بعد ربع قرن (25 سنة) من عيش تلك الحياة المليئة بالأمور والأحداث والمواقف والذكريات والكثير من الأشياء السعيدة والتعيسة منها، 25 سنة قضيت بها الكثير والكثير والكثير من الوحدة، وقمت بالكثير من القرارات الفاشلة وسيرت العديد من الطرق الخاطئه، ذرفت دموعًا ملئت نهر كسوري وجروحي، وتألمت على أدق تفاصيل يمكنها أن تخدش ضحكتي، سارقه بريق عيني وبراءة ابتسامتي، كنت ناجحًا في الحزن على الأشياء، ولكني ايضًا خُذلت الكثير والكثير من المرات، تعلمت دروسًا كنت راسب في اختبارتها، وحاولت محاولات يائسة نحو بعض الآمال الزائفة، ومُلئتَ بالندوب التي لا تختفي، وأبوابي طرقها قاتلي القاسي ذو الجرائم المتسلسلة، ومررت ببعض الأوقات البطيئة وكأن ساعتي أصابتها الشيخوخة.
أعلم أنني لستُ مثاليًا او حتى قريب من ذلك، أعلم بأنني مليء بالنتوءات والندوب التي شوهت بقايا نفسي، شوهت حروف أسمي وسلبت نقاطي ومعاني وجودي، ربما سأعيش سنوات أخرى مجهولة أعلم بها أنه لا يمكنني الاستسلام مهما حدث وسأستمر بالمحاولات حتى وان كانت فاشلة، تلك السنين التي مضت سريعة لا يمكنها العودة وحتى ان عادت فلن أعود أنا، فقد قضيت أواخر السنين أبحث عني ولم أجدني.
لا أنكر بالطبع أن خلال كل تلك السنين كان هناك الكثير والكثير من اللحظات السعيدة، والأوقات الممتعة، ربما لا الاحظ سوى فقط اللحظات السيئة ورؤيتي للحياة سوداوية وباهته، ولكني عشت الأوقات الفرحة التي لا أستطيع نكران وجودها، ومن قلبي ممتن على كل هذه اللحظات ومسبباتها سواء كانت أماكن أو أشخاص أو أشياء اخرى.
ما اتمناه بداية هذه السنة الجديدة من حياتي وكل تلك السنين القادمة إن أتت أن لا أخسر المزيد، المزيد من اي شيء، المزيد من نفسي بالادق، فلا أريد سوى السلام والطمأنينة وحياة هادئه تمضي لياليها دون ماء تتسرب من عيني أو أمور تكسر قلبي، تمضي دون أن أخسر أشخاص أحبهم متعلقًا من رقبتي بهم أو خذلان جديد أشعر من خلاله بالشفقه والندم، سنين تكون أكثر أنارة وأكثر رضى، تكون أكثر نضارة بدون تلك الورود الميتة، وأتمنى بأن جهلي وعدم إدراكي لا يجعلني أخسر نِعَم أملكها والتي يتمناها غيري، وأمل أن أستطيع تعلم مهارات جديدة وأن أحقق ولو القليل من الأمور التي رغبت بها وتخيلتها مرارًا وتكرارًا بالإضافة إلى التخلص من ضعف حقي من الفراغ!
انا لا ابحث عن الكمال او المثالية المطلقة، بل ابحث عن الرضى، عن ما يدفيء قلبي ويدخل السرور إلى نفسي حتى وان كانت أمور بالكاد تُرى لصغرها ولكن ان لامست قلبي بالمشاعر الجيدة هذا يكفيني.
وأخيرًا أضيف أن الوحيد الذي أكن له الكثير من الامتنان والشكر هو الله، فهو الوحيد الذي لم أشعر أنه تخلى عني رغم عدم استحقاقي لأي شيء يقدمه لي، فأنا لم أكن أستحق تلك الـ25 سنة ولم أستحق النِعَم والمميزات التي كانت بها، كنت مُستهترًا لأقصى حد وهو كان يحبني لأبعد من ذلك، كنت سيئًا ومُسيئًا وهو كان مُحبًا ورحيمًا.
فشكرًا لله أولًا على كل شيء.. على 25 سنة مضت لم يتركني ولم يغفل عني.. وأحبني ووهبني وأنعم عليّ بمعاني لا تُعلم ولا تُدرك عن الحب والعطاء.
شكرًا لأسرتي، وإلى أبي وأمي اللذان مهما تحدثت لم ولن اوفي عرفناهم وتضحياتهم وما قدموه إلي من الكثير.
شكرًا لمن أحببتهم، لمن تعلقت بهم، لمن اخترتهم ورفعت مكانتهم لدي..
شكرًا لكل من ساعدني ولمن حاول مساعدتي.. لمن أحبوني وقبلوني واهتموا بي في بعض الأوقات..
وشكرًا لنفسي.. لأنها مازالت.. صامدة..
ربما يومًا ما تزور أيامي قطرة نجحت في الوصول قبل ما ان تتلاشى وتضمحل بسبب الرياح، فتروي عظام قد ملت الأنتظار وجف حلقها من النداء.. لقد كانت حياة مرهقة مليئة بالجمال والهراء، حياة اعلم انها لا تريدني وانا بالمثل ما ابغاه، تواطأت وتباطأت خطوات تلك السعادة نحوي، لعلها ترفض زيارة تلك الحقول والمعاني وبعض أركان الحياة.
تمت