكم، والله أرسلنا لنعرفكم كيف تعبدونه،
ولأننا رسل الله مبعوثون من عنده، فيجب عليكم أن تطيعونا وتتبعونا
“ولقد بعثنا في كل أمَّةٍ رَّسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطَّاغوت” (النحل، الآية 36)
3 – التبشير والإنذار: ودعوة الرسل إلى الله تقترن دائماً بالتبشير والإنذار
“وما نرسل المرسلين إلاَّ مبشرين ومنذرين” (الكهف، الآية 56).
وتبشير الرسل وإنذارهم دنيوي وأخروي؛ فهم في الدنيا يبشرون الطائعين بالحياة الطيبة،
وفي الآخرة يبشرون الطائعين بالجنة ونعيمها، ويخوّفون العصاة بالشقاء الدنيوي
ويخوفون المجرمين والعصاة من عذاب الله في الآخرة.
4 – تقويم الفكر المنحرف والعقائد الزائفة: كان الناس في أول الخلق أمّة واحدة على الفطرة السليمة؛
على التوحيد والإيمان وعبادة الله وحده، ولا يشركون به أحداً. فلمّا تفرقوا واختلفوا،
أرسل الله الرسل ليعيدوا الناس إلى جادة الصواب، وينتشلوهم من الضلال
“كان النَّاس أمَّةً واحدةً فبعث الله النَّبِيِّينَ مبشرين ومنذرين” (البقرة، الآية 213).
5 – إقامة الحجّة: الله جلّ وعلا أرسل الرسل وأنزل الكتب كي لا يبقى للناس حجّة يوم القيامة
“رُّسلاً مُّبشرين ومنذرين لئلاَّ يكون للنَّاس على الله حجَّة بعد الرُّسل” (النساء، الآية 165).
ولو لم يرسل الله الرسل إلى الناس لجاؤوا يوم القيامة يخاصمون الله –جل وعلا–
ويقولون: كيف تعذبنا وتدخلنا النار، وأنت لم ترسل إلينا من يبلغنا مرادك منّا؟ كما قال تعالى:
“ولو أنَّا أهلكناهم بعذابٍ من قبله لقالوا ربَّنا
لولا أرسلت إلينا رسولاً فنتبَّع آياتك من قبل أن نَّذلَّ ونخزى” (طه، الآية 134).
6 – إصلاح النفوس وتزكيتها: من رحمة الله أن يحيي نفوس عباده وخلقه بوحيه،
وينيرها بنوره “وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان
ولكن جعلناه نوراً نَّهدي به من نَّشاء من عبادنا” (الشورى، الآية 52).
والله يخرج الناس بهذا الوحي الإلهي لرسله من ظلمات الكفر والشرك والجهل إلى نور الإسلام والحق
“ولقد أرسلنا موسى بآياتنا أن أخرج قومك من الظلمات إلى النُّور” (إبراهيم، الآية 5).
وإخراج الرسل الناس من الظلمات إلى النور لا يتحقق إلاّ بتعليمهم تعاليم ربهم،
وتزكية نفوسهم بتعريفهم بربهم وأسمائه وصفاته، وتعريفهم بملائكته وكتبه ورسله،
وتعريفهم ما ينفعهم وما يضرهم، ودلالتهم على السبيل التي توصلهم إلى محبته،
وتعريفهم بعبادته “
هو الَّذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة
وإن كانوا من قبل لفي ضلالٍ مُّبينٍ” (الجمعة، الآية 2).
فكان الله عز وجل ينزل اياته على رسوله حتى يطمئنه
كما أنزل الله سكينته وتثبيته على رسوله صلى الله عليه وسلم، فجاء قول الله تعالى:
“وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا *
وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا “[الإسراء: 73، 74]،”
-
"وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك
ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين” الأنفال/30،
-
“ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز” الحج/40.
مرت الدعوه الاسلاميه ب مرحلتين - مرحلة الدعوه السريه ب مكه , والدعوه الجهريه بالمدينه
الدعوة في المرحلة المكّية الدعوة السرّية بدأ الرسول -عليه الصلاة والسلام-
بالدعوة إلى الإسلام في مكّة المُكرَّمة بأمرٍ من الله -تعالى-؛
إذ قال: (يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ*قُمْ فَأَنذِرْ*وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ*وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ*وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ*وَلَا تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ*وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ)،
فبدأ الرسول بدعوة أهل بيته، ثمّ الأقربين فالأقربين، وكانت الدعوة حينها سرّيةً؛
دون أن تعلم بها قريش، وقد وصل عدد المُستجيبين لها إلى أربعين،
منهم: خديجة بنت خويلد، وزيد بن حارثة، وعلي بن أبي طالب، وأبو بكر الصدّيق، وغيرهم،
فكان الرسول -عليه الصلاة والسلام- يُعلّم الصحابة أمور الدين فيها،
وذلك قبل الهجرة إلى المدينة المُنوَّرة؛ حيث
كان رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- يجتمع بهم في شِعاب* مكّة المُكرَّمة،
ولمّا عَلِمت قريش بأمرهم، تصدّت لهم؛
فتوجّه بهم رسول الله إلى دار الأرقم الواقعة على جبل الصفا،
واستمرّت الدعوة بشكلٍ سرّيٍ مدّة ثلاث سنواتٍ، ثمّ جاء الأمر من الله بالجهر فيها.
