-أمي! أنا ذاهب بنزهة على دراجتي الهوائية
-إنها العاشرة مساءً! ابقى في المنزل كيلا أقلق عليك.
-أرجوكِ أريد الذهاب إلى الصحراء الآن.. سأجلس تحت النخلة اليابسة وأحتسي الشاي هناك وأغازل النجوم
-حسنا! ولكن كيف تأتي بالشاي؟ وأنت في الصحراء! لا يوجد مطبخ هناك...
-توجد شاحنة على جانب الطريق وصاحبها يبيع المواد الغذائية وابريق شاي.
-رافقتك السلامة، سأترك باب الفناء موارباً من أجلك. سأذهب إلى النوم؛ لأني أعرف أنك ستكون بخير.
-شكراً أمي على هذه الثقة والحب العظيم.
...
أحب ركوب الدراجة الهوائية، رياضتي المفضلة.
أجلس على مقعد الدراجة وأمسك بكلتا يداي على المقبض.. وأدفع بساقاي الدواسات فتنطلق الدراجة بسرعة.. أثناء قيادتي للدراجة على طريق الاسفلت الصحراوي أتخيل نفسي بطلاُ لكأس العالم في سباق الدراجات الهوائية.. لا أهتم البتة لنباح الكلاب المسعورة الملاحقة إياي. أرى النجوم أمامي تبرق. على جانبي الطريق تنتشر الظلمة.. مخلوقات الجن تقضي حاجتها وراء نبات الحلفا السبخية. أحدكم يتساءل كيف أبصر في الظلمة! [سؤال حلو! في محله]
لا تخافوا علي، معي فانوس يعمل على البطارية. أشتري من العجوز الدرويش صاحب الابتسامة العذبة الطيبة ابريق شاي نحاسي. ثم أقود الدراجة لمسافة أربع كيلومترات.
أجلس تحت النخلة التي تبدو كأنها تنتظرني وتقول لي: توقعت عدم مجيئك الليلة!. أجلس في بقعتي المنعزلة وأسرح في عالمي الخيالي الذي ليس له علاقة بعالمنا المادي الجاف السطحي هذا!.
ينقصني فقط اسفنجة نوم ووسادة محشوة بريش نعام. أكون هناك مستلقياً حتى منتصف الليل ثم أعود بدراجتي إلى المنزل
-يسألني أحدهم لماذا لا تتوغل في أعماق الصحراء بدراجتك الهوائية وتصعد الجبال ثم تقفز فوق المنزلقات الخطرة بمرونة ورشاقة؟
أنا لست محترفاً يا صديقي! وإنما هاوي. أنا لست ماكسيميليان شاخمان الألماني الجنسية صاحب لقب بطل العالم في سباق الدراجات على الطريق. أنا إنسان عادي أحب أن أقود دراجتي في أي يوم ووقت ومن دون خوض سباق مع أحد. لا أحب المخاطر وأهرب من احتمالات الإصابة بالجروح والشلل.
[في يوم آخر]
أقود دراجتي الهوائية متوجهاً إلى الريف. ريف دولة اسمها كازخستان.. يلزمني ثلاث ساعات للوصول إلى هناك. وبفضل دراجتي الغالية الثمن العالية الجودة لا أحتاج سوى ساعة. ولا آبه لحرارة الشمس، معي مطارة ماء. أشرب منها كلما عطشت.
أصل هناك. ولا أرى أحد.. يبدو أن أهل القرية الريفية قد غادروا ولم يبق أحد فيها. معهم ذوق! لقد عرفوا أني قادم فأخلوا المكان لي؛ لأنهم يعرفون أنني لا أحب مخالطة الناس ولأني لست إنساناً اجتماعياً بل إنسانا مكتفياً بنفسه وبالأفراد الذين يخترعهم عقلي الصارم الغارق في حب الذات.
المباني مهجورة، ولكن هناك مؤسسة حكومية مشرعة أبوابها. أركن الدراجة الهوائية أمام المبنى.. لا أخاف عليها من السرقة؛ لأن المنطقة خالية من الناس. رأيت المزيد من الغرف والأبواب المغلقة والصمت مستحوذاً على المكان. أكثر ما شد انتباهي أن المياه المنسكبة من حنفيات الحمام رقم (أ) ساخنة مكونة بحيرة منخفضة يصل مستواها إلى قدمي. ليس علي أن أخشى الغرق. الحمام رقم (أ) نظيف للغاية وفيه مناشف نظيفة وجافة لم يستعملها أحد: سوف أستحم بالمياه الساخنة النظيفة: فأنا من محبي الاستحمام بالمياه الساخنة. بعدما خرجت من الحمام رقم (أ) قلت لنفسي: نعيماً!.
[في يوم آخر]
ذهبت إلى ملعب ميونخ من أجل تشجيع حبيب القلب "البايرن" وسط آلاف المشجعين وبعد انتهاء المباراة خرجت من الملعب واشتريت نقانق من طاهي ألماني يبيع النقانق على الطريق. تسليت بالتهام النقانق. تمنيت لو أقدم قطعة صغيرة من النقانق للهامستر الذي كان أحد أبطال قصصي.
لا ريب أن أشجار ميونخ تعطيني شعوراً ناطقاً بسحر الغابات. غابات الصنوبر! يا إلهي! إني أمر بينها الآن. ولكني أخاف من الدب الأسود الذي قد يظهر فجأة فيأكلني.
حسناً إذن! سأذهب إلى المقهى. الأسعار الغالية!.. ولكن لحسن الحظ معي نقود أشتري بها فنجان قهوة. حرصت على ملأ الركوة بالسكر؛ كي أستسيغ مذاق القهوة ووضعت في فنجاني اصبع الشوكولاته: الكيت كات . الوقت تأخر! علي بالمغادرة والانصراف.
عدت بدراجتي الهوائية إلى بلادي الصحراوية الحارة التي يقولون عنها: بلاد ألف ليلة وليلة. ومررت في طريق العودة بنافورات دمشق ، الشمس تحب مشاهدة عمود النافورة الذي تنبثق منه المياه وتبق بق في حوض النافورة.. يا سلاااااااام. كل هذا قد تحقق لي بفضل دراجتي الهوائية.