عن سيرته صلى الله عليه وسلم في مكة المكرمة وقت فتحها واحترام حرمتها،
ورد في صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه:
أنَّ خُزاعَةَ قَتَلُوا رَجُلًا مِن بَنِي لَيْثٍ – عامَ فَتْحِ مَكَّةَ – بقَتِيلٍ منهمْ قَتَلُوهُ،
فَأُخْبِرَ بذلكَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم، فَرَكِبَ راحِلَتَهُ فَخَطَبَ، فَقالَ: إنَّ اللَّهَ حَبَسَ عن مَكَّةَ القَتْلَ، أوِ الفِيلَ –
قالَ أبو عبدِ اللَّهِ كَذا، قالَ أبو نُعَيْمٍ واجْعَلُوهُ على الشَّكِّ الفِيلَ أوِ القَتْلَ وغَيْرُهُ يقولُ الفِيلَ –
وسَلَّطَ عليهم رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم والمُؤْمِنِينَ، ألا وإنَّها لَمْ تَحِلَّ لأحَدٍ قَبْلِي، ولَمْ تَحِلَّ لأحَدٍ بَعْدِي،
ألا وإنَّها حَلَّتْ لي ساعَةً مِن نَهارٍ، ألا وإنَّها ساعَتي هذِه حَرامٌ، لا يُخْتَلى شَوْكُها، ولا يُعْضَدُ شَجَرُها،
ولا تُلْتَقَطُ ساقِطَتُها إلّا لِمُنْشِدٍ، فمَن قُتِلَ فَهو بخَيْرِ النَّظَرَيْنِ: إمّا أنْ يُعْقَلَ، وإمّا أنْ يُقادَ أهْلُ القَتِيلِ.
فَجاءَ رَجُلٌ مِن أهْلِ اليَمَنِ فَقالَ: اكْتُبْ لي يا رَسولَ اللَّهِ،
فَقالَ: اكْتُبُوا لأبِي فُلانٍ. فَقالَ رَجُلٌ مِن قُرَيْشٍ: إلّا الإذْخِرَ يا رَسولَ اللَّهِ،
فإنّا نَجْعَلُهُ في بُيُوتِنا وقُبُورِنا؟ فَقالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: إلّا الإذْخِرَ إلّا الإذْخِرَ،
ومن سيرته صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بمكة.
كما جاء في صحيح البخاري عن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو:
أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَفَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ،
فَجَعَلُوا يَسْأَلُونَهُ، فَقَالَ رَجُلٌ: لَمْ أَشْعُرْ، فَحَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَذْبَحَ، قَالَ: اذْبَحْ وَلَا حَرَجَ،
فَجَاءَ آخَرُ فَقَالَ: لَمْ أَشْعُرْ فَنَحَرْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ، قَالَ: ارْمِ وَلَا حَرَجَ.
فَمَا سُئِلَ يَوْمَئِذٍ عَنْ شَيْءٍ قُدِّمَ وَلَا أُخِّرَ إِلَّا قَالَ: افْعَلْ وَلَا حَرَجَ.
من السيرة النبوية بالمدينة.. الدعاء والإخبار والوفاة
هاجر رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- إلى المدينة المنورة
برفقة صديقه أبي بكر الصديق رضي الله عنه،
وخلال هجرتهم مكثوا في غار ثور بضعة أيامٍ، وبعد انقضاء ثلاثة أيامٍ على مكوثهم في الغار،
وهدوء الأحوال بعد بحث كفار قريش عنهم، توجّهوا في مسيرهم نحو المدينة المنورة،
وأسّس مع المسلمين أول مسجدٍ أُقيم على التقوى بعد النبوة، ثمّ صلّى فيه،
وهو مسجد قباء، وبعدها اتّجه مع أبي بكرٍ نحو المدينة،
وهي يثرب سابقاً، وأدّى صلاة الجمعة في بني سالم بن عوف،
وبعد انتهاء الجمعة دخل الرسول المدينة المنورة، وكان أهلها علي
علم بخبر قدوم رسول الله إليهم من قبل،
فبدأوا بالتجهيز لقدومه، وكان في استقباله عندما وصل ما يقارب خمسمئة صحابيٍ؛
فرحاً بقدومه، وفي ذلك اليوم سميّت يثرب بمدينة الرسول عليه الصلاة والسلام
وحينما وصل الرّسول -صلّى الله عليه وسلّم- للمدينة المنوّرة،
قام ببعض الأعمال الأساسيّة والمهمّة ومنها :
بنى رسول الله المسجد النبوي الشريف طوال مدّة مكوثه عند أبي أيوب الأنصاري،
يعد (
مسجد قباء)
أول مسجد أسسه الرسول صلى الله عليه وسلم وخطه بيده عندما
وصل إلى المدينة المنورة مُهاجراً من مكة المكرمة,
كما شارك عليه الصلاة والسلام في وضع أحجاره ولبناته الأولى،
ثم أكمله الصحابة - رضوان الله عليهم- ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقصده بين الحين والآخر ليصلي فيه ويختار أيام السبت غالباً
وقال الواقدي إن المدّة كانت سبعة أشهرٍ، وقال غيره إنّها كانت أقلّ من شهرٍ،
ورُوي غير ذلك، وكان ذلك أوّل عملٍ لرسول الله في المدينة،
وساعده في البناء الصحابة رضي الله عنهم،
آخى رسول الله بين المهاجرين والأنصار، ووثّق بينهم روابط المحبة، والألفة، والتكافل الاجتماعي،
وكان على أساس الأخوّة الإسلامية، فكانت علاقاتهم بعد المؤاخاة مع بعضهم كالأخوة تماماً،
يتقاسمون أمورهم، ويتعاونون مع بعضهم في أمور الخير، وما ينفع مجتمعهم، ويحبّون الخير لبعضهم،
ويؤثرون على أنفسهم رغم ضيق عيشهم وصعوبة أحوالهم، فكانت أخوّتهم صادقةً وحقيقيةً،
تقوم على الإيمان بالله تعالى، وعلى العقيدة السليمة في نفوسهم،
وتمت المؤاخاة في بيت أنس بن مالك رضي الله عنه.